إيران وتركيا.. علاقة المصلحة مستمرة رغم سوريا

الأحد 8 نوفمبر 2015 09:11 ص

مهما حصل من تطورات وشد وجذب وتنافس وحتى صراع، فإن العلاقات الإيرانية التركية تظل تحافظ على وتيرتها السابقة وربما تتقدم نحو الأفضل، مع فوز حزب «العدالة والتنمية»، بانتظار رفع العقوبات الغربية نهائياً عن إيران لتكون أنقرة، من أكبر المستفيدين من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، بالرغم من التباين الكبير في الموقف من الأزمة السورية.

طهران التي راهنت كثيرا على الأحزاب التركية المعارضة لحزب الرئيس «رجب طيب أردوغان»، تستعد مرة أخرى للتعايش مع الواقع الجديد، وما عليها سوى تعزيز تحالفها مع موسكو، والتعامل بروية وبعيداً عن البعد الآيديولوجي، مع «الشيطان الأكبر» الذي قيل إنه عرض عليها فك الارتباط بموسكو والتخلي عن رئيس النظام السوري بشار الأسد، مقابل الابقاء على نفوذها الأول في سوريا والتعهد بمنع تركيا والسعودية من اللعب فيها.

يسيطر حزب «العدالة والتنمية» على السلطة منذ عام 2002، وتصنفه التحليلات الإيرانية في خانة الأحزاب المعتدلة والوسط.

وبشكل عام ينظر الإيرانيون إلى حزب «العدالة والتنمية» على أنه حزب يميل للغرب ومقرب من السياسات الأمريكية في المنطقة، وأنه يدافع عن الاقتصاد الليبرالي ويطالب بالتحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي.

ويضم أطيافاً سياسية مختلفة من بينها الإسلاميون، والإسلاميون الإصلاحيون، والمحافظون، والقوميون، واليمين الوسط وأنصار التجارة الحرة.

لكن وحتى مع التأكيد في إيران أن الانتخابات التركية؛ هي الان بعد إعلان النتائج طريق إلى زيادة صلاحيات «أردوغان» التي تتناقض مع مصالح الايرانيين في سوريا بل ويحاربهم ميدانيا على الأرض فيها عبر دعمه جماعات يشتبك معها الحرس الثوري الايراني للسيطرة على حلب مثلاً، فان الرأي السائد في طهران لا يقلل من أهمية إيجاد تعاون جاد بين الطرفين ينعكس إيجابياً على ساحات المنافسة التقليدية على النفوذ، في سوريا، وأيضاً في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز رغم أن المنافسة فيهما تجري تحت خيمة منظمة التعاون الاقتصادي إيكو التي تضم ايران وتركيا وباكستان وأفغانستان وأرمينيا والدول الخمس المسلمة في آسيا الوسطى.

ويدرك الإيرانيون أن «أردوغان» الذي يرغب في تغيير الدستور التركي، ويسعى الى تقليد النموذج الامريكي ليحصل على صلاحيات أكبر لمنصب الرئيس من دون الحاجة للمرور بالبرلمان، لن يصطدم مع المصالح الإيرانية في هذه المناطق لأن المشهد الداخلي التركي وإن كان يؤثر كثيراً في السياسة الخارجية بأنقرة خصوصاً إزاء المسألة السورية وقضية الصراع مع إسرائيل، إلا أنه من وجهة نظر إيرانية، لن يُخرج تركيا عن إطار كونها دولة علمانية تقيم أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع اسرائيل، وأن اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وإسرائيل السارية المفعول منذ 2000، تعززت كثيرا في عهد سيطرة حزب العدالة والتنمية الاسلامي على مقاليد الأمور هناك.

إيران والمعارضة التركية

كانت عين طهران على نجاح الأحزاب المعارضة بالانتخابات البرلمانية التركية وكان يمكن أن نأمل تقاربا ملحوظا في العلاقات بين طهران وأنقرة في مجال السياسة الإقليمية وبالأخص المساعي من أجل حل الأزمة السورية فيما لو أخفق حزب أردوغان في الحصول على الأغلبية.

لكن حالة الغموض والتخبط التي تشهدها الساحة الداخلية في تركيا كان يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على سياستها الخارجية وعلاقاتها مع دول الجوار. من بينها علاقة انقرة مع جارتها إيران وهو السؤال الأهم الذي يبحث الإيرانيون عن جواب له وعن تبعاته بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التركية.

ولفهم أفق العلاقات بين البلدين بعد الانتخابات البرلمانية لا بد الإشارة إلى أهمية اختيار وزير الخارجية لتشكيل الحكومة التركية الجديدة بعد الانتخابات، ومدى تأثير هذا الموضوع على السياسة الخارجية التركية. وفي حال حدوث أي تغير في الحكومة الجديدة وتولي وزير جديد لهذا المنصب يمكن له أن يمثل تغييرا جذريا في سياسة تركيا الخارجية إذا ما نظرنا إلى الحزب الذي ينتمي إليه هذا الوزير والسياسة التي يتبعها هذا الحزب حيال منطقة الشرق الأوسط.

من بين الأحزاب التركية التي كانت ايران تراهن عليها حزب « الجمهورية الشعبي» المعروف بـ«كماليست» أو الأتاتوركية ذات التوجهات العلمانية، فإيران ترى بأن هذا الحزب رغم آيديولوجيته العلمانية إلا أنه الأقرب لإيران في ما يخص سياسته الخارجية.

وهذا الحزب الذي استند في شعاراته إلى احلال السلام والأمن الداخلي، والسلام في الخارج، يؤكد ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار ويعتبر من أبرز الأحزاب المعارضة لحكومة العدالة والتنمية وسياساتها في توسيع رقعة الصراع الداخلي في سوريا ودعمها اللامتناهي للمعارضة السورية.

كما أن دعم حزب «الشعب الجمهوري» للحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني أحدث تقارباً غير مسبوق مع إيران.

وكان زعيم هذا الحزب «كمال قليجدار أوغلو» قد أكد في وقت سابق على أنه يمكن إيجاد حل للأزمة السورية عبر حوار يجمع جميع أطراف النزاع في سوريا وجميع اللاعبين الدوليين المتورطين في الأزمة.

ورغم أن هذا الحزب لديه آراء قريبة من الغرب حيال القضية الفلسطينية والذي يدعم وجود دولتين فإن طهران كانت ترغب في فوزه، وأن هذا الحزب يطالب بتشديد الإجراءات القضائية ضد الفساد المالي والمتهم الرئيسي في قضية الإيراني «رضا ضراب» وعلاقته بالمتهم الآخر «بابك زنجاني» الذي تجري محاكمته في إيران بذات التهم.

وطالب هذا الحزب بإيجاد أرضية مشتركة للتعاون العسكري بين طهران وأنقره والتنسيق الاستخباراتي في محاربة حزب العمال الكردستاني. حيث طالب نائب زعيم الحزب فاروق لوغ أوغلو» مرارا في لقاءاته الصحفية بضرورة التعاون الأمني مع طهران.

وفي المقابل حزب «العدالة والتنمية» الذي أظهر رغبته في المحافظة على علاقات جيدة مع إيران وتنمية المبادلات التجارية مع طهران، إلا أنه لا يزال يعارض بشكل جدي سياسات إيران في المنطقة بالأخص بما يتعلق بالأزمة السورية.

فالخلافات التي تشهدها العلاقات لا تزال تعكر الأجواء، فعلى سبيل المثال الرئيس «رجب طيب أردوغان» اتخذ موقفا متشددا ضد إيران بسبب أحداث اليمن.

أما حزب «الشعب الديمقراطي»، تعتبره الحكومة حزبا كرديا وتمكن من حشد تأييد التيارات اليسارية والمدافعين عن حقوق المرأة وأنصار البيئة في البلاد وبذلك خلق أكبر مفاجأة في الانتخابات السابقة، الأمر الذي مكنه من لعب دور في العملية السياسية في تركيا وإرساء هدنة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة، رغم هذا كله لا يمتلك الحزب أي برنامج واضح حول السياسة الخارجية.

والمعروف بأن هذا الحزب من أبرز منتقدي الكيان الصهيوني ويدافع عن القضية الفلسطينية الأمر الذي قد يجعله الحزب الأقرب لإيران من حيث الآيديولوجية السياسية.

لكن في المقابل لا يعترف حزب الشعب الديمقراطي بالحدود الفعلية بين دول المنطقة ويعتقد بأن على الأكراد في سوريا نيل حكمهم الذاتي الأمر الذي يتعارض مع مصالح إيران وفيها أقلية كردية قوية.

ومع هذا فأمام حزب «الشعب الديمقراطي» طريق طويل لكي يتحول إلى حزب قـوي ومقتدر في تركيا. وتحثه طهران عبر تحليلات مقربين من النــظـــام على تثـــبيت وترسيخ أسس نفوذه في الساحة الداخلية التركية.

والتقى «صلاح ديمرتاش» وباقي كبار المسؤولين في الحزب قبل الانتخابات بالسفير الإيراني بأنقرة علي رضا بيغدلي واتفق الطرفان على لزوم الحل الدبلوماسي للأزمة السورية.

ومن جاب آخر فإن حزب «الحركة الوطنية» المتطرف يعتبر من أبرز الأحزاب المعارضة للتدخل التركي في الأزمة السورية ويؤكد على الحل الدبلوماسي في الأزمة السورية. كما أن هذا الحزب يعارض دعم حكومة أردوغان للإخوان المسلمين في مصر ويعتبره تهديدا للمصالح التركية العليا وارتبطت معه طهران بعلاقات وثيقة.

استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات البرلمانية أشارت لدى الايرانيين إلى احتمال عدم استطاعة حزب أردوغان الفوز بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة منفردة، ولهذا راهنت طهران كثيرا على علاقاتها مع الأحزاب المعارضة لتغير من وجه السياسة الخارجية التركية بالأخص في ما يتعلق بالأزمة السورية.

وبالنهاية تدرك ايران الآن أن الوضع في سوريا ليس كما كان قبل الانتخابات التركية لأن أي تغيير تجاه الأزمة السورية، لن يحصل إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، حيث يمكن أن يصدر هذا القرار بعد تغيير موازين القوى لصالح تفاهم بين واشنطن وموسكو وهما تعدّان لهذا القرار بهدوء، بحيث يصدر مصحوباً بآلية تنفيذ تلزم جميع الأطراف فيما تتم تهيئة مناخ اللقاء بين ممثلين عن الأسد ومعارضة سورية مقبولة من الجميع.

ومهما يكن من أمر فان ما بين تركيا وايران الكثير لكي لا تبدي تركيا تحفظات إزاء إشراك إيران في مباحثات فيينا ولكنها أعربت عن استيائها من إشراك مصر.

وفي هذا الواقع الجديد خصوصا بعد الاتفاق النووي الإيراني، يمكن أن ننتظر أن تلعب تركيا وإيران دورا مفصليا في المنطقة في المستقبل، رغم تعقد مصالح كل من البلدين كما يظهر في سوريا.

واقترحت دراسة رفعت للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن تتجه طهران نحو تعميق علاقاتها مع أنقرة بموازاة التحالف مع روسيا الذي قد يواجه عقبات، والانفتاح المتواصل على واشنطن رغم التصريحات الرمادية، لأن تركيا القوة الإقليمية في الربط بين أوروبا والشرق، تضع في اعتبارها إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز والنفط الإيراني إلى أوروبا، وإيران وتركيا هما القوة الحقيقة في المنطقة باستثناء مصر، وفي المستقبل ستتحول هذه الدول الأخرى إلى قوة افتراضية، وستبقى إيران وتركيا هما القوتان الحقيقيتان.

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران سوريا

الاستثمارات الخليجية تتجه نحو تركيا بعد فوز «العدالة والتنمية»

«خلفان» يعود لمهاجمة «أردوغان» و«الإخوان» عقب صدمة فوز «العدالة والتنمية»

استطلاع رأي يتوقع فوز «العدالة والتنمية» في تركيا بأغلبية كبيرة في الانتخابات

«رفسنجاني»: بإمكان تركيا وإيران حل مشاكل المنطقة خاصة في سوريا والعراق

«أردوغان» الزعيم… وتركيا «المحسودة»

«ستراتفور»: هل يمكن أن نشهد تدخلا بريا تركيا في شمال سوريا؟

أوهام موسكو عن مستقبل الأسد

«داود أوغلو»: نسعى لرفع التبادل التجاري مع ⁧‫طهران‬⁩ إلى 30 مليار دولار

لعبة الإغراء .. لماذا تحتاج تركيا وإيران إلى ترميم العلاقات بينهما؟

المسألة الكردية.. مقترح لمبادرة قَطرية لدعم تركيا