القضاء على «الدولة الإسلامية».. مهمة مؤجلة أمريكيا

الاثنين 13 يوليو 2015 11:07 ص

في زيارة مفاجئة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في السابع من الشهر الجاري، ألقى الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» خطابا ضمنه تصريحات هامة بشأن إنجازات وأهداف التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ نحو عشرة أشهر. 

لماذا جاء هذا الخطاب في هذا الوقت وإلى من يوجه؟ وماذا يستخلص منه؟ ورمزية المكان الذي أطلق منه. 

اختيار البنتاغون كان شيئا طبيعيا، نظرا لأن وزارة الدفاع هي المعنية مباشرة بالعمليات العسكرية. وبتحليل للتصريحات الأمريكية منذ بداية غارات التحالف الدولي وحتى خطاب أوباما والتي تركزت على «مواجهة التنظيم»، توحي بأنه ليس هنالك من إستراتيجية واضحة للقضاء على هذا التنظيم بل التوجه نحو احتوائه، وهذا ما بدا واضحا منذ اليوم الأول لبدء الغارات.

واحتواء التنظيم يعني حصره في مناطق معينة ورسم خطوط حمراء، لا يمكن له تجاوزها. 

نجح هذا التحالف في إيقاف «تنظيم الدولة» عند حدود كردستان العراق وأوقف اجتياح كركوك وأربيل (شمال العراق)، ونجح في حماية سد الموصل. ونجح إلى حد ما في منعه من السيطرة على مصفاة بيجي.

 كما نجح ولو متأخرا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في إنقاذ عين العرب (كوباني)، كذلك في مايو/أيار الماضي في دحر التنظيم في تل أبيض، ومساعدة قوات حماية الشعب الكردي بتعزيز مواقعها في الشريط الكردي، وحرمان التنظيم من أكثر من معبر على الحدود مع تركيا. 

إلا أن هذا التحالف لم ينجح -أو لم يسع أصلا- إلى توقيف تمدد «الدولة الإسلامية» في أكثر من مكان، سواء في سوريا، أو في العراق. فبعد سقوط الموصل، سقطت الرمادي (غربي العراق) وسقطت تدمر (في سوريا) واستكمل التنظيم سيطرته على نصف مساحة سوريا، وثلث مساحة العراق وأصبحت مساحة دولة الخلافة تفوق مساحة بريطانيا.

من هنا نرى أن الخطاب الأمريكي ومحتوياته غير دقيقة وغير واضحة، والخطاب موجه ببساطة إلى جهات عدة إلى الحلفاء (60 دولة) الذين تقودهم أمريكا. إلى المجتمع الدولي وإلى تركيا. وإلى كل من يهمه الأمر. ورسالته «أبشر بطول سلامة، يا تنظيم الدولة»

خلال تسعة أشهر وباستثناء الغارات الجدية والمكثفة على مراكز قيادة التنظيم في الرقة الأسبوع الماضي (37 قتيلا)، لم تتعرض الرقة لأية غارات تذكر نسبيا (حوالي 85 غارة) من أصل 5000 غارة تحدث عنها الرئيس الأمريكي.

وكانت قوافل «الدولة الإسلامية»، وآلياتها تجوب الأنبار والبادية السورية متلاصقة ترفع الأعلام دون خشية أية غارة جوية.

لقد كتبنا أكثر من مقال، عن بنود عشرة على الأقل للقضاء على الإرهاب، وتحديدا إنهاء ظاهرة «تنظيم الدولة»، والعمل العسكري هو أحد هذه البنود، وقطع الموارد المالية هو أحدها أيضا، فلماذا تأخرت أمريكا في التفكير بهذا البند الهام، وجاء الرئيس الأمريكي أمس يركز على ضرورة تنفيذه. 

قال «أوباما» إن المعركة طويلة لسنوات. وهذا صحيح وواضح فلاستكمال البنود العشرة يلزمنا عشر سنوات على الأقل. إذا كان سيتذكر كل سنة بندا!

يقول الرئيس الأمريكي إن التنظيم سيدحر عند وجود حليف فعال يقاتل على الأرض في سوريا. صحيح، ولكن أين هو هذا الحليف؟ من المؤكد أن النظام السوري ليس الحليف المفترض. وهل تسليح وتدريب المئات فقط من «المعارضة المعتدلة» الذين ربما وصل عددهم إلى 5 آلاف بعد سنوات هو الحل؟ هل سيكونوا القوة الضاربة التي سيوكل إليها دحر التنظيم على الأرض؟ حتما لا. 

أما في العراق، فالشريك الوحيد والمفترض والظاهر هو الجيش العراقي الذي يفتقد إلى العدد والسلاح المتطور، والمعنويات والحوافز، والولاء والثقة.. إلخ. والذي لم يستطع رئيس الوزراء «حيدر العبادي» رغم جهوده إعادة تنظيم أكثر من 6 فرق (حوالي 70 ألف جندي) بالإضافة إلى أزمة الثقة وتبادل الاتهامات بين الحكومتين الأمريكية والعراقية بشأن الجيش بعد هزيمته في الموصل، ثم في الرمادي. 

وبخلاف «أوباما» الذي يتحدث عن وحدة العراق ويتعامل مع الحكومة المركزية، يرى الكونغرس الأمريكي أن العراق مقسم أو على طريق التقسيم، ويتحدث عن ضرورة التعامل مع المكونات العراقية، الشيعة والعشائر السنية والأكراد دون المرور بسلطة بغداد. 

ثم إن هنالك نقاطا هامة لم يشر إليها الرئيس الأمريكي، منها موقف دول الجوار لسوريا والعراق، وفي مقدمتها تركيا وإيران، حيث لا تنسيق رسميا واضحا معها بشأن تواجدها في الميدان العراقي.

فلا يمكن لتركيا أن تنكر أن مقاتلي التنظيم الذين يتوافدون بالآلاف إلى سوريا ومنها للعراق لا يهبطون بالمظلات بل يعبرون الحدود، وأن قرارا صدر من مجلس الأمن وتحت البند السابع رقم 2170 في يونيو/حزيران 2014 يمنع تسليح وتسهيل مرور وعبور المقاتلين والأسلحة أفرادا وجماعات.. إلى سوريا. فهل تجد أمريكا آلية أو تتخذ موقفا لتطبيق هذا القرار؟

وإذا كان خطاب «أوباما» يظهر قمة التشاؤم بالقضاء على التنظيم، فإن إعادة النظر بالاستراتيجية أو تطويرها لم يصل بعد إلى مرحلة القرار الحاسم. علما بأن الوزير الأمريكي الذي عقب على خطاب الرئيس أتى بمعلومات غير صحيحة عن تدمير الآلاف من المواقع القتالية! وعن أن التنظيم خسر 20% من الأراضي التي كان يسيطر عليها. والقاصي والداني يعلم أن العكس هو الصحيح. 

أما برنامج تدريب المقاتلين «المعتدلين» الذي رصد له 500 مليون دولار فيراوح مكانه منذ ثلاثة أشهر. فالمتطوعون قلة (10% من العدد المنتظر) والاختيار دقيق، والخلاف بين تركيا وأمريكا على الهدف واضح. تركيا لم ولن تقتنع بأن الحرب ضد التنظيم من أهدافها الاستراتيجية أو أولوياتها التي يتصدرها إسقاط النظام السوري وإقامة المنطقة العازلة، بينما ترى واشنطن عكس ذلك. 

هي إذن مراوحة، وإضاعة للوقت وللفرص. في هذا الوقت باشر التنظيم الهجوم المعاكس على عين العرب (كوباني) والحسكة وتل أبيض في سوريا وسيطر على مزيد من آبار النفط والسدود ومصادر المياه في العراق وعاد للتحرش بكردستان، وهو على يقين بأن خطة استعادة الرمادي لم ترسم بعد فكيف باستعادة الموصل؟!

باختصار فإن الخطاب الأمريكي محبط لكل آمل أو مراهن على دور التحالف الدولي، ومطمئن لتنظيم الدولة الإسلامية، مع بوليصة تأمين لعشر سنوات على الأقل. ويصدق فيه المثل المشهور «تمخض الجبل فولد فأرا».

أخيرا هناك مثل أمريكي يقول إن منتهى الإحباط والتعاسة سببه تضخيم الآمال، أو ارتفاع التوقعات، ومع أننا لسنا من الذين رفعوا سقف آمالنا، فإن الملايين غيرنا ذهبوا في غير اتجاهنا. لأننا نرى أن التوقيت - وهي كلمة هامة في الثقافة الأمريكية - لم يحن بعد للقضاء على التنظيم. 

وعندما يحين الوقت أو يأتي التوقيت فإننا نعلم ويعلم الرئيس الأمريكي أن استئصال التنظيم هو مسألة أشهر لا أكثر. ومن يعش ير.

 

  كلمات مفتاحية

التحالف الدولي أمريكا أوباما الدولة الإسلامية سوريا العراق

تركيا تعتقل عشرات الأجانب قبل توجههم للقتال في سوريا بينهم خلية تجنيد مقاتلين لتنظيم الدولة

واشنطن تدرب 1200 مقاتل من المعارضة السورية ”المعتدلة“ لمواجهة «تنظيم الدولة»

واشنطن تبحث مع حلفائها سبل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية فكريا

«أوباما» لقادة جيوش التحالف: الحملة على «الدولة الإسلامية» ستكون "طويلة الأمد"

«أردوغان» يلمح لتغير موقف تركيا إلي المشاركة فى التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية

المرصد السوري: مقتل 2 من كبار قادة «الدولة الإسلامية» شمال شرقي البلاد

«الدولة الإسلامية» يؤكد تصريحات «العدناني» بأن من يقاتل التنظيم «كافر ومرتد»

«إندبندنت»: أكثر 7 خرافات شيوعا عن «الدولة الإسلامية»

أكاديمي مصري: أكذوبة كبرى وراء الأخبار المتداولة عن «الدولة الإسلامية»

خبير أردني: «الدولة الإسلامية» لن يتمكن من البقاء وزواله لا يعني استقرار المنطقة