«مكة»: مراجعة المدينة المقدسة .. دراسة هامة لأحد المواقع الدينية الهامة

الثلاثاء 28 أكتوبر 2014 12:10 ص

في تاريخ الأديان، وعلى مدار قصة شوق البشرية الطويلة لفهم موقعها على خريطة العالم، تُوجد مدينة «مكة المكرمة» التي لا تقل في أهميتها شيئا عن مدينة «القدس» رغم أن الأولى لم يكتب عنها باللغة الإنجليزية كما كتب عن الثانية.

هناك محاضرات مصورة عن الرحلات لـ«القدس»، وكل كتاب عن «مكة» يوجد في مقابله أرفف عدة عن «القدس»، وكل دراسة عن أراضي الحجاز في مقابلها مكتبة تنوء بحملها عن «الأرض المقدسة»، ولحسن الحظ فإن «زيد الدين سردار» يقوم في الوقت الراهن بسدّ هذا الفراغ.

«حول الكعبة من أراضي مقدسة يخبرنا بقصص تعود إلى مهد الخليقة»؛ هكذا كتب «سردار»، «آدم عليه السلام» مذكور في الإسلام بوصفه أول نبي؛ حيث يقال عند العرب إنه زار المدينة وُفن هناك، ويقول البعض أيضا إن مكة ذكرت باسمها القديم «بكة» في العهد الجديد «الإنجيل» باعتبارها مكانا للحج: «طوبى لأناس....طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي بكة يصيرونه ينابيع» (المزمور 84).

ويبدوا – بشكل كبير - أن ما كان يعبده الحجاج قد تغير على مدار الوقت، فقد تعاقب الوثنيون وآلهتهم حول الكعبة لما يقرب من ألف عام، ثم في مطلع القرن السابع الميلادي جاء النبي «مُحمّد صلى الله عليه وسلم» ونجح في إزاحة ذلك كله مستبدلا ذلك بعبادة الله الواحد، وبحسب آيات الوحي فإن رسالة الإسلام التي أعلنها «محمد» حملها إليه الملك «جبريل» بينما كان الأول في كهف داخل جبل على أطراف المدينة.

ومؤخرا؛ شكك علماء - أمثال المستشرقة الدانماركية «باتريشيا كرون» والمؤرخ الإنجليزي «توم هولاند» – في أن مكة كانت بالفعل المكان الذي تلقى فيه النبي «محمد» الوحي واكتمل نزول القرآن بشكله النهائي، ويجادل كل من «باتريشيا» و«هولاند» بأن جغرافية القرآن التي ظهرت في الحديث عن البساتين وأغصان الزيتون تقول إن القرآن أقرب إلى سواحل البحر المتوسط بكثير منه إلى أراضي الحجاز القاحلة، لكن «سردار» الذي شعر بإحباط خفيف رفض هذا القول جملة وتفصيلا بملاحظة في حاشية تقول: «غياب الأدلة يرقى إلى مستوى غياب الأركيولوجيا»؛ وهي النتائج ذاتها الناجمة عن «الرعب من التاريخ» للعائلة المالكة السعودية، (في إشارة إلى إنه لا يوجد من الآثار القديمة ما يعطي الحق للأسر الحاكمة في الخليج في الاستحواذ عليها لعائلاتهم).

ووضع «سردار» نفسه في موقع المتحدث إلى أتباع النبي «محمد» متحدثا بشكل جميل وعقلاني لتوصيل رسالة مفاداها: لماذا هذه المدينة العظيمة كانت وجهة الملايين في الصلاة على مدار الوقت على مستوى العالم.

الرواية تتحدث عن النبي «إبراهيم عليه السلام» والسيدة «هاجر» التي تزوجها لاحقا، وتحت إصرار زوجته «سارة» أخذ «إبراهيم» «هاجر» وابنه «إسماعيل» وغادر بهما إلى الصحراء حيث تركهما في مكان، بعيدا عن ما صار مكة في المستقبل. استجاب الله لدعاء «هاجر ورزقها بـ«بئر زمزم»، ووفقا لما جاء في القرآن فإن أحفادهم الذين جاءوا من بعدهم كانوا أول من بنوا المدينة.

الوحي الذي تلقاه محمد وتأسيسه الناجح لإمبراطورية الإيمان غير من حظوظ «مكة» للأبد؛ حيث حولها لأعظم مركز ديني في الإسلام، والآن وبعد أن تعاقب على المدينة سلالات حاكمة إسلامية كبرى حكمت الشرق الأوسط لم تعد «مكة» المركز الحضاري والسياسي كالإسكندرية أو دمشق؛ وبدلا من ذلك فقد صارت مثل «القدس»؛ كانت مدينة للإيمان ثم تركت للحجيج وشعائرهم.

«سردار نفسه قام بزيارة البقاع المباركة مرات عدة لأداء الحج؛ الفريضة المطلوبة من كل مسلم، وهذا الكتاب مليء بحكايات بارعة شاهدها خلال المرات التي ذهب فيها إلى هناك، «أشرار» هذه القصة بحسب النصف الثاني من الكتاب هم «الوهابيون» الأكثر تشددا ورعاتهم السعوديون، أعطى «سردار» مقدارا كبيرا للحديث عن أول لحظات استيلاء الوهابيين على المدينة مطلع القرن التاسع عشر عندما كان «العثمانيون» مشغولون بوصول «نابليون بونابرت» إلى مصر، وقام «الوهابيون» حينها بتدمير المزارات الصوفية والشيعية في السعودية والعراق، وقد امتدت أعمالهم لتشمل تدمير معابد أحفاد الرسل في «مكة» بالإضافة إلى إشفاء غليلهم بتدمير مدن مقدسة لدى الشيعة كالنجف وكربلاء.

في ذلك الوقت؛ كان معظم المسلمين يعتبرون «الوهابيين» طائفة متشددة التكفير، أما في هذه الأيام؛ يمثّل «الوهابيون» النسبة الأصغر في العالم الإسلامي ومع ذلك؛ فقد استخدم «الوهابيون» عائدات النفط لمحاولة إعادة صياغة الإسلام بمنظورهم الضيق والمتشدد، وتسيطر دور النشر المملوكة لسعوديين بشدة على النشر العربي.

إن المسئولية الكبرى فيما يحدث من تعصب وعنف باسم الآن يتحمله في المقام الأول – وقبل كل شيء – الحكم القبلي للأصوليين المتشددين في السعودية، وليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك 15 شخصا من أصل 19 بين خاطفي طائرات 11 سبتمبر/أيلول 2001م.

ولكن كما يبين «سردار»؛ فإن ما يستحق التوبيخ إنهما هو هذا الدمار الذي يحدث منذ خمسينيات القرن الماضي، فلقد اجتمعت قلة الذوق وكره التاريخ مع جنون العظمة لدى السعوديين الذين امتلأت جيوبهم جراء التدفق المفاجئ لأموال النفط ليروا أنفسهم في موقع من له الحق بإعادة رسم ملامح «مكة" لتصبح النسخة العربية من «ديزني لاند» أو لتكون «لاس فيجاس» المسلمة.

تدنيس السعوديين لمكة وجرف المدينة القديمة ظهر في تفاصيل بيانية ومأساوية: «حوالي 95% من تاريخ المدينة الذي يرجع لما قبل ألف عام – المباني القديمة التي تشكل ما يزيد على 400 موقع له أهميته ودلالته التاريخية تم هدمها لبناء ما يشاهد الآن من مباني معمارية»، لقد وصلت الحفارات والجرافات تحت عتمة الليل لهدم منازل المدينة العثمانية... منزل «خديجة» أول زوجات الرسول «محمد» تحول إلى مجموعة من دورات المياه.

«سردار» قام بدراسة عن «مكة» الحديثة بحب ممزوج بمعنى عميق من خيبة الأمل والخسارة، فحتى الآن الكتاب يعتبر أي كتاب يخرج بمثابة إنجاز عظيم ودراسة هامة وممتعة للغاية لأحد أهم مدن العالم.

المصدر | وليام دالريمبل، الجارديان

  كلمات مفتاحية

مكة المكرمة المدينة المنورة آل سعود

«مكة»: مراجعة المدينة المقدسة .. دراسة هامة لأحد المواقع الدينية الهامة

تدمير مكة: عن الذي فعلته السعودية بالمسلمين

«مكة»: مراجعة المدينة المقدسة .. دراسة هامة لأحد المواقع الدينية الهامة

الإندبندنت: مسقط رأس «النبي محمد» مهدد بالاختفاء للأبد

السعودية: لا مساس بالمساجد التاريخية في توسعة المسجد النبوي

السعودية تعتمد أكثر من 136 مليون ريال لتشغيل وصيانة المساجد

وفاة خياط كسوة الكعبة المشرفة بعد صراع مع المرض

أكثر من 13 مليون ريال لتسوير وصيانة مقابر مكة المكرمة

1.5 مليون ريال سعر المتر المربع للأراضي حول الحرم المكي

الغيرية الدينيّة

صلاة استخارة لخادم الحرمين

بناء أول مسجد ذكي «صديق للبيئة» بالعالم يعمل بالطاقة الشمسية في مكة المكرمة

«نيويورك تايمز»: حكام المملكة يعززون شرعيتهم بطمس الذاكرة التاريخية للبلاد!

حجم الأوقاف العاملة في الخليج يتجاوز 5 تريليون دولار .. 40% منها بالسعودية

سعودية تلتقط 500 ألف صورة للحرمين الشريفين في 12 عاما

فيديو وصور: «الملك سلمان» يدشن 5 مشروعات ضمن التوسعة الثالثة للمسجد الحرام

«فورين بوليسي»: ثورة البناء في مكة تدمر المدينة المقدسة

السعودية تراجع تصميمات السلامة في المسجد النبوي

السعودية.. توجيهات عليا للعناية بـ«آثار النبي محمد الحسية»