«فورين أفيرز»: كيف يمكن أن تستخدم الطاقة لتغيير مسار السياسات الدولية؟

السبت 7 مارس 2015 08:03 ص

الجدل حول ما إذا كانت مصالح الولايات المتحدة في الخارج يتم التعامل معها بشكل أفضل عن طريق القوة الصلبة (ويُقصد بها هنا القوة العسكرية مهما كانت قسوتها) أو القوة الناعمة (أقل عدوانية، وتتبنى طرق الإقناع مثل الدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية والدعاية) دائم لا ينقطع. فمنذ توليه الرئاسة؛ أكد الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» على أهمية القوة الناعمة، ما يشير إلى أن الاعتماد المُفرط على القوة العسكرية أدى إلى نفور العديد من أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها دون تحقيق الكثير في المقابل. ولكن العديد من الجمهوريين - وحتى بعض الديمقراطيين – يتهمون أوباما بالقيام بتصحيح مُفرط، ثم يستتبعون ذلك باستحضار السلوك السيئ لأمثال الرئيس السوري «بشار الأسد» والرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». وبعد كل ما قدموه من أعمال جذبت أصابع الاتهام نحوهم؛ فإن كلا الطرفين – في الواقع – قد تبنّى طريقة بينية يُمكن أن نُسميها «قوة الطاقة».

وقوة الطاقة هي استغلال مزايا أمة في إنتاج الطاقة والتكنولوجيا لتعزيز مصالحها العالمية وتقويض منافسيها. وهذا قد يعني - على سبيل المثال – إمداد الأصدقاء والحلفاء بالطاقة التي أصبحت تعتمد اعتمادا كبيرا على الإمدادات المُقدمة من قبل قوة معادية؛ كما هو الحال في جهود الولايات المتحدة لإبعاد أوروبا من اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي. كما يمكنها أيضًا أن تعني نشر منصة للنفط في المياه المتنازع عليها كوسيلة لتأكيد سيطرتها؛ كما هو الحال في عمليات الحفر في الصين في بحر الصين الجنوبي. ويمكن استخدام قوة الطاقة لتعزيز العلاقات مع شريك جيواستراتيجي، كما هو الحال في الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والهند، أو لمعاقبة أحد الجيران المُتمردة كما هو الحال في الوقف المتكرر لإمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوكرانيا. وعلى الرغم من كونها غير قاسية مثل القوة الصلبة، إلا إنه يمكن أن تؤدي قوة الطاقة إلى سياسات تعلو على مستوى القوة الناعمة.

وبالطبع؛ كانت قوة الطاقة لفترة طويلة سمة من سمات فن الحكم الدولي. ففي الوقت الذي قدمت فيه اليابان امبراطوريتها فترة ما قبل الحرب في آسيا - على سبيل المثال – فإن الولايات المتحدة التي كانت آنذاك مورد النفط الرئيسي لليابان فرضت عقوبات صارمة على نحو متزايد على صادرات الطاقة لهذا البلد في محاولة (فاشلة في نهاية المطاف) لردع المزيد من العدوان اليابانى. وفي 1973 – 1974؛ سعت الدول العربية الأعضاء في منظمة «أوبك» للحد من الدعم الخارجي لإسرائيل من خلال فرض حظر على شحنات النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا، ما أحدث تباطؤًا في الاقتصادي العالمي. وفي كل سبيل مثال؛ لم تكن القوة الصلبة بعيدة أبدًا عن أذهان صناع القرار الرئيسيين، ما يجعل الوضع مختلفًا اليوم هو أن قوة الطاقة قد حان وقت اعتبارها بديلا مُجديًا للقوة الصلبة، في الوقت الذي يبدو فيه من المُستبعد جدًا استخدام القوة العسكرية على الأقل بين القوى العظمى الكبرى.

ولنأخذ مثالا واضحا: استجابة الولايات المتحدة لعمليات التوغل الروسي في أوكرانيا. في الماضي؛ كان هذا النوع من السلوك ليُثير تحذيرات عالية بعمل عسكري أمريكي مُحتمل ونشر واضح للسفن الحربية والطائرات المقاتلة في المناطق القريبة. ولكن اليوم؛ حتى أكثر المتشددين من الجمهوريين يستبعد استخدام القوة. وبدلاً من ذلك؛ فإن الديمقراطيين والجمهوريين - على حد سواء - حددوا قطاع الطاقة كأفضل قناة يوبخون من خلالها «بوتين». وسعت إدارة «أوباما» من جانبها لمنع التمويل الغربي والتكنولوجي لشركات الطاقة الروسية على أمل أن يُبطأ ذلك الاقتصاد، والجمهوريون الذين يفضّلون العضلات أكثر يأملون تسريع تسليم الولايات المتحدة الغاز الطبيعي إلى البلدان التي تعتمد الآن على الإمدادات الروسية. «القدرة على قلب الطاولة ووضع الرئيس الروسي تحت السيطرة تكمن حاليًا تحت أقدامنا» بحسب رئيس مجلس النواب جون بوينر في مارس الماضي؛ والذي فسّر كلامه: «في شكل إمدادات هائلة من الطاقة الطبيعية».

الديمقراطيون والجمهوريون حريصون على زيادة الاعتماد على الطاقة الطاقة كأداة للسياسة الخارجية.

وسعى قادة الولايات المتحدة أيضًا إلى الاعتماد على حلول قوة الطاقة في مواجهة ألغاز السياسة الخارجية الأخرى. وتم الحديث عن الارتفاع الأخير في إنتاج النفط في الولايات المتحدة باعتباره مُفيدًا في إجبار إيران على التوصل إلى حل تفاوضي للنزاع بشأن أنشطتها لتخصيب اليورانيوم. وفي الوقت الذي كانت فيه إيران قادرة على مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن من خلال استغلال الحاجة للنفط في جميع أنحاء العالم، فإنها تجد نفسها الآن في عزلة مُتزايدة مع طفرة إنتاج الولايات المتحدة التي تُعوّض تأثير تضاؤل الصادرات الإيرانية.

طاقة غير محدودة

وهناك عدد من الأسباب التي تجعل قوة الطاقة تصعد إلى مركز الصدارة بين أنواع القوة الأخرى، فيكفيها أنها بدأت مع التردد في الاعتماد على القوة الصلبة؛ وخاصة القوى الكبرى ضد بعضها البعض. ومع ذلك؛ فإن الكثيرين في واشنطن أصبحوا حاليًا غير راضين عن استخدام القوة الناعمة وحدها، ومن ثمّ فإنهم يسعون لأدوات أكثر فعالية من النفوذ. وبجانب هذه الاعتبارات يُوجد هناك مخاوف متزايدة بشأن أمن الطاقة وأمن شبكات الإمداد الدولية.

الطفرة الكبيرة في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية ربما هي الأمر الأكثر أهمية. وفقًا لوزارة الطاقة؛ فقد قفز إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام من مستوى خمسة ملايين برميل يوميًا في عام 2008م إلى ما يقدر بنحو 9.2 مليون برميل في يناير الماضي؛ الارتفاع الملحوظ المُقدّر بحوالي 84%. وعلى افتراض أن الأسعار عادت لترتفع مُجددًا من أدنى مستوياتها الحالية، فمن المتوقع أن يستمر الارتفاع خلال السنوات القليلة المقبلة ليصل إلى 9.6 مليون برميل في عام 2020م. إنتاج الغاز المنزلي هو الآخر يشهد طفرة في النمو؛ حيث ارتفع إلى  20.1 تريليون قدم مكعب في عام 2008 إلى 24 تريليون قدم مكعب في عام 2015م، ومن المتوقع أن يزداد الإنتاج إلى حوالي 36 تريليون قدم مكعب بحلول عام 2035.

وعلى أقل تقدير؛ يتفق الكثير من المحللين على أن وسائل ازدهار الطاقة الاستثنائية خفضت اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط، وحررت واشنطن من التبعية على المدى الطويل لتدخل في مصاف الدول النفطية الكبرى. وليس ذلك فحسب؛ ففي الوقت الذي اكتسبت فيه الطفرة زخمًا، أدرك المراقبون أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام النفط والغاز كأداة ضغط لتعزيز مصالحها في الخارج كما تفعل الدول النفطية في الشرق الأوسط. وفي إشارة إلى أن التهديدات الإيرانية قد تثير أزمة نفط عالمية في النزاع حول تخصيب اليورانيوم؛ فقد أشار «دانيال يرجين» - خبير الطاقة العالمي الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة، ومؤلف كتاب الجائزة: ملحمة السعي إلى النفط والمال والسلطة - أن «العرض الجديد في أمريكا الشمالية يصبح أكثر أهمية بصفته قادر على الوقوف كثقل موازن» لأي من هذه التحركات.

وكان لهذا المنطق جاذبية واسعة بين أعضاء الطرفين. ففي البيت الأبيض؛ أعلن «توم دونيلون» - مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق - المزايا الاستراتيجية لزيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة: «وضع الطاقة الأمريكي الجديد يُعطينًا يدًا أقوى في متابعة وتنفيذ أهداف الأمن الدولي الخاصة بنا». ومن بين الجمهوريين فالسيناتور «جون ماكين» و«جون هوفن» – يكفي ذكر اسم اثنين – استخدما لغة مماثلة. وفي افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» دافعاعن زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وقالوا يجب علينا «توزيع مواردنا الطبيعية الخاصة لإضعاف نظام بوتين وتعزيز حلفائنا».

وكثيرًا ما يؤكد الجمهوريون أن البيت الأبيض يعيق جهودهم الرامية لاستخدام قوة الطاقة الأمريكية - على سبيل المثال - من خلال عدم الإسراع في بناء مرافق لتصدير الغاز في شكل سائل (الغاز الطبيعي المُسال)، ولكن لب الأمر هو عشق «أوباما» لقوة الطاقة مثلهم. ولم تسارع الإدارة فحسب إلى الموافقة على مرافق تصدير الغاز الطبيعي المسال، لكنها في الوقت ذاته تقدم المساعدة التقنية الى بلغاريا وبولندا ورومانيا وأوكرانيا، وغيرها من حكام الاتحاد السوفيتي السابق الذين يسعون لتطوير مواردهم من الطاقة بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي. في 15 يناير - على سبيل المثال - التقى وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» مع المسئولين البلغار ووعد بدعم الولايات المتحدة للجهود المبذولة لتطوير مصادر جديدة للطاقة. «لا يوجد دولة في العالم تعتمد كليًا في إمداداتها من الطاقة على بلد آخر» كما أعلن في صوفيا. «نحن ملتزمون ببذل الجهد للمساعدة في جذب الاستثمارات وتقديم المساعدة» لمحرك التنويع في بلغاريا.

تبنّي الإدارة لقوة الطاقة هو أيضا عرض لاستراتيجية الأمن القومي الجديدة التي أصدرها البيت الأبيض في أوائل فبراير. «إحياء الطاقة في الولايات المتحدة ليس فقط جيدًا للنمو» بحسب الوثيقة التي أضافت: ولكنها أيضًا «توفر مصدات جديدة ضد الاستخدام القسري للطاقة من قبل البعض كما أحدث بعض الفرص لمساعدة انتقال الآخرين إلى الاقتصادات المخفّضة الكربون». ومن ناحية أن الجمهوريين لا يختلفون بشأن الاستخدام، فإن هذا يؤكد الحاجة لاتخاذ إجراءات مُتضافرة للتغلب على المخاطر التي يمثلها «الاعتماد الأوكراني والأوروبي على إمدادات الطاقة الروسية».

يبدو إذن أن الديمقراطيين والجمهوريين شبه متفقين في وجهات نظرهم حول استراتيجية الأمن فيما يتعلق بالنقاش الدائر حاليًا في واشنطن. وعلى الرغم من أن الخلاف سوف يستمر على مدى التركيز النسبي لوضع القوة الصلبة والقوة الناعمة في مواجهة خصوم الولايات المتحدة، فإن كلا الجانبين حريصان على زيادة الاعتماد على قوة الطاقة كأداة للسياسة الخارجية. وبالإضافة إلى المبادرات الجارية بالفعل - مثل دفع «كيري» لتعزيز تنويع مصادر الطاقة في أرجاء الاتحاد السوفيتي السابق والاتفاق النووي الاخير مع الهند - فمن المرجح أن يبحث قادة الولايات البحث عن فرص أخرى لاستغلال قوة الطاقة في واشنطن لتعزيز أهداف بلادهم في الخارج.

ميزة للولايات المتحدة

وكبديل للقوة الصلبة، فإن قوة الطاقة تتصل بجدية نوايا الولايات المتحدة، ولكن من دون جلب مخاطر العمل العسكري، وكبديل للقوة الناعمة؛ فإنها توفر قدرًا من النفوذ غير متوفر من الدبلوماسية وحدها. ولكن استخدام قوة الطاقة لا يكاد يخلو من المخاطر. ربما تتمتع الولايات المتحدة ببعض المزايا في هذا المجال نظرًا لكون إنتاجاتها من النفط والغاز وافرة، ولكن البلدان الأخرى (من بينها روسيا) تمتلك أيضًا احتياطيات كبيرة ولن تتوانى عن استخدام هراوة الطاقة، والذي في غالب الأمر لا يصبّ في صالح الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أقصى الحالات؛ قد يثير مثل هذا العمل ردًا عسكريا. وفي مايو 2014؛ أدى نشر الصين لمنصات التنقيب عن النفط في المياه الفيتنامية - على سبيل المثال - إلى مواجهة بحرية في بحر الصين الجنوبي وأعمال شغب مناهضة للصين في المدن الفيتنامية الكبرى. وهناك أيضًا بعد بيئي كبير لهذه المشكلة، حيث إن أي زيادة أخرى في إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة تتطلب الاستخدام المُكثف للتكسير الهيدروليكي؛ وهي تقنية تتطلب كميات هائلة من المياه، وتُشكّل خطرًا على سلامة إمدادات المياه العذبة والزراعية. وعلى أقل تقدير؛ فإنه رغم ذلك هناك بعض الأخبار الجيدة التي يمكن العثور عليها في حقيقة أن الديمقراطيين والجمهوريين قادرين على الاتفاق على شيء ما، خاصة في مجال السياسة الخارجية.

  كلمات مفتاحية

النفط النفط الصخري أزمة الطاقة أمن الطاقة الطاقة

خبراء: مشروعات الطاقة في الخليج لن تتأثر بهبوط أسعار النفط

«أوبك»: استقلال أمن الطاقة لكل دولة غير عملي ولا يناسب الاقتصاد الدولي

«التليجراف»: الولايات المتحدة لن تكون بديلا عن السعودية في سوق الطاقة العالمي

وكالة الطاقة الدولية تتوقع مزيدا من الضغوط النزولية على أسعار النفط

النفط الصخري ومستقبل الطاقة في العالم

5.3 تريليونات دولار فاتورة دعم الطاقة عالميا .. ودول الخليج تسجل أرقاما قياسية

نظام دولي مرتبك