العصا والجزرة والنووي الايراني

الجمعة 29 مايو 2015 03:05 ص

إن تصرف الرئيس الامريكي «أوباما» في حلبة الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة، وفي الأساس في الأسابيع الاخيرة، يثير الانطباع بأن التهديد الأساسي الذي يبدو من هذه الجبهة على قيم وثقافة والتراث الديمقراطي للولايات المتحدة، يكمن في وجود ووضع الحليف الاسرائيلي. في الوقت الذي يواصل فيه العالم العربي الخوف، يحرص البيت الأبيض على البقاء في قالب العلاقات الخاصة بين واشنطن والقدس، في حين أن سياسته تتميز بالتناقض الداخلي.

فمن جانب هو يحذر تقريبا كل يوم من تضاؤل القاسم المشترك المعياري، الأيديولوجي والفكري الواقع في أساس التعاون الأمريكي الاسرائيلي. ومن الجانب الآخر، إضافة إلى الانتقاد اللاذع الذي يوجهه الرئيس ضد «إسرائيل» بسبب انحرافها كما يبدو عن الطريق الامريكي للتعددية والتسامح، فهو يعطيها في هذه الايام رزمة كاملة من المحفزات السياسية والاستراتيجية.

قرار «أوباما» صد المبادرة المصرية لعقد مؤتمر دولي في موضوع نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط (الذي عارضته اسرائيل بشدة)، واستعداده لتزويد «إسرائيل» بمنظومة سلاح متطورة (بما فيها صواريخ "هيلفاير" المضادة للمروحيات والقنابل الخارقة للتحصينات)، هما لبنتان مركزيتان لهذه السياسة الحامية والمدافعة. على خلفية هذا التناقض من الاستخدام في نفس الوقت للعصا والجزرة في المجال الامريكي الإسرائيلي، يثور السؤال أين هي وجهة الدبلوماسية الأمريكية في نهاية عهد «أوباما»، وكيف يمكن تفسير الإشارات المتناقضة التي تصل الآن من واشنطن.

في المجال الأمني الصورة واضحة، حيث أنه لا يوجد شك بأن القرار لبيع «إسرائيل» وسائل قتالية متطورة، التي ستساعدها على التعامل بنجاح مع التحديات الاقليمية المحتملة (التي في مركزها ايران)، وفي نفس الوقت تُمكنها من الحفاظ على ميزان الردع في مواجهة أعدائها، هو خطوة لبناء الثقة وتهدف أولا وقبل كل شيء اعطاء القدس تعويضا مسبقا عن الاتفاق النووي الآخذ في التبلور مع طهران. على أمل أن يُقلل الامر من تصميم رئيس الحكومة «نتنياهو» مواصلة النضال ضد الاتفاق الذي يقف على الباب.

إذا كان الأمر كذلك، واذا كان الهدف هو اقناع «إسرائيل» بالالتزام الشديد لواشنطن تجاه أمنها، فلماذا اختار الرئيس أن يرفق بهذه العملية سلسلة غير منتهية من الاتهامات والادانات تجاه الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في المنطقة كلها؟. 

الاجابة على هذا السؤال، التي تربط وتصل بين الجزرة والعصا، مرتبطة في الاساس بالسياق الإيراني وليس بحبل سري مع المجال القيمي بالتحديد. كما أن منظومة العلاقات الاثنية في بلاد «العم سام» لا تستطيع أن تكون مصدر إلهام تجاه المجتمع الاسرائيلي.

عمليا، يمكننا التقدير بأن السياسي «أوباما» يُشخص الآن وجود فرصة لتوسيع هامش مناورته الداخلية أمام حكومة «نتنياهو»، عشية الحسم في الموضوع الإيراني. على خلفية إمكانية أن جزرة التعويضات الموعودة (التي رمز اليها البيت الابيض مرارا وتكرارا)، لن تحقق هدفه ولن تضائل من قوة معارضة اسرائيل للاتفاق، قرر الرئيس 44  أن يضيف اليها بُعدا من القوة على شكل «مسلسل تعليمي».

وعلى خلفية عمليات التضاؤل في مستوى الدعم لـ«إسرائيل»، التي اتضحت في السنوات الاخيرة في أوساط الجناح الليبرالي الأمريكي، يسعى «أوباما» لتشجيع وتسريع هذه التوجهات على أمل تعميق الإضرار بقاعدة الدعم الجماهيرية لاسرائيل، وخصوصا في اوساط جيل الشباب الذين يؤيدون الحزب الديمقراطي.

بهذا يسعى الرئيس الى أن يكمل بنجاح المفاوضات مع إيران في الموضوع النووي (وربما أيضا المبادرة بعملية أخرى في الحلبة الفلسطينية)، دون أن يكون مُعرض لهجوم شديد وواسع من قبل مؤيدي «إسرائيل» في الرأي العام الأمريكي والكونغرس، الذين يواصلون في هذه المرحلة معارضة الصفقة.

في الأشهر القريبة القادمة سيتضح ما إذا كانت هذه المقاربة ستنجح وتزيد الانقسام في اوساط معسكر مؤيدي «إسرائيل» في المجال الداخلي الامريكي. ما هو واضح حتى الآن هو أن الاستخدام المتكرر بصوت الادانة والانتقاد من شأنه أن يعكر أكثر العلاقات بين الشريكتين، وذلك رغم جزرة الاغراء والتعويض التي لم تعد وسيلة للتهدئة.

  كلمات مفتاحية

أمريكا إيران أوباما نتنياهو الاتفاق النووي تسليح إسرائيل

المساعدات العسكرية الأمريكية لـ«إسرائيل» ستزيد بسبب اتفاق إيران

«نتنياهو» يشكر أمريكا على «عرقلة» حملة تقودها مصر لحظر «النووي» بالمنطقة

واشنطن تبحث منح «إسرائيل» طائرات «إف-35» حال توقيع الاتفاق النووي مع إيران

الاتفاق النووي أولا... فماذا يبقى من كامب ديفيد؟

«الكونغرس الأمريكي» يقر قانونا يمنحه حق النظر في الاتفاق النووي النهائي مع إيران

«نتنياهو» يعتبر الاتفاق النووي تهديدا للعالم .. و«كيري» ينتقد التعامل معه بـ”هستيريا“

معايير «أوباما» النووية مزدوجة ومنحازة وانتقائية..!!

اتفاق النووي وصراع الإصلاحيين والمحافظين في إيران

الاستراتيجية السوبر لإيران لسحق الولايات المتحدة في معركة حربية