«أردوغان» وأكراد سوريا.. من القط ومن الفأر؟

الاثنين 6 يوليو 2015 11:07 ص

أيا كان ما يحدث، العرض ما زال مستمرا، وما زال لدينا بعض الوقت قبل أن نسمع «انتهى العرض أيّها السادة»، حيث أفاد شهود عيان في غازي عنتاب، وهي بلدة صغيرة تقع على الحدود السورية التركية، أنّ «أردوغان» قد أرسل بالفعل 35 دبابة إلى المنطقة الحدودية، في حين أن ما تمت مناقشته في أنقرة هو إقامة منطقة آمنة تمتد على طول الحدود من إدلب إلى أضنة ومن عزاز إلى منبج وكوباني وإلى تل أبيض، وتستبعد الولايات المتحدة رسميا أي نوايا لإنشاء منطقة عازلة تنطوي على قدرات أمريكية مباشرة، ومع ذلك، يبدو أنّ هناك حليفا إقليميا رئيسا للولايات المتحدة يعترض على فكرة مساعدة الأكراد لإقامة مثل هذه المنطقة.

لم ينشر«أردوغان» لب القوات في أي نقطة أخرى من غازي عنتاب حت الآن، ولم يتم الكشف عن أي شيء غير عادي في باراك عبر مدينة جرابلس في سوريا، لا شيء في ريحانلي وليس في كيليس، ولا أكاكيلي أو كوبانبي، «أردوغان» بحاجة إلى نشر المزيد من القوات على طول هذا القوس الحدود إذا كان ينوي فعلا غزو سوريا، هل يمكن أن يتحايل «أردوغان»؟

نعم، يمكنه فعل ذلك. ولكن ليس هناك شك في أنه يشعر بالقلق الآن بعد أن استولت وحدات حماية الشعب الكردي على تل أبيض. (حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري من حزب العمال الكردي، وجناحه العسكري هي وحدات حماية الشعب الكردي). مسار الأحداث عبر الحدود هو بالضبط عكس ما كان يتمناه «أردوغان»؛ فهو يعتقد أن إحجام واشنطن عن الخطط التي نوقشت في السابق لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا كان الهدف منه تمكين الأكراد للسيطرة على الشريط الحدودي بين الشرق والغرب الذي يمكن أن يكون صالحا لإنشاء منطقة عازلة.

الاعتقاد السائد في أنقرة هو أن الأمريكان يركزون فقط على تنظيم «الدولة الإسلامية» وأنهم ليسوا جادين في التخلص من الأسد. إنّ الأمريكان ينظرون إلى الأكراد باعتبارهم قوة صديقة؛ لأنهم يحاربون الدولة الإسلامية. لكنّ الأكراد يأتون على قائمة مخاوف أردوغان، يليهم الأسد. كما يتم تقييم تنظيم الدولة الإسلامية في أنقرة وفقا لموقعه في حسابات كل عدو. لماذا يندفع الأتراك لمحاربة الدولة الإسلامية على الأقل في الوضع الحالي على حدودها؟

الأكراد أنفسهم يهتمون في المقام الأول بالسيطرة على منطقتهم الخاصة، ومناطق أخرى إذا أمكن ذلك. يتم تشجيعهم على التركيز على السيطرة على هذه «المناطق الأخرى» بالقدر الذي يعني محاربة «الدولة الإسلامية». إذا كان تنظيم «الدولة الإسلامية» والأكراد يقاتلون بعضهم البعض؛ فهذا سوف يرضي «الأسد»، لكنّ فوز الأكراد سيجعل عدوه «أردوغان» مستاء للغاية. في حين أن فوز «الدولة الإسلامية» سيجعل الأمريكان غير راضين تماما. أما بالنسبة له ونظامه، فالشمال يُعدّ حالة ميؤوسا منها على أية حال؛ إنّه مفقود الآن، وسيبقى كذلك لفترة طويلة قادمة. ولكن إذا دخلت تركيا في الشمال، فهذا من شأنّه وقف العرض الترفيهي للأسد وعصابته في دمشق.

في اللحظة الراهنة، الانتشار العسكري التركي قرب الحدود مع سوريا هو مجرد تكتيك للضغط؛ نظرا لأن جنرالات «أردوغان» يعارضون التدخل في سوريا وهذا أيضا هو موقف الحلفاء في حلف الناتو. طلب رئيس الوزراء التركي «أحمد داود أوغلو» من الأمم المتحدة إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا تسيطر عليها الأمم المتحدة قد يحبط الخطط الكردية لإنشاء كيانهم الخاص في الشمال و«تدويل» القضية برمتها. وقد حذّر «أردوغان» الجميع، خاصة الأكراد، أنّه «لن يسمح بإنشاء دولة كردية على الحدود التركية».

ولكن، أيا كان الذي يدور في ذهن «أردوغان»، فهو لديه رؤية هنا. من خلال تسريع وتيرة الأمور، يجعل أكراد سوريا أنفسهم أكثر اعتمادا على صديق يفضل فعل أشياء قليلة بعد فوات الأوان. لكنّ الواقعية السياسية من رئيس حكومة إقليم كردستان في العراق «مسعود بارزاني» هي أكثر حذرا في مثل هذه الظروف. يتركز النقاش داخل حزب العمال الكردستاني شبه اليساري الآن حول ما إذا كان هذا هو الوقت المناسب لتحقيق الطموح الوطني للشعب الكردي، ولتحديد الإجابة، فإنّ الإشارة الوحيدة التي ينبغي تحليلها هي توازن القوى بين القوى ذات الصلة. إنّها ليست قضية عقائدية أو أخلاقية؛ إنّها سياسية بالأساس.

يمارس حزب العمال الكردستاني، مع حلفائه في شمال سوريا، الإقصاء ضد المعارضة السُنية، ويحاربون «الدولة الإسلامية»، ويطهرون المناطق الاستراتيجية لمشروعهم من العرب وربما قريبا سيحاربون الأتراك. عادة ما يكون التسرع غير مفيد مثل التأخر في بعض الحالات. إنّ أي استراتيجية لا تكون مبررة بسبب ضرورتها الموضوعية فحسب، ولا من الحجج الأيديولوجية أو الأخلاقية؛ بل ينبغي أن تستند بالأساس على توفر الوسائل والموارد لتحقيق مجموعة واضحة من الأهداف في توازن معين للقوة. كما تتطلب وجود فهم مدروس جيدا لعواقبها وطبيعة المقاومة المتوقعة. لقد كتب المصريون القدماء على جدار واحد من معابدهم: نم ليلة قبل أن تتحدث، ونم ليلتين قبل أن تفعل. خذ بعض الوقت للتفكير وأعد التفكير مرة أخرى. «بارزاني» لا يحظى بشعبية كبيرة داخل حزب العمال الكردستاني، لكن من الأفضل منحه الثقة للعبور بقاربه إلى بر الأمان في هذه المياه العاصفة.

ينبغي ألّا يخوض الأكراد حروب القوى الأخرى. يجب أن يكونوا حذرين في التحرك خارج أراضيهم التاريخية. ليست هناك وجبة غداء مجاني في الرمال المتحركة الحالية في سوريا. في حين أنهم يعملون لتحقيق التطلعات الوطنية المشروعة ضمن مناطقهم التاريخية، لكنّه ينبغي عليهم بناء علاقات قوية مع بقية السوريين من حولهم الذين يحاولون تحقيق التطلعات الوطنية الخاصة بهم. الخروج من مناطقهم، إذا كان من دون تحالف أوسع مع غيرهم من جماعات المعارضة العربية السورية المعتدلة، سوف يشوّه صورتهم في نظر بقية السوريين؛ فالسوريون، وليس الأمريكان، هم من سيكونون جيرانهم لفترة طويلة قادمة.

العملية التركية في سوريا ستكون مختلفة عن التدخلات السابقة المماثلة في العراق، في أن الأولى قد تكون استنزافا على المدى الطويل. ويعتقد الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة، الجنرال «إيلكر باشبوغ»، أنّ مثل هذه العملية ستكون «طويلة الأمد»، وستتطلب 18 ألف جندي في مرحلتها الأولى. ولا يبدو أنّ متطلباتها في المراحل التالية يتعين دراستها بشكل كاف من قِبل الرئيس التركي المتسرع. في الوقت الحالي، من المرجح أن يتغاضى «أردوغان» عن الكثير من الأمور. لكن هل سيقوم بحركة جريئة في المستقبل؟

تنتشر علاقات تركيا مع «الدولة الإسلامية» في معظم وسائل الإعلام، ولكنها مبالغ فيها في بعض الأحيان. تنظيم «الدولة الإسلامية»، بالنسبة لـ«أردوغان»، مفيد بقدر ما يضعف «الأسد» ووحدات حماية الشعب الكردي. وفي ظل تحول وحدات حماية الشعب الكردي الآن إلى قوة يحسب لها حساب في الفوضى الدائرة شمال سوريا، فإنّ العلاقات بين الأتراك و«الدولة الإسلامية» ستعزز للغاية، وستتحول المبالغة إلى نبوءة محققة لذاتها. ومن الآن فصاعدا، سيكون من الصعب على واشنطن إقناع «أردوغان» الذي يشكّك بشكل طبيعي في أي شيء متعلق بسوريا. من الأفضل نصيحة الرئيس التركي ليأخذ نفسا عميقا ويستمع إلى ما كتبه المصريون القدماء على جدران معابدهم. فهو سيدفع قواته نحو خليط متفجر في شمال سوريا. ويجب ألّا يأمل في غطاء سياسي دولي على الإطلاق.

«أردوغان» في موقف صعب، وخياراته صعبة حقا. ربما في ظل يأسه يجعل الخيارات الكردية صعبة أيضا ويتجاهل نصيحة الفراعنة. الطريقة الوحيدة للترويح عنه هي أن يقدم له الأكراد واللاعبون الدوليون ضمانات أكثر مصداقية بأن الحد الأقصى للأكراد في سوريا سيكون مماثلا للأكراد في العراق، حيث ما تزال سوريا بلدا واحدا حتى ولو بالاسم فقط. وهذا سوف يكون علامة على حكمة الأكراد. إذا دخلت القوات التركية سوريا لن يساعد ذلك أي شخص، بما في ذلك الأتراك والأكراد، وعلاوة على ذلك، إذا ذهب الأتراك إلى شمال سوريا، هل سيكون هناك أي ضمان أنهم سوف ينسحبون مرة أخرى؟

يجب على وحدات حماية الشعب الكردي أن تتعامل مع اهتمامات الرئيس التركي بمصداقية، وقد نفى زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي «صالح مسلم» أي نوايا لإقامة دولتهم في شمال سوريا، لكنّ حزب العمال الكردستاني وأنقرة كانا في حرب في جنوب شرق تركيا على مدى عقود دون وجود أي احتمالات خطيرة لإقامة دولة كردية هناك، ليس في المدى المتوسط على الأقل. وعلاوة على ذلك، لا أحد يصدق ما يقوله «مسلم»، ولا حتى أتباعه.

فقد تتحول محادثات السلام بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة لتكون عنصرا حاسما في تهدئة الإعصار الذي قد يعصف بشمال سوريا.

  كلمات مفتاحية

تركيا سوريا الأكراد نظام الأسد الدولة الإسلامية

تركيا تعين وزيرا جديدا للدفاع وتواصل حشد قواتها علي حدود سوريا

«سياسة اللامعقول» .. مقترح «بوتين» لتحالف رباعي يضم سوريا والسعودية وتركيا والأردن

تركيا: الإجراءات الأمنية الأخيرة تهدف لحماية الحدود وليست من أجل الحرب

«ذا ديلي بيست»: تركيا تخطط لاجتياح سوريا لإيقاف الأكراد وليس «الدولة الإسلامية»

تركيا تبحث تطورات الأوضاع بسوريا وتنشر مدرعات على الحدود معها

لماذا يعد التحالف الكردي الأمريكي خطرا على تركيا؟

تركيا تعتزم بناء جدار عازل بطول حدودها مع سوريا لمنع تسلل «الإرهابيين»

«التايمز»: الانتقام الكردي .. الأكراد يقومون بالتطهير العرقي للعرب

أكراد سوريا والحليفتان الأطلسيتان

«أردوغان»: تنظيم «الدولة الإسلامية» مدعوم من نظام «الأسد»

مع انتصارهم على «الدولة الإسلامية» .. أكراد سوريا يمارسون «التطهير العرقي»

القبض على «أبو حنظلة» في اسطنبول.. و«أردوغان» يتعهد بمواجهة «الإرهاب»

خطط إنفاق «أكراد سوريا» تعكس طموحا متزايدا

زعيم كردي يدعو لمشاركة الأكراد في اجتماع المعارضة السورية بالسعودية

بعد تصريحات تركية محذرة.. واشنطن: لا نساوي بين أنقرة والأكراد