استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مسلسل «سيلفي» .. طبق مغشوش!

الخميس 9 يوليو 2015 03:07 ص

يوصي بارون الإعلام الكندي اللورد «بيفر بروك» مراسليه بوصية ذهبية مفادها «ضعوا أفضل ما لديكم من فراولة على سطح الطبق»، في إشارة إلى أهمية التشويق وخداع المتلقي في نقل الأخبار، حتى إن كانت بقية المادة التي يتضمنها التقرير خالية من أي معلومة أو معنى، وهي حيلة نتفاجأ بها كل يوم عندما نشتري صندوقاً من الكمثرى أو الخوخ، أو أي صنف من الفواكه والخضروات بما نصادفه من احتيال معلن في طبقاته السفلية، حيث صرنا نتعايش مع الغش بكل حالاته المادية واللامادية، على اعتبار أن الخداع جزء من مجريات الحياة.

وهذا هو ما واجهناه درامياً خلال شهر رمضان الحالي في مسلسل «سيلفي»، الذي أوهمنا القائمون عليه بأننا إزاء عمل فني تتوفر فيه الحاجات الإنسانية الكبرى التي تعد بها الدراما، كما يتجاوز عثرات وإسفاف الأعمال السابقة، والانطلاق من نقطة جديدة تستجيب لمستحقات اللحظة المعاشة، إلى أن اكتشفنا أننا بصدد مشاهدة مسلسل يخلو من أي إشارة عميقة تعادل ما يُسمى بالنص التحتي، مقابل مشهدية مباشرة تغلب عليها الرطانة الخطابية بدون أي تورية فنية.

العنوان «سيلفي» يأتي في سياق العناوين التكنو- ثقافية العصرية الخفيفة كمسلسل «واي فاي» وغيرها من اللافتات التي تمتص عناوين اللحظة ولا تمثلها، حيث توهمنا بأن المسلسل سينصب مرآة كبيرة قبالة مجتمعنا لنحدق في عوراتنا وسلبياتنا من منظور جديد، على اعتبار أن الدراما شكل من أشكال الفكر والإدراك، ولكن ما طالعناه حتى اليوم لم يكن سوى استعادة اجترارية لقضايا بائتة ومستهلكة، ولا تشكل أي منها قضية ملحة مقارنة بما نعانيه ونواجهه، ناهيك عن المعالجات التهريجية التي تفتقر إلى ألف باء الفن. 

وهكذا جاءت لقطات «سيلفي» بطابعها الفوري اليومي لتدغدغ المشاعر، وتثير الغرائز الجمعية، فهذا هو رهان طاقم الممثلين والمنتج والمخرج، وفي هذا السياق جاءت حلقة «بيضة الشيطان» التي جعلت المشاهدين يتصورون أنهم بصدد عمل فني مدروس من النواحي الفنية والموضوعية، وأن الصرح الدرامي للمسلسل سينبني على لغة فيها التشويق والإستعارات والقسمات الكوميدية ما يحقق المعادلة الفنية، خصوصاً أن طاقم العمل يتحرك تحت سقف مفتوح وبصلاحيات شبه مطلقة وبدون أي عوائق مادية أو رقابية، ولكن تلك الحلقة لم تكن سوى أفضل حبّة فراولة في طبق «سيلفي» المغشوش، لتتوإلى بعد ذلك التفاهات بجرعات يومية.

عندما انفضت شراكة «طاش ما طاش» تصورنا أننا تخلصنا من ذلك الزمن المتخثر والمسلسل المزمن الذي فُرض علينا كواجب مدرسي لسنوات، حتى بعد أن فقد بريقه وصار يكرر نفسه بطريقة مملة، ولكن بعض فريق المسلسل أعاد إنتاج نفسه مرة أخرى تحت مسمى «سيلفي» بممثلين جدد وبرافعة إعلامية أكثر فاعلية واحترافاً، لأنه لم يتمكن من مغادرة ذلك القفص الفني، وقد استأنف من النقطة التي بدأ فيها مسلسل «طاش ما طاش» يتهاوى وليس من زاوية الاستفادة من خبرات التجربة الماضية، بمعنى أن «سيلفي» ما هو إلا استعادة رديئة لأردأ حلقات «طاش ما طاش»، وهي حالة من حالات الغش الصريحة التي أُريد تمريرها على المشاهدين بوسائل دعائية مكشوفة، فكل حلقة – مثلاً – تكون مصحوبة بهاشتاقات وتغريدات مفتعلة ومصنّعة بواسطة منظومة العلاقات العامة للمسلسل.

العمل الكوميدي هو أكثر أشكال الفن قرباً وتعبيراً عن حاجات المجتمع، وبالتالي فهو ليس مجرد لقطة تهريجية لتخدير المشاهد داخل فاصل زمني، لأنه يعتمد في جوهره على نصٍ أدبي ليصل إلى مرتبة النظام الاجتماعي، وهو بهذا المعنى يعادل الأدب، إذ يمكن، بل ينبغي أن يتحول إلى وثيقة اجتماعية حيّة وأداة اتصال بين البشر، ولكن فريق «سيلفي» يعتقد أن تلفيق المشاهد الساخرة، المستمدة من التعليقات الاجتماعية المتكاثرة في الإنترنت يمكن أن تتحول إلى نص درامي بصيغة كوميدية. 

على هذا الأساس يجب مساءلة القائمين على المسلسل الذي يمارس من خلال تلك اللقطات الباهتة تسطيح الوعي وتسذيج المشاهد، إذ ما زال النص الأدبي الاحترافي الذي تتولد منه مستوجبات كوميديا الموقف خارج إطار تفكير القائمين على الأعمال الفنية، استخفافاً بوعي وذائقة المشاهد، وهذا هو ما يفسر اجترار مشاهد التعصب الرياضي واستعادة غزل العجائز بذات الطرق السمجة، وإغواء المشاهد بطابور من النساء الراقصات التي لا محل لها في بنية ووظيفة العمل لتعويض وهن النصوص وهكذا..

الكوميديا أداة معرفة وليست بيانات تقريرية مباشرة حول المجتمع وقضاياه، وهي سجل اجتماعي يمكن من خلالها التأريخ للظواهر ورصد مسار التحولات وعرض صورة بانورامية مقنعة للمشهدية الحياتية، وهذا ما يفترض أن يتضمنه مسلسل «سيلفي»، إلا أن المسلسل بدا متنازلاً عن هذا الدور، ليستغرق في تقليد اللهجات، واستعادة الشخصيات التي سكنت وجدان الجمهور، والإفراط في عرض صور منمّطة، وإثارة الإشكالات الهامشية الحساسة، وكأنها هي محور اهتمام الناس وجوهر الحركة التاريخية الاجتماعية، مع زعم فاقع بأن المسلسل يقترح الوعي والسلوك والأداء الحداثي لتعقيم المجتمع من ترسباته التقليدية، فيما هو يعمق حالة النفي والاستلاب، وإبقاء الحال على بؤسه ورداءته.

لا يتضمن المسلسل ما يزعمه من لقطات اجتماعية عفوية تعكس صيرورة المجتمع، إنما يحتشّد بكل ما فيه ناحية بطولة فردية يتصدى لها دائماً ناصر القصبي، فالمسلسل مفصّل على مقاسه، وحسب مزاجه، بل يأتي منذوراً لترسيخ نجوميته، وكل ما عداه مجرد جوقة من الكومبارس، كاستجابة اجتماعية ضمنية لبطولة من أي نوع، بمعنى أن المسلسل قد تم تصميمه لتبئير الرؤية داخل شخصية ساطية فنياً وموضوعياً، الأمر الذي حول المسلسل إلى صورة شخصية مضخّمة للقصبي وليس لقطة «سيلفي» كما أوهمنا القائمون على المسلسل. 

كل تلك الحركة المحاكية التي تفترضها الدراما جاءت في بهرجة بصرية لها طابع العيد الوقتي، وداخل منظومة من الصور الاستيهامية الخادعة، التي لا تشخص الحال ولا تشير إلى مصدر الخراب بقدر ما تُلهّي المشاهد بعرض المفارقات، فهو مسلسل يغترف من الهوامش ويتحرك في مدار الثنائيات المتكلّسة، وكأن مجتمعنا قد حُكم عليه بالاستنقاع في المربع الأول على إيقاع حملات دعائية تبالغ في نجاح هذا العمل أو ذاك، وهذا هو ما يؤكده مسلسل (سيلفي) من خلال القضايا والمعالجات التي يجترحها. 

إن نجاح المسلسل في استثمار طقس الرفض لثقافة الكراهية، ولفت الانتباه إلى خطر حركة إرهابية شريرة بحلقة أو لقطة كوميدية لا يعني أنه حقق النصاب الفني المطلوب في كل مفاصله، ولا يعني التغاضي عن هفواته، كما لا يعطي الحق للمعجبين به بإخراس الأصوات المضادة التي استقبلت مضامينه وجمالياته من منظور مغاير. فالمسلسل لم يخضع لقراءة فنية وفق معايير نقدية منهجية، ولن يتم تداوله من هذا المنطلق أبداً كغيره من المسلسلات التي تُفرض علينا ويُمنع مجادلتها لاعتبارات كثيرة. 

أما الضجيج الذي رافق عرض المسلسل فهو لا يمت إلى فنية العمل بصلة، وهو جزء من حملة العلاقات العامة المصاحبة، حيث أراد بعض الكارهين للتيارات المحافظة اعتباره أداة قتالية ضمن مشروعهم، ودليل إدانة ضد خصومهم، كما تناسى فريق آخر كل عثرات المسلسل الفنية والموضوعية رهاناً على ما قيل إنه تعرية جريئة لـ»داعش» وتوابعها، ليبقى المسلسل – كالعادة – في دائرة المحرمات، وليتم قمع السؤال عما يمكن أن يُترجم من ذلك المسلسل في حقل العلاقات الإنسانية، إذ لم نظهر كمجتمع في صورة «سيلفي» التي وعدونا بها، بقدر ما شاهدنا مجموعة من المهرجين الذين يفتقدون إلى أبسط معايير العملية الفنية ويدعون أنهم يمثلوننا.

* محمد العباس كاتب سعودي.

 

  كلمات مفتاحية

الدراما سيلفي السعودية ناصر القصبي مسلسل رمضان العمل الكوميدي

«عبدالله السدحان»: ”سيلفي“ «ناصر القصبي» أضر أكثر مما نفع

«سيلفي» الاقتصاد السعودي!

الممثل السعودي «ناصر القصبي» يؤكد مواصلته السخرية من «الدولة الإسلامية»

الدراما الخليجية تحبّ الأحزان وعينها على الجهاديين

سيلفي لـ«أحمد الخميني» أمام الكعبة يثير جدلا بين الإيرانيين

الجمهور السعودي على موعد مع 7 مسلسلات في رمضان 2016

حلقة «سيلفي» تثير جدلا على تويتر بعد دعوتها للتعايش المذهبي