ماذا تعني العودة للاتفاق النووي بالنسبة لإسرائيل والخليج؟

الأحد 20 فبراير 2022 07:10 م

من الواضح أنه في حالة التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين إيران والغرب في عام 2022، وبصيغة مشابهة لاتفاق عام 2015؛ فإن طهران ما بعد هذا الاتفاق المُحتمل لن تكون كما قبله، وقد يؤثر ذلك على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

فالواقع الجديد في مرحلة ما بعد الاتفاق، سيفرض على الجميع إعادة النظر في حساباته تجاه إيران وسياستها وسلوكها وممارساتها في المرحلة التي ستلي الاتفاق.

وبدأت قبل أشهر مباحثات في فيينا بين إيران والقوى التي لا تزال منضوية في الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا) وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، بهدف إحياء اتفاق 2015، وخصوصا عبر رفع العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران بعد انسحابها، في مقابل عودة الأخيرة لاحترام كامل التزاماتها المنصوص عليها.

ويرى محللون، أن المشهد السياسي في المنطقة قد يشهد تغييرا، وأن الاعتماد سيكون بشكل أكبر على الدبلوماسية لحل الخلافات، وقد نشهد إعادة تشكيل لخارطة التحالفات.

وهنا تبدو الأمور أمام استحقاقين، إما التكيف مع "إيران نووية" بأجندة سياسية تطمح إلى المزيد من الهيمنة والنفوذ الإقليمي، أو رفض هذه السياسة والتأسيس لعوامل جديدة من المواجهة، لاسيما في ظل القناعة الإسرائيلية بأن أي اتفاق نووي جديد سيجعل من إيران أخطر على أمنها القومي والمنطقة.

أما بالنسبة لجارات إيران في الخليج، التي علقت في مرمى النيران بين إيران والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، وتنظر إلى التزامات الولايات المتحدة بأمنها بقلق، فإن خياري إعادة إحياء الاتفاق وسيناريوهات عدم التوصل إلى اتفاق كلاهما يثيران هواجسها.

وأمام ذلك، بدأت دول الخليج بالانخراط في حوار مع إيران، للتحوط لرهاناتها في مواجهة التداعيات، التي ستحدثها حلقة جديدة من التصعيد.

  • إسرائيل

تُجمع الأوساط السياسية والأمنية والإعلامية في إسرائيل، على أن البرنامج النووي الإيراني، يمثل تهديداً وجودياً لمستقبل دولة الاحتلال، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى الرؤية الإسرائيلية الرافضة للبرنامج النووي الإيراني.

ويتضح ذلك من تأكيد رئيس الوزراء "نفتالي بينيت"، أن إسرائيل غير معنية بأي اتفاق يتم التوصل إليه في فيينا بين إيران والقوى الدولية.

وانطلاقاً من هذه الرؤية، تقوم استراتيجية إسرائيل تجاه الملف النووي الإيراني على التخلص منه، إن لم يكن بالمفاوضات، فمن خلال الخيار العسكري.

فقد تزايدت وتيرة الحديث في تل أبيب عن هذا الخيار، وخصوصا ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، في ظل الخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية مؤخراً في هذا الشأن، مثل اقتناء مزيد من الأسلحة المتطورة، وتخصيص ميزانية ضخمة للضربة العسكرية المُحتملة.

بيد أن إسرائيل تدرك جيداً حجم الصعوبات التي تعترض ذلك الخيار العسكري، لأسباب تتعلق بطبيعة المفاعلات النووية الإيرانية الكثيرة، فضلاً عن قوة الردع التي تمتلكها طهران، ودور أذرعها الإقليمية، لاسيما "حزب الله" اللبناني في ظل قدرته على إطلاق آلاف الصواريخ ضد إسرائيل.

كما أن إسرائيل، باتت ترى في الرهان الأمريكي على المفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق نووي جديد ليس سوى عبث، وعليه تركز جهودها على إقناع الإدارة الأمريكية بعدم جدوى المفاوضات مع طهران إلى ما لا نهاية، وضرورة الانتقال إلى الخيار العسكري ضدها؛ لأن الوقت لم يعد لصالح تل أبيب والغرب عموماً، وإنما لصالح إيران التي خصبت كميات كبيرة من اليورانيوم بدرجة عالية من النقاء، وهو ما وضعها على حافة النووي، وربما المُضي نحو إنتاج سلاح نووي خلال فترة قصيرة إذا قررت ذلك.

وعليه، يمكن القول إن النقاش في إسرائيل ليس عن الخيار العسكري، وإنما عن كيفية تنفيذ هذا الخيار، وعن كيفية إشراك الولايات المتحدة فيه من أجل تأمين الحماية اللازمة لإنجاح الضربة العسكرية، كي لا تكون الردود مدمرة لإسرائيل.

وفي المُجمل، ثمة قناعة إسرائيلية بأن الولايات المتحدة والغرب عموماً لن يتركوا إسرائيل لوحدها إذ اندلع حرب بينها من جهة، وإيران والوكلاء التابعين لها من جهة ثانية.

وبالتالي هناك من يرى أنه حتى لو نجحت المفاوضات النووية في فيينا،  فإن اللحظة التي ستلي هذا الاتفاق قد تكون مُحملة بتطورات أمنية كبيرة، ربما تغير وجه المنطقة، فإسرائيل ترى أنه لا يمكن التعايش مع إيران نووية، وأن تكلفة الخيار العسكري ضدها ستكون أقل من هذا التعايش المُهدد لإسرائيل ولباقي دول المنطقة.

  • الخليج

أما دول الخليج العربية، فربطت منذ البداية التوصل إلى أي اتفاق نووي مع إيران بجملة شروط؛ تعكس مخاوفها من السياسة الإقليمية لطهران، وعليه طالبت مراراً بمشاركتها في مفاوضات النووي، وتضمين بنود أخرى في هذا الاتفاق، فضلاً عن البرنامج النووي الإيراني، وهي تتعلق بالبرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية، وتغيير سلوك إيران إزاء الملفات الإقليمية الساخنة في المنطقة، لاسيما في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

إذ تدرك دول الخليج أن السياسة الإيرانية تجاه هذه الملفات، أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لأمنها القومي والداخلي، ولعل ما يزيد من قلق دول الخليج بهذا الخصوص، هو موقف واشنطن الذي يركز على المصالح الأمريكية التي تتجاوز قضية الملف النووي الإيراني إلى الصراع مع الصين، دون أخذ الهواجس الخليجية بعين الاعتبار، خاصة أن مثل هذا الاتفاق يعطي إيران أوراقاً جديدة في المُضي بسياستها الإقليمية المُهددة لأمن دول الجوار.

ولعل رفض طهران ربط أي ملف إقليمي بالاتفاق النووي، قد يعكس هذه الرغبة الإيرانية الدفينة في اللعب بملفات المنطقة، وزيادة وتيرة تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدولها والعمل على تغيير النسيج السياسي والاجتماعي لدولها، والتصعيد ضد الفواعل السياسية فيها، لاسيما دول الخليح التي تشكل عقبة في وجه المشروع الإيراني تجاه المنطقة.

إذ إن الطموحات الإيرانية الإقليمية قد تصبح أكثر جموحاً إذا سمح الاتفاق النووي الجديد بتدفق المليارات من دولاراتها المُجمدة في البنوك الأمريكية والأوروبية، وكذلك بتدفق الشركات الغربية والآسيوية إلى إيران للاستثمار في مجالات الطاقة والخدمات والنقل وغيرها من المشاريع التي توقفت بفعل العقوبات الغربية.

وعليه، فإن تداعيات الاتفاق النووي الإيراني بنسخته السابقة، ربما تزيد من النزعة العسكرية في المنطقة، حيث ستجد دول الخليج نفسها أمام الاستعداد لهذه المرحلة، خاصة إذا واصلت طهران سياستها القديمة في توتير القضايا المتفجرة في المنطقة لاسيما اليمن.

وعلى المستوى السياسي، فإن مثل هذا الاستحقاق ربما يدفع دول الخليج إلى إعادة النظر في تحالفاتها وعلاقاتها الدولية، وربما التوجه نحو روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية، لاسيما فرنسا لتحقيق نوع من التوازن في علاقاتها الدولية.

وفي تصريحات على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، في 19 فبراير/شباط الجاري، قال وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان"، إن "الاتفاق النووي فيه العديد من نقاط الضعف التي يجب معالجتها عبر مزيد من النقاش والحوار السياسي، لضمان حماية المنطقة والعالم من الانتشار النووي على المدى البعيد".

وأعرب "بن فرحان" عن أمله في أن تكون لإيران رغبة جادة في إيجاد أسلوب جديد للعمل بالمنطقة.

وفي تصريحات سابقة للوزير السعودي، أكد دعم بلاده العودة للاتفاق النووي مع إيران كخطوة لضمان أمن المنطقة، إلا أنه استدرك قائلاً: "الصفقة الحالية منقوصة ولا تحمي السعودية بشكل كاف".

وأضاف: "من المهم أن ننظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة في طريق تحقيق أمن واستقرار المنطقة، أولاً بمعالجة أوجه القصور فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ومن ثم أيضاً فيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والتحركات في الإقليم التي أيضاً تزعزع الأمن".

في المقابل، قال وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، إن "التفاهم مع إيران وتوقيع اتفاق حول برنامجها النووي يصب في صالح دول الخليج".

وشدد في تصريحات قبل يومين، على أن الاتفاق النووي سيسهم في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، موضحا أن بلاده تحاول فهم كيف يمكنها المساعدة في سد الفجوة؛ لأن الاتفاقية والمفاوضات تجري بين بلدان تبعد آلاف الأميال عن إيران، وقطر تعيش بجوار إيران.

وقال: "نحن نعيش بجوار إيران.. لذلك، من مصلحتنا أن يكون هناك اتفاق، ومن مصلحتنا الوصول إلى تفاهم مع إيران، ومن ثم يكون هناك أيضاً تفاهم إقليمي بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، ولذا فإننا نشجع جميع الأطراف على أن تكون بناءة وإيجابية مع المبادرات".

وتابع: "ونأمل أن نحصل على نتيجة إيجابية في المستقبل القريب، دورنا تشجيع الطرفين على الانخراط بشكل إيجابي".

يقول المحلل السياسي "عامر سبايلة"، إن "التيار المتشدد والمحافظ في إيران يريد إرسال رسالة للعالم أنهم قادرين على إبرام الاتفاقيات الدولية مثلما فعل التيار الإصلاحي في 2015، وأنه قادر على تحقيق النجاح لطهران في مواجهة السياسيات الدولية التي كانت تمارس ضدهم".

ويؤكد في حديثه لموقع "الحرة"، أنه "لن يكون هناك أي تغيير على المشهد السياسي في الشرق الأوسط بعودة طهران للاتفاق النووي، خاصة وأن إيران لم تقدم أية تنازلات تتعلق بنفوذها السياسي في دول بالمنطقة".

ويرى "سبايلة" أننا سنشهد "إعادة حسابات من دول المنطقة، أكانت حليفة لإيران أو متضررة منها، وإعادة ترتيب الدول لملفاتها، حيث سنشهد بناء علاقات مباشرة ومصالحات مع إيران، أو بناء تحالفات لمواجهة طهران في المنطقة خاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط".

فيما يرى المحلل السياسي الإيراني "حسين روريان"، أن ما سيحدث هو "عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، من خلال رفع العقوبات وبهذا ستعود إيران إلى التزاماتها السابقة تجاه البرنامج النووي".

ويوضح أن "المشهد السياسي للشرق الأوسط قد يشهد تغييرا بعودة الاتفاق النووي، حيث ستقل حدة الخلافات في المنطقة، وإمكانية التفاهمات ستكون أكبر وسنشهد انفراجات سياسية خاصة مع الدول الحليفة للولايات المتحدة".

ويؤكد "روريان"، أن "عودة الاتفاق النووي تعني بالضرورة لجوء دول المنطقة لحل خلافاتها بدبلوماسية، خاصة في الملفات التي تتعلق على سبيل المثال بسوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة".

والسبت، قال وزير الخارجية السعودي، إن المملكة تتطلع إلى تحديد موعد لجولة خامسة من المحادثات المباشرة مع إيران، على الرغم من "عدم إحراز تقدم جوهري" في الجولات السابقة، وحث طهران على تغيير سلوكها في المنطقة.

وبدأت السعودية وإيران، اللتان قطعتا العلاقات بينهما في عام 2016، محادثات العام الماضي، استضافها العراق في الوقت الذي سعت فيه القوى العالمية لإنقاذ اتفاق نووي مع طهران اعتبرته دول الخليج معيبا لعدم معالجته برنامج إيران للصواريخ وشبكة وكلائها.

أما المحلل السياسي "علي رجب"، فيشير إلى أن "عودة إيران للاتفاق النووي تعني التزام طهران بالمطالب الدولية حول سلمية برنامجها النووي، وعدم زيادة معدلات التخصيب وإبقاء البرنامج تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك رفع العقوبات الدولية عنها من أجل دعم الاقتصاد بمليارات الدولارات".

ويتابع أن المشهد في الشرق الأوسط "سيكون أقرب لما كان عليه بعد اتفاق 2015، حيث قد يزيد نفوذ إيران في المنطقة ودعمها لمحورها المعروف بمحور المقاومة، وهو ما قد يعني تأزم الأوضاع في دول تشهد صراعات مثل اليمن وسوريا وحتى لبنان، إذ إن الإفراج عن أموال إيران المجمدة يعني أن طهران ستزيد دعمها لأذرعها في المنطقة".

ويرى "رجب"، أنه يمكن القول إن "عودة الاتفاق هي إخراج النظام الإيراني من الإنعاش، وسيكون هناك مرحلة نقاهة لمعرفة مدى قدرة طهران على ضبط سياستها الخارجية مع جيرانها، وإذا تكرر مشهد ما بعد 2015 فإن الأوضاع ستشهد تأزما في المنطقة".

ويوضح أن المعلومات تشير إلى وجود مفاوضات جارية بين السعودية وإيران بوساطة بغداد، إضافة إلى انفتاح إماراتي على إيران، ناهيك عن وجود علاقات جيدة مع عُمان وقطر والكويت.

وتؤكد طهران أنها تريد التحقق من إمكان عودتها لمواصلة نشاطها ضمن الاقتصاد العالمي، بما يتيح للشركات الاستثمار فيها والتعاون مع مصارفها، من دون أن تواجه خطر عقوبات أمريكية.

وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، عزمه على إعادة بلاده إلى الاتفاق مقابل عودة إيران لاحترام التزاماتها، تخشى طهران أن تعمد إدارة أمريكية مقبلة، خصوصا إذا كانت من الحزب الجمهوري، للانسحاب مجددا من الاتفاق.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج إسرائيل الاتفاق النووي إيران مفاوضات فيينا

أكسيوس: تقدير إسرائيلي بتصنيع إيران قنبلة نووية في غضون 4 إلى 6 أشهر

مع تقدم المحادثات النووية.. هل حان الوقت لتفاهم خليجي إيراني؟

بتنسيق إسرائيلي خليجي.. ترامب يخطط لعرقلة عودة الاتفاق النووي

إيران: مفاوضات فيينا أحرزت تقدما رغم مساعي إسرائيل عرقلتها

ما تأثير البرلمان الإيراني على سير محادثات النووي في فيينا؟

أيام مرتقبة.. بايدن ورئيسي يسابقان الزمن للوصول إلى اتفاق نووي

بعد بلوغ المحادثات النووية مرحلة دقيقة.. إيران تدعو الغرب لـ"نهج واقعي"

فايننشال تايمز: أجواء الحوار تجتاح الشرق الأوسط.. وأوروبا تدق طبول الحرب

الجارديان: الاتفاق النووي الجديد سيكون أسوأ على إسرائيل من سابقه

وصفتها بـ"مخزن السلاح الأمريكي".. إيران ترفض بيان دول الخليج بشأن الاتفاق النووي