التعذيب في الولايات المتحدة وإسرائيل

الجمعة 9 يناير 2015 07:01 ص

منذ أسابيع نشر تقرير مجلس الشيوخ الامريكي عن سياسة تعذيب الـ سي.آي.ايه. في دول عديدة أشعل الامر نقاشا داخليا. أما عندنا في المقابل، فكان رد الفعل هو التجاهل.

الأمر الاول الذي اجتذب الانتباه في التقرير هو حقيقة أن المشرعين حققوا في السياسة البائسة للسلطة التنفيذية. صحيح، حققوا بشكل متأخر مع ادارة لم تعد قائمة، ولكن مع ذلك – حققوا. أما في الواقع السياسي الاسرائيلي، فتبدو الظاهرة شاذة. عندنا الكنيست تتجاهل دورها كسلطة تشريعية في فحص عمق طابع نشاط الحكومة بشكل عام وفي مواضيع الامن بشكل خاص.

الامر الثاني الذي جذب انتباهي هو عدم وجود عمود فقري اخلاقي والتزام بحقوق الانسان الاساسية لرجال القانون في خدمة الادارة الامريكية. فقد كشف التقرير النقاب كيف أن رجال القانون "شرعنوا" السياسة التي كانت السلطة التنفيذية معنية بها: محامو الـ سي.آي.ايه، مجموعة من المحامين الابداعيين، بحثوا، صاغوا ووصلوا ايضا الى قرار في محكمة العدل العليا في اسرائيل كي يبرروا تعذيب الخاضعين للتحقيق.

 مع ذلك، كان في الولايات المتحدة ايضا رجال قانون في الادارة ادعوا ضد تلك "الشرعنة". أما عندنا بالمقابل، فلم يحصل لي أن حظيت بلقاء محامي من النيابة العامة للدولة وقف ضد أو رفض تمثيل السلطة التنفيذية في التماس من منظمات حقوق الانسان في مواضيع الامن بشكل عام وفي التعذيب بشكل خاص؛ كل التماس يطلب التحقيق في التعذيبات لدى المخابرات يصطدم بسور منيع من رجال النيابة العامة للدولة. منذ 2001 رُفعت أكثر من 900 شكوى، ولكن لم يُفتح حتى ولا تحقيق جنائي واحد.

وكما أسلفنا، فان رجال قانون الـ سي.آي.ايه اعتمدوا ضمن امور اخرى على قرار محكمة العدل العليا عندنا في التماس اللجنة الجماهيرية ضد التعذيب في اسرائيل، ضد حكومة اسرائيل. ونحن نسمي القرار "قرار التعذيب" لأن المحكمة قضت صراحة بأنه محظور التعذيب، ولكن رجال القانون في النيابة العامة يسمون ذاك القرار "قرار الأذون"، لأن برأيهم، وكذا برأي قانونيي الـ سي.آي.ايه سمحت المحكمة بالتعذيب عند الحاجة.

تفسيرنا لـ"حماية الحاجة" التي سمحت بها المحكمة، يختلف عن تفسيرهم. ولكن محامو التعذيب هناك وهنا يستخدمون ذات "حماية الحاجة" من اجل تبرير التعذيب ومنح الحصانة لمنفذيه.

عشرات الالتماسات رُفعت خلال 15 سنة مضت منذ قرار المحكمة إياه، ويمكن لقضاة المحكمة العليا (الإسرائيلية) أن يقرروا بأن تفسير النيابة العامة للدولة مخطيء. لكنهم، بمثابرة، لم يفعلوا ذلك. 

بمعنى، يبدو أن قضاة المحكمة العليا ايضا يعتقدون بأن القرار يسمح بالتعذيب. مريح لهم أن يقرروا من جهة بأنه محظور التعذيب وأن يعتبروا كمحبين لحقوق الانسان، ومن جهة اخرى أن يسمحوا باستمرار التعذيب. في احدى المداولات التي حضرتها قالت رئيسة المحكمة العليا، دوريت بينيش، إن "قرار التعذيب كان تصريحيا" – تصريحيا بالتأكيد، ولكن على ما يبدو، تصريحيا وسامحا للتعذيب.

الموضوع الرابع في تقرير مجلس الشيوخ والذي يحتاج الانتباه هو قول اللجنة، إن التعذيب، بما في ذلك التعذيب الجسدي الأشد، لم يؤدِ أبدا الى الكشف عن معلومات تنقذ الحياة، ولكن كي تُقر السياسة، وفرت "سي.آي.إيه" معلومات كاذبة وكأن ممارسات التعذيب كانت مجدية.

تقرير لجنة لانداو – "لجنة التحقيق في اساليب التحقيق لدى جهاز الامن العام في موضوع العمليات التخريبية المعادية"، في أكتوبر/تشرين الأول 1987، أفادنا بأن رجال المخابرات كذبوا بشكل منهجي على المحكمة. قادة المخابرات والمستشارون القانونيون يدعون منذئذ بأن الامور تغيرت، ولكنهم لم يقدموا أي دليل على ذلك.

وبلا أي رقابة خارجية – باستثناء الرقابة الوهمية والخفية للجنة الفرعية في الكنيست – ومع تاريخ من الافادات الكاذبة، الافادات السرية في المحاكم، الامتناع الجارف عن كل تحقيق للشكاوى ضد التعذيب وموقف يدعي بأنه بدون "تحقيقات عسكرية" فان عدد العمليات المضادة سيزداد – فاني أشك جدا في الادعاء بأن التعذيب في غرف التحقيق لدى المخابرات ينتج معلومات تنقذ حياة الناس.

شيء آخر يدعو الى الانتباه المحلي هو مسألة المحاكمة الكونية. فالعديد من رجال القانون في العالم يدعون بأن سياسة التعذيب التي يصفها تقرير مجلس الشيوخ تعرض مرتكبي التعذيب وصائغي السياسة الى المحاكمة الكونية في هيئات قضائية ليست امريكية.

ويوصون في الولايات المتحدة كل المشاركين في عملية إقرار سياسة التعذيب وتنفيذها ألا يتجولوا في العالم في الزمن القريب القادم.

ورغم وجود توافق واسع على أن الرئيس في تلك الفترة، جورج بوش، معفي كرئيس دولة من المحاكمة الكونية، فان كاتب التقرير الخاص لحقوق الانسان ولمكافحة الارهاب الصادر عن الامم المتحدة، بن إمرسون، دعا بعد نشر التقرير الى رفع دعاوى ضد الرئيس السابق وضد كبار مسؤولي نظامه ممن أمروا بارتكاب الجرائم، وأضاف بأنه "في اطار القانون الدولي، فان الولايات المتحدة ملزمة بأن تجلب المسؤولين عن الافعال الى المحاكمة".

احدى المزايا الاساسية لمبدأ فصل السلطات، الذي قبع في أساس الاجراءات الديمقراطية، هي خلق كوابح وتوازنات: كل سلطة – التنفيذية، التشريعية والقضائية – تكبح وتوازن الأخريين. وعليه، ففي الولايات المتحدة يمكن لمجلس الشيوخ أن يأمر بالتحقيق، أن يكبح السلطة التنفيذية وأن يوازن طبيعة عملها. هناك، لكن ليس عندنا في إسرائيل.

عندنا فصل السلطات شُطب تماما تقريبا: الكنيست لا تكبح السلطة التنفيذية وتمتنع عن الدفع إلى الامام بالقانون ضد التعذيب، والسلطة القضائية لا تلزم السلطة التنفيذية على فحص الشكاوى ضد التعذيب.

الحكومة لا توازن السلطة التشريعية والائتلاف الحكومي يمرر قوانين حكومية دون روع وبتحيز، وفي المرات القليلة التي تحاول فيها السلطة القضائية توازن الكنيست، يقفز على الفور كل اولئك النواب والنائبات في الكنيست الذين باسم "الديمقراطية" يطرحون قوانين تتجاوز محكمة العدل العليا.

إن غياب آليات التوازن والكبح، وتجاهل رجال السلطات المختلفة لواجباتهم في التوازن والكبح للسلطات الاخرى، تجر المجتمع الاسرائيلي الى وضع مناهض للديمقراطية على نحو ظاهر، وتُخلد حصانة مرتكبي التعذيب وخارقي حقوق الانسان.

* الكاتب د. يشاي منوخن، مدير عام اللجنة الجماهيرية ضد التعذيب في إسرائيل ورئيس أمنستي إنترناشيونال إسرائيل.

المصدر | يشاي منوخن | هآرتس العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة إسرائيل غرف التحقيق التعذيب معلومات

«حصانة» وكلاء التعذيب!

تقرير التعذيب وإفساد السرد

حقوقيون ينتقدون ”تقرير التعذيب“ ويتساءلون: من يحاسب من ؟

استطلاع: أغلب الأمريكيين يعتبرون أساليب تعذيب الاستخبارات المركزية مبررة

اتفاق لرفع الحظر عن تقرير يدين الـ«سي آي ايه» بتعذيب معتقلين أثناء استجوابهم

«يديعوت أحرونوت»: سجن سري جدا في (إسرائيل) تُرتكب فيه فظائع بحق الفلسطينيين والعرب

أساليب التعذيب التي يتبعها «الشاباك» الإسرائيلي في التحقيق