صعود القوة الجوية للعرب .. ماذا بعد؟

الخميس 27 نوفمبر 2014 11:11 ص

عندما انتشرت صور «مريم المنصوري»، وهي أول طيار أنثى في دولة الإمارات العربية المتحدة، في جميع أنحاء العالم في سبتمبر/أيلول، لم تكن تلك الصور ترمز إلى الدور المتغير للمرأة في العالم العربي، والكفاح الجماعي ضد «الدولة الإسلامية»، فقط؛ بل كانت أيضا دليلًا على ظاهرة عسكرية جديدة، وهي أنه، وبعد عقود من عدم الأهمية الاستراتيجية، أصبحت القوة الجوية العربية آخذة في الارتفاع.

وفي عام 2014، بينما تواجه سوريا، ومصر، وليبيا، تحديات استراتيجية تجعل قواتها الجوية الكبيرة تقليديا تظهر بشكل غير مُرض أو ملائم، تعمل دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، على توسيع قدراتها الجوية بشكل كبير، وبشكل أساس كوسيلة لإحداث التوازن ضد إيران.

وعلى الرغم من أن بناء القوة الجوية هو أمر منطقي، وخاصةً بالنسبة للدول الصغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، إلا أن مهمة هذه الدول الآن هي ضمان أن يتم نشر هذه القوة جنبا إلى جنب مع غيرها من الأدوات، بدلا من أن تصبح بديلًا عن استراتيجية أوسع نطاقا.

 توازن جديد للقوى في الهواء

حتى وقت قريب، لم تلعب القوات الجوية العربية أي دور في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن مصر وسوريا كان لديها أساطيل قوية عدديا، إلا أنها لم تستخدم في القتال لمدة ثلاثة عقود، وقد تم تدمير كل من القوات الجوية للدولتين في غضون ساعات قليلة من قبل إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967.

مصر، والتي كانت أقوى قوة جوية عربية في ذلك الوقت، فقدت 338 طائرة، ومعظمها لم يكن لديها حتى الوقت الكافي للإقلاع. وعلى الرغم من أنه تم تعويض الخسائر في هذه القوات الجوية إلى حد ما قبل عام 1973، لم تكن القوة الجوية حاسمة في استعادة السيطرة على سيناء (على الرغم من أن معركة جوية واحدة كانت ناجحة، ولا يزال يحتفل بها في الـ 6 من أكتوبر كل عام).

وفي عام 1982، ألحقت معركة جوية رئيسية بين سوريا وإسرائيل ضررًا كبيرًا بنظام الدفاع الجوي السوري. ومن بعدها، بقيت القوات الجوية العربية على الأرض إلى حد كبير.

وفي الواقع، أظهرت حرب الخليج عام 1991، وحرب العراق في عام 2003، أن المجال الجوي العربي قد ينتمي إلى أي شخص، ولكن ليس إلى العرب. وعلى العموم، ساهمت الحملة التي قادتها الولايات المتحدة بشكل كبير في تحرير الكويت، وبعد ذلك في سقوط صدام حسين.

وجاء القصف الأمريكي في ليبيا عام 1986، والتوغلات الإسرائيلية المتكررة في المجال الجوي اللبناني، والضربة الإسرائيلية ضد منشأة نووية في سوريا في عام 2007، ليؤكد الانطباع بأن القوات الجوية العربية كانت لأغراض احتفالية في المقام الأول.

وقبل الربيع العربي، كان لمصر وسوريا قوات جوية قوية على الورق، مع 461 و555 طائرة قتالية على التوالي، وهو ما يعود في جزء منه إلى عقود من حكم ضباط القوات الجوية السابقين في كلا البلدين، وهما مبارك وحافظ الأسد. ولكن، وفي الحقيقة، لم تقم هذه القوات بأي عمل عسكري ذي معنى.

وبحلول عام 2014، تغيرت الصورة بشكل كبير. اسميًا، لا تزال مصر هي القوة الجوية الإقليمية الرائدة مع 569 طائرة مقاتلة، في حين عانت القوات الجوية السورية إلى حد كبير من حرب أهلية أجريت إلى حد كبير عن طريق الجو. وتفيد آخر التقديرات بأن لديها 295 طائرة مقاتلة، على الرغم من أن الكثير منها قد لا تكون جاهزة للعمل.

وتشارك كل من القوات الجوية المصرية والسورية الآن في النزاعات التي لا يمكن كسبها من الجو وحده. ليس فقط لأن الخصوم اكتسبوا الصواريخ المناسبة، حيث أسقطت طائرة هليكوبتر مصرية في يناير/كانون الثاني فوق سيناء، بل لأن القوة الجوية هي مفيدة لتحقيق دمار واسع النطاق ولها بعض التأثير على معنويات العدو، ولكن من الواضح أنها لا تستطيع الدخول في منزل كل من مقاتلي العدو، والأهم من ذلك، القوة الجوية تعتمد بشكل حاسم على معلومات استخباراتية من على الأرض. وفي كل من هذه المجالات، مصر وسوريا ضعيفتان في الوقت الراهن.

وفي الوقت نفسه، ظهرت قوى جوية جديدة. المملكة العربية السعودية، والتي كان لها قوة جوية صغيرة نسبيا حتى أوائل الألفية الثانية، لديها الآن 305 من الطائرات المقاتلة، وتحتل المرتبة الثانية في المنطقة. كما أن لديها احتكارًا إقليميًا بحكم الأمر الواقع لأنظمة التحذير الجوي وأنظمة التحكم (اواكس)، والتي توفر ميزة هامة في القتال الجوي.

وبدورها، أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 5.6 مليون، في المركز الرابع عربيا برصيد 201 طائرة، كما أن هذه الدولة تستضيف مركز الخليج للحرب الجوية، حيث تجري القوات الجوية الأمريكية والخليجية تدريباتها.

وهذه الدول الأربع هي حاليًا القوات الجوية الرائدة إقليميًا إلى حد بعيد. إيران لديها ما يقرب من عدد طائرات المملكة العربية السعودية في الأرقام، ولكن ليس في الجودة. والمركز الخامس كأكبر قوة جوية عربية تحتله الجزائر، مع ما يزيد قليلًا على نصف الأسطول الإماراتي. بينما لا تقترب أي دولة عربية أخرى من هذا العدد، حتى العراق الذي كان لديه ذات مرة قوة جوية قوية، لديه الآن ثلاث طائرات فقط، بينما لدى لبنان تسع.

وبشكل مثير للجدل، لم تعد القوى الجوية الناشئة في الخليج مترددة في العمل ضد دول عربية أخرى. حيث أرسلت كل من قطر والإمارات العربية المتحدة على حد سواء طائراتها لمساعدة الناتو أثناء قصف ليبيا في 2011؛ ومن أصل 18 طائرة تمتلكها الدوحة، أرسلت 6 طائرات مقاتلة؛ في حين أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة اثنتي عشرة طائرة.

وحتى إن الأدوار النشطة لقوات هذه الدول الجوية قد تجاوزت العمليات التي يقودها الغرب. حيث إنه، وفي صيف هذا العام، قيل إن دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر قصفتا مواقع إسلامية في ليبيا. وفي الآونة الأخيرة، انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين بـ 39 طائرة مقاتلة، والأردن بـ 85 طائرة مقاتلة، إلى الائتلاف الجديد لمحاربة «الدولة الإسلامية».

 القوة الجوية: أداة واحدة من بين العديد من الأدوات

وفي جزء كبير منها، تعد القوة الجوية المتصاعدة للخليج نتيجة طبيعية لعداء المنطقة مع إيران. الانفجار الداخلي في العراق، والذي لطالما اعتبر حصنًا ضد عدوان محتمل من طهران، وكذلك اكتشاف وجود برنامج نووي في إيران، هي أمور ساهمت بالتأكيد في زيادة الحاجة لقوات جوية أقوى.

وهذا التوسع الهائل في القوة الجوية العربية هو إلى حد كبير رسالة إظهار قوة مصممة لطهران. وتقول هذه الرسالة إنه، ونظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، النزاع العسكري المحتمل مع إيران سيتم من خلال الهواء والماء بدلًا من الأرض (إلا إذا تم استخدام العراق كساحة قتال).

وبالإضافة إلى ذلك، انتشرت أنظمة الدفاع الجوي في جميع أنحاء المنطقة، مما يجعل عمليات القصف الجوي أكثر صعوبة مما كانت عليه في السابق. النظام السوري، وبعد تجديده إثر تعرضه لضربات إسرائيلية عام 2007، يعتبر الآن قويًا بما يكفي لردع عمل عسكري ضد النظام. كما أن دول الخليج تسعى لامتلاك نظام دفاع جوي متكامل قادر على مواجهة التهديدات الصاروخية، ورفعت مصر من قدرات نظامها، أيضًا.

ولكن، المشكلة مع القوة الجوية، رغم ذلك، هو أن فائدتها كأداة استراتيجية مبالغ بها في كثير من الأحيان. لقد خلقت الحملات الجوية الناجحة في صربيا عام 1999، وليبيا عام 2011، الانطباع بأن القوات البرية لم تعد حاسمة في القتال، والفوز بالحروب.

ولكن القوة الجوية، والقصف الجوي بشكل خاص، لا يكاد يشكل استراتيجية قتالية متكاملة في حد ذاته. وبدلًا من ذلك، هو ببساطة أداة واحدة فقط من الأدوات التي يجب دائمًا أن تستخدم جنبًا إلى جنب، بما في ذلك القوات البحرية والبرية، دعمًا لاستراتيجية أوسع نطاقًا.

وخاصةً بالنسبة للدول الصغيرة، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة أو قطر، بناء القوة الجوية هو أمر منطقي، ولكنه لن يوفر حماية تذكر ضد الغزو البري واسع النطاق، الذي لا يزال هو القاعدة في الحروب الإقليمية.

المصدر | آي إس إن - التقرير

  كلمات مفتاحية

الإمارات مريم المنصوري تنظيم الدولة الإسلامية سوريا ليبيا العراق الخليج إيران السعودية القوات الجوية

السعودية تتسلم طائرات «أباتشي» و«بلاك هوك» مطلع العام المقبل

الرياض تعتزم شراء أسلحة أمريكية بـ 1.75 مليار دولار

«مريم المنصوري» الطريق إلى "المجد" مفروش بدماء السوريين

الإمارات تنتقل من استيراد السلاح إلي تصنيعه ثم التجارة والاستثمار فيه (1 - 2)

الإنفاق العسكري السعودي يتجاوز إنفاق الدول الكبرى

اطلبوا وسائل القتل ولو في الصين: السعودية تنضم لسباق التسلح بالطائرات بدون طيار

الإمارات تدمج شركات صناعات عسكرية حكومية