الذكرى الثالثة لـ"أحداث محمد محمود": يوم صارت ثورة مصرية غريبة!

السبت 22 نوفمبر 2014 03:11 ص

مصطفى بسيوني | اشتهرت أحداث محمد محمود (19- 25 تشرين الثاني العام 2011)، والتي سميت باسم الشارع الذي شهد اشتباكات عنيفة بين الثوار وقوات الأمن في مصر، بالكثير من التفاصيل، سواء عن عنف قوات الأمن وبطولة الثوار، أو عن تخلي العديد من القوى السياسية عن الميدان، ومن ثم سقوط حكومة عصام شرف، ناهيك عن أعداد كبيرة من الشهداء وأعداد أكثر من المصابين، خاصة الذين تعمّدت قوات الأمن إصابة عيونهم.

ولكن المعنى السياسي لتلك الأحداث، والذي سيمتد في المرحلة المقبلة، يتجاوز كل تفاصيلها التي تكررت مرات عدّة قبل تشرين الثاني العام 2011، وبعده، بدرجات مختلفة. 

بداية أحداث محمد محمود تمثلت في دعوة إلى تظاهرة مليونية في ميدان التحرير وميادين مصر في 18 تشرين الثاني 2011 لرفض ما سمي بـ"وثيقة السلمي"، والتي وضعها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الاستثمار علي السلمي كوثيقة تمهيدية للدستور الجديد، وتضمنت وضعا خاصا للقوات المسلحة، وأطلق على موادها "مواد فوق دستورية" أي لا ينبغي للدستور تجاوزها. 

كانت الدعوة الى التظاهر يومها تحت شعار "جمعة المطلب الواحد"، وكان المطلب تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية منتخبة في موعد أقصاه نيسان العام 2012. 

التظاهرات شاركت فيها كافة القوى السياسية بالفعل، وفي نهاية يوم الجمعة 18 تشرين الثاني، انصرفت غالبية القوى المشاركة عن الميدان، بينما بقي عدد من القوى الثورية والشبابية ومصابي الثورة واهالي شهداء الثورة. 

وبدأت الأحداث بالتحول صباح 19 تشرين الثاني، حين قامت قوات الأمن باقتحام الميدان وفض الاعتصام بالقوة والتمركز فيه بأعداد كبيرة لمنع عودة المعتصمين. 

وما إن تطايرت الأنباء عن فض الاعتصام بالقوة حتى تدفقت على ميدان التحرير أعداد كبيرة، وبدأت المواجهات بين الأمن والمتظاهرين، واضطرت قوات الأمن للانسحاب من الميدان وتركه للثوار. 

لكن الاحداث لم تقف عند هذا الحد، إذ استمرت الاشتباكات في الأيام التالية، وعمدت قوات الأمن إلى الهجوم على الثوار من شارع محمد محمود المطل على ميدان التحرير، والذي وقعت فيه الاشتباكات العنيفة، وخاصة قنص عيون الثوار.

لم تكن أحداث محمد محمود هي الأولى التي تشهد صدامات بين قوات الأمن والثوار عقب "ثورة 25 يناير" التي أطاحت حسني مبارك، فقد سبقها فض ميدان التحرير بالقوة في نيسان العام 2011، واحداث مسرح البالون ومذبحة ماسبيرو. ولم تكن أيضا المرة الأولى التي تشهد تخلي عدد من القوى السياسية المشاركة في "ثورة 25 يناير" عن الثوار بل والتحريض ضدهم. 

ولكن أحداث محمد محمود كشفت وبشكل غاية في الوضوح عن اتجاهين منفصلين تماماً بين القوى المشاركة في "ثورة 25 يناير"، فالتوقيت الذي وقعت فيه الأحداث كان خلال سير معركة الانتخابات البرلمانية، والتي كان موعد إجرائها في 28 تشرين الثاني". 

وكانت تلك الانتخابات الأولى التي تجري عقب الإطاحة بمبارك، وحل "الحزب الوطني" الذي كانت يهيمن على البرلمان عبر التزوير المنهجي. وكانت الانتخابات البرلمانية تعني بالنسبة إلى القوى السياسية التقليدية، وبخاصة التيار الإسلامي ذا القاعدة الشعبية العريضة الفرصة الأولى للمشاركة في السلطة السياسية. 

في المقابل، فإن إصرار الثوار على استكمال المواجهة مع أجهزة القمع والحفاظ على مكاسب الثورة الديموقراطية على الأقل، ورفض عودة آليات الاستبداد وعنف الدولة، كان يمثل إعاقة مشروع جني ثمار الثورة الذي تتطلع له تلك القوى. 

الثورة التي تعلقت بأثوابها كل القوى السياسية في مصر، وحتى تلك التي لم تكن ثورية في يوم من الأيام – حتى وصل الأمر إلى حد ادعاء قطاع من الحزب الوطني تأييده للثورة والتقرب منها – باتت بعد أحداث محمد محمود عبئا على من يسعون للمشاركة في السلطة السياسية. 

بدت يومها الثورة غريبة بدعوة لم تدعمها القوى السياسية التقليدية، حتى أنها تنم عن سخرية المعارضة المستأنسة، التي وقفت دون تحقيق هدف تغيير النظام بشكل جدي. 

الملفت بعد أحداث محمد محمود أن وضع القوات المسلحة في "وثيقة السلمي"، والذي احتجت عليه تلك القوى، جرى إقراره في الدستور من دون تغيير جوهري، وذلك بعد تشكيل البرلمان وإجراء الانتخابات الرئاسية، وهيمنة قوى الإسلام السياسي، ممثلة بـ"الاخوان" والسلفيين على الحكم. 

أما القوى الثورية التي أصرت على استكمال الثورة، فقد خاضت معركتها بكل بطولة، وقدمت تضحيات ضخمة في ميدان التحرير وشارع محمد محمود، لكنها ظلت بعيدة عن المدن والأحياء والقرى. 

في المقابل، فإن القوى التي انصرفت من الميدان لجني الثمار، توجهت إلى المدن والأحياء والقرى مطلقة حملتها الانتخابية بعيداً عن الثوار. 

هكذا استدرجت القوى الثورية إلى الانعزال في الميدان، بينما كانت القوى التي تخلت عن الثورة تتوغل بين الجماهير، وهو ما كان له تأثير كبير على مجريات الانتخابات، وصولاً إلى ما صارت عليه الحال اليوم. 

علاوة على ذلك، فإن القوى الثورية التي ناضلت بإخلاص لم يظهر أفق نضالها واضحاً طوال هذه الفترة، ولم تقدم رؤية واضحة لما سيحدث في اليوم التالي. كانت تقاوم ببسالة آلة القمع التي بدت تستعيد لياقتها بعد الثورة، وكانت ترفع الشعارات الرافضة لعودة النظام وعدم تحقيق أهداف الثورة، لكنها لم تطرح طريقاً واضحا وخطوات ملموسة. صحيح أنها حصلت بالفعل على تعاطف كبير من قبل الشعب، ولكنها لم تنجح في حشد الجماهير وراءها كما حدث أيام "ثورة 25 يناير".

كذلك، لم تتنبّه القوى الثورية للنضال الاجتماعي الذي انطلق قبل الثورة، والذي تصاعد بعدها بقوة. فقد حفزت الثورة مطالب القطاعات الفقيرة في مصر بالعدالة الاجتماعية، وتحركت القطاعات المختلفة للمطالبة بحقوقها المهدورة، وهو ما شهرت به أجهزة الإعلام الرسمية والخاصة، ووصفته بأنه "مطالب فئوية" في محاولة لعزلها عن مسار الثورة.

هذه التحركات الاجتماعية لم تجد دعماً حقيقياً وتأييدا من القوى الثورية التي كان نضالها منصباً في المسار الديموقراطي دون الاجتماعي، وحين سعت إلى ردم تلك الفجوة عبر الدعوة إلى الإضراب العام في 11 شباط العام 2012 للمطالبة بإنهاء سلطة المجلس العسكري، بدا ان تلك الفجوة كانت قد تعمّقت، وفشلت الدعوة إلى الاضراب. 

كان مسار الثورة المصرية معقدا ووعرا، وربما يمكن اليوم النظر في الكثير من أحداثها لمعرفة كيف تطورت الأمور على هذا النحو، وكيف وصل الأمر إلى تمزيق أثواب الثورة والتشهير بها ممن تعلقوا بها من قبل ... وربما تسهم قراءة مدققة في أحداث محمد محمود اليوم في تبيان إحدى أهم المحطات في طريق الثورة التي بدأت غريبة ثم عادت غريبة، بينما مستقبلها ما زالت ترسمه أحداث اليوم. 

 

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

مصر «ثورة 25 يناير» الاشتباكات الانتخابات الرئاسية حسني مبارك الدستور الشهداء الشعارات الانتخابات

مصر تقر مشروع قانون لمكافحة "الإرهاب" يجرم الاعتراض ويحظر المعارضة!

البرلمان الأوروبي: انتخابات الرئاسة في مصر معيبة ... وعلى القاهرة الإفراج عن ”كل“ المعتقلين

التسوية في مصر بين المسارين السياسي والثوري

«القرضاوي» يصف «السيسي» بالمنافق الكذاب ويدعو الشباب لمواجهة الظلمة

مصر..الناشطة «سناء سيف» تسلم نفسها للشرطة لتنفيذ عقوبة «إهانة النيابة»

الحكومة المصرية تطالب بعودة «الشهيد الحي» قبل استكمال علاجه