الانتخابات في منبع الربيع العربي: تركيز على "فرص العمل" وليس "الجهاد"

الأحد 26 أكتوبر 2014 07:10 ص

في متابعة لصحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» لللانتخابات التشريعية التونسية التي بدأت اليوم الأحد استهلت الصحيفة كلامها بالقول إن تونس مثلها مثل أي بلد عربي جل أمانيه السلام والديمقراطية  ويظهر ذلك في الملصقات واللافتات الانتخابية التي تملأ الشوارع.

لكن الصحيفة تستدرك إن حملة شهادات الدبلومات قاموا بوضع صورٍ ضوئية لشهاداتهم فوق تلك اللافتات الانتخابية بعد أن أضافوا عليها كلمات من قبيل: «لقد نسونا»، وهذا يدّل – بحسب الصحيفة – أن الثورة التونسية 2011م لم تؤت ثمارها بعد، وأن ما زال أمامها الكثير لتؤديه.

اليوم الأحد؛ اصطف التونسيون منذ الصباح الباكر أمام اللجان الانتخابية لاختيار برلمانٍ جديدٍ يحل محل الهيئة الانتقالية الحالية؛والتي تولت المهمة عقب ثورة 2011م التي أطاحت بالديكتاتور السابق زين العابدين بن علي، وكانت شعلة العديد من الثورات التي شهدتها المنطقة، والتي صارت تُعرف باسم «الربيع العربي».

وتجدر الإشارة إلى أن مسار انتقال تونس نحو الديمقراطية يتضمن إجراء انتخابات رئاسية في وقت لاحق من العام الجاري، الأمر الذي يُعدّ نموذجًا مُغايرًا لما يحدث من ركود وأزمات في دولٍ أخرى.

واختصت الصحيفة بالذكر مصر؛ مُشيرة إلى أن الجنرال «عبدالفتاح السيسي» – الرئيس الحالي – قاد انقلابًا عسكريًا العام الماضي ضد الرئيس الإسلامي المُنتخب «محمد مرسي» مُعرقلاً محاولات بناء دولة ديمقراطية. وليبيا بعد سقوط نظام العقيد «معمر القذافي» سقطت في آتون الصراع بين الحكومات المتنافسة المدعومة من مليشيات مسلحة.وسوريا اندلعت بها حرب أهلية، وغطت شوارعها دماء المجازر التي ارتكبها تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي نهب كل ما وقع في طريقه خلال رحلته في العراق وسوريا.

ولم تعاني تونس مثل هذه التوترات؛ والسبب يرجع إلى عدم وجود سوى حركة جهادية صغيرة – لكنها خطيرة - حيث يشتبك أفرادها من حين لآخر مع الأمن، ويتحولون إلى ساحات القتال في كلٍ من العراق وسوريا. فليل مدينة القصرين التونسية تعكر صفوه نيران المدفعية الموجّهة صوب «جبل الشعانبي» التي تقول السلطات إن الجهاديين يتحصنون به منذ عام 2012.

وتشهد المدن التونسية اليوم تشديدات أمنية عالية ما انعكس على حركة المرور التي اتسمت بالبطء في كثيرٍ من المناطق.

وتتمثل المعارك الأساسية داخل تونس في الانتخابات؛ فهناك حزب النهضة الإسلامى المعتدل وخصومه العلمانيون خاضوا عام 2011م انتخابات كان عنوانها الهوية السياسية، لكنهم اليوم يواجهون ناخبين يهتمون بالوظائف أكثر من الأيدلوجيات. ومن المتوقع أن يضع البرلمان القادم الدستور التونسي الجديد موضع التنفيذ كأساس للإصلاحات الرامية إلى تأسيس مجتمع ديمقراطى أكثر انفتاحًا.

تقاسم السلطة على الطاولة

وبالفعل؛ فإن هذا التحدّي دفع الأحزاب الرئيسية إلى الحديث عن التحالف، فالنهضة الذى شكل حكومة ائتلافية مع حزبين علمانيين عقب انتخابات 2011م، شهد تراجعًا فى شعبيته لتصل إلى 31% فقط بحسب استطلاع أجراه مركز «بيو» الأمريكى منتصف الشهر الحالي. وقد قاطعت أحزاب المعارضة العام الماضي الانتخابات البرلمانية المؤقتة لتُجبر حزب النهضة ليتنازل عن السلطة لصالح حكومة مؤقتة.

ويقول حزب النهضة إنه يفضل وجود حكومة تعمل كمظلة كبيرة تتجاوز الخطوط الإيديولوجية بالإضافة إلى مشاركة اتحاد النقابات بشأن شئون الحكم. لكن منافسه الأساسى العلمانى «نداء تونس» يقول إنه يمكن أن يتشارك السلطة مع أحزاب من نفس التوجه، ولم يتواصل مع النهضة بشكل معلن.

وتوقعت الصحيفة أن تستمر خطوط الصدع الموجودة؛ حيث نقلت عن مسئول بحزب «نداء تونس» إن حزبه والنهضة يمثلان جانبان متعارضان فى صراع إقليمى بين الإسلاميين والعلمانيين. أمّا «عبد الحميد جلاسى» - نائب رئيس حزب النهضة - فيرفض تلك الملاحظة، مُفرّقًا بين «قوى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقوى الرجعية».

واتفقت «النهضة» و«نداء تونس» من قبل على إنهاء الأزمة التى شهدتها البلاد العام الماضى، وربما يجدان سبيلاً للتعاون مجددًا. وتحتاج تونس إلى إصلاح مؤسسات الدولة، وإلغاء القوانين القمعية القديمة، ومحاولة معاقبة المسئولين عن الانتهاكات السابقة ومحاربة الحركة الجهادية.

التحدي الاقتصادي

وفي الوقت ذاته؛ فإن الاقتصاد التونسي مليءٌ بالقواعد البيروقراطية التي تعوق حركة الاستثمار، وتمنع خلق وظائف في الوقت الذي كان يعمل فيه النظام الاقتصادي في عهد الرئيس «زين العابدين» بن علي على تقوية النخبة الصغيرة، وتركيز الثروة في المدن الساحلية، بحسب تقرير البنك الدولي 17 أكتوبر 2014م. الفجوة في توزيع الثروات، تفشي البطالة، وكذلك ممارسات القمع قد أسهمت بما لا يدع مجالاً للشك في إشعال فتيل ثورة 2011م.

وبحسب «أنطونيو نكفورا» – الخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي – فإن الشركاء الدوليين لتونس: «يريدون مساعدتها على تجاوز المشكلات الهيكلية التي قوّضت الآداء الاقتصادي، وأشعلت التوترات الاجتماعية. التونسيون يريدون تغييرات جوهرية».

ويطالب التونسيون – بصفة خاصة – بفرص عمل. وبحسب استطلاع المعهد الديمقراطي الوطني الصادر في 19 أغسطس إن البطالة ومشكلات الاقتصاد هي أهم ما يشغل الرأي العام التونسي. وجاء في الاستطلاع إن 65% من التونسيين يرون الأحزاب لا تُفكر إلا في السلطة فقط.

وساقت الصحيفة نموذج مواطن يُدعى «عبيدي غضباني» – الذي يعيش في مدينة القصرين ويعاني ظروفًا صحية ومعيشية صعبة – لتبرهن على الحالة السيئة، والنفسية المُحبطة التي يعيشها قطاع عريض من الشعب التونسي، وقال غضباني: «إذا كان لدي مال أقوم بالزراعة، وربما أربّي بعض الحيوانات»؛ مضيفًا إنه من ثمّ يستطيع الزواج من خطيبته التي خطبها قبل أربع سنوات. وأضاف إنه اليوم لن يُدلي بصوته معللاً بالقول: «السياسيون لا يفعلون شيئًا لأجلنا. وبصفتي مواطن إذا لم يكن لدي ثقة في أحد فلماذا أعطيه صوتي».

لا وظائف للخريجين

الإحباط الذي يحمله غضباني يشاركه فيه معظم سكان مدينة القصرين التي تُحيط بها الجبال؛ حيث قفزت البطالة لـ23,4% العام الماضي بحسب الأرقام الرسمية، وتضاعفت في أوساط حملة المؤهلات الجامعية.

«محسن بوثويري»– الأمين العام لحزب النهضة في القصرين – قال إن البنية الأساسية التحتية الجيدة هي التي ستجذب الاستثمار. أما «عبداللطيف الرحيمي» – مرشح نداء تونس – فوافق على كلام «بوثويري»، واقترح تنشيط التجارة عبر الحدود في بضائع محظورة حاليًا للمساعدة في حل المشكلات الاقتصادية؛ حيث إن المدينة على الحدود مع الجزائر.

والد «غضباني» الذي يشارك ابنه نفس شعور خيبة الأمل بسبب عقود الإهمال من قِبل قادة تونس قال إنه رغم ما يعانون إلا إنه سيصوّت اليوم الأحد، مشيرًا: «الأمور الآن أفضل من فترة حكم بن علي. الآن لا نخاف أن نتكلم، الآن يمكننا أن نتنفس بحرية. إذا صارت الأمور جيدًا فهذا ما نريد، وإذا لم تسر على ما يُرام..........(رفع عينيه للسماء وصمت)».

المصدر | كريستيان ساينس مونيتور

  كلمات مفتاحية

تونس الانتخابات البرلمانية حركة النهضة الغنوشي

«الغنوشي» عقب الإدلاء بصوته: علينا الحفاظ على شعلة الحرية وأن نمضي بها إلى الأمام

تونس تختار اليوم برلمانا جديدا وتأمل في تطبيق نظام ديمقراطي كامل

الإسلاميون يسعون لدور أكبر في تونس الجديدة عبر الانتخابات

انتخابات تونس تختبر الانتقال من الاستبداد للديمقراطية

لماذا تقدم «نداء تونس»؟ ولماذا تراجعت «حركة النهضة»؟

انتخابات تونس

النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية التونسية

ما يحيي السياسة وما يميتها

مبشرات الانتخابات التونسية ومخاطرها