«التليجراف»: السعودية تخوض مغامرة غير مأمونة بخفض أسعار النفط

السبت 3 يناير 2015 02:01 ص

تدفع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم الأسعار للانخفاض بغية استعادة حصتها السوقية، إلا أن الاستراتيجية عالية المخاطر التي تتبعها المملكة حاليًا سوف تُخضع بيت «آل سعود» لاختبار لم يسبق له مثيل.

ونجحت المملكة العربية السعودية في فتح معركة استراتيجيتها النفطية المتشددة عن طريق دفع الأسعار للهبوط والوصول لمعدلات منخفضة. لكن المملكة على وشك الدخول في مرحلة جديدة وخطيرة في حربها لاستعادة السيطرة على سوق النفط العالمية.

واستأسدت المملكة على أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» الآخرين مُجبرة إياهم على مواصلة ضخ حصة «أوبك» الحالية المُقدرة بــ 30 مليون برميل يوميًا، واضعة ذلك على رأس أهدافها. وأثارت الاستراتيجية التي وُلدت في قصور الرياض ظاهريًا هزيمة أسعار النفط المطلوبة، والتي يراها المُخضرم «علي النعيمي» - وزير النفط السعودي – صراحة كأهم الوسائل لإخراج روسيا من المنافسة بالإضافة إلى حقول النفط الصخري في «نورث داكوتا».

ويساوي النفط السلطة السياسية والنفوذ للمملكة العربية السعودية ومقعد على طاولة أقوى الدول في العالم في مجموعة العشرين. وعلى الرغم من المخاطر الهائلة، إلا إنه لابد من القيام بشيء لعكس الاتجاه نحو الإنتاج عالي التكلفة القادم من الولايات المتحدة وغيرها للحفاظ على هيمنة المملكة العربية السعودية باعتبارها «المنتج المرجح» عالميًا. ومع امتلاكها 13% من احتياطيات النفط العالمية مع أرخص تكاليف إنتاج، تعتقد المملكة أنها لا تزال قادرة على إعادة شراء السوق وتأمين ارتفاع الأسعار على المدى الطويل.

«هذه أحد أهم مبادرات المملكة العربية السعودية السياسية في العصر الحديث»؛ هكذا عبّر «إدموند أوسوليفان» - خبير في شئون المملكة ومؤلف كتاب «الخليج الجديد»، والذي استطرد قائلاً: «إنها ليست من دون مخاطر، ولكنهم يمتلكون السلطة السياسية والموارد الاقتصادية لجعلها تغرّد بعيدًا».

وإذا انتصرت المملكة العربية السعودية في سياستها تلك، فإنها ستعود أقوى مما كانت في السابق، وستعيد تذكير العالم بأهميتها له كراعٍ للمصدر الأساسي للطاقة على مستوى العالم. ومن خلال دفع أسعار النفط للهبوط على المدى القصير، فإنها سوف تعزز من أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة عن طريق تركيع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ووضع المزيد من الضغوط على المنافس الخليجي إيران.

ورغم ذلك؛ فإنه مع استمرار تراجع سعر النفط الخام الآن في بشكل حر كامل، فهل سيكون لدى «علي النعيمي» الجرأة للمضي قُدمًا في تلك الاستراتيجية العالية المخاطر حتى النهاية؟ من المفترض أن تتسبب تلك الاستراتيجية بخسائر بين اقتصادات مجلس التعاون الخليجي الذي يشمل الإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عُمان والكويت والبحرين؛ نظرًا لأن كل هذه الدول - باستثناء البحرين - تعتمد على عائدات النفط لإشباع خزائن حكوماتها ودعم ملكياتها الوراثية.

وأغلق خام برنت هذا العام عند 56 دولارًا للبرميل؛ بانخفاض 50% عن ذروته في عام 2014، ولكن «النُعيمي» قال إنه حتى لو انخفضت الأسعار إلى 20 دولار للبرميل الواحد فستواصل المملكة ضخها بالمعدل الحالي البالغ حوالي 9.5 مليون برميل يوميًا. ويشعر بعض المطلعين داخل «أوبك» بالقلق من أن المملكة ربما تزيد إنتاجها تدريجيًا بحوالي مليون برميل يوميًا إضافية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى سقوط أكثر حدة في الأسعار. وعند هذه المستويات؛ التي رُبما يُنظر إليها على أنها أشبه استراتيجية «برلين أو باست» أو كما تعرف بــ «النصر أو الكارثة»- والتي كانت بمثابة الدفعة الشاملة والنهائية لهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى – فإن المخاطر لا تعرض اقتصاد المملكة للشلل وحدها، ولكن أيضًا تعرض اقتصاديات حلفائها العرب الآخرين لنفس المخاطر.

وسوف تكون عواقب الفشل وخيمة بالنسبة للنعيمي والمملكة العربية السعودية؛ فخلال العقد الأخير من أسعار النفط المرتفعة نسبيًا جمعت المملكة 750 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية التي سيتم تبديدها بسرعة عن طريق دعم النقص في عائدات التصدير. وقد كانت بعض الشخصيات المؤثرة داخل المملكة كـ«الأمير الوليد بن طلال» - أغنى الأفراد المستثمرين في الشرق الأوسط - من أبرز المنتقدين لخطة «النعيمي»؛ حيث حذر أن الخطة قد يكون لها عواقب كارثية على الاقتصاد السعودي.

وفي الوقت الراهن على الأقل؛ تعتزم المملكة الاستفادة من احتياطياتها لتغطية أي نقص مُحتمل في الإنفاق الحكومي خلال العام الجديد 2015، وهو الإنفاق الذي سيزيد عن نظيره للعام المنصرم رغم الانخفاض الحاد في إيرادات النفط. ومن المتوقع أن تنخفض الإيرادات إلى 715 مليار ريال (ما يعادل 122 مليار جنيه أسترليني) في عام 2015، بعد أن كانت 855 مليار ريال في عام 2014م، وهو ما يتسبب في عجز مقداره 145 مليار ريال. ورغم ذلك؛ فإن هذا الرقم الخاص بالإيرادات للعام الجديد مشروط بأن يبلغ متوسط أسعار النفط 60 دولار للبرميل، بينما يتوقع العديد من الخبراء حاليًا أن النفط الخام ربما يصل إلى أدنى مستوياته؛ وهو مستوى 20 دولارًا للبرميل، والذي لم يصل إليه النفط منذ أواخر حقبة التسعينيات.

وقد لا يكون تبديد الاحتياطيات النقدية من الحكمة في شيء بالنسبة للسعودية إذا لم يتم وضع حدٍ لهبوط الأسعار الحالي. فعلى المدى الطويل؛ قد يؤدي تباطؤ نمو الطلب على النفط الخام، وتحسن التقنيات الخضراء مثل السيارات الكهربائية، إلى أن تصبح المملكة غير قادرة على إعادة تجميع مثل هذا الكنز من العملات الأجنبية الموجودة في خزائن بنكها المركزي.

وحتى وجود «النعيمي» نفسه الذي سيبلغ سن الثمانين هذا العام كوزير للنفط قد يكون محل تساؤل إذا فشلت مناورته. وتعتمد السلطة الحالية للنعيمي – القادم من أصول متواضعة من المنطقة الشرقية الغنية بالنفط - على الدعم الوثيق الذي يتمتع به من الملك «عبد الله بن عبد العزيز آل سعود». وكان يُعتقد أن الحفاظ على سعر النفط مستقرًا عند معدل 100 دولار للبرميل بمثابة مصلحة استراتيجية بالنسبة لكلا الرجلين- الملك ووزيره.

وقاد الملك البالغ من العمر 91 عامًا أقوى دولة منتجة للنفط في العالم خلال مراحل وُصفت بأنها من أصعب السنوات التي عاصرتها المملكة منذ مجيء آل سعود إلى السلطة قبل أكثر من 100 عام؛ حيث شهدت هذه الفترة اندلاع انتفاضات الربيع العربي في مختلف أنحاء المنطقة. ورأى الملك كيف وقفت الحكومة الأمريكية تشاهد نظام «حسني مبارك» القمعي ينهار في مصر دون أن تُحرك ساكنًا.

وفجأة؛ وبمجرد مغادرة عائلة «بوش» للبيت الأبيض صارت المملكة العربية السعودية على شفا خطر فقدان نفوذها في الأروقة الأمريكية جنبًا إلى جنب مع قبضتها على مُحيطها المباشر في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من اختفاء تلك المخاوف السياسية بشكل كبير إلا إن «النعيمي» ما زال يغامر بشدّة في شن حرب أسعار نفط على المستوى العالم؛ والتي أنكر أنه لا دوافع سياسية من ورائها، في وقت تشكّل فيه «الدولة الإسلامية» خطرًا بالغًا على استقرار المنطقة.

وقد يكون للأخبار بشأن نقل الملك «عبد الله» إلى المستشفى في اليوم الأخير من عام 2014م عواقب مباشرة على وضع «النعيمي» من خلال تقييد حريته في وضع السياسة النفطية في المملكة. وإذا ما رحل الملك «عبد الله» فجأة؛ فإن الصراع المقبل على السلطة في الرياض في ظل مناخ انخفاض أسعار النفط قد يجبر «النعيمي» على تبني تحول دراماتيكي.

وليست المملكة العربية السعودية هي الوحيدة التي تواجه مخاوف انتقال السلطة الملكية بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ فهناك دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث يسعى الشيخ «خليفة» - الحاكم الحالي – لاسترداد عافيته من جلطة دماغية، وفي سلطنة عمان لا يزال السلطان «قابوس» غير قادرعلى العودة إلى البلاد بعد سفره إلى ألمانيا الصيف الماضي لتلقي العلاج الطبي. وقد يؤدي انتقال السلطة والقيادة في كلتا الدولتين إلى مراجعة الحسابات المتعلقة بدعم استراتيجية المملكة العربية السعودية الحالية تجاه سوق النفط.

كما سيتعرض «النعيمي» لضغوط مُكثفة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة في ظل تزايد ظهور آثار انخفاض أسعار النفط في جميع أنحاء دول منظمة «أوبك» وعلى الاقتصاد العالمي بدائرته الواسعة. ومع ذلك؛ فإنه بالنسبة لتلك البلدان - مثل المملكة العربية السعودية التي تحارب من أجل السيطرة على مصدر الطاقة الأساسية في العالم – فإن الألم ليس سوى مجرد بداية أو إن شئت فقل إنه في مراحله الأولى.

المصدر | ديلي تليجراف - أندرو كريتشلو

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط

«فورين بوليسي»: انخفاض أسعار النفط يضر الخليج وصناديق الثروة السيادية هي الحل

التوازن السياسي الاقتصادي يجعل أمريكا المستفيد من هبوط أسعار النفط

فورين بوليسي: انخفاض أسعار النفط لغز في ظل اشتداد الحروب والقلاقل العالمية

وول ستريت جورنال: طبول الحرب تقرع في أوبك

غنية بالأصول.. فقيرة للنقد: السعودية تقترض لتعويض انخفاض أسعار النفط