حقوقيون ينتقدون ”تقرير التعذيب“ ويتساءلون: من يحاسب من ؟

الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 08:12 ص

أثار التقرير الصادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» الصادر مؤخرا عن مجلس الشيوخ الأمريكي العديد من ردود الأفعال والتساؤلات حول مضمون  التقرير وما احتواه من معلومات حول عمليات الاستجواب القاسية التي استخدمتها الـ« سي آي أيه»  بحق المعتقلين والمتهمين بقضايا تتعلق بالإرهاب، ومنذ خروج التقرير والولايات المتحدة والدول الضالعة معها تلقى استهجانا دوليا واسعاً بسبب التفاصيل المشينة التي أوردها التقرير حول تقنيات الاستجواب التي تعرض لها المعتقلون.

تناول التقرير عددا من الدول العربية المتورطة في استقبال المعتقلين وتعذيبهم من بينها مصر حيث وصف التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ  مصر باعتبارها الدولة الأهم والأكبر فى عمليات استلام وتعذيب واستجواب المعتقلين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لاستجوابهم داخل فى السجون المصرية، كما نوه التقرير إلى استخدام المجال الجوى المصرى واستخدام المطارات للقيام برحلات جوية سرية من خلال الاستخبارات الأمريكية أو غيرها من الأجهزة الأمنية.

«الخليج الجديد» طرحت عدة أسئلة علي خبراء حقوقيين وأمنيين لمعرفة بعض الجوانب القانونية حول التقرير من قبيل توقيت الكشف عنه ومدى إمكانية عدم تكرار حدوث ذلك مرة أخري وكذلك تأثير هذا التقرير علي الأنظمة والدول المتورطة فيه والمسئولية الجنائية وإمكانية محاسبة مرتكبي هذه الممارسات .

اختلال مفهوم العدالة

المحامي والحقوقي «مجدي سالم» نائب رئيس الحزب الإسلامي المصري يرى محدودية تأثير هذا التقرير علي الأنظمة المتورطة وإمكانية محاسبتهم اليوم في ظل اختلال مفهوم العدالة، مما لا يؤشر لحدوث تطور واضح في هذا الشأن ما دامت معايير تطبيق القانون الدولي مجردة وعامة شأنها في ذلك شأن أية قاعدة قانونية، وكما أكد سالم أنه بدون وجود آلية دولية ملزمة للمحاسبة سيصبح الطريق الي عالم عادل خال من الانتهاكات صعب وطويل، ومع ذلك وبخصوص هذا التقرير تحديدا فأعتقد أنه لولا أن أجواء ما يسمي بـ«الحرب علي الإرهاب» تخيم علي المجتمع الأمريكي الآن وارتفاع نبرات التخويف الإعلامي لكان هذا التقرير أكثر تأثيرا على مختلف الأصعدة .

وشدد «سالم» على أن منظومة العدالة الدولية مهددة تهديدا حقيقيا إن لم يتدارك المجتمع الدولي هذا الإنهيار ببناء منظومة عدلية حقيقية تنتصف للمظلوم وتعاقب الظالم وتنهي وللأبد إزدواجية المعايير وانتقائية العدالة ، مشيرا إلى جانب هام في هذا الصدد يتعلق بالأكاذيب والتلفيقات التي تروج لها أجهزة الأمن شرقا وغربا والتي صنعت في الكثير من الحالات أساطير مضللة نسجت بأقبية التعذيب المخابراتية وأنتجت حروبا ومآس دامية يعاني منها العالم حتي اليوم«قصة ابن الشيخ الليبي مثالا».

أما  بخصوص المسئولية الجنائية قال «سالم» : النصوص بشأنها موجودة بما في ذلك تعويض المتضررين ماديا وأدبيا إلا أنه من الناحية العملية ربما تظل هناك بعض الصعوبات المتعلقة بالتطبيق، أما عن كشف الأعداد وتصاعد المطالبة بالمحاسبة فيوما بعد يوم قد تنكشف المزيد من الحقائق ، وهذا بالطبع مرهون بمدى نزاهة وشفافية المنظمات الحقوقية في عالمنا العربي التي في أغلبها منظمات مهندسة تعمل وفق منظومة انتقائية ومعايير مزدوجة لكونها في الغالب تعتمد في تمويلها علي منظومة دولية متورطة في هذا التقرير وغيره .

المشكلة في تفعيل النصوص

وحول توقيت الإعلان عن هذا التقرير وضمان عدم تكرار ذلك  يقول  «لطفي صلاح» نائب رئيس المنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان والتنمية ومستشار التحكيم الدولي أعتقد أن الإعلان في هذا التوقيت ليس له علاقة بالأوضاع في المنطقة لأنه مرتبط بمواعيد لائحية وإجراءات داخلية ، لافتا إلى غياب أي ضمانات سياسية أو حتي قانونية لذلك ، فعالم المخابرات عالم سري في الأساس والقانون الإنساني الدولي والمواثيق الدولية والقوانين المحلية بها ما يكفي لتجريم مثل هذه الجرائم البشعة، إلا أن المشكلة في تفعيل هذه النصوص وعدم إعطاء حصانة للأجهزة الأمنية بدعوي الحفاظ علي الأمن القومي أو محاربة الإرهاب.

ويؤكد «لطفي» أن الضمانة الوحيدة لعدم تكرار هذه الفضيحة يكمن في بقاء حيوية الشعوب وقوة منظمات المجتمع المدني التي تستطيع توثيق مثل هذه الجرائم وصناعة رأي عام رافض لها ، وأرجع مبررات ما كشفت عنه أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى تأكيد حالة «الفوبيا» التي تعيشها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر المزعوم عندهم وما أتبع ذلك من الاحتلال الأمريكي لدول عربية وإسلامية بمبررات واهية مصطنعة لنهب ثرواتها أو ربما أرادوا التخلص من كواهل الماضي ليبرموا صفقات جديدة مع مستقبل يفصلونه على مقاساتهم وطموحاتهم .

وقال «لطفي» هذا ديدنهم فلا بأس من التضحية بالقليل ليبقي الكثير كما فعلت الولايات المتحدة وأوروبا مع «مبارك» و«بن علي»، حيث إنه بالإمكان حال تصاعدت المطالبات لتجريم المتسببين في هذه الفضيحة مجاراة الواقع والاستجابة بفرض تعويضات للمسجونين لرد اعتبارهم وربما محاكمة بعض صغار المتورطين .  

من يحاسب من؟

الخبير الأمني «إبراهيم حجازي» وصف ما جاء في التقرير من أعمال منسوبة لاجهزة المخابرات بالأعمال القذرة التي تلجأ لها مثل هذه الأجهزة للكشف عن معلومات معينة مهما كانت سمعة هذه الأجهزة  سواء في الولايات المتحدة أو غيرها، أما بخصوص محاسبة المتورطين في هذا الأمر فالأمر ينطوي على قدر كبير من الصعوبة لأن محاسبة أشخاص بعينهم أو حتي دول من الممكن أن  يؤدي إلي كشف مزيد من الأسرار والملفات الأكثر سوادا وقتامة، فربما يتم التحايل علي مثل هذه القضايا والتسويف في المحاسبة ، وحتي مع فرضية المحاسبة ستكون في أضيق الحدود منعا لمحاسبة أكبر وأشمل خاصة أن من رعي مثل هذه الأعمال هي دول ومؤسسات كبري وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه ...من يحاسب من ؟

ويؤكد «حجازي» أن هناك مسئولية جنائية علي الدول التي تورطت في مثل هذه الممارسات من تعذيب وترحيل واستجواب وخلافه تجاه من وقعت عليهم هذه الافعال، ويجب علي المتضررين مقاضاة جميع المتورطين سواء دول أو مؤسسات أو أمام محاكم محلية أو دولية أو مؤسسة دولية بما فيها الأمم المتحدة .. لكن السؤال الأبرز كذلك : هل ستمضي آلية التقاضي في مجراها الطبيعي أم سيكون هناك ضغوط لعرقلة مثل هذه الإجراءات ؟ هذه أسئلة تطرح نفسها سواء داخل كل دولة ومحاكمها أو حتي أمام المحاكم الدولية .

وبخصوص عدم الكشف عن أعداد المتضررين أكد «حجازي» أنه غالبا ما تكون هناك محاولات للتقليل من شأن ما يجري سواء من ناحية الممارسات نفسها والتهوين منها وتبسيطها لأن الأعداد الكبيرة تعني المزيد من المتورطين، وربما يكون الكشف عن بعض هذه الأمور عملية مدبرة تهدف إلى إدانة بعض الشخصيات والتخلص منها أو تمرير بعض السياسات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تقرير التعذيب سي آي إيه تقرير الكونجرس

تحقيق «سي آي أيه» مع معتقلي «القاعدة» يشبه تعذيب السحرة في أوروبا القرون الوسطى

هيومن رايتس ووتش: ويظل التعذيب من دون علاج ..!

بعد نشر ممارسات الاستخبارات المركزية أبشع التعذيب .. مطالب بكشف دول عربية قدمت خدمات التعذيب

اتفاق لرفع الحظر عن تقرير يدين الـ«سي آي ايه» بتعذيب معتقلين أثناء استجوابهم

جماعة «الإخوان» في مصر تدعو لاستمرار الحراك ضد الانقلاب وأعوانه في الخليج وأمريكا

التعذيب في الولايات المتحدة وإسرائيل

بولندا تمتثل لحكم محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في قضية سجون الاستخبارات الأمريكية

الادعاء الليتواني يعيد فتح تحقيق بشأن سجن سري للمخابرات الأمريكية