الحرب على «داعش»: المسلحون يتقدمون واستراتيجية أمريكا الجوية يُرثى لها

الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 10:10 ص

خِططُ الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» صارت في حالة يُرثى لها في الوقت الذي بات فيه عناصر التنظيم المسلحين على مقربة من الاستيلاء على مدينة «عين العرب» بعد أن ألحقوا هزيمة ثقيلة بالجيش العراقي غربي بغداد؛ بحسب ما ذكره الكاتب «باتريك كوكبيرن» في مقاله بصحيفة «الإندبندنت» البريطانية.

وتطرق الكاتب إلى القول بإن الهجمات الجوية التي بدأتها الولايات المتحدة ضد «الدولة الإسلامية» المعروفة باسم «داعش»  في 8 أغسطس/آب الماضي في العراق و23 سبتمبر/أيلول في سوريا لم تؤت ثمارها، وإن خطة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» التي اعتمدت استراتيجية ”تفكيك ومن ثمّ تدمير“ التنظيم لم تُقدّم أي نجاح؛ فعلى العكس نجح التنظيم المسلح في السيطرة على مناطق سوريّة وعراقيّة في الوقت الذي كان يُنتظر فيه إيقاف تقدمه.

تقدم «الدولة الإسلامية» في مدن سورية وعراقية

وخلال الأيام القليلة الماضية دفعت «الدولة الإسلامية» بتعزيزات قوية نحو مدينة «عين العرب» – على الحدود السوريّة التركية - لضمان تحقيق نصرٍ حاسمٍ ضد من تبقوا يدافعون عن البلدة السورية الكردية. ونوّه «كوكبيرن» إلى أن التنظيم على أهبة الاستعداد لتحمّل خسائر فادحة – من وراء حرب شوارع يخوضها وهجمات جوّية يتلقاها – من أجل ضمّ «عين العرب» إلى سلسلة انتصاراته التي حققها على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة منذ استيلائه على مدينة المُوصل؛ ثاني أكبر مدن العراق في 10 يونيو/حزيران الماضي. جزءٌ من قوة الحركة الأصولية تكمن في وجود إحساس بأنها شيء لا مفر منه وأن انتصاراتها هبةٌ سماوية سواءٌ أواجهتهم أعدادٍ كبيرة في الموصل أو قوات جوية أمريكية في «عين العرب». 

وأمام نصرٍ مُرجّحٍ لعناصر «الدولة الإسلامية» في «عين العرب»؛ فإنّ المسئولين الأمريكيين يحاولون شرح أبعاد فشلهم في إنقاذ الأكراد السوريين في المدينة؛ والذين يُعتقد أنهم أقوى معارضين في سوريا لمواجهة التنظيم. «نركز في سوريا على تفكيك قدرة الدولة الإسلامية وإضعاف مواردها وتمويلها. الواقع المأساوي يشير إلى أنه في أثناء قيامنا بتلك المهمة فستصبح أماكن مثل عين العرب غير قادرة على الوقوف أمامهم»؛ هكذا برر نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي «توني بلينكن» الموقف في مشهد نموذجي من الفكاهة لإخفاء الهزيمة على حد وصف «كوكبيرن». 

ولسوء حظ الولايات المتحدة لم تعد مدينة «عين العرب» الوحيدة التي فشلت الغارات الجوية في إيقاف تقدّم «الدولة الإسلامية» نحوها. خلال هجمات التحالف في العراق 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي استولى التنظيم المسلح تقريبًا على جميع المدن والبلدات في محافظة الأنبار - منطقة شاسعة في غرب العراق تشكل تقريبًا ربع البلاد - بالإضافة إلى مدن مثل (هيت) و(كبيسة) و(الرمادي) عاصمة المقاطعة؛ والتي شهدت حربا طويلة. كما سقطت مدن أخرى وبلدات بالقرب من نهر الفرات - غربي بغداد - في غضون أيام قليلة في ظل مقاومة لا تُذكر من الجيش العراقي الضعيف رغم مساندة الضربات الجوية الأمريكية.

واليوم؛ فقط مدينة (حديثة) وقاعدتين – قاعدة الأسد العسكرية بالقرب من هيت ومعسكر ميرزا خارج الفالوجة – ما تزال بيد الحكومة العراقية. وفي دراسته بعنوان: ”انهارت القوات الأمنية العراقية وسيطرت الدولة الإسلامية على معظم مدينة الأنبار“ استنتج «جويل وينج»: «كان نصرًا كبيرًا فقد أعطى المتمردين سيطرة حقيقية على الأنبار، وأصبحوا في وضعية تسمح لهم بتصدير التهديدٍ إلى غربي بغداد».

معركة الأنبار – المحافظة التي كانت قلب التمرد السني ضد الاحتلال الأمريكي بعد عام 2003م - انتهت بانتصار حاسم لتنظيم «الدولة الإسلامية». لقد استولى التنظيم على جزءٍ كبيرٍ من الأنبار في يونيو/حزيران، وفشلت الهجمات الحكومية ضده فشلاً ذريعًا في الوقت الذي سقط فيه قرابة الخمس آلاف ضحيّة في أول ستة أشهر من العام، بالإضافة إلى نزوح نحو المليون ونصف من سكان الإقليم ليعيشوا كلاجئين. وقد يكون هدف التنظيم التالي المناطق السنيّة في الجوار والتي تقع جنوبي بغداد؛ مستهلّين بأبي غارب في الضواحي التي تؤدي مباشرة إلى قلب العاصمة بغداد.

وتدّعي الحكومة العراقية وحلفاؤها الأجانب شعورها بالراحة بعد أن حققوا تقدمًا لا يُذكر ضد «الدولة الإسلامية» في وسط وشمال البلاد بحسب الكاتب الذي يفنّد أي نجاحٍ حققه الجيش العراقي وحلفائه الغربيين في الشمال والشمال الشرقي من بغداد وينسب الفضل للميليشيات الشيعية الطائفية؛ والتي – في الأساس - لا تُميّز بين «الدولة الإسلامية» وبقية السكان السنة. وتتحدث الميليشيات الشيعية العراقية – علانيةً – عن تخلّصهم من السنّة في المحافظات المختلطة مثل (ديالي) التي سيطروا عليها. وخلاصة القول إن المواطن السنّي ليس أمامه سوى الانضمام لعناصر «الدولة الإسلامية» أو الفرار إذا كان يريد البقاء على قيد الحياة.

نفس الأمر بالنسبة لشمال غرب الموصل - على الحدود مع سوريا – حيث نجحت القوات الكردية العراقية في استعادة معبر "ربيعة" الحدودي الهامّ لهم في ظل مساعدة من غطاء ضربات جويّة يشنها سلاح الجو الأمريكي، ولم يتبق مواطن سنيّ واحد في المدينة؛ فالتطهير العرقي والطائفي أصبح أمرًا مألوفًا في الحرب على العراق وسوريا.

الفشل الأمريكي في الحفاظ على  «عين العرب» – في حالة سقوطها – لن يكون مجرد كارثة عسكرية لكنها ستكون أيضًا سياسية. بالطبع؛ فالظروف المُحيطة بخسارة المدينة المُحاصرة أكثر دلالةً من عجز الضربات الجوية التي فشلت حتى الآن في وقف استيلاء «الدولة الإسلامية» على نحو 40% من المدينة. مع بداية الهجمات في سوريا؛ تباهى الرئيس «أوباما» بتشكيل تحالفٍ يضم القوى السنّيّة مثل تركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات والبحرين للوقوف في وجه «الدولة الإسلامية»، لكن كل واحدة منهن كان لها أجندات مختلفة تجاه الولايات المتحدة، ولم يكن القضاء على «الدولة الإسلامية» على سُلّم أولوياتها. الممالك العربية السنية لا تحب «الدولة الإسلامية»؛ والتي تهدد الوضع السياسي الراهن كما عبر عنها مراقب عراقي: «هم يريدون توجيه الدولة الإسلامية لخلق مشكلات تشغل الشيعة بدلاً من أن تشغلهم هم».

شروط تركيا 

من بين الدول التي من المفترض أنها توحدت ضد «الدولة الإسلامية»، تركيا التي تشارك سوريا بحدود تمتد لمسافة 510 ميل استغلها متمردون ينتمون لخلفيات مختلفة – من بينهم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النُصرة» – في العبور بين البلدين بسهولة في السابق. في العام الجاري عزز الأتراك من إحكام قبضتهم على الحدود، لكن منذ سلسلة النجاحات التي حققتها «الدولة الإسلامية» في الصيف فإنها ما عادت بحاجة لملاجيء أو امداداتٍ أو متطوعين من الخارج فقد اكتفت ذاتيًا. 

وخلال الأسبوع الماضي؛ بدا واضحًا أن تُركيا تنظر إلى الأكراد السوريين على أنهم منظمات سياسية وعسكرية - حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب - في الوقت الذي يُشكّلون فيه تهديدًا لها أكثر من الأصوليين الإسلاميين. علاوة على ذلك؛ فإن حزب الاتحاد الديمقراطي هو فرعٌ لحزب العمال الكُردستاني؛ والذي يكافح من أجل منطقة حكم ذاتي في تركيا منذ 1984م.

ومنذ انسحاب القوات الحكومية السورية من المناطق الكُردية السوريّة أو من الأقاليم الواقعة على الحدود مع تركيا في يوليو/تموز 2012م وتتوجس أنقرة خيفة من تأثير الحكم الذاتي للأكراد السوريين على 15 مليون كُردي يعيشون على أراضيها.

الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» – بحسب «كوكبيرن» – يُفضل سيطرة «الدولة الإسلامية» على «عين العرب» وليس حزب الاتحاد الديمقراطي. عندما قام خمسة من أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي بالتطوع لمحاربة «الدولة الإسلامية» في «عين العرب» وألقى الجيش التركي القبض عليهم لعبور الحدود الأسبوع الماضي وُجّهت إليهم اتهامات بأنهم ”إرهابيون انفصاليون“.

وتطلب تركيا من الولايات المتحدة ثمنًا باهظًا لتعاونها في الحرب ضد «الدولة الإسلامية»؛ يتمثل في: منطقة عازلة تحت لاسيطرة كردية داخل سوريا حيث يُمكن لللاجئين السوريين أن يعيشوا وللمتمردين السوريين ضد بشار الأسد ان يتدربوا.

«أردوغان» يريد منطقة حظر جوّي يُمكن استخدامها ضد الحكومة في دمشق ما دامت «الدولة الإسلامية» لا تمتلك سلاح جو. وفي حالة الموافقة على هذا الأمر فإن ذلك يعني أن تركيا – بدعم من واشنطن – قد تدخل الحرب الأهلية السورية في جانب المتمردين رُغمَ أن القوات المحاربة للأسد يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» التابعة للقاعدة.

ومما يجدر أخذه بعين الاعتبار أن العمليات التركية في سوريا منذ 2011م هو دفاعٌ عن النفس مزج بين العجرفة وسوء التقدير. مع اندلاع الثورة كان بإمكانها أن توازن بين الحكومة ومعارضيها، لكنها بدلاً من ذلك دعمت تسليح الأزمة بدعمها للجهاديين معتقدة أن هزيمة الأسد وشيكة. لم يحدث ما توقعته أنقرة وسيطر جنرالات طائفيون – أوجدتهم ظروف خلقتها تركيا - على الثورة الشعبية. ويعتقد «أردوغان» أنه يمكنه تجاهل غضب الأكراد الأتراك في وقتٍ هم يرونه فيه شريكًا مع «الدولة الإسلامية» ضد أكراد سوريا. الغضب في صدور الأكراد يغلي - بعد موت 33 من أبناء جلدتهم في سوريا - ولن يبقَ حبيس الصدور في حالة سقوط "عين العرب".

لماذا تظهر أنقرة وكأنها غير قلقة على انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني؛ والتي أوقفت إطلاق النار منذ 2013م؟ ربما لأنها ترى تورط الحزب بشدّة في قتال «الدولة الإسلامية» في سوريا؛ ومن ثمّ فهي على يقين بأنه لن يعود إلى الحرب مع الحكومة في تركيا. من ناحيةٍ أخرى؛ إذا انضمت تركيا إلى الحرب الأهلية في سوريا ضد نظام «بشار الأسد» – رجل إيران الحرج – فإن القادة الإيرانين قد سبقوا بإعلان ردّ فعلهم عندئذِ: ”تركيا ستدفع الثمن“؛ وهذا يعني - في غالب الأحوال – أن إيران سوف تدعم ثورة كردية مُسلحة داخل تركيا. صدّام حسين ارتكب نفس الخطأ عندما غزى إيران عام 1980م، ما اضطر إيران لإعادة إشعال فتيل الثورة الكردية التي تسببت في إجبار بغداد على إسقاط اتفاقية 1975م التي وقعتها مع الشّاة.

ويختتم «كوكبيرن» مقاله في «الإندبندنت» بالقول إن التدخل العسكري التركي في سوريا ربما لا يضع حدًا للحرب، لكنه قد ينشر الاقتتال داخل تركيا.

المصدر | باتريك كوكبيرن، الإندبندنت

  كلمات مفتاحية

عين العرب الدولة إسلامية التحالف الدولي تركيا الأكراد

حب الأكراد المستجد!

«أوباما» وقادة عسكريون من 20 دولة يبحثون خططهم لمواجهة «الدولة الإسلامية»

من أجل «كوباني» أم من أجل «الأسد»؟

بعد نجاحها فى آمرلي: إيران تعرض التدخل في «عين العرب» وتخشى مزاحمة تركيا

«ديمبسي» يتوقع سقوط «عين العرب» والولايات المتحدة ليست مهتمة بحمايتها

أولاند يبلغ أردوغان دعمه لمنطقة عازلة بين تركيا وسوريا .. وغارات أمريكية إماراتية قرب «عين العرب»

استعد لحرب العراق الرابعة!

نحو استراتيجية عربية ضد الإرهاب

هذه الحرب الغبية!

التكلفة المرتفعة للحرب الجديدة

أوباما: تعزيز القوات الأمريكية في العراق مرحلة جديدة

رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة يصل إلى العراق

صراع الحكومة العراقية و«داعش»: بين «وزارة التفويض» و«إمارة الاستيلاء»