الكويت.. أزمات تتجاوز الطائفية

السبت 15 أغسطس 2015 07:08 ص

ما زالت الكويت تشتعل طائفيّاً وسياسيّاً على خلفيّة الزيارة التي قام بها النائب الكويتي الشيعي المثير للجدل «عبد الحميد دشتي» إلى لبنان في 16 يوليو/ تموز الفائت، حيث أقام في فندق الساحة في العاصمة بيروت مجلساً للفاتحة (تقليد عند الشيعة يجتمع فيه الناس لمواساة عائلة الميت وقراءة سورة الفاتحة) على أرواح شهداء مسجد «الصادق» في الكويت الذي تعرض إلى عملية انتحارية في 26 يونيو/ حزيران الماضي، راح ضحيّته 28 قتيلاً وأكثر من 220 جريحاً، وقد أعلن تنظيم «الدولة الإسلاميّة» مسؤوليته عن العملية.

وبحسب تقرير لصحيفة «المونيتور» فإن الزيارة لم تكن في حد ذاتها سبب المشكلة، ولا استقباله معزّين خارج الكويت لحدث وقع داخله، إنما الذي أثار استياء أغلب الكويتيّين، وسبّب تصاعد الخطاب الطائفي في الشارع الكويتي وتوجيه الاتهامات لبعض الشخصيات الشيعية بتهديد الوحدة الوطنية، هي مجموعة الصور التي نشرها النائب «دشتي» على صفحته على «تويتر»، وهو يقبّل رأس والد «عماد مغنيّة» خلال زيارة شخصيّة إلى منزل عائلة الأخير، إضافة إلى إصرار بعض النوّاب الشيعة على تجاهل مشاعر مواطنيهم السنّة بتكرار الإشادة بشخصيّة «مغنيّة» المتورط في جرائم دولية والملاحق أمنياً على مستوى العالم.

ويرتبط اسم «عماد فايز» مغنيّة في ذاكرة الكويتيين بعمليّة خطف طائرة مدنيّة كويتية (الجابرية) في نيسان/أبريل 1988 استمرّت 16 يوماً، قتل خلالها الخاطفون بقيادة «مغنية» راكبين كويتيين. ولذلك، يعتبر أغلب الكويتيين أنّ إصرار النائب «دشتي» على إظهار تعاطفه يدل على توجه طائفي يهدّد السلم الوطني، خصوصاً أنّها جاءت تكراراً لمناسبات طائفيّة سابقة منها التأبين الذي أقامه في آذار/مارس 2008 النائب الكويتي الشيعي «عدنان عبد الصمد» الذي وصف «مغنية» حينها بالشهيد، ممّا تسبّب بموجة غضب كويتي على المستويين السياسي والشعبي ضدّ ما اعتبر استفزازاً لمشاعر الكويتيين السنة، وأدّى إلى محاكمة «عبد الصمد» وآخرين في 23 يوليو/ تموز 2008 بعد رفع الحصانة البرلمانية عنهم بتهمة زعزعة استقرار البلاد.

ولأنّ كلّ من «دشتي» و«عبد الصمد» وغيرهما من النوّاب الشيعة البالغ عددهم 17 نائباً يمثّلون شيعة الكويت، الذين تبلغ نسبتهم أقل من 30% بحسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، فإنّ كل سلوك يصدر من قبلهم لا يراعي مشاعر مواطنيهم السنة أو عقائدهم بقصد أو غير قصد، سيؤدي حتماً إلى تشجيع بعض ناخبيهم الشيعة إلى تنفيذ أفعال طائفية ضدّ الأكثريّة السنيّة ككتابة عبارات مسيئة للصحابة على جدران مساجد السنّة.

وقد تكرر ذلك عدة مرات في منطقة مبارك الكبير(جنوب العاصمة الكويت) عندما اقتحم مجهولون أحد المساجد وكتبوا على جدران المسجد من الداخل شتائم ضد الخليفة الثاني «عمر بن الخطاب» في مايو/ أيار 2011 ، أو باستخدام «تويتر بتغريدات يشتم فيها الصحابة، كما فعل الشيعي الكويتي «حمد النقي الذي حُكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة الإساءة للنبي «محمد وزوجته «عائشة والصحابة في 4 يونيو/ حزيران 2012.

تعكس النزاعات والملاسنات الداخليّة التي يشترك فيها «دشتي» المقرّب من إيران و«حزب الله» اللبناني أو غيره من الشخصيات الشيعية الكويتية كرجل الأعمال «محمود حيدر» مالك جريدة «الدار» وقناة «العدالة» التي صدر ضدهما حكم بالإقفال لمدة سنة في 2009 بتهمة الإساءة إلى الصحابة وتحقير الرموز السلفية في الخليج، في معظمها، حجم الاحتقان الطائفي في الكويت على الرغم من أن المدخل إلى تلك النزاعات يكون من باب السياسة وحرية التعبير.

وفي حديث إلى «المونيتور» عن الأزمة الطائفيّة في الكويت، قال نائب قبلي في مجلس الأمة الكويتي (البرلمان الكويتي)  طلب عدم ذكر اسمه: «ليست مشكلتنا مع المذهب الشيعي، ولا مع المواطن الشيعي الذي يعيش معنا منذ عقود طويلة، مشكلتنا مع وكلاء إيران الذين يستخدمون هويّتهم الكويتيّة ودستور البلاد لصالح إيران. لقد اخترقوا كل الوزارات السيادية والأسرة الحاكمة كذلك. إنّهم يخططون لتفجير الدولة من داخلها، إنهم أخطر من داعش ( الدولة الإسلامية) الذي يحاربه كل العالم».

ويضيف النائب القبلي: «أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رجل طيّب يرضونه بالكلام المعسول، وهو يريد أن يكون والداً لكل المواطنين، ونحن على يقين بأن المشكلة خارج سيطرته».

واتّهم النائب القبلي اللوبي الإيراني داخل الحكومة بتسريب الخطاب التحذيري الموجّه من وزير النفط الكويتي إلى نظيره السعودي بشأن الخلاف على الحقول النفطيّة الذي نشر في 28 يوليو/ تموز الفائت.

وتشترك السعودية والكويت في إنتاج النفط من حقلين نفطيين هما الخفجي والوفرة في المنطقة المحايدة شمالا بينهما، وبعد الخلافات خسرت الكويت حصتها البالغ 250 ألف برميل يوميا.

كلام النائب القبلي عن النفوذ الايراني في الكويت ليس الأول، بل سبقه كلام لنوّاب وأكاديميّين تحدّثوا صراحة عن النفوذ والخطر الإيراني في الكويت كالنائب الكويتي السابق والأكاديمي «عبدالله النفيسي»الذي تحدّث صراحة في أبريل/ نيسان 2011 على قناة الحوار عن علاقة رئيس الحكومة حينها «ناصر محمد الصباح» بدعم النفوذ الإيراني في الكويت.

الموقع الجغرافي لدولة الكويت الصغيرة الحجم من حيث المساحة والسكان (17,820 كم مربع و 3.3 مليون نسمة) بين عواصم التأثير الطائفي والسياسي في إيران والعراق والسعوديّة، يضطرها إلى المبادرة بتصريحات إعلامية أو مواقف سياسية مثيرة لحساب إحدى العواصم المحيطة من حين إلى آخر كتصريح أمير الكويت خلال زيارته لإيران في 2 يونيو/ حزيران 2014 بأن «خامنئي» ليس مرشد ايران فقط بل هو مرشد المنطقة كلها كما أن ظروف الموقع والحجم يجعل من المجتمع الكويتي أكثر تقبّلاً للتيّارات الفكرية والسياسية الإقليمية وأقل مقاومة لها.

ونتيجة التجاذبات الطائفية والسياسية المتصاعدة، إضافة إلى تنامي شبكات التجسس الإيرانية، وتكاثر خلايا تنظيم «الدولة الإسلامية» وما يتبعه من عمليّات إرهابيّة، قد تتضاءل الخيارات السياسيّة والأمنيّة المتاحة أمام أمير الكويت.

أما خيار استمرار الأوضاع على حالها، والبقاء في منطقة الوسط ومسايرة كل الأطراف الداخلية والخارجية، وعلى الرغم من أنه تقليدي وسهل، إلا أنه بالغ الخطورة لأنّه يبقي نظام الحكم الضعيف أصلاً عرضة إلى كل احتمالات السقوط السياسي والأمني، وقد يأتي التغيير هذه المرة من الشرق أو الشمال، وقد يأتي من داخل أسرة آل الصباح» المنهمكة في خلافاتها الداخليّة من حين إلى آخر، وصراع أجنحتها على منصب ولاية العهد وما يتبعه من سلطة وثروة.

  كلمات مفتاحية

الكويت طائفية لبنان

غضب في الكويت بعد زيارة نائب شيعي لمنزل «عماد مغنية» في لبنان

«الدولة الإسلامية» يتوعد شيعة الكويت في تسجيل صوتي لمنفذ تفجير مسجد «الصادق»

ارتفاع ضحايا تفجير مسجد الصادق بالكويت إلى 28 قتيلا وسط إدانات دولية واسعة

«نيويورك تايمز»: «عماد مغنية» متورط رئيسي في اغتيال «رفيق الحريري»

أمير الكويت في طهران: هل تجني السعودية ثمار الزيارة؟

اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء الكويتي لبحث الأوضاع الأمنية

المتغير الإقليمي في المعادلة الطائفية خليجيا

السلطوية .. الخطر الذي يهدد الكويت

عن التحريض الطائفي