الاستراتيجية السوبر لإيران لسحق الولايات المتحدة في معركة حربية

الأحد 21 يونيو 2015 02:06 ص

منذ توليه مهام منصبه في عام 2009، حرص الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» باستمرار على إعطاء معنى أن الولايات المتحدة قد تنفذ ضربات جوية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وقد وجد هذا الموقف دعما وتأييدا من قبل الغالبية العظمى من صانعي السياسة الأمريكية والمشرعين والنخبة السياسية، بغض النظر عن الانتماء السياسي الذي يحملونه.

ومع ذلك؛ فقد كان هناك شبه اتفاق عام على أن الضربات الجوية ضد المنشآت النووية الإيرانية من شأنها ألا يكون لها سوى تأثير محدود على منع إيران من الحصول على قنبلة نووية، ومما لا شك فيه أن أي جهود متضافرة لشن غارة جوية ضد إيران ستؤخر قدرتها على بناء ترسانة نووية لعدة سنوات، ورغم ذلك كله؛ تبقى إيران قادرة على إعادة بناء منشآتها النووية قبل فترة طويلة، لاسيما في ضوء حصولها المفاجئ على راحة اقتصادية سوف تجنيها بلا شك بمجرد أن العقوبات الاقتصادية المفروضة ضدها تتفكك ردا على العمليات العسكرية الأمريكية.

ليس هناك من سبيل لمنع إيران -بالفعل- من امتلاك سلاح نووي سوى قيام الولايات المتحدة بغزو واحتلال هذا البلد، ما يحول إيران إلى نظام أكثر ودا وحميمية مع الولايات المتحدة، والذي بدوره يقود إلى دعم الوضع غير النووي الإيراني، وعلى الرغم من تأييد واسع في أروقة صناعة السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية لمنع إيران من صنع سلاح نووي، إلا إن هذا الخيار -على الأرجح- غير مقترح من قبل أي مراقب ينظر للأمر بجدية.

ويعكس جزءا من هذا -بلا شك- التعب الأمريكي  في أعقاب الحربين الكبيرتين في كل من العراق وأفغانستان على مدى سنوات، ومع ذلك فإن الأمر يذهب أعمق من ذلك بكثير، أقصد بذلك أنه في حين أن الجيش الإيراني تابع إلى حد كبير للقوات المسلحة الأمريكية، فإن الجيش الأمريكي لن يكون قادرا على قهر إيران بسرعة وبتكلفة زهيدة مثلما فعل في العراق وأفغانستان، وفي الواقع أيضا سوف تكون طهران قادرة على فرض تكاليف باهظة ضد الجيش الأمريكي، حتى قبل بدء الاحتلال الصعب.

قدرة إيران على الدفاع عن نفسها ضد الغزو الأمريكي تبدأ من جغرافيتها الهائلة، وكما أوضحت «وكالة ستراتفور» -شركة استخبارات خاصة– أن «إيران بحكم موقعها وطبيعتها أشبه بقلعة، محاطة من ثلاث جهات بالجبال، والوجهة الرابعة على المحيط، ووسطها عبارة عن أرض قفار قاحلة، وبالتالي فقهر إيران والتغلب عليها لن يكون سهلا على الإطلاق».

وفي حين أن «قوة صد المياه» كانت دائما سببا في جعل غزو البري أكثر تفضيلا بكثير للطرف الغازي، فإن عصر القنابل الذكية الموجهة جعل الغزو البرمائي تحد بشكل خاص، وعلى هذا النحو؛ فإن الولايات المتحدة تفضل بقوة غزو إيران من خلال أحد حدودها البرية، تماما كما فعلت عندما غزت العراق في عام 2003م.

ولسوء الحظ، هناك عدد قليل من الخيارات في هذا الصدد، فللوهلة الأولى، يبدو الغزو من غرب أفغانستان الطريق الأكثر قبولا، بالنظر إلى أن الجيش الأمريكي بالفعل له قوات مرابطة في ذلك البلد، وللأسف، لن يكون خيار على الإطلاق.

بادئ ذي بدء؛ فإنه من وجهة النظر اللوجستية ستكون عملية بناء قوة غزو كبيرة في غرب أفغانستان كابوسا، وخصوصا في ظل تدهور علاقة الولايات المتحدة مع روسيا بشكل كبير جدا في الآونة الأخيرة.

والأهم من ذلك هو جغرافية المنطقة الحدودية؛ أولا، هناك بعض السلاسل الجبلية الصغيرة إلى حد ما على طول المنطقة الحدودية، وما هو أكثر أهمية هو أن التحول من الحدود الأفغانية إلى معظم المدن الرئيسية في إيران سيتطلب عبور منطقتين في صحراء كبرى مترامية الأطراف؛ صحراء لوط وصحراء كوير.

وتبدو صحراء كوير مخيفة بشكل خاص؛ حيث إنها عبارة عن بحر رمال يغرق فيها من يحاول السير على رمالها. وكما تقول «وكالة ستراتفور» الاستخباراتية: «تتكون صحراء كوير من طبقة من الملح تغطي الوحل، ومن السهل اختراق طبقة الملح والغرق في الوحل، وهي واحدة من أكثر الأماكن الضحلة على وجه الأرض»، صحراء بهذه الصورة من شأنها أن تقيد بشدة قدرة الولايات المتحدة على استخدام أي مشاة ميكانيكية ممكنة لنقل الغزو من مرحلة إلى أخرى.

حدود إيران الغربية ليست أكثر تشويقا أو جاذبية، وفي حين أن شمال غرب إيران هو جزء من الحدود مع تركيا –عضو في حلف الناتو الحليف للولايات المتحدة– فقد سبق أن رفضت أنقرة طلبا من الولايات المتحدة باستخدام أراضيها لغزو العراق، وبغض النظر عن ذلك، فإن جبال زاجروس التي تحدد حدود إيران مع تركيا ومعظم أنحاء العراق، من شأنها أن تجعل أي غزو واسع من خلال هذا الطريق صعبا للغاية، ويحتاج للتفكير فيه مرات ومرات قبل تجربته.

الاستثناء الوحيد على الحدود الإيرانية الغربية في أقصى الجنوب؛ حيث يلتقي نهري دجلة والفرات لتشكيل ممر شط العرب المائي، وكان هذا طريق غزو استخدمه «صدام حسين» في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وللأسف؛ فإنه وكما وجد «صدام»، فإن هذه الأرض عبارة عن مستنقعات وتسهل من عملية الدفاع، وعلاوة على ذلك؛ فإنه لا يكاد يمر وقت طويل بعد العبور إلى الأراضي الإيرانية حتى تجد القوة الغازية نفسها أمام جبال زاغروس، ومع ذلك؛ تبقى هذه المنطقة أكثر المناطق التي قد يطال إيران تهديد منها، وذلك كان سببا في جعل إيران ترمي بثقلها في العراق محاولة إيصال حكومة شيعية إلى سدة الحكم في العراق، فضلا عن تحويل العراق إلى دولة ذات أغلبية شيعية. وللأسف؛ فإنه بالنسبة لأي رئيس أمريكي يبحث عن غزو إيران، فإن طهران نجحت إلى حد كبير في هذا الجهد؛ حيث نجحت في إغلاق قاعدة محتملة يمكن للولايات المتحدة أن تهاجم إيران منها.

وبالتالي؛ يمكن للولايات المتحدة غزو إيران من ساحلها الجنوبي، الذي يمتد تقريبا 800 ميل، وينقسم بين الواجهة البحرية المتاخمة لـ«الخليج الفارسي» وخليج عمان، وكانت إيران قد قامت بالتحضير لمثل هذا الطوارئ على أعلى مستوى منذ ربع قرن، وعلى وجه التحديد؛ فقد ركزت على اكتساب قدرات لتنفيذ استراتيجية المنطقة المحرمة ضد الولايات المتحدة، وذلك باستخدام عدد كبير من الصواريخ الموجهة بدقة وغير الذكية وقوارب سرب وطائرات بدون طيار وغواصات وألغام.

وكما هو الحال دائما؛ فإن فوائد إيران في أي حملة منع/ولوج منطقة محرمة تكون من جغرافيا السواحل الإيرانية، وفي كتاب «انتقام الجغرافيا» كتب مؤلفه روبرت كابلان عن السواحل الإيرانية، «خلجانها ومداخلها وكهوفها وجزرها أماكن ممتازة لإخفاء أي قوارب أو ناقلات تستعد للقيام بعمليات انتحارية أو فدائية»، وأضاف أنه من الممكن إضافة أنظمة صواريخ تطلق من الأرض.

وأوضح «مايكل كونيل» -مدير برنامج الدراسات الإيرانية في سي إن إيه– أكثر قائلا: «الجغرافيا عنصر أساسي في تخطيط البحرية الإيرانية، ويحد الفضاء في منطقة الخليج المحصورة -وهو أقل من 100 ميل بحري واسع في العديد من الأماكن- من القدرة على المناورة من مصادر القوة الكبيرة على السطح، مثل حاملات الطائرات، ولكنه يلعب على نقاط القوة في القوات البحرية الإيرانية، وخاصة الحرس الثوري الإيراني، وينتشر على الساحل الشمالي للخليج الخلجان الصخرية المناسبة بشكل مثالي لإخفاء التضاريس وعمليات القوارب الصغيرة، كما قام الإيرانيون بتحصين العديد من الجزر في الخليج الذي يجلس على مفترق طرق الملاحة الرئيسية».

وتقوم إيران بتطوير استراتيجية غير متماثلة لمواجهة العمليات الأمريكية في «الخليج الفارسي»، وتمزج هذه الاستراتيجية بين التكتيكات غير النظامية والأسلحة المرتجلة مع قدرات متقدمة من الناحية التكنولوجية لمنع/للحد من وصول الجيش الأمريكي من الوصول إلى القواعد وتقييد حريتها في المناورة عبر مضيق هرمز، ويمكن لاستراتيجية منع الولوج/المنطقة المحرمة «المركبة» التي تنتهجها إيران أن تستغل الميزات الجغرافية والسياسية في منطقة «الخليج الفارسي» للحد من فعالية العمليات العسكرية الأمريكية، وقد لا يكون هذا النوع في حد ذاته استراتيجية ناجحة للحرب على إيران، ومع ذلك؛ فإن أي عملية رفع بشكل كبير للتكاليف أو تمديد الجداول الزمنية للتدخل العسكري الأمريكي قد تخلق فرصة لإيران لإجراء أعمال عدائية.

ولأن هذا قائم ضمنيا، قد تواجه الولايات المتحدة أضرارا وخسائر كبيرة في محاولة لتأسيس رأس جسر في جنوب إيران، ورغم ذلك؛ لن تنتهي تحديات الولايات المتحدة بتأسيس موطئ قدم لهم؛ لأنه لا يزال يتعين عليها قهر بقية إيران.

وللمرة الثانية؛ قد تعمل الجغرافيا لصالح إيران، في الوقت الذي تقع فيه تقريبا كل المدن الرئيسية في إيران في شمال البلاد، فإن الوصول إليها سيكون تحديا جبارا في أحسن الظروف، وقبل كل شيء؛ ستكون التضاريس -كما هو الحال دائما- تحديا يقف في وجه القوة الغازية الكبيرة، والأهم من ذلك؛ إيران ليست باللقمة السائغة التي يسهل هضمها، وكما تقول «وكالة ستراتفور» إيران هي الدولة رقم 17 في العالم من حيث المساحة، وتبلغ مساحتها مليون و684 ألف كيلومترا مربعا، وهذا يعني أن أراضيها أكبر من أراضي فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال جنبا إلى جنب.

وبطبيعة الحال؛ فإن القوات الأمريكية لن تعمل في ظل ظروف تروق لها، وفي الواقع؛ فقد خططت الحرس الثوري الإيراني لفترة طويلة على شن حملة تمرد وحرب عصابات ضد أي قوة غازية تحاول الوصول إلى مدن في شمال إيران عن طريق سواحلها، وقد أطلق الحرس الثوري على الخطة «دفاع الفسيفساء»؛ وهي الخطة التي تتضمن جهودا مشتركة من الحرس الثوري و«الباسيج» وقوات مسلحة نظامية، ويصف «كونيل» الأمر على النحو التالي:

«خطة دفاع الفسيفساء تسمح لإيران بالاستفادة من عمقها الاستراتيجي والجغرافيا الهائلة لتنظيم حركة مسلحة ضد أي قوات غازية.. وفي الوقت الذي تمتد فيه خطوط إمداد العدو إلى داخل إيران، فإنها ستجد نفسها في مواجهة خلايا خلفية شكلها الحرس الثوري لتعترض طريق العمليات الخلفية للعدو».

وتشكل «آرتش» -مزيج من المدرعات والمشاة ووحدات ميكانيكية- خط إيران الأولي للدفاع ضد القوات الغازية. وتدعم قوات الحرس الثوري هذا الجهد، ولكن من شأنه أيضا أن يشكل نواة المقاومة الشعبية، والجزء الأكبر منها سيتم توفيره من قبل «الباسيج»؛ وهي القوة من المتطوعين شبه العسكرية للحرس الثوري، كما وضع الحرس الثوري الإيراني خطة لحشد «الباسيج» في وقت الحرب –سميت باسم خطة معن- تنص على أن أفراد «الباسيج» من شأنهم أن يزيدوا من قوة وأداء الحرس الثوري في سيناريو الغزو.

وقد ظهر الحرس الثوري و«الباسيج» وهم يؤدون تمارين المحاكاة على كمائن مدرعة وطائرات هليكوبتر، وقد أجري الكثير من هذا التدريب في بيئة حضرية، ما يشير إلى أن إيران تعتزم استدراج قوات العدو في المدن لتحرمهم من التنقل بحرية أو أي دعم جوي قريب، كما أكدت إيران على إجراءات الدفاع السلبي؛ وهي التقنيات المستخدمة لتعزيز استمرارية المعركة، بما فيهم التمويه والإخفاء والخداع.

لقد وجدت الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان أن غزو البلد هو الجزء السهل، ولكنه في الوقت ذاته برهن الاحتلال على تكلفته العالية على كافة المستويات؛ وخاصة الأرواح، وفي حين أن احتلال إيران سيكون أصعب بكثير من العراق وأفغانستان، فإن مجرد غزو إيران سيكون بمثابة التحدي الهائل، ونتيجة لذلك؛ فإنه في حين أن غزو إيران هي الطريقة الأكثر استدامة لمنعها من صنع سلاح نووي، فمن غير المرجح أن تحاول واشنطن فعل ذلك في أي وقت قريب.

  كلمات مفتاحية

إيران الولايات المتحدة العراق الحرس الثوري الباسيج باراك أوباما

«كيري»: واشنطن لا تصر على إجابة إيران على أسئلتها بشأن أنشطتها النووية

إسرائيل تتهم القوى العالمية بالرضوخ لإيران في الاتفاق النووي

وزير الدفاع الإسرائيلي: إيران أخطر من «الدولة الإسلامية» والاتفاق النووي معها هو الأسوأ

«شاتام هاوس»: التوترات في الخليج تهدد بتعظيم فوائد الاتفاق النووي لإيران

الولايات المتحدة وإيران تحاولان تذليل العقبات أمام الاتفاق النووي

العصا والجزرة والنووي الايراني

السعودية: استخدام الطاقة النووية سلميا «حق مشروع» لكافة دول المنطقة

تطاول «الأقزام» والأفق المصري المسدود