بوليتيكو: كيف اتخذ ترامب قرار قتل سليماني؟

السبت 4 يناير 2020 06:14 م

قبل ساعاتٍ من إرسال الجيش الأمريكي طائرة "ريبر" بدون طيار لقتل أحد أكثر الرجال المطلوبين على هذا الكوكب، كان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" يسترخي في ممتلكاته الفخمة في فلوريدا. وفي الصباح، لعب "الجولف" في "ترامب إنترناشونال"، ناديه للجولف في "ويست بالم بيتش".

وفي نحو الساعة الـ3 مساءً، عاد إلى "مار لاجو"، عقاره التاريخي المواجه للمحيط، الذي أطلق عليه "البيت الأبيض الشتوي"، وجلس ينتظر، وهو يرتدي حلة زرقاء داكنة عليها رابطة عنق زرقاء وعلم أمريكي مثبت على طية صدر السترة.

لقد اتخذ قرارا محفوفا بالمخاطر، ربما يغير العالم، بالسماح للجيش الأمريكي بقتل "قاسم سليماني"، قائد "فيلق القدس"، (قوات النخبة شبه العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني).

وفي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، كان يحيط بـ"ترامب" في "مار لاجو" كبار المسؤولين، مثل وزير الخارجية "مايك بومبيو"، ورئيس هيئة الأركان المشتركة "مارك ميلي"، ورئيس أركان البيت الأبيض بالإنابة "ميك مولفاني"، ومستشار الأمن القومي "روبرت برين"، ومدير الشؤون التشريعية "إريك أولاند". وطوال الأسبوع بأكمله، سعى "ترامب" إلى الحصول على آراء مستشارين آخرين عبر الهاتف.

وقال "هوي كار"، مضيف إحدى القنوات الإذاعية، الذي تحدث مع "ترامب" الخميس في "مار لاجو"، بعد فترة وجيزة من نشر الخبر: "لقد كان الرئيس هادئا ومتمالكا لنفسه، حيث تناول الطعام مع زعيم الحزب الجمهوري كيفن مكارثي. لم يكن لدي أي فكرة عن وجود أي شيء خارج عن المألوف حتى وصلت إلى المنزل".

ومع تكثيف الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية في العراق على مدى الشهرين الأخيرين، منح الرئيس "البنتاجون" إذنا استثنائيا؛ حيث حصل الجيش الأمريكي على الإذن بقتل "سليماني" في أول فرصة يتاح لهم فيها القيام بذلك، وفقا لمسؤول دفاعي كبير لم يرغب في ذكر اسمه.

وقال المسؤول، الذي لم يذكر كيف منح "ترامب" مؤخرا هذا التصريح للبنتاجون، سواءً كان ذلك قبل ساعات أو أسابيع أو حتى أشهر من العملية: "لقد كانت لدينا سلطة قبل الضربة لاتخاذ هذا الإجراء". وفي الآونة الأخيرة، عشية رأس العام الجديد، كان الرئيس يعلن باستمرار للمراسلين أنه لا يريد الحرب مع إيران.

وبالنسبة للرجل الذي صوره المسؤولون الأمريكيون باعتباره العقل المدبر للإرهاب، وأنه عبقري شرير مسؤول عن مقتل المئات من الأمريكيين، كان "سليماني" في كثير من الأحيان يتباهى بنفوذه وهو يتنقل بين طهران وبغداد وبيروت لحضور اجتماعات مع الوكلاء المحليين.

وقال مسؤول حكومي إسرائيلي سابق رفيع المستوى: "لا أعتقد أنه كان من الصعب للغاية العثور عليه، لأنه لم يكن يتخفى في العامين أو الـ3 أعوام الماضية".

ووصف مستشار الأمن القومي السابق، "جون بولتون"، وهو من المدافعين عن وجوب تغيير النظام في إيران، مقتل "سليماني" بأنه "كان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة".

لقد كان لسان حال "سليماني" دائما: "يمكن للأمريكيين أن يجدوني في أي وقت، إنهم فقط لا يجرؤون على قتلي".

لكن ثبت أن حساباته كانت خاطئة في الساعات الأولى من يوم 3 يناير/كانون الثاني في العراق، حيث هبط "سليماني" وسط توترات متصاعدة بين الفصائل المتحالفة مع الولايات المتحدة وإيران. وقال المسؤول الرفيع في وزارة الدفاع: "لقد وصل إلى المطار، وكان لدينا الفرصة لضرب الهدف، واستنادا إلى توجيه الرئيس، استخدمنا هذه الفرصة".

وقال وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الجمعة، إن المسؤولين الأمريكيين تلقوا "تقييما قائما على المعلومات الاستخباراتية قاد عملية صنع القرار لدينا"، واصفا كيف غيرت عملية قتل "مقاول أمريكي" في الآونة الأخيرة حسابات فريق "ترامب" حول "تدفق المعلومات الاستخباراتية".

وقال مسؤولون أمريكيون، الجمعة، إن الولايات المتحدة لديها "معلومات استخباراتية مدهشة" بشأن مؤامرة لضرب الأمريكيين في العراق وسوريا ولبنان. وقال المسؤولون إنهم بقتل "سليماني" قد عطلوا مثل هذه الخطط.

ليلة من الارتباك والشائعات

وشاب الغموض أول الأخبار الواردة من بغداد مساء الخميس. وفي وكالة "أسوشيتد برس"، جاء الخبر كالتالي: "لقد تم إطلاق العديد من صواريخ الكاتيوشا على مطار بغداد، مما تسبب في سقوط العديد من الضحايا، وسط توترات مع الولايات المتحدة".

وبعد ذلك، بدأت التخمينات القائلة بأن هدفا كبيرا قد تم قتله في الظهور. وورد أن طرفا ما، على الأرجح الولايات المتحدة، قام بقتل الاستراتيجي الإيراني البارز للمرة الأولى على الإنترنت قبل الساعة 7 مساءً بتوقيت واشنطن بفترة قصيرة.

وبينما كان الصحفيون يتدافعون لتأكيد وتفنيد الشائعات التي تدور حول الأمر، أعلن التلفزيون الحكومي العراقي أن "سليماني"، إلى جانب العديد من كبار حلفاء إيران في العراق، قد لقوا حتفهم. وشارك مراسل "بي بي سي" صورة مروعة تظهر فيما يبدو يد "سليماني" وهي مشوهة، مع تداول صور أخرى عبر الإنترنت يُقال إنها تظهر بقايا القافلة التي كان يستقلها "سليماني".

وأظهرت الصور التي تم التقاطها في هذا الوقت تقريبا "ترامب" مع "مكارثي" ومساعديه في البيت الأبيض، "جاريد كوشنر" و"هوجان جيدلي" و"دان سكافينو"، في مار لاجو.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Kevin McCarthy (@repkevinmccarthy) on

وقبل الساعة 9:46 مساءً بتوقيت واشنطن من يوم الخميس، أكدت الحكومة الأمريكية رسميا وفاة "سليماني"، في شكل بيان صحفي من البنتاجون مؤلف من 163 كلمة، تم إرساله بالبريد الإلكتروني إلى المراسلين.

وجاء في البيان: "بتوجيهٍ من الرئيس، اتخذ الجيش الأمريكي إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الأفراد الأمريكيين في الخارج عبر قتل قاسم سليماني، القائد في الحرس الثوري الإيراني، وهو مصنف كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة".

وكان تعليق الرئيس الوحيد مساء الخميس هو نشر صورة على الإنترنت للعلم الأمريكي، وهي تغريدة غير معتادة للرئيس الأمريكي عادةً.

وعند الاتصال به من قبل شبكة "فوكس نيوز"، شارك المعلق المحافظ "شون هانيتي"، أحد المقربين من "ترامب"، ما سمعه من "شخص كان في الغرفة مع ترامب".

لقد قال "ترامب"، وفقا لهذا الشخص: "سنحمي شعبنا. لن يتحول الأمر إلى بنغازي جديدة".

ووفقا لـ"فوكس"، في مرحلة ما، "طرح الرئيس سؤالا بين بعض من أجهزته العسكرية ومجلس الوزراء والاستخبارات ووزارة الخارجية، حول كم الوقت الذي قد تستغرقه التعبئة؟" وبعد الإجابة، رد "الرئيس": "هذا ليس بالسرعة الكافية"، فقال الجميع: "نعم سيدي. لقد فعلوا ذلك في وقت قياسي".

ووصف عضو مجلس النواب "مات جايتس"، أحد الحلفاء المقربين للرئيس في "الكابيتول هيل"، والذي كان معه في "مار لاجو"، حالة الرئيس المزاجية مساء الخميس بأنه كان "شديد التركيز".

وقال "جايتس" على قناة "فوكس نيوز": "أعتقد أنه قد وصله فعليا الطرق التي كان سليماني يخطط بها لقتل الأمريكيين، وإيذاء دبلوماسيينا، وجر المنطقة بأكملها إلي حرب أهلية. أعتقد أننا نفهم أن هذه لحظة كبيرة جاءت في الوقت المناسب. وهو يقدر خطورة ذلك".

ويبدو أن البيت الأبيض قد أبلغ فقط أقرب حلفائه في الكونجرس قبل هذه الخطوة، مع إبقاء الأمر بعيدا عن كبار الديمقراطيين في الكابيتول هيل.

وقال السيناتور "ليندسي جراهام"، الذي كان مع "ترامب" في "مار لاجو" في وقت سابق من هذا الأسبوع، لقناة "فوكس نيوز": "لقد تم إطلاعي على العملية المحتملة عندما كنت في فلوريدا. وأقدر هذه الثقة".

ويبدو أن وزير الدفاع "مارك إسبر" قد حذر إيران من الضربات القادمة قبل ساعات من يوم الخميس، وسط مناقشة للهجمات الأخيرة على القواعد الأمريكية من قبل الميليشيات العراقية المرتبطة بإيران.

وقال "إسبر" للصحفيين: "هل أعتقد أنهم قد يفعلون شيئا ما؟ نعم. ومن المرجح أن يندموا عليه. نحن على استعداد لممارسة كل الطرق للدفاع عن النفس، ونحن على استعداد لردع المزيد من السلوك السيئ من هذه الجماعات، التي ترعاها وتوجهها إيران وتزودها بالموارد".

وفي ما قد يكون علامة على الاستعداد لمزيد من الهجمات، ألغى "بومبيو" رحلة إلى أوكرانيا وعدة دول أخرى هذا الأسبوع، لمراقبة التوترات في العراق. واستدعى مسؤولو وزارة الخارجية السفير العراقي لدى الولايات المتحدة لعقد اجتماع بعد ظهر الخميس، وفقا لشخص مطلع على الوضع. ولم يكن واضحا ما الذي نوقش بالضبط.

وقال مسؤول شرق أوسطي: "أعتقد أن العملية كانت قيد التنفيذ لفترة من الوقت، لأنني لا أعتقد أن القرار جاء في اللحظة الأخيرة".

وقال مسؤول دفاع سابق: "من المرجح أن يكون تتبع سليماني قد بدأ منذ مايو/أيار على الأقل، عندما ظهرت المزيد من التهديدات الرئيسية".

وفي الواقع، كان استهداف "سليماني" يمثل تحديا كبيرا، على حد قول الجنرال المتقاعد "مايكل ناجاتا"، القائد السابق للعمليات الخاصة في الشرق الأوسط. وقال "ناجاتا": "لا يعتمد هذا على القدرة فقط على معرفة أين هو، ولكن أيضا أين سيكون في وقت محدد في المستقبل".

وأضاف "ناجاتا" إن هذا، جزئيا، هو السبب في أننا "لم نقرر أبدا ملاحقته شخصيا" من قبل، خاصة في الأعوام السابقة، عندما كان مكان "سليماني" أكثر سرية، وكان يسافر كثيرا، وكان الجيش مترددا في تكريس موارد المراقبة لأجل هدف يعتقد قلة من الناس أن أي رئيس سيسمح باستهدافه.

التشاور مع (إسرائيل)

وأجرى "بومبيو" عدة مكالمات هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في الأسابيع الأخيرة، مما يفسر أنه لم تتفاجأ (إسرائيل) بالهجوم على "سليماني".

وقبل مغادرته صباح الخميس إلى اليونان، قال "نتنياهو" للمراسلين في (إسرائيل): "نحن على اتصال مستمر مع صديقتنا العظيمة الولايات المتحدة، بما في ذلك محادثتي بعد ظهر أمس. وأريد أن أوضح شيئا واحدا، نحن نؤيد تماما جميع الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة، وكذلك حقها الكامل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها".

وبحلول صباح الجمعة، كان "بومبيو" يتصل بنظرائه في العواصم الأجنبية، بما في ذلك موسكو وبكين، للتأكيد على أن الهجوم كان "عملا دفاعيا"، وأن الولايات المتحدة تأمل في الحد من الأزمة.

وكان المسؤولون الإيرانيون يحذرون من رد فعل شديد، وكان البرلمان في بغداد يصوت لحظر القوات الأمريكية من العراق، بينما كان المسؤولون الأمريكيون يخططون لإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة. وتبادل الدبلوماسيون الأوروبيون المكالمات الهاتفية بقلق، محذرين من احتمال حدوث المزيد من الفوضى الإقليمية.

وكان "ترامب" نفسه في النهاية يشرح ويبرر القرار، مع وابل من التغريدات. وكتب الرئيس الأمريكي: "كان يجب أن يتم تحييده منذ عدة أعوام!"

وعندما تم سؤاله عن خطة الولايات المتحدة لإدارة رد الفعل المحتمل من إيران، قال مسؤول دفاعي أمريكي: "الكرة في ملعب إيران في هذا الوقت. ونحن ننتظر لنرى ما هو رد فعلهم".

المصدر | بوليتيكو

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الأمريكية دونالد ترامب قاسم سليماني

فصائل غزة تقيم عزاء لسليماني والسلطة الفلسطينية تتجاهل

أردوغان وروحاني يبحثان هاتفيا تطورات المنطقة بعد اغتيال سليماني

ظل سليماني وعدو واشنطن.. من هو إسماعيل قآني؟

حزب الله العراقي يطالب الأجهزة الأمنية بالابتعاد عن القواعد الأمريكية

موقع أمريكي: 3 قادة لميليشيات عراقية هربوا بعد قتل سليماني

من الحرب إلى الدبلوماسية.. إيران تدرس ردها على مقتل سليماني

هذا ما كان يفعله ترامب أثناء اغتيال سليماني

النواب الأمريكي يبحث تقييد سلطات ترامب العسكرية بشأن إيران

إسبر: لا أدلة حول نية سليماني استهداف 4 سفارات