لعبة الإغراء .. لماذا تحتاج تركيا وإيران إلى ترميم العلاقات بينهما؟

السبت 12 مارس 2016 12:03 ص

هناك بالفعل علامات الخجولة على أن نقطة الذروة في التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط ربما تكون قد مرت. حقيقة أن وقف إطلاق النار في سوريا ما زال قيد العمل، على الأقل في بعض المناطق، هو بالتأكيد أحد هذه العلامات. آخر هذه الإشارات كانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي «أحمد داوود أوغلو» في 4 مارس/أذار الحالي إلى أنقرة. دبلوماسيا، ربما تأتي هذه الزيارة تعويضا لزيارة وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» إلى تركيا والتي تم الإعلان عن إلغائها في اللحظات الأخيرة في أغسطس/آب الماضي.

ووفقا للتليفزيون الإيراني، فقد كانت سوريا على رأس جدول أعمال محادثات «داود أوغلو» و«ظريف». كما تمت مناقشة الأوضاع في العراق كذلك. الفارق بين الملفين واضح. ففي حين يبدو أن الأزمة السورية لم تقترب بحال من أي نقطة للحل، فإن الأمور في العراق تبدو أكثر وضوحا بشكل ما.

توجه «داوود أوغلو» إلى طهران بصحبة وزراء الاقتصاد والتجارة والطاقة والنقل والاتصالات والتنمية. وهذا يؤشر أن رئيس الوزراء التركي كان يركز بشكل رئيسي على إعادة بناء جسور العلاقات مع إيران التي تستعد للدخول إلى السوق العالمية في حقبة ما بعد العقوبات. يمكن للخطب السياسية اللاهبة أن تنحى جانبا للحظة عندما تجد تركيا جارتها النشطة تخط طريقها إلى الأمام.

وقد سمعها «داوود أوغلو» بوضوح في طهران: وهي أن ذلك لن يكون مجانيا. ولقد لمح الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إلى ذلك لدى استقباله لرئيس الوزراء التركي بالقول: إيران وتركيا لديها أهداف ومصالح مشتركة ويجب تعزيز أسس السلام والاستقرار في المنطقة من خلال تحسين التعاون الثنائي والتركيز على مكافحة الإرهاب باعتباره العدو المشترك.

ما كان يود «روحاني» أن يقوه في حقيقة الأمر هو أن ذلك يتوقف على شكل سلوك أنقرة الإقليمي.

وقد كان رد «داوود أوغلو» ودودا. وجاء في تصريح رئيس الوزراء التركي قوله: «خلال الجلسات المغلقة، قمنا بالفعل بمناقشة رفع مستوى العلاقات الثنائية من أجل تعزيز التعاون في مجال الطاقة، والخدمات المصرفية والنقل والسياحة. عن طريق رفع مستوى علاقاتنا، يمكننا أيضا الجلوس لأجل إجراء محادثات حول خلافاتنا السياسية في المنطقة».

ما كان رئيس الوزراء يهدف إلى قوله في الحقيقة هو أن العلاقات الاقتصادية تأتي أولا ثم يمكننا الحديث عن الخلافات السياسية مستقبلا.

وقد جاءت تلميحات ظريف لتحدد بشكل أكثر وضوحا نوع الثمن الذي تتوقعه طهران. ألمح وزير الخارجية الإيراني إلى أن تركيا، من وجهة نظر طهران، مطالبة بإعادة النظر في ميولها الإقليمية. وقال إن بعض الدول في منطقتنا وعلى وجه الأخص الحكومة السعودية قد سعت إلى خلق التوتر وانعدام الأمن في المنطقة بأسرها.

وقد كان واضحا أن زيارة «داوود أوغلو» الجريئة جدا لم تحقق في واقع الأمر سوى نتائج محدودة جدا في أفضل الأحوال. مباشرة في أعقاب نهاية زيارة رئيس الوزراء التركي، قام نائب وزير الخارجية الإيراني «أمير عبد اللهيان» بالحديث إلى لجنة الأمن القومي بالبرلمان إضافة إلى لجنة السياسة الخارجية بالقول إنه «من الواضح أن سياسة أنقرة في سوريا قد فشلت»، مفصلا بالقول أنه «إلى الآن، فشلت تركيا في الإطاحة برئيس النظام السوري «بشار الأسد» على الرغم من الدعم من قبل المملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة».

ومع ذلك، فإنه لا ينبغي علينا أن نعلن أن الزيارة قد فشلت بشكل كامل. ربما تكون الزيارة قد ساعدت في تشكيل ضغط على أنقرة من أجل مراجعة سياساتها الإقليمية. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن نشهد أي عواقب مباشرة في صورة أي تغيير معلن في السياسات، فإنه من المحتمل أن نرى الثمار المحتملة لمثل هذه المراجعة في وقت قريب. وتأمل طهران أن هذا سوف تنمو تدريجيا إلى تغيير في المواقف الإقليمية لتركيا عند نقطة ما على الطريق.

ومع ذلك، فإنه من الصعب أن نتصور رؤية إعادة توجيه في سياسات أنقرة خلال المستقبل المنظور. هناك بعد أيدولوجي حقيقي في دوافع أنقرة. وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لا يزال يعتقد أن سياساته الشرق الأوسط لم تفشل تماما بعد. وهو يبدو مستعدا لإعادة تكييف توجهاته مثلما رأينا في رأينا في المحادثات السرية التي عقدها مع (إسرائيل) مؤخرا، ولكنه لا يزال لا يرى أي حاجة ملحة لإحداث تغيير كلي في نهجه. ومن الناحية العملية، فإنه قد لا يكون قادرا على صناعة انعطاف كامل حتى إذا رأى الفوائد الكامنة في ذلك.

آفاق هذا التغيير المحتمل قد تثير قلق السعوديين. وحتى الآن فإن السعودية تبدو قادرة على توجيه مواقف مصر ولكن ليس بالسرعة الكافية للتلاؤم مع طبيعة التحولات الإقليمية الملحة. ومن شأن تحالف تركي سعودي مصري أن يلعب دورا في تشكيل الشرق الأوسط. وتسعى طهران إلى إظهار بعض التجاوب من تركيا من أجل جذبها بعيدا عن المدار السعودي. ويمكن أن تمد يدها بالمساعدة إلى القاهرة أيضا. وقد كان رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» في زيارة رسمية إلى القاهرة في وقت قريب، ومن المحتمل أن يكون قد حمل معه رسالة حول السياسات الإقليمية من وجهة نظر السيد «جواد ظريف».

أحد الطرق التي يمكن لتركيا أن تمضي قدما خلالها هو البدء بالقضية الأقل اشتباكا في العراق. على الرغم من أن أنقرة لديها بطاقات محدودة هناك، فإنها لا تزال تملك أوراقا فعالة. تستقبل تركيا نفط إقليم كردستان العراق ويمكنها أن تعمل على إيجاد حل للنزاع حول قضية الميزانية بين أربيل وبغداد بالتعاون مع طهران. ويمكنها أيضا أن تمهد الطريق للتفاهم بين العرب والإيرانيين في العراق. هناك العديد من الطرق، خارج الصندوق، يمكن من خلالها لتركيا لعب دور بناء من دون تهديد تحالفاها في الجانب العربي في الوقت الذي تفتح فيه حوارا مع الإيرانيين.

صحيح أن الخلاف في سوريا يسمم كل الآفاق في الوقت الراهن، إلا أن الأزمة السورية لن تبقى إلى الأبد. وأظهرت هذه الأزمة أنه من السهل أن تذهب إلى الحرب، ولكن من الصعب تحقيق نصر مطلق فيها أو حتى وضع حد لها. الطرق الوسطى مفتوحة على مصراعيها حتى بالنسبة إلى أنقرة وسياساتها الإقليمية.

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران العراق سوريا السعودية الشرق الأوسط أردوغان روحاني العلاقات التركية الإيرانية

تركيا وسيطا مستبعدا بين السعودية وإيران

إيران وتركيا.. علاقة المصلحة مستمرة رغم سوريا

«رفسنجاني»: بإمكان تركيا وإيران حل مشاكل المنطقة خاصة في سوريا والعراق

أجندات تركيا وإيران المتصارعة في العراق: من سيحوز ماذا؟

تركيا وإيران تعززان العلاقات التجارية وتتجنبان خلافاتهما بشأن اليمن

«رويترز»: الاقتصاد ينتصر على السياسة في الخلاف بين تركيا وإيران

«أردوغان» يلتقي «روحاني» لبحث الأزمة السورية

«أردوغان»: يجب أن نتعاون مع إيران لحل مشاكل سوريا والعراق

‏مستشار لـ«خامنئي» يدعو إلى «مراجعة» العلاقات مع تركيا ‏

إيران توقع اتفاقا مع شركات تركية لبناء محطة كهرباء بـ3 مليارات دولار ⁦

تركيا توقع صفقة بأكثر من 4 مليارات دولار لبناء محطات كهرباء في إيران

تركيا تؤسس منطقة صناعية في إيران بـ10 مليارات دولار

إيران ترفع الحظر عن الرحلات السياحية إلى تركيا