الانسحاب أم البقاء؟.. معضلة الولايات المتحدة في العراق

السبت 8 فبراير 2020 08:47 م

ترشح الرئيس "دونالد ترامب" لمنصب الرئاسة مع وعد بتقليص عدد القوات الأمريكية في المنطقة إلى الحد الأدنى، لكنه اضطر إلى زيادة عدد تلك القوات. وينقسم العراقيون إلى حد كبير حول حجم الوجود الأمريكي الذي يريدونه في البلاد. لطالما أرادت إيران أن يغادر جميع الأمريكيين و"الناتو" وقوات التحالف التي تواجه تنظيم "الدولة الإسلامية"، إلا عندما صعد التنظيم إلى مستوى كان أكبر من طهران ومن أن يتعامل معه وكلاء العراق.

عندما كان تنظيم "الدولة الإسلامية" في صعود، رحب العراقيون بالمساعدة الأمريكية. وبمجرد انتهاء تهديد التنظيم، جرى إعادة كتابة التاريخ لتصوير هزيمة "الدولة الإسلامية" كإنجاز فردي لقوات "الحشد الشعبي".

وبمجرد انتهاء التهديد المباشر من "الدولة الإسلامية"، بدأت الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران حملة مضايقة بإطلاق الصواريخ على المنشآت الأمريكية. تمت متابعة الهجمات التي شنتها مجموعات مدعومة من إيران بشكل أساسي تجهيزا للرد الأمريكي حتى ضربت الصواريخ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019 هدفا أسفر عن مقتل مقاول أمريكي واثنين من ضباط الشرطة العراقية وإصابة العديد من الأفراد الأمريكيين والعراقيين.

وردا على ذلك، أمر "ترامب" في 29 ديسمبر/كانون الأول بسلسلة من الغارات الجوية على مرافق تخزين الأسلحة والقيادة التابعة لكتائب "حزب الله"، الميليشيا العراقية الأكثر ارتباطا بإيران.

بدأت حلقة من العمل والانتقام الذي أدى إلى هجوم مطول من جانب مؤيدي كتائب "حزب الله" على السفارة الأمريكية في بغداد، تلاه قتل الولايات المتحدة للجنرال "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري  الإيراني. و"أبو مهدي المهندس"، قائد كتائب "حزب الله" ونائب قائد قوات "الحشد الشعبي".

في أعقاب هذه الأعمال العسكرية، وفي بيئة شديدة القسوة أجبرت معظم البرلمانيين السنة والأكراد على مقاطعة التصويت، أقر البرلمان العراقي إجراءً يطلب من رئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي" سحب الاتفاقات التي تسمح ببقاء قوات التحالف في البلاد.

يناقش المحللون عدم اكتمال النصاب القانوني وقوة هذا التفويض وشرعيته، لكن بصرف النظر عن ذلك، فقد أصبح العراق بيئة أقل كرمًا للولايات المتحدة وحلفائها في التحالف مما كان عليه قبل أسابيع قليلة.

قامت إيران منذ ذلك الحين بضربة انتقامية ولكنها لا تتسم بأهمية عسكرية. وفي حين لم يكن هذا الرد قوياً بما يكفي، فمن المحتمل أن تواصل إيران توجيه أعضاء الشيعة في البرلمان بمتابعة التشريعات المتعلقة بانسحاب القوات الأمريكية. في الوقت نفسه، يُتوقع من الميليشيات المختلفة تكثيف إجراءات مثل إطلاق الصواريخ أو زرع الألغام.

هناك 3 قضايا أمنية أمريكية رئيسية في العراق وشرط ثابت تحدد بقاء أو انسحاب القوات الأمريكية في البلاد.

القضية الأولى هي الاحتفاظ بالقدرة على مواصلة القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ والقضية الثانية هي الحفاظ على بعض القدرة على تخفيف تأثير إيران الإقليمي؛ والقضية الثالثة هي ضمان بقاء المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق. أما الشرط الثابت هو شرط منع وقوع هجوم على قاعدة عراقية تضم موظفي الولايات المتحدة أو قوات التحالف أو أي مجمع دبلوماسي أمريكي.

ليس لدى الولايات المتحدة خيارات جيدة إذا طُلب منها سحب جيشها من العراق. لقد أعلن "ترامب" بالفعل عن انتصاره على "الدولة الإسلامية"، وسيساعد رحيل الولايات المتحدة عن العراق في الوفاء بوعده للناخبين بتقليص انتشار القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.

ولكن بالنظر إلى تعليقاته العلنية المعادية عقب تصويت البرلمان العراقي، فمن المحتمل أن يبقي "ترامب" على بعض القوات في العراق لمراقبة إيران أو حماية النفط. ويبدو أنه كان عازما على الانسحاب، كما كان الحال شمالي سوريا، ولكنه قد لا يريد التضحية بقواعد من المحتمل أن تكون هناك حاجة إليها مرة أخرى.

وبالرغم أن "ترامب" لا يبدو قلقًا بشأن المنشآت الصغيرة نسبيًا المتبقية في سوريا، فقد طالب علنًا بالتعويض عن الإصلاحات الأمريكية على قاعدة "عين الأسد" الجوية التابعة للجيش العراقي في محافظة الأنبار، والتي تضم عددًا كبيرًا من أفراد القوات الأمريكية وقوات التحالف والتي كانت الهدف الرئيسي لضربة صاروخية انتقامية من إيران.

ويبدو أن إدارة "ترامب" تتقاسم مع إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما" قناعة أو أمل في أن وجود الولايات المتحدة وحلف الناتو -إلى جانب التدريب والتوجيه والمساعدة في اختيار قوات الأمن العراقية- سوف يتصدى بطريقة ما لقوات "الحشد الشعبي" التي تسيطر على الهيكل الأمني العراقي.

ومع الإحباط المستمر لجهود إيران بشأن إنشاء طريق بري عبر العراق إلى سوريا ولبنان لدعم حلفائها السوريين و"حزب الله"، يرى ضباط الجيش العراقي والسياسيون الذين يخشون من النفوذ الإيراني المتنامي في الحكومة وأجهزة الأمن والاقتصاد، ضرورة استمرار الوجود الأمريكي باعتباره السبيل الوحيد لصد حملة إيران  للاستيلاء على السلطة عن طريق المليشيات المسلحة والنفوذ الانتخابي المتزايد.

في الولايات المتحدة، سادت حالة من الغضب بعد سحب قرار "ترامب" التخلي عن أكراد سوريا، ومن المرجح أن يمنع ذلك "ترامب" من التخلي عن أكراد العراق، الذين اعتمدوا على الوجود العسكري الأمريكي منذ عام 1991.

وبالمثل، فإن المناطق السنية غربي العراق تستضيف القواعد الأمريكية، ولا يثق الناس في تلك المناطق بحكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، والتي كان حكمها السيئ عاملاً مهمًا في صعود "الدولة الإسلامية".

ولطالما طلبت مجتمعات المسيحيين واليزيديين العراقيين من القوات الأمريكية وقوات التحالف أن تنتشر بنشاط في مناطقهم وأن تقوم بدوريات فيها لمواجهة هيمنة الميليشيات الشيعية.

لذلك، قد يكون هناك بعض الخيارات المتاحة للحفاظ على قوة أمريكية في العراق. أحدها هو إخضاع الوجود العسكري الأمريكي في مهمة دولية أقل استفزازًا، مثل مهمة تدريب "الناتو".

ويمكن أن توفر خيارات مثل مهمة تدريب  قوات "الناتو" في العراق غطاء قانونيًا لبعض الوجود الأمريكي. ويقود مهمة "الناتو" جنرال أمريكي كندي، ولا يسلط ذلك الضوء على الولايات المتحدة. ومع ذلك، كان التزام حلفاء "الناتو" بمهمة العراق هشًا منذ البداية، كما أن الدول التي أرسلت قوات تعتمد على الوجود الأمريكي الذي يمكن أن يوفر الدعم وينفذ انسحابا آمنا في حالات الطوارئ.

جرى تعليق مهمة "الناتو" حاليًا بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة، ومن غير المرجح أن يعود إلى العراق إذا لم يكن هناك وجود أمريكي معتبر. ويعارض العديد من قادة"الناتو "ترامب" ويتبنون سياسة حذرة من العراق.

ومن الصعب رؤية الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ورئيس الوزراء الكندي "جاستين ترودو" والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" يقبلان المخاطر السياسية والعسكرية لتوفير غطاء لمواصلة الوجود الأمريكي على الأرض في جميع أنحاء العراق.

بدلاً من ذلك، قد يكون من الممكن تعديل الهيكل الحالي لفريق العمل المشترك بشأن "الدولة الإسلامية" للتقليل من دور الولايات المتحدة.

لدى كندا قوة عسكرية تتألف من 250 شخصًا في العراق يمكنها استضافة القوات الأمريكية وغيرها. ومع ذلك، فإن الغطاء الكندي لأمريكا سيتطلب من أوتاوا قبول مخاطر سياسية وعسكرية كبيرة لمهمة لا تحظى بشعبية في كندا ولرئيس أمريكي يتمتع بشعبية أقل.

يوجد لدى إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة أيضًا قوات كبيرة ضمن التحالف في العراق، لكن من المرجح أن تكون حذرة بنفس القدر في تولي دور القيادة.

المشكلة العسكرية الأساسية لتدويل أي وجود هي العدد الكبير من القوات العسكرية اللازمة لحماية القوات الأمريكية من هجمات الميليشيات المعادية والقوات المتحالفة مع إيران، وهذا أكثر مما يمكن لأي دولة أخرى (أو الناتو) أن توفره وتنطوي على مخاطر غير مقبولة.

تتضمن اتفاقية 2014 التي تحكم وجود التحالف الأمريكي في العراق فقرة انسحاب، مع تأخير لمدة عام. خلال المناقشات مع الحكومة العراقية حول إنهاء الاتفاقية، يمكن للولايات المتحدة أن تخفض قواتها في المناطق المتوقع حدوث هجمات معادية فيها.

وفي هذا الإطار، سيتم إعادة القوات الأمريكية إلى المناطق التي تحظى بالترحيب (معظمها في الغرب السني والشمال الكردي). ومن ثم، يمكن للولايات المتحدة أن تؤخر التنفيذ النهائي للانسحاب بينما تدرس الحكومة العراقية حالة نهائية محددة ويعيد البرلمان العراقي النظر في القضية، فيما يستمر الجدل حول شرعية التصويت الأولي. ويوفر ذلك في نهاية المطاف مستوى مناسبًا من التعتيم للوجود المؤقت.

لكن وضع القائم بأعمال رئيس الوزراء العراقي الحالي وضعف البرلمان فيما يخص قرار طرد القوات الأمريكية (إجراء تصويت استشاري، دون النصاب القانوني مع وقوع العديد من أعضاء البرلمان تحت تهديد الميليشيات الموالية لإيران) يمكن أن يكون ذريعة لوجود طويل الأمد للقوات الأمريكية.

يمكن أن يستمر هذا الوجود الأمريكي حتى يجتمع البرلما مع النصاب القانوني ويرفض قرار دعوة القوات الأمريكية للانسحاب، أو على الأقل يرفض اتخاذ مزيد من الإجراءات، وبالتالي يلغي التصويت الاستشاري المبكر.

يتميز مسار العمل هذا بميزة أمنية تتمثل في ضمان أن يكون الوجود الأمريكي في المناطق الأقل تهديداً، وأن يظل هذا التواجد بمستوى كاف للمواصلة التدريب والتوجيه للقوات العراقية وتنفيذ الغارات الجوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" حسب الحاجة.

وبموجب هذا السيناريو، ستكون القوات الأمريكية قادرة على القيام بمهمتها الأساسية المتمثلة في دعم قوات الأمن العراقية المهنية الموالية للحكومة المنتخبة في بغداد، بدلاً من مجرد البحث عن الحماية والتركيز على الحماية الذاتية.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاعتماد على أي دولة أخرى لتوفير الأمن للمنشآت العسكرية أو الدبلوماسية الأمريكية، حيث لم تقف الحكومة العراقية (التي منعت بإصرار المتظاهرين ضد الفساد من دخول المنطقة الخضراء في أكتوبر/تشرين الأول) على الفور في الطريق عندما أضرم مؤيدو كتاب "حزب الله" النار في محيط مجمع السفارة الأمريكية وحاولوا اقتحام السفارة.

 أشار "ترامب" منذ فترة طويلة إلى حرصه على المشاركة العسكرية المستمرة في العراق وسوريا، ولكن إذا سحب القوات من العراق، فسوف يفعل ذلك وفقًا لشروطه. ليس لدى الولايات المتحدة خيارات جذابة، لكن لديها خيارات عملية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية والأمنية في العراق.

المصدر | ديبي روشيس - ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القوات الأمريكية دونالد ترامب الحشد الشعبي

زيارة أمريكية سرية للعراق للتحذير من خسارة دعم واشنطن

بومبيو: المظاهرات العراقية هدفها حكومة دون نفوذ إيراني

الخزعلي: خيار الرد العسكري على القوات الأمريكية بالعراق قائم

لماذا فشلت احتجاجات العراق فيما نجحت فيه تظاهرات السودان والجزائر؟

حركة عراقية: بدء العد التنازلي للرد العسكري على القوات الأمريكية

التحالف يعلق تدريباته بالعراق ويسحب عددا من قواته

القوات الأمريكية تنسحب من 6 قواعد في العراق