العراق ومصر… ولبنان: أشخاص فاسدون أم نظام؟

الاثنين 24 أغسطس 2015 05:08 ص

تواترت في العراق ومصر ولبنان في الأسابيع والأيام الأخيرة أخبار مظاهرات، لتشكل نوعاً من الظاهرة الجديرة بالانتباه، ورغم الطابع المطلبي للكثير من هذه الأعمال الاحتجاجية فلا يمكن قطع صلتها نهائيا بمظاهرات الربيع العربيّ الجماهيرية قبل سنوات، فبعضها، كما حصل في لبنان، استخدم شعارات «إسقاط النظام»، فيما اكتفى البعض الآخر، كما في العراق ومصر، بالاحتجاج على الفساد والسرقات وسوء الخدمات، من دون ربط مباشر لها بالنظام السياسي.

في مفارقة كاشفة، وجدت المظاهرات العراقية غطاء سريعاً لها من قبل «المرجعية الشيعية» ممثلة بآية الله علي السيستاني، وكذلك بالمرجعية السياسية التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بحيث تم إعطاؤها شرعّيتين، دينية وسياسية، وتم احتواؤها وخفض سقفها، في الآن نفسه، بحيث لا تعرّض النظام السياسي الطائفيّ للخطر، وهو الأمر الذي لم يحدث سابقاً مع الاحتجاجات الكبيرة التي قامت بها المحافظات ذات الغالبية السنيّة في العام 2013، أثناء ولاية نوري المالكي والتي قوبلت بالتهديد والقمع وسجن واغتيال زعمائها.

ما يحصل في لبنان أخيراً من مظاهرات يبدو أشد تعقيداً من الصورة العراقية، فالحراك المدني الذي وجد في موضوع تراكم النفايات سبباً لتجمع الآلاف من اللبنانيين حول قضيّة عامّة، أعطى بارقة أمل في أن يستعيد الخطاب المدني مكانته متغلباً على الخطاب الطائفي الطاغي الذي يقسم اللبنانيين إلى جماعات صلدة متحاربة لا يقوم شأن إحداها إلا على قهر وكسر الأخرى، لكنّ ما شهدناه لم يقدّم مبادرة حقيقية ذات معنى، فشعار «إسقاط النظام» في لبنان، لم يتمخّض عملياً غير عن التهديد باقتحام مؤسسات الدولة، كالبرلمان، والتنديد بذاك الوزير أو سواه، وهو خطاب يمكن استخدامه في قصائد «الزجل» اللبناني الشهيرة أكثر مما يمكن التعويل عليه كآلية لعمل حقيقي بديل للنظام السياسي الراهن.

أما في مصر، حيث تظاهر عناصر من الشرطة المصرية أمس الأحد احتجاجا على «تجاهل المسؤولين لمطالبهم» بعد بدئهم اعتصاما مفتوحا السبت أمام مديرية أمن الشرقية لتحسين أوضاعهم الوظيفية، فقد ووجهوا بالرد عليهم بقوّة وباتهامهم ضمناً بالتأثر بدعاية «جماعة الإخوان المسلمين» التي «حرّضتهم على التظاهر»!

وبحسب الأخبار القادمة من العراق فقد تعرّضت بعض التظاهرات في المدن العراقية الجمعة للعديد من حوادث الاعتداء على المتظاهرين من قبل عناصر أمنية أو عسكرية، وذلك في البصرة والحلّة وبغداد، كما أشارت إلى وجود عناصر من «الحشد الشعبي» تندد بـ«تأخر دفع مستحقاتهم المالية لعدّة أشهر».

يشير العنف الصريح أو المتدرّج الذي تعامل به قوات الأمن والجيش مع المظاهرات إلى حالة الفزع العام لدى الأنظمة العربية من اتساع دائرة هذه الأعمال الاحتجاجية من مجالها المطلبيّ الذي يمكن احتواؤه تحت مظلات طائفية أو شارعيّة إلى المجال السياسيّ العامّ الذي يوجّه الاتهام للنظام ككلّ وليس لأفراد محددين يمكن التضحية بهم، كما هو الحال مع نوري المالكي في العراق وبعض الوزراء والمسؤولين المتهمين بالفساد، أو توجيهه في لبنان ضد وزير الداخلية أو رئيسي الحكومة والنواب.

اللافت للنظر أن النظام المصري، وأجهزة أمن النظام العراقي بدرجة أقل، هو الذي يسعى إلى تأطير النضال المطلبي ضمن يافطة سياسية، باتهام المحتجين بالارتباط مع «الإخوان المسلمين»، مستخدما إياهم كفزّاعة لإرهاب ومنع أي عمل مطلبي جماهيري مشروع ضده، وهي سياسة ذات حدّين، فهي قد تخيف أصحاب الحقوق وتمنعهم من المشاركة في أي عمل جماعي، كونهم سيتهمون بشكل ميكانيكي بالارتباط بالإخوان، كما أن هذه السياسة نفسها قد تدفع المحتجين إلى التماهي مع «الإخوان» ما دام هذا هو الثمن الغالي المطلوب للدفاع عن الحقوق التي تحمي أطفالهم من الوقوع في وهدة الفقر الفظيعة.

تعيد المظاهرات المذكورة نقاشاً تاريخياً حول علاقة المطلبي بالسياسي، غير أن ردود الفعل العنيفة من أجهزة الأمن تؤكد، بدون مماراة، أن النضالين مرتبطان، وبما أن الأنظمة لا تفرق بينهما، فالأحرى بالمتظاهرين ألا يخدعوا أنفسهم بالظنّ أن من يحرس أجهزة الفساد سيقوم بالإصلاحات. 

  كلمات مفتاحية

العراق مصر لبنان مظاهرات الربيع العربي الفساد علي السيستاني حيدر العبادي نوري المالكي

«الصدر» يدعو أنصاره للمشاركة في احتجاجات بغداد الجمعة القادم

العراق: اتساع رقعة التظاهرات يمهد لحكومة إنقاذ والطوارئ؟

«العبادي» يلغي مناصب حكومية كبيرة ويطيح بـ«نوري المالكي»

الاحتجاجات تجتاح وسط وجنوب العراق ودعوات لمظاهرات حاشدة الجمعة المقبل

«العبادي»: سأمضي فى محاربة الفساد ولو كلفني الأمر حياتي

«هيومن رايتس ووتش»: قوى الأمن تقمع المتظاهرين في لبنان

«ترشيد المطالب» من «إسقاط النظام» إلى «إزالة القمامة» والبحث عن لقمة العيش

لبنان يطلب رسميا مساعدة تركيا في حل أزمة النفايات

المتظاهرون اللبنانيون يمهلون الحكومة 72 ساعة لتحقيق مطالبهم

مسؤول مصري: تنسيق أمني واستخباراتي مع العراق لمحاربة «الدولة الإسلامية»

وزير الخارجية العراقي: مطمئنون للتشاور مع «السيسي» في الأمور العسكرية