سياسة مصر في التعامل مع كورونا بين القمع والانتهازية

الأربعاء 20 مايو 2020 11:29 ص

مثل الأنظمة الاستبدادية الأخرى حول العالم، تستغل الحكومة في مصر جائحة "كورونا" "كوفيد-19". وتحت ستار محاربة الفيروس التاجي، تقوم بقمع النقاد وفرض المزيد من القيود على الحريات الشخصية.

واتخذ النظام القمعي في مصر، بقيادة الجنرال "عبدالفتاح السيسي"، عدة إجراءات سياسية خلال الشهرين الماضيين، كان ظاهرها السيطرة على تفشي المرض.

وسوف تؤثر هذه الإجراءات على المدى الطويل على الحياة السياسية في مصر بما يتجاوز أزمة فيروس "كورونا".

وخارجيا، يستخدم "السيسي" الوباء كوسيلة لتسجيل نقاط سياسية وتحسين صورة نظامه على المسرح الدولي.

ومنذ الانتشار العالمي للفيروس، أرسلت مصر شحنات طبية إلى عدد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وإيطاليا.

ومن السخرية إرسال هذه الإمدادات إلى خارج البلاد في حين أن مصر نفسها تصارع الفيروس التاجي، وفي الواقع، لا يمكن تجاهل تسييس مصر واستغلالها لوباء الفيروس التاجي، ويجب التدقيق في هذا الأمر عن كثب.

"كوفيد-19" في مصر

ولا يشكل سوء إدارة مصر لأزمة الفيروس التاجي مفاجأة، فبعد أسابيع قليلة من الإنكار ورفض التقارير حول انتشار الفيروس في البلاد، بدأت الحكومة في الاعتراف بالوجود المتزايد لـ"كوفيد-19" في مصر، واتخذت إجراءات من أجل احتواء انتشاره.

ومع ذلك، يبدو أن هذه الإجراءات ليست فعالة، وفي 12 مايو/أيار، كانت حالات الإصابة بالعدوى في مصر في هذا اليوم 347، ما رفع العدد الإجمالي إلى 10 آلاف و93 إصابة، مع 544 حالة وفاة.

وفي الواقع، كان من الممكن أن يكون هذا العدد أقل إذا كانت الحكومة قد قدمت الدعم والمساعدة الطبية اللازمة للأخصائيين الطبيين والمستشفيات.

والأهم من ذلك، تشير التقارير المقلقة إلى أنه تم العثور على العديد من الحالات المؤكدة المصابة بين الأطباء والممرضات، ما يعقد الوضع ويؤثر على قدرة البلاد على مكافحة المرض.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، يمثل هؤلاء العاملون في مجال الرعاية الصحية نحو 13% من حالات الإصابة بالفيروس في مصر.

على سبيل المثال، في أوائل أبريل/نيسان، شهد المركز الوطني للسرطان في مصر، وهو المرفق الرئيسي للسرطان في البلاد، تفشي "كوفيد-19"، حيث ثبت أن 17 طبيبا وممرضة على الأقل كانت اختباراتهم إيجابية.

علاوة على ذلك، كان على مستشفى "النجيلة"، الذي تم تكليفه بالحجر الصحي لحالات "كورونا" في مصر، إيقاف عمليات قبول أي أعداد جديدة. لأنه وفقا لـ"مدى مصر"، تم تشخيص نصف أعضاء المستشفى، البالغ عددهم 79 موظفا، مصابين بالفيروس، وتوفي 2 منهم بسبب مضاعفاته.

وأدى نقص حماية الكوادر الطبية في مصر إلى أزمة بين وزارة الصحة المصرية ونقابة الأطباء؛ حيث تتهم الأخيرة الوزارة بعدم اتخاذ تدابير لحماية الأطباء والممرضات الذين يعالجون مصابي "كوفيد-19".

بالإضافة إلى ذلك، بدأت الممرضات والعاملون الطبيون في مستشفى المنصورة للتأمين الصحي إضرابا احتجاجا على رفض وزارة الصحة إخضاعهم لاختبار فيروس "كورونا".

ودعت منظمة الصحة العالمية مصر إلى إجراء المزيد من اختبارات الفيروسات التاجية وتطبيق المزيد من الإجراءات الوقائية.

وكمثال على فشل الحكومة التام في احتواء الفيروس، أعلن رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" ما يصفه بـ"خطة التعايش" مع الوباء.

ووفقا للخطة، سيتم تخفيف القيود على أماكن مثل المتاجر والمطاعم، وسيُعاد فتح البلاد تدريجيا للعودة إلى وضعها الطبيعي، وهي سياسة من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة وتضع المزيد من الضغط على نظام الرعاية الصحية الضعيف في البلاد.

القمع وسط أزمة فيروس "كورونا"

وتتعامل مصر مع "كوفيد-19" على أنه تهديد سياسي، ويخشى النظام أن يؤدي انتشار الفيروس، إلى جانب نظام الرعاية الصحية غير الفعال والضعيف، إلى دورة جديدة من الاضطرابات والاحتجاجات.

لذلك، فإنه يضيق الخناق على الأفراد الذين ينتقدون استجابة الحكومة وتعاملها مع الأزمة، وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، اعتقلت قوات الأمن المصرية العديد من الناشطيت الشباب الذين انتقدوا سياسات الحكومة في معالجة أزمة "كورونا"، واتهمتهم بنشر "شائعات وأخبار مفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي حول انتشار الفيروس التاجي في البلاد".

إضافة إلى ذلك، وفقا لبيان صادر عن "هيومن رايتس ووتش"، تم اختطاف امرأتين على الأقل ليس لهما انتماء سياسي معروف، ثم اختفيا قسريا، مع 7 أطفال، بسبب ملاحظاتهم الانتقادية لتدابير الحكومة في الاستجابة لتفشي الفيروس التاجي، وقد تم إطلاق سراح الأطفال بعد ذلك بشروط.

علاوة على ذلك، في 28 أبريل/نيسان، مدد "السيسي" حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر أخرى، ويعيش المصريون في ظل حالة الطوارئ، وهذه هي المرة الـ11 التي يتم فيها تجديدها منذ أبريل/نيسان 2017، بعد الهجمات الإرهابية على كنيستين في طنطا والإسكندرية خلفت نحو 45 قتيلا.

ومع ذلك، فإن الاستغلال السياسي الأكثر وضوحا وخطورة للفيروس التاجي يأتي مع التعديلات الأخيرة لقانون الطوارئ التي صادق عليها "السيسي" في 7 مايو/أيار.

وسوف تزيد هذه التعديلات من سلطة الرئيس والجيش على المدنيين الذين قد ينتهكون القانون. وبحسب بيان موقع من قبل 9 منظمات لحقوق الإنسان، فإن هذه التعديلات "ستعزز سيطرة الرئيس والجيش على القضاء"، وستوسع اختصاص النيابة العسكرية للتحقيق مع المدنيين.

كما "تمنح الرئيس سلطة تفويض النيابة العسكرية بالتحقيق في الجرائم التي تنتهك قانون الطوارئ".

سياسة المساعدة الطبية

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أرسلت مصر عدة شحنات مملوءة بالمستلزمات الطبية، مثل الأقنعة والأثواب وأدوية التخدير والمضادات الحيوية وأكياس الجسم ومسحات الاختبار وما شابه ذلك، إلى الصين وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

ومع ذلك، وبالنظر إلى احتياجات مصر، لم تنشأ المساعدة الطبية لهذه الدول من الكرم أو التضامن مع أزمة جائحة "كورونا"، بل يعكس الطابع الانتهازي للرئيس "السيسي"، الذي يستغل بوضوح هذا الوباء من أجل تسجيل نقاط سياسية وتحسين صورته على الساحة الدولية.

وتعد 3 من الدول المتلقية للمساعدة الطبية المصرية، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين، حلفاء استراتيجيين يمكن لنظام "السيسي" القمعي أن يعتمد عليهم، بينما تعاني الرابعة، وهي إيطاليا، من مشاكل قانونية مع مصر بشأن قضية مواطن إيطالي تم قتله هناك عام 2016.

وكانت شحنات "السيسي" من الإمدادات الطبية إلى الولايات المتحدة، التي هبطت في قاعدة "أندروز" المشتركة في ماريلاند، في 21 أبريل/نيسان، لفتة ذكية وخطوة استراتيجية جاءت وسط واحدة من أسوأ الأزمات الطبية والاقتصادية الأمريكية منذ عقود.

وضخمت أذرع دعاية "السيسي" مساعدته للولايات المتحدة، وصورتها على أنها خطوة تاريخية تظهر "القيادة والقدرات العالمية لمصر".

ويشار إلى أن مصر هي المستفيد الرئيسي من المساعدات الخارجية الأمريكية، حيث تحصل على أكثر من مليار دولار سنويا منذ عام 1979.

والواقع أن "السيسي" حصل على الثناء والإطراء الذي كان يسعى إليه من المسؤولين الأمريكيين، وغردت وزارة الخارجية باللغة العربية للتعبير عن امتنانها "للرئيس السيسي والشعب المصري لدعمهم السخي للشعب الأمريكي".

وبالمثل فعل مجلس الأمن القومي والسفير الأمريكي في مصر "جوناثان كوهين"، الذي نشر رسالة الامتنان في تسجيل فيديو.

وبالمثل، تعد المملكة المتحدة حليفا سياسيا واقتصاديا وعسكريا رئيسيا لمصر، وعزز البلدان كلاهما علاقتهما الثنائية على مدى الأعوام القليلة الماضية، التي وصلت خلالها الاستثمارات البريطانية في مصر إلى أكثر من 5 مليارات دولار، خاصة في صناعة الطاقة والنفط.

وتعد مصر أيضا مستوردا رئيسيا للأسلحة والمبيعات العسكرية البريطانية، ووفقا لمنظمة العمل ضد العنف المسلح، وهي مجموعة مناصرة تسعى إلى الحد من تأثير العنف المسلح في جميع أنحاء العالم، ارتفع عدد التراخيص المعتمدة لمبيعات الأسلحة من المملكة المتحدة إلى مصر بشكل مطرد على مدى الأعوام القليلة الماضية.

وبين عامي 2008 و2017 فقط، كانت هناك زيادة بنسبة 750% في التراخيص الممنوحة لمصر، من 63 إلى 535.

بالإضافة إلى ذلك، في عام 2015، وافقت لندن على نحو 134 مليون دولار من صادرات الأسلحة العسكرية إلى القاهرة.

لذلك فإن تقديم المساعدة الطبية إلى المملكة المتحدة خلال أزمة الفيروس التاجي لن يؤدي فقط إلى تعزيز علاقة نظام "السيسي" بلندن، بل سيعطي أيضا بعض العائد المهم على المدى الطويل.

أما الصين، التي كانت مصر من أوائل الدول التي أبدت دعمها وتضامنها معها في أزمة الفيروس التاجي، فإن المكاسب السياسية والاقتصادية ملحوظة.

أولا، تعد الصين أكبر شريك تجاري لمصر، بحجم تجارة ثنائية يبلغ 10.58 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2019.

ثانيا، تعد الصين واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في معظم المشاريع الكبرى التي قام بها "السيسي"، التي يستخدمها للترويج نفسه، وأهمها العاصمة الإدارية الجديدة، ومحور قناة السويس، ومدينة العلمين، بالإضافة إلى خطوط الكهرباء الموسعة، مثل خط القطار المكهرب "السلام - العاصمة الإدارية - العاشر"، باستثمار 1.2 مليار دولار من شركة أفيك" الصينية. كما أن هناك استثمارات صينية في التكنولوجيا وقطاعات الخدمات والزراعة والسياحة.

ثالثا، تعد الصين أحد الدائنين الرئيسيين لمصر، حيث تملك نحو 3.5% من الدين الخارجي المرتفع لمصر، الذي يتجاوز 112 مليار دولار، لذلك، فإن إرسال الإمدادات الطبية إلى الصين يمكن أن يُترجم في النهاية إلى مكافآت كبيرة لنظام "السيسي".

وفي إيطاليا كانت المخاطر أكبر، فلدى "السيسي" علاقة معقدة وإشكالية مع الحكومة الإيطالية الحالية بسبب قضية "جوليو ريجيني"، طالب الدكتوراه في جامعة كامبريدج الذي كان يقوم بأبحاث ميدانية في القاهرة قبل أن يتعرض للتعذيب الوحشي والقتل على أيدي قوات أمن "السيسي" عام 2016.

ودمرت تلك القضية العلاقات الثنائية بين مصر وإيطاليا على مدى الأعوام الـ4 الماضية، وخلقت مشاكل لنظام "السيسي".

وحتى الآن، فشلت مصر في تقديم أدلة دامغة على من قتل "ريجيني"، ولم يُتهم أحد أو يُحاسب على وفاته، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهم المدعي العام الإيطالي مصر رسميا بمحاولة تضليل التحقيق عمدا.

علاوة على ذلك، كان لقضية "ريجني" تأثير على التعاون بين مصر وإيطاليا فيما يتعلق بليبيا، ويدعم البلدان الفصائل الليبية المختلفة، ويتبنيان وجهات نظر متباينة حول كيفية إنهاء الحرب الأهلية وحل الصراع.

ومن خلال إرسال طائرتي شحن مملوءتين بالمعدات الطبية إلى إيطاليا، اعتقد "السيسي" أنه يمكنه تغيير موقف إيطاليا من قضية "ريجيني" والصراع في ليبيا، وقد عكس هذا بوضوح انتهازية الرئيس المصري وإفلاسه الأخلاقي.

ومن الجدير بالذكر أن مصر لم ترسل مساعدة طبية لحلفائها الإقليميين ومؤيديها الرئيسيين في المنطقة، خاصة السعودية والإمارات، وهي دول مدرجة على قائمة الدول التي بها أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس التاجي في العالم العربي، بأكثر من 42 ألفا و19 ألفا على التوالي.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه كلا البلدين عقبات اقتصادية، خاصة المملكة العربية السعودية، بسبب تحديات الجائحة وتراجع أسعار النفط.

وأخيرا، تظهر تحركات "السيسي" أنه يهتم أكثر بالرعاية الصحية لحلفائه الغربيين أكثر من نظرائه العرب، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية بشأن الرفاهية الاقتصادية لبلاده.

ومن المؤكد أن النظام المصري يبدو مهتما بتهدئة الانتقادات الدولية لسياساته القمعية وزيادة سيطرته على المجتمع المصري.

وسيطر "السيسي" على الظروف الداخلية والمعارضة المصرية بشكل كامل منذ انقلابه عام 2013، وبالنسبة له، فإن ما يهم هو العلاقات مع المحسنين الغربيين والحلفاء الذين هم في وضع جيد لمساعدته على اكتساب الشرعية التي يفتقر إليها بشدة بين شعبه.

المصدر | خليل العناني | ريسبونسيبل كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا جائحة كورونا نظام السيسي

مصر للطيران تتكبد خسائر مليار جنيه شهريا بسبب كورونا

السلطات المصرية تحقق مع طبيب لحديثه عن كورونا على فيسبوك

مصر.. تعليمات بتقليل مسحات كورونا لضباط الداخلية والمعتقلين

كيف يستخدم السيسي كورونا لتوطيد الحكم العسكري في مصر؟

7 سنوات على انقلاب السيسي.. مصر بين مطرقة القمع وسندان الفقر

ف. تايمز: السيسي يستغل كورونا لتعزيز القبضة الأمنية