كارنيجي: هذا هو السبيل الوحيد لاحتواء نفوذ إيران الإقليمي

الجمعة 4 مارس 2022 07:56 ص

مع توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، رغم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل، ظهر افتراض مفاده أن حدثا ضخما سيطرأ ليكون هو الحل للمشكلة الإيرانية، مثل عملية عسكرية مدمرة ضد إيران، أو فرض عقوبات قاسية من شأنها أن تؤدي إما إلى سقوط النظام الإيراني أو إلى إجباره على عقد مفاوضات حاسمة.

لكن الواقع يشير إلى أن أحلام "الحل السحري" المنتظر أعمت العيون في الكثير من الأحيان عن المسارات السياسية المتاحة والواقعية في التعامل مع النفوذ الإقليمي لإيران. وخير دليل على ذلك هو النقاش الدائر الآن في الولايات المتحدة حول إحياء الاتفاق النووي.

وترى الأطراف الداعمة للعودة إلى الاتفاق أنه سيشكل بداية لحقبة جديدة من الاستقرار في المنطقة، لأنه سيمنع حدوث سباق على التسلح النووي، لكن هذه الأطراف لم تهتم بتداعيات الاتفاق بالنسبة لحلفاء إيران. فمن خلال السماح للاقتصاد الإيراني بأن يتعافى ويدر مليارات الدولارات، ستصبح طهران قادرة على تمويل الميليشيات الموالية لها في مختلف أرجاء المنطقة، الأمر الذي تعتبره دول عربية كثيرة مصدر تهديد كبير.

لكن الأطراف الرافضة للاتفاق ليست أفضل حالا. فلم يتوانى هؤلاء عن التصفيق للرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018، فيما التزموا الصمت حين استغلت إيران ذلك لزيادة عمليات تخصيب اليورانيوم.

وما يقترحه هؤلاء في الغالب هو شن عملية عسكرية مدمرة ضد إيران، سواء كانت أمريكية أو إسرائيلية، أو فرض عقوبات شديدة عليها لمنعها من بناء ترسانتها النووية. لكن المشكلة أنه لا توجد إدارة أمريكية مستعدة لإشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، ومن المستبعد أن تقوم إسرائيل بذلك دون الحصول على دعم أمريكي. 

أما بالنسبة للعقوبات، فقد واصلت إيران تصدير النفط بالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها إدارة "ترامب" لمنع ذلك بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وكما ذكر "إسفنديار باتمانجليج"، في مقال له في مجلة "فورين بوليسي"، لم تفعل العقوبات سوى تعزيز نفوذ الحرس الثوري. ويتخيل معارضو الاتفاق النووي سيناريوهات تنتهي بتغيير النظام في طهران، لكنهم عاجزون عن تفسير كيف يمكن تحقيق ذلك طالما كان الحرس الثوري والقيادة الدينية هم المستفيدون من العقوبات.

ويبدو أن اعتماد استراتيجية أكثر صبرا ومبنية على الاستفادة من الفرص السياسية والاقتصادية المتاحة في المنطقة من أجل كبح النفوذ الإيراني يحظى بقدر أقل من الاهتمام.

ويشار إلى أن مثل هذه الاستراتيجية لن تحدث تغييرا جذريا، ولن تنزلق إلى افتراض غير واقعي بأن إيران إلى زوال، بل ستعمل هذه الاستراتيجية على تعزيز مشاركة الدول العربية في المناطق التي تهيمن عليها إيران بما يؤدي على الأرجح إلى ظهور أنظمة تكون أكثر فعالية ومرونة في مقاومة نفوذ طهران.

لبنان.. نتائج كارثية

ويعتبر لبنان خير مثال على نتائج تجاهل مثل هذا النهج، وعلى النتائج الكارثية التي تنطوي عليها المقاربة الخيالية، ويبدو أن عددا من الدول الخليجية، في مقدمتها السعودية، قررت اعتبار لبنان أرضا تحتلها إيران وأنه لا فائدة من إضاعة الوقت فيها أو الانشغال بالشؤون اللبنانية.

لكن، لنتخيل لو أن النظام الإيراني تبنى موقفا مماثلا وسحب يده من لبنان في مطلع الثمانينيات، حين كانت الحكومة اللبنانية موالية للأمريكيين، وكانت القوات العسكرية الغربية منتشرة في العاصمة بيروت ومحيطها. وعلى العكس من ذلك، اتبعت إيران نهجها الخاص بصبر، وكانت النتيجة "حزب الله"، الذي يعد اليوم على الأرجح أكبر قوة عسكرية في البلاد.

وعلى صعيد آخر، لا يعد التقاعس والكسل استراتيجية حقيقية. ففي وقت تسعى فيه الطائفة السنية، التي هي ربما أكبر الطوائف اللبنانية، إلى الحصول على دعم إقليمي، فمن غير المنطقي تخلي الدول السنية الكبرى عن هذه الورقة السياسية المهمة.

ولا يعد لبنان أسوأ حالا بعد انسحاب "سعد الحريري" من الساحة السياسية، لكن ما المزايا السياسية التي كسبها السعوديون من استبعاده وعدم ملء الفراغ القيادي في الطائفة السنية؟، هل نسي السعوديون أن اغتيال "رفيق الحريري" عام 2005 كان يهدف جزئيا إلى إحداث مثل هذا الفراغ، وأنهم هم أنفسهم الذين سارعوا إلى تنصيب نجله "سعد" زعيما جديدا لتجنب هذا السيناريو؟.

حاولت دول عربية أخرى من جهتها اعتماد أسلوب مختلف في التعامل مع لبنان. وخلال العام الماضي، حين كانت البلاد تواجه أزمة حادة في الكهرباء، اشتركت مصر والأردن في الدفع من أجل خطة تهدف إلى تزويد لبنان بالغاز الطبيعي لتشغيل محطة "دير عمار" بالقرب من طرابلس، واعتبرتا أن على الدول العربية تقديم يد العون للبنان في هذا الوقت كي لا تستغل إيران الوضع لتوسيع نفوذها في البلاد.

لكن المفارقة أن مصر والأردن كانتا أكثر اهتماما باستخدام صفقة الغاز هذه لإعادة سوريا من جديد إلى الحظيرة العربية، على أمل أن يؤدي نفوذهما في دمشق إلى تضييق الخناق على إيران.

وفي عام 2020، تبنى الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" منطقا مماثلا في أعقاب انفجار مرفأ بيروت. وصحيح أنه فشل في إثبات صحة مقاربته التي ترى أن رعاية اتفاق لبناني داخلي يضمن تشكيل حكومة جديدة تباشر إجراء الإصلاحات، لكنه نجح على صعيد آخر، حيث باتت فرنسا الآن الراعي الأساسي للبنان في الاتحاد الأوروبي.

وبالرغم أنها مهمة شاقة، فإنها قد تعود بعدد من الفوائد على باريس، فالفرنسيون الآن هم المحاورون الفعليون في الملف الاقتصادي اللبناني؛ ما يمثل ثقلا لا يستهان به في زمن الانهيار الاقتصادي. علاوة على ذلك، تمكنت فرنسا من الفوز بمشاريع كبرى، حيث فازت مؤخرًا شركة "سي إم إيه - سي جي إم" الفرنسية بعقد إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت.

وقد لا يبدو ذلك إنجازا كبيرا، وقد تبقى الفوائد محدودة، لكن خوض غمار السياسة يبدأ بالمشاركة في اللعبة، ووحدها الدول التي تخلق مساحات عمل في لبنان هي التي ستكون قادرة على بناء قواعد لها في هذا البلد.

على سبيل المثال، إذا تمكنت الدول العربية من الاضطلاع بدور أكبر في الشارع السني، قد تصبح قريبا في وضع يسمح لها بتسمية حلفاء محليين لها في الحكومة والبرلمان؛ ما يسمح لها بتعزيز دورها السياسي. وعندما يدرك القادة الإيرانيون أن لبنان لا يخضع لهيمنتهم حصرا، فسيضطرون حينئذ إلى تقديم تنازلات.

وقد لا يحب اللبنانيون المتمسكون بسيادة لبنان هذا الاقتراح، لكن هذه المثالية قد تكون عدوهم وضد مصالحهم، فلبنان أبعد ما يكون عن السيادة، إذ لطالما لجأ حكامه إلى القوى الأجنبية لتحقيق المكاسب على الساحة المحلية.

ولا يرى دعاة السيادة الراغبين في بناء دولة مثالية كيف نجح النظام الطائفي في تقييد إمكانية "حزب الله" على التأثير في الطوائف الأخرى. ومن ثم فإن هناك مجالا يمكن فيه الاستفادة من محدودية قدرات الحزب لفرض نوع من التعددية على مستوى النفوذ الإقليمي.

المصدر | مايكل يونج/مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النفوذ الإيراني احتواء إيران الشرق الأوسط حزب الله لبنان الاتفاق النووي الإيراني

صحيفة عبرية: غزو روسيا لأوكرانيا أعاق خطة إسرائيل ضد إيران