الوساطة بين «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»: إعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا

الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 12:11 ص

فشل مساعي الصلح، ونشوء نقاط توتر جديدة، وتمترس الفصائل المسلحة حول أجندات مختلفة، كل ذلك يوحي بأن المشهد «الجهادي» في سوريا مقبل على تطورات جديدة، قد يكون من تداعياتها إعادة رسم خريطة السيطرة والنفوذ في أكثر من منطقة سورية. 

ولم يكن خبرا عابرا ما أعلنه، الأسبوع الماضي، قائد «جيش المهاجرين والأنصار» «صلاح الدين الشيشاني» من رفض تنظيم «الدولة الإسلامية» مساعي الصلح وعقد الهدنة التي فوضته بها كل من «جبهة النصرة» و«أحرار الشام».

وما يزيد من دلالات هذا الخبر أنه تزامن مع إفشال متعمد من قبل «جبهة النصرة» لمساعي التحكيم بينها وبين «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف في ريف إدلب، عبر الإيعاز إلى الشيخ السعودي «عبدالله المحيسني» للاعتذار عن عدم تولي رئاسة المحكمة التي اقترحتها «حركة أحرار الشام» لفض النزاع بين الطرفين. 

والسؤال: لماذا تطلب «جبهة النصرة» عقد هدنة مع «الدولة الإسلامية» في هذا التوقيت، خاصة أن المعارك بينهما هدأت في غالبية المناطق، باستثناء اشتباكات بسيطة في محيط مارع في ريف حلب؟ وما دلالات رفض «الدولة الإسلامية» لهذا الطلب؟ 

قد يكون طلب الهدنة محاولة من بعض الفصائل لجس نبض «الدولة الإسلامية» ومعرفة مدى تأثره بضربات التحالف الدولي، وانعكاس ذلك على تعاطيه مع خصومه في الداخل. لكن «جبهة النصرة» لها أهداف أخرى، أهمها الاطمئنان على وضعها في مدن وبلدات ريف إدلب التي سيطرت عليها مؤخراً من جمال معروف، والتأكد من انه ليس لدى «الدولة الإسلامية» خطة للمشاغبة عليها في المنطقة.

وهي تحتاج إلى هذه الطمأنينة للتفرغ لمواجهة «خطة تجميد حلب» التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، والتي ترى فيها مع فصائل أخرى أنها تستهدف القضاء على العمل العسكري في أهم ثاني مدينة سورية، خصوصاً أن الجيش السوري يكاد يكمل طوقه حول أحياء المدينة وقطع آخر خطوط إمداد المسلحين عبر «كاستيللو»، بينما لن يكون لهذه الخطة أي تأثير على «الدولة الإسلامية»، لأنه لا يملك أي تواجد ضمن مدينة حلب، التي تقتصر الخطة عليها ولا تشمل الريف، حيث يسيطر «داعش» على كل الريف الشرقي وأجزاء من الريف الشمالي.

وأعلن وزير المصالحة الوطنية السوري «علي حيدر»، لوكالة «اسوشيتد برس»، أن دمشق وافقت «مبدئيا» على دعوة «دي ميستورا» لتجميد القتال، لكنها تحتاج إلى المزيد من التفاصيل قبل اتخاذ قرار نهائي، موضحا انه يجب على المبعوث الأممي «التأكد من موافقة المجموعات المسلحة على الأرض وداعميهم» على خطته. 

ويشير رفض «الدولة الإسلامية» لمساعي الصلح وعقد الهدنة إلى الثقة بالنفس والشعور بالقوة، ما يعكس بدوره عدم تضرر التنظيم عسكريا بشكل كبير جراء غارات التحالف الدولي المستمرة ضده منذ حوالي أربعة أشهر، وإلا كان اضطر إلى قبول الهدنة وإغلاق جبهاته الداخلية لحشد كل قواه لمواجهة التحالف الدولي. 

وما يعزز من ذلك، أنه منذ إعلان «صلاح الدين الشيشاني» فشل مساعيه ورفض «الدولة الإسلامية» عقد هدنة، باشرت «جبهة النصرة»، وحليفها «جند الأقصى»، بحملة واسعة في ريف إدلب وريف حماه الشرقي، لمداهمة مقار وأوكار من تشتبه أنهم خلايا نائمة تابعة أو متعاطفة مع «الدولة الإسلامية»، ما يشير بالفعل إلى وجود هواجس لديها من نية الأخير المشاغبة عليها في المنطقة.

وفي هذا السياق داهمت «جبهة النصرة» بلدتي تل طوقان وأبو الضهور في ريف إدلب، وقامت بملاحقة عناصر «لواء العقاب الإسلامي»، الذي تردد أن قائده راشد طكو بايع ابو بكر البغدادي. وشملت الملاحقة مجموعة أبو الورد، المعروف بعلاقاته مع بعض قيادات «الدولة الإسلامية». كما أشارت مصادر إعلامية مختلفة إلى أن «جبهة النصرة» قامت بحملات اعتقال في بعض قرى ريف حماه الشرقي، طالت العشرات ممن اشتبهت بصلته بـ«الدولة الإسلامية».

وبينما يرى البعض أن حملة «جبهة النصرة» الاستباقية قضت على كل أمل لدى «داعش» بوضع قدمه في ريف إدلب، يعتقد آخرون أن «جبهة النصرة» ربما تكون وقعت في الفخ، وأن هذه الحملة ستكون ذريعة «الدولة الاسلامية» للتدخل في المنطقة.

وجاء نفي «خالد أبو أنس»، أحد القيادات الشرعية في «أحرار الشام»، لموضوع تفويض الحركة «صلاح الدين الشيشاني» بالتفاوض مع «الدولة الإسلامية» ليلقي مزيداً من الضوء على علاقة الحركة مع «جبهة النصرة»، واستمرار التوتر بينهما، لاسيما أن أبا أنس شدد في نفيه على أن «الحركة لن تهادن من طعن جهادنا وشوه إسلامنا»، وهذا غمز من قناة «جبهة النصرة» التي لم تنف حتى الآن تفويضها «الشيشاني»

مع التنويه إلى أن نفي «أبي أنس» قد يكون تعبيراً عن صراع الأجنحة داخل الحركة، التي اعتادت في الفترة السابقة إصدار بيانات ومن ثم نفيها من قبل بعض قادتها، وآخر هذه التناقضات ما حدث مع «جنود الشام» بقيادة «مسلم الشيشاني»، عندما أصدرت الجماعة بيانا تعلن فيه تحالفها العسكري مع «أحرار الشام»، فتضاربت مواقف قادة الحركة منه، ليصدر نفي ملتبس تعلن فيه الحركة «عدم صحة ما يشاع عن انضمام «جنود الشام» إليها، رغم أن الإعلان تحدث عن تحالف عسكري ولم يتطرق إلى موضوع الانضمام.

كما أن الأحداث التي جرت في معبر باب الهوى الحدودي في اليومين الماضيين تشير بأن انعدام الثقة بين حلفاء الأمس وصل إلى درجات عميقة جداً، ولا يتعلق الأمر فقط بـ «أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، بل الأرجح أن تكون «أحرار الشام» قد افتعلت هذه الاشتباكات لإيصال رسالة إلى «جبهة النصرة» التي تتقدم في ريف إدلب الشمالي باتجاه المعبر، بأنها لن تسمح لأيٍّ كان بالسيطرة عليه.

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

سوريا العراق الاشتباكات داعش جبهة النصرة الدين الدولة الاسلامية أحرار الشام جبهة ثوار سوريا جمال معروف

«داعش» و«النصرة» تتحدان للقضاء على المعارضة «المعتدلة»

صفقة التعايش بين السلطة اللبنانية و«جبهة النصرة»

«أوباما» يطلب تفويضا من «الكونجرس» للحملة ضد «الدولة الاسلامية»

زعيم «جبهة النصرة» يحذّر من «خطة تسمح ببقاء النظام السوري»

الضربات الأمريكية في سوريا تدفع «جبهة النصرة» للتقارب مع «الدولة الإسلامية»

أنصاف الحلول هي الحل في سوريا

تراجع سيطرة «نظام الأسد» إلى أقل من ثلث سوريا .. و«الدولة الإسلامية» يسيطر على ثلث آخر

مقتل قياديين بارزين فى «جبهة النصرة» في غارة للتحالف الدولي علي حلب

جبهة النصرة تتبنى تفجير حافلة تقل لبنانيين وسط دمشق