القضاء على الماضي لأجل الحاضر: «الدولة الإسلامية» امتداد لإرث الأنظمة الاستبدادية

الثلاثاء 3 مارس 2015 09:03 ص

يُظهر شريط فيديو أصدره تنظيم «الدولة الإسلامية» يوم الخميس عددا من أعضائه وهم يدمرون قطعا أثرية هامة في متحف الموصل في العراق والتماثيل الآشورية في موقع أثري قريب من محافظة نينوى. وتظهر لقطات الفيديو عددا من الرجال وهم يستخدمون أدوات المثقاب والمطرقات الثقيلة لتدمير القطع الأثرية في المتحف أولاً ثم ثلاثة تماثيل آشورية تعود للقرن السابع قبل الميلاد لشخصيات مُجنّحة مُلتحية. وتزين هذه التماثيل أبواب المدينة القديمة في نينوى؛ المذكورة في الكتاب المقدس عند الإشارة للنبي «يونان» (المذكور في القرآن الكريم باسم يونس).

وقال متحدث باسم «الدولة الإسلامية» في بداية التسجيل المصور إن «الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بإزالة التماثيل وطمسها، وفعل ذلك الصحابة من بعده لما فتحوا البلدان، ومتى أمر الله تعالى بهدم هذه التماثيل والأصنام وطمسها وإزالتها فقد هانت علينا، ولا نبالي إن كانت بمليارات الدولارات».

ومن الصعب نسيان ما قامت به حركة طالبان من تدمير لتمثالين عملاقين لـ«بوذا» في منطقة باميان الأفغانية عام 2001، ما أحدث صدمة عالمية وجلب موجة من الاستنكار الشديد.

ومثلما كان العالم على علم مُسبق بالخطر الذي يحدق بتمثال «بوذا» من طالبان، فقد ظلت آثار متحف الموصل موضوعة على قائمة الترقب الدولية لعدة أشهر منذ أن هدد «الدولة الإسلامية» بتدميرها عقب فرض سيطرتها على مدينة الموصل في الصيف الماضي. ومن الممكن أن يكون «الدولة الإسلامية» استهدف هذه الآثار عن عمد – مثلما كان الحال مع تحطيم تمثال «بوذا» – ليس لأنها «أصنام» منحوتة قبل الإسلام، وإنما لأنها تحظى باهتمام بالغ من الآخرين. وتُعدّ فيديوهات حرق الكتب وتفجير مراكز الحج الشيعية دليلاً آخرًا على أن عناصر داعش يصطادون الثقافات.

ورغم ما حدث من تدمير بالغ لآثار قديمة في العراق، إلا إنه من الأهمية بمكان أن نذكر أن تحطيم الرموز الثقافية في الماضي لم يقتصر على المتشددين الإسلاميين، فعندما أصبح الدين المسيحي هو السائد في الإمبراطورية الرومانية في ظل حكم الإمبراطور «قسطنطين» تعرضت المعابد الوثنية إلى النهب والتدمير، كما فرض الأباطرة الرومان بعده قوانين صارمة لمكافحة الوثنية.

كما لم يكن فعل تحطيم الآثار القديمة مرتبطًا يومًا ما بظاهرة دينية؛ ففي مصر القديمة كان الفراعنة الجدد يمحون أسماء ورموز أسلافهم من الآثار العامة، وفعل الأباطرة الرومان الشيء نفسه مع آثار ورموز أسلافهم. وخلال العصر الحديث دمرت الدولة السوفيتية الكنائس الأرثوذكسية والأيقونات بشكل ممنهج كجزء من التزامها بالإلحاد.

كل هذه النماذج من الدمار الثقافي لديها شيء واحد مشترك؛ ألا وهو إظهار تفكير السلطة اللازم قبل ظهور أي نظام جديد، وهو ما يستلزم استهداف محو أمجاد الماضي، والنُظم العقائدية الموجودة مُسبقًا، والقواعد السابقة والحكام في المقام الأول. ويُعتبر ذلك تذكيرًا بأن الحكومات والسلالات والأديان تظهر وتندثر على مر التاريخ البشري. لكن هذا الدمار الذي يجاهرون بفعله هو الذي سيستمر.

ويُخفي لباس التقوى تحته القلق العالمي من السيطرة على قصص التاريخ بسبب قوة طمس الماضي لصالح الحاضر الجديد. ويدعي «الدولة الإسلامية» أنه يعمل في سبيل الله، لكنه في الواقع تتصرف مثل كل الغزاة الثقافيين. وهذا هو السبب في أنه - مثل من سبقها - يستهدف تلك المباني والعناصر التي يدخرها العالم. وهذا هو السبب في بث التنظيم أعماله على شبكة الإنترنت. إنه يقوم بها من باب الدعاية واستعراض القوة، وليس بدافع التقوى. وعلى الرغم من أنهم يقولون إنهم «لا يشغلهم ما يفكر به الناس»، إلا إنهم في الحقيقة لا يقومون إلا بما يجذب انتباه الناس إليهم، بل ويبحثون عن ذلك على وجه الخصوص.

ولكن الزعم بأنه لا يشغلهم التكلفة المالية الناتجة من تدمير هذه القطع الأثرية يبدو أجوفًا. وهناك أدلة كثيرة على أن «الدولة الإسلامية» يعمل على تهريب الآثار الأصغر حجمًا ويبيعها في أسواق ليست معروفة. وحتى مثل هذه الأسواق لا يمكن إخفاؤها بشكل جيد ودائمًا، ما يقوّض المبادئ التي يدعيها «الدولة الإسلامية» وتتصرف وفقًا لها. وكشف تقرير أعدته إذاعة «بي بي سي 4» أن هناك من تجار الآثار من قالوا صراحة عند السؤال عن بعض القطع الأثرية في أحد المعارض «حصلنا عليها من سوريا»، وأنهم أشاروا إلى قطعة بعينها  قائلين «هذه القطعة هي الأكثر إثارة للاهتمام فقد جاءت للتو من العراق». ومنذ بداية ظهورها يعتمد «الدولة الإسلامية» على القطع الأثرية المنهوبة في تمويل حملته. ويمكن لعناصر هذا التنظيم المسلح أن تستخدم الإنترنت لإظهار تدميرها لآثار تُقدر بــ «مليارات الدولارات» بهدف رغبتهم في تسويقها وبيعها في السوق السوداء من أجل المال. إنهم يسيرون خلف المال أينما كان، حتى وإن أظهروا مثاليتهم الدينية.

تدمير هذه الآثار التي لا تقدر بثمن هو خسارة مذهلة ومأساة ثقافية حقيقية. ومع ذلك؛ لا ينبغي لنا أن نعزو ذلك إلى المتشددين الإسلاميين حتى لو كان الإسلاميون المتشددون يعلنون عن أنفسهم. إنه – وبكل أسف - مشروع مشترك للأنظمة الاستبدادية من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر؛ القضاء على الماضي لتقوية الحاضر.

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية سوريا العراق الموصل

تنظيم «الدولة» يدمر أثار «متحف الموصل»

«الدولة الإسلامية» يفجر أقدم مساجد محافظة الأنبار غربي العراق

«الدولة الاسلامية» يفجر سور نينوى التاريخي العائد للحضارة الآشورية

60 يوما قابلة للتجديد لكشف المسؤولين عن سقوط مدينة الموصل بيد «الدولة الإسلامية»

«جبهة النصرة» تفجر مقام «الإمام النووي» بدرعا

العراق: مقتل قيادي بارز بـ«الدولة الإسلامية» في قصف للتحالف الدولي بالرمادي

«الدولة الإسلامية» يدمر آثار «النمرود» ... واليونيسكو تعتبرها جريمة حرب

السعودية: «محتسبون» ينهون ندوة بمعرض الكتاب بعد تنديد المحاضر بتحطيم «تماثيل العراق»

«واشنطن بوست»: تنظيم «الدولة الإسلامية» بدأ يتآكل من داخله

الأنظمة العربية والحرب العالمية على شعوبها

الاستبداد وضياع الحكمة اليمنية

في مواجهة الدولة الشمولية ودولة الاستبداد

الأنظمة العربية وأخطار العجز عن الإصلاح

في المنهج: «العمالة» و«الاختراق المخابراتي» موضوعتان لا تُقيمان دليلا