استعد لحرب العراق الرابعة!

الأربعاء 22 أكتوبر 2014 07:10 ص

من جون ناجل - يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجه لتكرار نفس أخطاء الماضي في حروبها الثلاثة في العراق ما يُنبيء بحرب رابعة قد تضطر واشنطن خوضها؛ هكذا يرى أحد أبرز الضباط الأمريكيين الذين شهدوا الحرب الأولى والثانية ميدانيًا ويراقب الثالثة التي لم تنته بعد عن كثب.

وبحسب هذا الضابط فإن الحرب الأولى في العراق كانت ضرورية وتمت بالصورة المطلوبة. والحرب الثانية لم تكن ضرورية وتمت بصورة ضعيفة في باديء الأمر لكن انتهى بها المطاف في مكان معقول بالنظر إلى الإخفاق الذي أصاب بدايتها. أما الحرب الثالثة فقد كان من الممكن تجنّبها تمامًا، وقد كان السبب فيها رحيل القوات الأمريكية في وقت سابق لآوانه عن العراق في أعقاب الحرب العراقية الثانية. وعلى الرغم من إنه من السابق لآوانه التكهن بالطريقة التي ستنتهي بها إلا إنه في المقابل نستطيع أن نقول: مالم نحصل على حق إنهاء اللعبة؛ فإن الولايات المتحدة ستدخل حربًا رابعة في العراق قبل وقت ليس ببعيد.

وعن تاريخ الحروب الماضية يقول الضابط البارز؛ أول حرب لي في العراق كان «عاصفة الصحراء»؛ عندما انضم أكثر من نصف مليون جندي أمريكي للتحالف لطرد جيش الرئيس السابق «صدام حسين» خارج الكويت عام 1991م. وعلى الرغم من أن هذه الحرب بدا أنها عالجت بعض الأمور في ذلك الوقت، فإنه في غضون أشهرٍ من وقف إطلاق النار صار من الواضح أن «صدام حسين» قد استطاع التغلب على الضربات التي تلقتها قواته، وبدا أنه في حصن من تأثيرات أي قوات شعبية تتمرد ضده. بدأنا عشر سنواتٍ من تضييق الخناق في عملية سُمّيت «عملية المراقبة الجنوبية» تتمثلُ في فرض مناطق حظر الطيران فوق جنوب العراق، والتعامل مع أي طائرات حربية عراقية تنطلق على مدار الساعة؛ وذلك لإعاقة «صدام» من التفكير في أي مغامرة جديدة.

استمرت «عملية المراقبة الجنوبية» حتى مارس 2003م حيث ازدادات وتيرة عمليات القتال بكثافة خلال حرب العراق الثانية. بدأت عملية «تحرير العراق» في جوٍ من الذُعرِ فرضته هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م ضد العاصمة واشنطن بجانب هجمات منفصلة بالجمرة الخبيثة المرعبة. «صدام» كان يعمل على تطوير أسلحة دمار شامل – بحسب ما وصلنا – وأرادت واشنطن أن لا تتفاجأ يومًا ما بانتهائه من تصنيعها خاصة بعد أن تلبدت سماء نيويورك وواشنطن بالغيوم فأقدمت على غزو العراق ثانية في وقت لم يكن ضروريًا، وغير عابئة بأن «صدام» قد يستخدم ما أنجزه من سلاحه ضد القوات الأمريكية.

لم تكن فقط حربًا غير ضرورية لكنها كانت أيضًا فقيرة ودون المستوى؛ فالعراق كان عبارة عن ثلاث أممٍ مختلفة داخل دولة واحدةٍ في قبضة ديكتاتورية وحشية. وعلى الرغم من التحذيرات المُسبقة بأن الأمن العراقي سيحتاج إلى مئات الالاف من القوات لمساعدته بعد انهيار الحكومة لكننا غزونا العراق مُتجاهلين تلك التحذيرات. لم تكن لدينا خطة تقضي بإنشاء نظام عراقي جديد لما بعد الحرب، أو حتى لتأمين مستودعات الأسلحة الضخمة التي كانت السبب الرئيسي لدخولنا العراق. القرارات التي تم اتخاذها على الفور بحل الجيش العراقي وحظر أعضائه السابقين وأي عضو من حزب البعث العراقي السابق من تولي أي سلطة سكب الزيت على جذوة التمرد السنية لتُطلق لهيبها. وبدلاً من العودة للبيت خلال أجازات أعياد الميلاد، فإن قوات الغزو طُلب منها إمدادات عسكرية وكان من بينها كتيبة الدبابات التي أخدم فيها.

ويواصل كلامه بالقول: وصلنا الأنبار سبتمبر/أيلول 2003 لندخل مباشرة إلى بؤرة التمرد، وعلى الفور اكتشفتُ أن تدريبات ما قبل الحرب التي خضعنا لها استعدادًا لمحاربة الجيوش الأخرى لن تُجدي سوى نفعًا يسيرًا، فقد كنا نحارب متمردين أشبه بأسماكٍ تسبح في بحر من الناس – سنّة يكرهوننا ويكرهون أسيادهم الجدد الشيعة في بغداد على اعتبار أنهم متعاونون مع المحتلين.

ازدادت الأمور سوءًا؛ فقد وصلتنا أخبار تفيد بتعاون «صدام» مع «القاعدة»، ولكنها لم تكن صحيحة. وفي فترة فراغ السلطة بعد رحيل «صدام» وجد الإسلاميون المتشددون موطئ قدم لهم. أطلقوا على أنفسم اسم تنظيم «القاعدة في العراق» وزادوا من تطوير الأسلحة التي نشروه والوسائل التي استخدموها ضد القوات الأمريكية وضد بعض المنشئآت العراقية مثل تفجير قسم شرطة الخالدية الذي خلّف 34 ضابط شرطة عراقي مُدرّب ومُسلح. عندما غادرت كتبية الدبابات التي كنت أخدم فيها العراق بعد عام من القتال صنعنا أكواب قهوة نُقش عليها: ”العراق 2003-2004؛ كنا ننتصر عندما غادرنا“.

والحقيقة أننا لم نكن كذلك، وقد أدركنا ذلك. التحقت بالبنتاجون للعمل والتقيت مُجددًا بـ«ديفيد بتريوس» – أستاذي السابق بأكاديمية ويست بوينت العسكرية – وقد كان آنذاك فريقًا بالجيش قد عاد لتوه من الحرب الثانية في العراق. وخلال عام 2006م ساعدته في وضع الدليل الميداني للقوات المنوط بها مواجهة التمرد. وبدأ الجنرال «ديفيد بتريوس» - الذي اختير قائدًا للقوات الأمريكية في العراق – آلية جديدة لمواجهة التمرد، وشرع في بناء جيش عراقي جديد، ونجح في نهاية المطاف في إقناع السنة – الذين كانوا أعدائنا – بأن ينضموا إلينا لمواجهة تنظيم «القاعدة» العراقي الذي يتعاظم خطره ووحشيته من وقتٍ لآخر. وخلال 18 شهرًا تراجع العنف بمعدل الثُلث، ووضعنا العراق على الطريق نحو الاستقرار (إن لم تكن ديمقراطية كاملة).

لقد سيطر علينا الإحباط بسبب انتصارٍ غير مكتمل عندما لم نسمع للمستشارين الذين طلبوا عدم مغادرة قوة مُكونة من 20 ألف جندي أمريكي لتقوية العمود الفقري للجيش العراقي، وربما الأهم من ذلك عدم النجاح في تخفيف نزعات العداء للسنة لدى السياسيين الشيعة. لكن بمجرد وصوله إلى رئاسة البيت الأبيض؛ رفض الرئيس «أوباما» نصيحة وزير الدفاع الأمريكي السابق «ليون بانيتا» وووزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون» و«ديفيد بتريوس» الذي كان قد وصل إلى رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. «أوباما» نصحه مستشاروه بالبقاء على القوات في العراق، لكنه اختار الوفاء بوعد الحملة المتمثل في إنهاء الحرب في العراق خلال فترة رئاسته الأولى. لقد تخلى «أوباما» عن الدولة التي ظل الأمريكيون يحاربون بها ويعملون لمدة أكثر من 20 عامًا في محاولة لبناء دولة تنعم بالاستقرار.

وفي غيابنا؛ استسلم رئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» لأسوأ نزعاته الطائفية؛ حيث قام بالتخلص من القادة السنّة في الجيش العراقي، واستبدلهم بأصدقائه الشيعة الغير مؤهلين. عاد تنظيم «القاعدة» عبر الحدود السورية، واشتعلت حربٌ طائفيةٌ في الوقت الذي لا تُوجد فيه الولايات المتحدة لتتدخل. وخلال العام الحالي؛ خرج للنور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليسيطر على معظم مناطق السنة في العراق.

الرجال الذين وضعهم «المالكي» في الجيش فروا هاربين تحت النيران، وتفكك الجيش العراقي - الذي تكلّف إنشاؤه مليارات الدولارات بالإضافة إلى حياة العديد من الجنود الأمريكيين وأطرافهم – في غياب سلاح الجو الأمريكي والدعم الاستشاري. وخلال سنتين عاشهما العراق بدون تدخلٍ أمريكي في الصراع وقعت مآسي، وقد أعلن الرئيس «أوباما» الشهر الماضي عن عودة القوات الأمريكية للعراق لتبدا حربًا جديدةً هناك؛ هذه المرة ضد «الدولة الإسلامية».

وفي ظل وقوف الحظ معنا؛ تعلمنا القليل خلال هذه العقود من الحرب في العراق: العدوّ هو صاحب كلمة إنهاء الحرب، وفي غياب القيادة الأمريكية فإن قُوى الشر ستصل للسلطة وعلينا أن نعود ثانيةً لإعادة الأمور إلى نصابها، وهذه الحروب تتسم بالفوضى والبطء وطول الأمد. وفي النهاية؛ فإنه ما لم نحصل على حق إنهاء اللعبة فمن المُتوقع حربًا رابعةً في العراق. أنا لست متفائلاً.

المصدر | جون ناجل، فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

صدام حسين القاعدة أمريكا أوباما العراق نوري المالكي الدولة الإسلامية

«أوباما» لقادة جيوش التحالف: الحملة على «الدولة الإسلامية» ستكون "طويلة الأمد"

الحرب على «داعش»: المسلحون يتقدمون واستراتيجية أمريكا الجوية يُرثى لها

استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا ضد «الدولة الاسلامية» لا تبشر بالنجاح

التحالف من دون استراتيجية وبلا سوريين

«أوباما»: المخابرات الأمريكية استهانت بتنظيم «الدولة الإسلامية»

أوباما يرسل 300 جندى إضافى للعراق وتكهنات بضربة جوية أمريكية