تقرير: «الاتحاد الديمقراطي الكردي» «عقبة» في طريق إعادة بناء الدولة السورية

الخميس 27 أغسطس 2015 11:08 ص

الدعم الجوي الأمريكي الذي لم يسبق له مثيل لميليشيات حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي، وهو حزب سياسي كردي سوري، ساعد تلك الميليشيات على التصدي لقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» على طول الحدود التركية، وإلحاق أكبر هزيمة للتنظيم في سوريا حتى الآن، بحسب ما جاء بمعهد دراسات الشرق الأوسط ونشرته صحيفة التقرير.

كما مكنت الغارات الجوية الأمريكية وحدات حماية الشعب الكردي من تعزيز قبضتها على المناطق الكردية السورية، وأطلقت مشروعًا طموحًا للحكم الذاتي وخلق إدارات جديدة لإدارة الشؤون المحلية. وساعدت تلك الغارات الجوية أيضًا على تغيير ليس فقط ساحة المعركة السورية ولكن أيضًا المشهد السياسي السوري. لقد أحدثت منافسة طويلة الأمد بين جماعات المعارضة العربية السورية وحزب «الاتحاد الديمقراطي» والميليشيات التابعة له. إذا انتصر حزب «الاتحاد الديمقراطي» في هذا المنافسة، سيكون من الصعب إعادة تأسيس دولة سورية مركزية قوية، مع كل ما يعنيه ذلك حول تخليص سوريا من الجماعات المتطرفة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية».

الحملة الواقعية المتقنة من وحدات حماية الشعب الكردية

قامت القوات الكردية التابعة للحزب بطرد قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» من المناطق في شمال وشمال شرق سوريا بما في ذلك المناطق ذات الأغلبية الكردية في الجزيرة وكوباني. وتسيطر تلك القوات أيضًا على منطقة عفرين في شمال غرب سوريا.

وكانت جهود حزب «الاتحاد الديمقراطي» فعّالة لتعزيز السيطرة على هذه المناطق منذ عام 2011. لقد سيطرت القوات الكردية على المدن الكردية الرئيسة في الجزيرة وكوباني عندما انسحبت قوات النظام في صيف عام 2012، ولكنها تجنبت المواجهة المباشرة مع الحكومة السورية وسمحت بتواجد محدود لوحدات الاستخبارات السورية.

وفي مايو/ أيار عام 2015، في إحدى المدن الكبرى في الجزيرة، القامشلي، عمل أفراد الأمن من الحكومة السورية في مبنى حيث كانت هناك صورة كبيرة لـ«بشار الأسد معلقة على الجدار الخارجي، وذلك وفقًا لصحفي غربي زار المدينة.

وفي يوليو/ تموز عام 2015، تعاون مقاتلو الحزب مع جيش الحكومة السورية في المعارك البرية ضد «الدولة الإسلامية في الحسكة شرق سوريا.
اتهم الكثيرون في المعارضة السورية وتركيا،حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي ببدء مشروع انفصالي. وفي منتصف يونيو/ حزيران عام 2013، بدأ الحزب بالفعل في التشاور مع الأحزاب الكردية الأخرى، والعرب والمسيحيين والشيشان في المناطق الكردية السورية من أجل تشكيل إدارة مؤقتة.

وعلى الرغم من انتقادات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أعلن حزب «الاتحاد الديمقراطي» عن نيته لتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة في نوفمبر/ تشرين ثاني عام 2013.

ويقول مسؤولون من داخل الحزب إنّه ليس لديهم أي خطط للانفصال، ولكن زعيم الحزب، «صالح مسلم، أبدى دهشته في مقابلة حديثة مع صحيفة «الحياة، وقال: «الخرائط التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو لا تعكس الواقع بدقة“.

وأضاف: «نحن لا نهتم بتغيير الخريطة السورية، ما يهمنا فقط هو احترام إرادة الشعب وتطلعاته“. ونفى أنّه يسعى لإقامة دولة مستقلة أو حتى منطقة حكم ذاتي، لكنه أصر على أن الأكراد لن تحكمهم حكومة مركزية في دمشق مرة أخرى.

هياكل حكم جديدة في المنطقة الكردية في سوريا

استمر «حزب الاتحاد الديمقراطي» في التدعيم العسكري مع بناء هياكل حكم ذاتي ومؤسسات محلية، فضلًا عن التصدي للمنافسين السياسيين. وفي يوليو/ تموز عام 2012، وبتشجيع من الحكومة الإقليمية الكردية العراقية، أنشأ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي والمجلس الوطني الكردي اللجنة العليا الكردية لإدارة المدن الكردية.

ومع ذلك، اشتكى مسؤولو المجلس الوطني الكردي من أن نشطاءهم قد عانوا من الاعتقال والمضايقة في ظل الهيمنة السياسية من حزب الاتحاد الديمقراطي، وسرعان ما تفككت اللجنة العليا.

وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2014، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن حكومة الحكم الذاتي الديمقراطي في غرب كردستان.

هذه ليست حكومة واحدة، بل ثلاث حكومات محلية منفصلة على أساس عقد اجتماعي (أو دستور). وعلى الرغم من أن هذا العقد الاجتماعي يعلن أن سوريا دولة ديمقراطية حرة ومستقلة ويؤكد أن الأقاليم الكردية الثلاثة (عفرين، وكوباني، والجزيرة) ستبقى جزءًا من سوريا، لكنه يمثل نموذجًا للمستقبل لنظام الحكم الاتحادي اللامركزي في سوريا.

وحتى الآن لم يتم ربط هذه الحكومات معًا في إطار هيئة عليا لصنع القرار. في الواقع، قامت كل حكومة بتطوير مؤسسات وهياكل الحكم الخاصة بها؛ حيث من المفترض أن يوجد داخل كل إقليم مجلس تشريعي، ومجلس تنفيذي مكوّن من رئيس ونائبين و22 وزيرًا، ومجلس قضاء مع محكمة دستورية عليا من سبعة أعضاء ولجنة خاصة بالانتخابات. وهناك أيضًا مجالس الإدارة المحلية المنتخبة على مستوى المدينة.

وعلى الرغم من أنّ الانتخابات الأولى كانت ستعقد بعد إعلان الحكم الذاتي بفترة وجيزة؛ إلّا أنّه تم تأجيل الانتخابات وأُجريت الجولة الأولى من الاقتراع للمجالس البلدية في 13 مارس/ آذار عام 2015.

وسيطرت مؤسسات الحكم المحلي بالفعل على عناصر الإدارة مثل التعليم والصحة، والأمن، والدعاوى القضائية، وكذلك منظمات التجارة والأعمال.

وتشارك الطوائف الدينية والعرقية المختلفة (بما في ذلك العرب والمسيحيون السريان) في هذه المؤسسات ولهم أحزابهم السياسية في هذه المناطق.

في الواقع، يشغل أحد العرب والسريان منصب نائب الرئيس في كل إقليم. وعلاوة على ذلك، في إقليم الجزيرة، على سبيل المثال، يتم تسجيل اللغات الثلاث (الكردية والعربية والسريانية) كلغات رسمية؛ مما يدل على وجود درجة من التعددية. وإلى جانب مؤسسات الحكم، ظهرت منظمات المجتمع المدني أيضًا في جميع أنحاء المناطق لأداء وظائفها مثل تعزيز حقوق المرأة.

وبالرغم من استمرار نفي حزب الاتحاد الديمقراطي لانتمائه لحزب العمال الكردستاني؛ لكنّ ما يجري تنفيذه في الشمال يبدو امتدادًا لكتابات زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان» عن النظام الكونفيدرالي الديمقراطي، وهو نوع من الديمقراطية المباشرة القائمة على المجالس المحلية.

أوجلان»، الذي يكتب من السجن، قال إن من الأمثلة المضيئة عن الاتحادات الفعّالة هي الولايات المتحدة الأمريكية (الدولة الأقوى حاليًا) والاتحاد الأوروبي. هذه الأمثلة قد تكون بمثابة برنامج عملي للتوصل إلى حل للمسألة الكردية؛ وهي إنشاء اتحاد ديمقراطي للبلدان ذات الكثافة السكّانية الكردية.

نظرة فاحصة على العقد الاجتماعي الذي تمّت الموافقة عليه في غرب كردستان سنجد أنه يشمل هذه الأفكار الديمقراطية المباشرة. والجدير بالذكر أنّ صورة أوجلان تزين العديد من جدران المكاتب الكردية السورية.

الدولة الكردية السورية المستقلة؟

يقول «صالح مسلم» إنّ إنشاء حزب الاتحاد الديمقراطي للإدارات المحلية في الشمال لا يخص الأكراد وحدهم. إنّه مشروع مستقبلي يهم كل من يعيش في سوريا. ونعتقد أنه إذا قام الناس في درعا واللاذقية ودمشق بما فعلناه في مناطقنا، فإنّ سوريا ستتخلص من الاستبداد.

وفي حين أن حزب «الاتحاد الديمقراطي» قد قرر إنشاء هيكل إداري واسع في غرب كردستان في المستقبل، فإنه لا يريد العودة إلى الدولة السورية المركزية. وقال «مسلم» : «يمكن إدارة سوريا من دون حكومة مركزية».

وفي مقابلته مع صحيفة «الحياة»، تحدث «مسلم» عن دولة سيكون لحكومتها المركزية دور في الأمن والاقتصاد الوطني، وسلط الضوء على أن إدارة المشروع ستبقى عند المستوى المحلي.

في يونيو/ حزيران عام 2015، استولت القوات الكردية على تل أبيض، وهي بلدة تقع على الحدود السورية التركية؛ مما أعاق وصول تنظيم داعش إلى تركيا وسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالتواصل مع الأقاليم الكردية في كوباني والجزيرة. لكنّ عفرين في شمال غرب سوريا لم تكن لها صلة بالأراضي التي يسيطر عليه الأكراد.

الخطة الأمريكية التركية، في 4 أغسطس/ آب الجاري، لإنشاء منطقة خالية من تنظيم «الدولة الإسلامية» تقدم تحديات كبيرة للأكراد في تعزيز سيطرتهم في الشمال؛ لأن الأتراك أعربوا عن رغبتهم في وجود قوات غير كردية تسيطر على تلك المنطقة.

ولذلك؛ فإنّ الأتراك سيحبطون جهود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لربط عفرين مع كوباني والجزيرة بالشرق. كما أنّ غياب القرى الكردية في هذه المنطقة التي تمتد نحو 65 ميلًا يجعل من السهل على الجماعات غير الكردية للسيطرة على تلك المناطق.

الربط السياسي للمنطقة الكردية العراقية؟

على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يبدو أنه يتقدم داخليًا في سعيه للحصول على الحكم الذاتي، لكن الاتصال السياسي والأيديولوجي للحزب مع حزب العمال الكردستاني» قد وضعه في منافسة مع حكومة مسعود البرزاني» الكردية الإقليمية في العراق.

التنافس بين حزب «العمال الكردستاني» والحزب «الديمقراطي الكردستاني» على النفوذ بين المجتمعات الكردية يعود إلى تسعينيات القرن المنصرم.

يرى حزب «بارزاني» أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي» منافس مع حلفاء بارزاني في المنطقة الكردية السورية، والحزب الديمقراطي الكردي السوري وحلفائه في التحالف الوطني الكردي. لقد قاطع المجلس الوطني الكردي الانتخابات في الجزيرة وكوباني، ورفض المشاركة في الإدارات المحلية التي تم تشكيلها.

ونظرًا للمنافسة السياسية، ليس من المؤكد أن يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى الاندماج مع حكومة إقليم كردستان في الشرق.

كانت هناك حالات من التعاون بين حكومة إقليم كردستان العراق وحزب الاتحاد الديمقراطي، مثل مساعدة قوات البيشمركة في حكومة إقليم كردستان العراق لمقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في كوباني العام الماضي ضد تنظيم الدولة الإسلامية»، ولكن حتى هذه الحالات من التعاون تتعلق بالتنافس على منصب في المنافسة بين حزب العمال الكردستاني» وبارزاني» .

مع «بارزاني» ، فإنّ المنطقة الكردية العراقية التي تتمتع الآن بحكم ذاتي واسع تتحرك تدريجيًا نحو الاستقلال، والجهود الكردية السورية لربط المنطقة الكردية العراقية من شأنها أن تعقد استراتيجية حكومة إقليم كردستان.

كما يتمتع أكراد العراق بعلاقات مستقرة مع تركيا ويفكرون في كيفية التحرك نحو الاستقلال في ظل الحساسيات التركية حول الحكم الذاتي الكردي السوري، ناهيك عن إقامة دولة قومية كردية.

    ما الذي فعله الأمريكان؟

من خلال مساعدة حزب «الاتحاد الديمقراطي»  على إقامة منطقة حكم ذاتي، ربما خلق الأمريكان عن غير قصد صراعًا بين الأكراد السوريين والعرب في المستقبل

. وكان رد فعل جماعات المعارضة المسلحة العلمانية والإسلامية تجاه إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن إقامة منطقة حكم ذاتي، سلبي بشكل موحد؛ إذ إنّ سخطهم ورفضهم هو تذكير لموقف العرب السُنة العراقيين تجاه حكومة إقليم كردستان وحالة اللامركزية في المناقشات السياسية في العراق بعد عام 2004.

وهذا في جزء منه ينبع من العداوات والشكوك العرقية الممتدة منذ فترة طويلة ومن الجماعات العربية السورية التي ترفض تخيل إقامة دولة مركزية جديدة تحل محل حكومة «الأسد».

قد تكون هناك طرق لمنع القتال المستقبلي بين العرب السوريين والأكراد من خلال الجهود السياسية والدبلوماسية، ولكن بقاء منطقة تتمتع بحكم ذاتي يدفع المجتمعات السورية الأخرى، مثل الدروز والعلويين، لتقديم مطالب لحكم ذاتي إقليمي مماثل. إنّ إعادة تشكيل الدولة السورية الموحد ستكون مهمة شاقة وبطيئة في ظل هذه الظروف.

كما أنّ وجود منطقة الحكم الذاتي الكردية السورية ستعقد من إعادة بناء الدولة السورية. وكما رأينا في العراق المجاور، فإن عملية إعادة بناء الدولة ستؤدي بدورها إلى تعقيد تجنيد مقاتلين جدد وتجميع الموارد لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية» .
 

  كلمات مفتاحية

سوريا الاتحاد الوطني الكردستاني أوجلان

اتهام «الاتحاد الديمقراطي» بتوطين أكراد في «تل أبيض» السورية على حساب سكانها العرب

تقرير يوثّق مجازر «الوحدات الكردية» في الحسكة شمالي سوريا

«أوجلان» يجدد دعوته للأكراد لإنهاء تمردهم ضد تركيا

أردوغان: «الاتحاد الديمقراطي» يوافق على دخول الجيش الحر لكوباني

سيطرة داعش على منطقة عين العرب يجهض "الفدرالية الكردية "

واشنطن: ملتزمون بوحدة أراضي سوريا دون تقسيم

مبعوث «بوتين» للشرق الأوسط يلتقي زعيم «الاتحاد الكردي» السوري في موسكو