في شرق أوسط متعدد الأقطاب: هل تنشأ شراكة استراتيجية بين الهند والإمارات؟

الأربعاء 23 سبتمبر 2015 10:09 ص

تعد زيارة رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» لدولة الإمارات العربية المتحدة في أغسطس/ آب 2015 هي أول زيارة لزعيم هندي لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ 34 عاما. وهي أول رحلة رسمية يقوم بها «مودي» إلى أي مكان في الشرق الأوسط. كان هناك الكثير من الجدل حول نجاح وأهمية الزيارة.  ما هو واضح، رغم كل شيء، هو أن رئيس الوزراء الهندي قد صار يلمس الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج بالنسبة لبلاده.

الهند لديها تاريخ طويل من العلاقات مع الشرق الأوسط، أكثر من أي من القوى الكبرى القائمة أو الناشئة اليوم. كان الإمبراطور «أشوكا» يرتبط بعلاقات مع مصر القديمة في عهد «بطليموس الثاني». التجار العرب استقروا على الساحل الشرقي للهند حيث بنوا واحدا من أكبر المساجد في العالم في ولاية كيرالا. ثم شهد حكم المغول دخول الإسلام إلى الهند على نطاق واسع. أثناء الاستعمار البريطاني، أدار الراج دول الخليج العربي التي تتمتع بالحكم الذاتي من الهند.

وبينما يتم تذكر هذا الإرث في دول الخليج فإنه يبدو أقل ذكرا  في دلهي. صناع القرار في الخليج يبدون الراحة والألفة تجاه الهند وهو ما لم يكن يشاركهم فيه دوما القادة الهنود، الذين يبدون أكثر تأثيرا بالحساسيات حول العلاقات بين المسلمين والهندوس في بلادهم. لهذا السبب، فضلا عن العوامل الجيوسياسية مثل التنافس بين الهند وباكستان والانقسامات التي ولدتها الحرب الباردة، تميل العلاقات بين الهند والخليج إلى التأكيد على المصالح التجارية في السنوات الأخيرة.

تناولت زيارة «مودي» بالطبع هذه الأمور، وقد وافقت دولة الإمارات العربية المتحدة على استثمار 75 مليار دولار لدعم احتياجات البنية التحتية الضخمة في الهند. الاستثمار في البنية التحتية هو المفتاح لصعود الهند إلى المكانة المأمولة كقوة عظمى، وغالبا ما تكون على رأس أولويات «مودي» في جدول أعمال زياراته الدولية. دول الخليج مفيدة في هذا الصدد نظرا لما تملكه من احتياطيات كبرى من العملات الأجنبية. دولة الإمارات العربية المتحدة تعد واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للهند، واتفقت الدولتان على زيادة مستويات التجارة بينهما بنسبة 60% خلال الخمس سنوات المقبلة.

الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج بالنسبة للهند

هناك عدة عوامل تجعل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الخليج، أكثر أهمية استراتيجية بالنسبة للهند.

أولا، اكتسبت المصالح الاقتصادية القائمة بعدا استراتيجيا بالنسبة لدلهي مع تزايد الاعتماد على النفط والغاز الخليجيين. البيان المشترك الموقع في ختام زيارة «مودي» يبشر بشراكة استراتيجية في مجال الطاقة بما في ذلك تطوير احتياطيات النفط والاستثمارات في مجالات التنقيب والتصنيع والتعاون معا في بلدان ثالثة.

ثانيا، التحول الجيوسياسي الرئيسي في المنطقة مع تقلص تأثير الولايات المتحدة ونفوذها، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط متعددة الأقطاب. الصين ستكون المستفيد الأكبر من هذا. وتبدو نيودلهي قلقة بشأن الآثار المترتبة على ذلك فيما يتعلق بأمن الطاقة ويبدو أنها مضطرة للتحرك.

وعلاوة على ذلك، فإن سيولة  الوضع الأمني في الشرق الأوسط توفر فرصا جديدة للهند الطموحة. تتطلع دول الخليج  لتنويع ضمانات أمنها والحفاظ على النفوذ من خلال العمل مع شركاء استراتيجيين متعددين. ومن غير المرجح أن الصين سوف تكون قادرة أو أنها ترغب في أن تحل محل واشنطن في المدى المتوسط.

تقع دول الخليج على الحافة الغربية للمحيط الهادي. وتنظر دلهي إلى النفوذ الاستراتيجي المستقبلي. على نطاق أوسع، فإن مشاكل زيادة هشاشة الدول وتزايد التهديدات من الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط تهدد مصالح الطاقة كما تهدد أيضا العمال المهاجرين في الهند.

لهذا السبب، رفعت زيارة «مودي» مستوى العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة إلى «شراكة استراتيجية شاملة» بما في ذلك تأسيس «حوار الأمن الاستراتيجي» بالمشاركة بين مستشاري الأمن القومي لكلا البلدين وكذلك مجالس الأمن القومي. سوف يكون هناك تدريبات مشتركة بانتظام تشمل التدريبات البحرية والجوية والقوات الخاصة. والدفاع الساحلي.  وهذا يعكس أجندة أوسع في الخليج كما رأينا في الأيام الأخيرة مع زيارة رفيعة المستوى إلى قطر من قبل سفن تابعة للبحرية الهندية.

سوف تشارك الإمارات العربية المتحدة في مناورة للأسطول الهندي في عام 2016 وسوف تتعاون مع الهند في مجالات التصنيع الدفاعي. سوف يعمل البلدان معا أيضا في مسائل الأمن السيبراني والاستخبارات، وحتى استكشاف الفضاء.  وعلى الصعيد العالمي، فقد دعا البيان إلى إصلاح سريع للأمم المتحدة مع تأكيد الإمارات على دعمها لمساعي الهند للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي.

أدت زيارة «مودي» أيضا إلى تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب. استفاد رئيس الوزراء الهندي بذكاء من صورة دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها دولة إسلامية تدين استخدام الدين للتحريض على الكراهية. كما قام بتغريد صورة "سيلفي" مع وزير إماراتي (أنور قرقاش)، والذي كان قد حذر في وقت سابق باكستان من العواقب الوخيمة لحيادها في اليمن.

عوامل تسهل التواصل الاستراتيجي للهند في دول الخليج

تتمتع الهند بميزتين دون سائر القوى الأخرى تكفلان متابعة شراكة استراتيجية مكثفة مع دولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج. الأولى هي الصورة السلمية والتعددية والمتسامحة التي تتمتع بها الهند في الشرق الأوسط. سعى البيان الثنائي إلى تسليط الضوء على هذه القوة الناعمة بالتأكيد على سيادة الدول ومبدأ عدم التدخل والحل السلمي للنزاعات. كما سلط الضوء على أوجه الشبه بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث يتمتع كل منهما بمجتمع متعدد الثقافات. كما عمد البيان إلى التركيز على قيم التسامح والسلام المتأصلة في جميع الأديان.  زار «مودي» المسجد الحرام، كما وافقت الإمارات العربية المتحدة على تخصيص أرض لبناء معبد هندوسي، وهي خطوة كبيرة إلى الأمام في أعين الدوائر المحلية الهندية.

ثانيا، يبلغ عدد سكان الهند المشتتين بين دول الخليج أكثر من سبعة ملايين. وهم يشكلون جزءا أساسيا من القوة العاملة في المنطقة. قام «مودي» بتحية هؤلاء في خطاب في ملعب ضم 50 ألفا من إجمالي 2.6 مليون هندي يعملون في الإمارات. كما قام «مودي» بزيارة معسكر للعمال المهاجرين ما يؤكد تشديده على المخاوف بشأن سلامتهم.

هدفت زيارة «مودي» رفيعة المستوى إلى إعادة تقويم العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة. يمكن أن تكون هذه الزيارة هي الخطوة الأولى للهند لإقامة علاقات أكثر استراتيجية مع سائر دول الخليج. وفي حين أنها تبدو مجرد خطوة صغيرة من قبل «مودي»، فإن الزيارة يمكن أن تبشر بقفزة عملاقة طال انتظارها من قبل الهند إلى مسرح اللعبة الكبرى في الشرق الأوسط.

  كلمات مفتاحية

الإمارات الهند تعاون اقتصادي تعاون عسكري

الإمارات والهند تتطلعان لاستثمارات بـ75 مليار دولار

«محمد بن زايد» يستقبل رئيس وزراء الهند في أول زيارة للإمارات منذ 34 عاما

أمير قطر يزور باكستان ضمن جولة آسيوية تشمل الهند وسريلانكا

الإمارات تبحث تعزيز التعاون الأمني المشترك مع الهند

الإمارات: مستعدون لتلبية أي طلب على النفط من اليابان

ظاهرة في الأسواق النفطية: ارتفاع نمو الطلب في الهند

«محمد بن زايد» يزور الهند لبحث العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية

هل تنجح سياسة التحالفات المتعددة في الهند؟