صفقة التعايش بين السلطة اللبنانية و«جبهة النصرة»

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 04:11 ص

في رصد الوقائع بداية، يمكن الحديث إلى ما لا نهاية عن معركة طرابلس الأخيرة، بين 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي و26 منه، هناك سقط للجيش، بحسب البيانات الرسمية، 12 شهيدا وعشرات الجرحى، إضافة إلى أكثر من عشر ضحايا ونحو 60 جريحاً من المدنيين. في المقابل لم تظهر الأخبار الرسمية، ولا التغطيات الإعلامية الخاصة، أي صورة واضحة عن حجم خسائر الإرهابيين، لا جثث مضبوطة بالعشرات لا جرحى بأرقام مماثلة لخسائر المؤسسة العسكرية أو المواطنين الأبرياء. في الأيام التالية لانتهاء الاشتباكات فجأة، رصد المعنيون حركة دفن الموتى في قرى الشمال كافة. وهي حركة كانت تؤشر عادة الى انقشاع غبار المعارك داخل سوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ثمة تسويات لا تحتاج إلى كلام، ولا إلى حروف مكتوبة، تكفيها المصالح المفهومة ولو بالتقاطع، وهي أقدر على فرض الالتزام، شيء من هذا القبيل، تسوية من هذا النوع، يبدو أنها قامت أو هي على وشك القيام بين تجمّع السلطات اللبنانية وبين «جبهة النصرة» تسوية تبدو العوامل المكوّنة لها، ممتدة على كل جغرافيا الوطن، وبالتالي على نقاط التماس كافة بين حكام بيروت وأزلام الجولاني.

بعد كل مواجهة قاسية، تبرز مناسبة تشييع موتى مجهولين، غالباً ليلاً، في بعض القرى والبلدات بعد أسابيع طويلة، تظهر الأسماء على مواقع إلكترونية عائدة إلى جهات سورية معارضة، أو إلى تنظيمات مقاتلة هناك... لم يسجل شيء من ذلك بعد أسبوعين على معركة طرابلس. لم يظهر أي مؤشر من هذا النوع كأن لا قتلى للمسلحين، مجرد رقم كبير للموقوفين، يترقّب المتابعون بدقة مؤدياته النهائية أمام القضاء العسكري. الأمر الذي كشف في حالات سابقة أسراراً كثيرة من نوع المبالغات الإعلامية والخبطات البروباغاندية لا غير أما حتى الآن، فالواضح أن معركة طرابلس لم تنجل بعد بكامل تفاصيلها وخفاياها، يكفي أن مسؤولي المحاور لا يزالون في الأزقة، ويقال إن بعضهم تلقى التوجيهات علناً، حول زمان ومكان الاختباء والاختفاء.
في هذا السياق، يقال إن العصب الأساسي للحركة المقاتلة التي قامت بين طرابلس والضنية، كانت تابعة لجبهة «النصرة»، لا لتنظيم «الدولة الإسلامية». فالدواعش لم يكونوا يمثلون في الشمال إلا شبكة من العناصر المتفرقة، أو حتى من العناصر النائمة، لا خلايا نائمة فعلية. هؤلاء ضرب معظمهم في المعركة. بينما تنظيم الإمرة والتحكم في الشمال، وخصوصاً بين الضنيه وطرابلس، فيعود إلى جبهة «النصرة»، وهو لم يمس جدياً ولا جذرياً كما يقال. وتأكيداً على صحة هذا المعطى ودقته، يحيلك الخبراء المتابعون إلى مراجعة خطابات الجولاني حول لبنان، كما البيانات الأربعة «الرسمية» التي أصدرتها جبهة «النصرة» حول الوضع اللبناني. وفي تحليل دقيق وعارف لمضمونها ودلالاتها، يمكن الاستنتاج بأن تركيبة عمل جبهة «النصرة» لا تزال فاعلة. على عكس سواها من التنظيمات الإرهابية ربما، وعلى عكس الصورة التي قصد بعض الرسميين تسويقها وتعميمها. هنا إذاً، بين طرابلس والضنية، قامت نقطة تقاطع أولى بين متناقضين: ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" ونجاة «النصرة»، في مقابل انتصار لكل مدّع أبوّة الانتصار في طرابلس.
في هذا الوقت، وعلى الجبهة الأخرى، كان ثمة أمر مماثل يحصل في شكل متزامن. في عرسال تراجع مستوى التوتر بين السلطات اللبنانية وبين الإرهابيين، على خلفية قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين، إلى ما يشبه «التعايش» مع الأزمة. تعايش انضبطت تحت سقفه كل الأطراف. لا تهديدات من قبل المسلحين. حتى تصعيدهم العسكري الميداني تراجع إلى حدود المناوشات. باستثناء ما حصل في جبل الشيخ، لحسابات غير لبنانية كلياً،
في المقابل، السلطات اللبنانية تتعامل وفق قواعد الاشتباك التعايشية الجديدة نفسها. عماد جمعة على السمع دائماً بواسطة سكايب مع المسلحين، من دون أي استكمال للإجراءات القضائية في حقه. عمليات التموين والتمويل عادت إلى عرسال، وبالتالي إلى ما بعد ما بعد عرسال. والمفاجأة أنها باتت عمليات حكومية معلنة. حتى ما يوصف بالوسيط القطري – السوري، بين دولة لبنان الكبير وولاية «أبومالك التلي، يتحرك بحرية كاملة، علماً أن الوسيط المذكور، «أحمد الخطيب، هو موضوع تقارير رسمية عربية حول تورّطه المباشر في أنشطة مسلحة. فهو كلف سنة 2013 من قبل دولة خليجية، برعاية عمل «جبهة النصرة» وتسليحها. 
أي خلاصة ممكنة لتلك المشاهدات؟ من الواضح أن «جبهة النصرة» تمكنت من التوصل إلى «تسوية تعايشية» modus vivendi مع السلطات اللبنانية. تسوية تنطلق من التساؤل التالي: أيهما أفضل وأجدى وأثمن لهؤلاء؟ إطلاق بضعة موقوفين من سجن روميه ومن سجون سورية أخرى؟ أم الإمساك بورقة إعلامية سياسية و«استيرادية» تبيض ذهباً وأكثر من ذهب، مثل ورقة العسكريين المخطوفين؟ أيهما أربح للمسلحين، إطلاق عشرات قبضايات من السجون، ممن قد يشكلون مصدر حساسيات إضافية في صفوف المسلحين، وفي توقيت غير مناسب لذلك، تماماً كما حصل عقب إطلاق سجناء مماثلين من السجون السورية، ما أدى إلى تفريخ سلسلة من المجموعات المسلحة المتفلتة؟ أم إبقاء هؤلاء حيث هم، وإبقاء العسكريين اللبنانيين أحياء حيث هم أيضاً، وتحقيق مكاسب متبادلة ومتقاطعة في هذه الأثناء، أولها الحضور الإعلامي، وليس آخرها حضور الأموال موضبة إلى بنك المدينة الفاضلة في جرود عرسال؟!
يبدو أن التسوية غير المكتوبة ولا حتى المقولة، قد قامت بين الطرفين. لكن يبقى السؤال: إذا كانت إفادة المسلحين منها مفهومة، فما هي إفادة لبنان من تلك التسوية؟! سؤال يبدو الجواب عليه مؤجلاً، كما أجوبة أخرى على أسئلة كثيرة مماثلة، من نوع: هل ستتضمن صفقة التسليح الفرنسي ـــ السعودي للجيش اللبناني، طرادات ضخمة لا قدرة للبنان على تشغيلها ولا على صيانتها ولا حتى استخدامها؟ ومن سيشتري تلك الطرادات وممن وبأي ثمن وبعقود صيانة لكم من الأعوام وبأي كلفة؟ قديماً قيل أن غياب السؤال جنون أبدي. فكيف بغياب الجواب؟!

 

المصدر | الأخبار اللبنانية

  كلمات مفتاحية

جبهة النصرة تسوية تعايشية صفقة التسليح الفرنسية لبنان الجيش اللبناني

«جبهة النصرة» تتنازل عن أحد شروطها للإفراج عن العسكريين اللبنانيين

«النصرة» تسلّم الوفد القطري 3 مقترحات للإفراج عن العسكريين اللبنانيين

خلاف خليجي بسبب إصرار أردوغان على استثناء «جبهة النصرة» من ضربات التحالف

«جبهة النصرة» تكشف عن تهريب «حزب الله» المخدرات إلى دول الخليج

تقرير أميركي: «النصرة» وحماس تجمعان تبرعات في قطر

الصراع الإقليمي يصيب السياسة اللبنانية بالشلل

الوساطة بين «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»: إعادة رسم خريطة النفوذ في سوريا

«الفيصل» يجدد رفضه القاطع لوصول «العماد عون» إلى الرئاسة اللبنانية

«سليمان فرنجية».. صديق «الأسد» الذي قد يصبح رئيسا للبنان