سيناريوهات مقلقة.. الإمارات تواجه قرارات صعبة بعد هجمات الحوثيين

الأحد 6 مارس 2022 08:33 م

شنّ المتمردون الحوثيون، المعروفون أيضًا باسم "أنصار الله"، سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على أبوظبي، منذ 17 يناير/كانون الثاني، حيث استهدفوا منشأة نفطية والمنطقة القريبة من المطار الدولي الجديد، مما أسفر عن مقتل 3 مغتربين.

وأكد المتحدث العسكري للجماعة، أن الحوثيين أطلقوا أيضا صواريخ باليستية استهدفت قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي ودبي - مركز الأعمال الإقليمي - وكذلك الظهران وجازان في السعودية، مما أسفر عن مقتل شخصين. كما أفادت التقارير أن الإمارات اعترضت صاروخًا باليستيًا أطلقه الحوثيون اليمنيون خلال أول زيارة قام بها الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوغ" إلى الإمارات.

في حين أن السعودية كانت مستهدفة بشكل منتظم من قبل طائرات الحوثيين بدون طيار والغارات الصاروخية، فإن هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها المتمردون اليمنيون الإمارات. وقد هدد المتحدث العسكري باسم الحوثيين، بإمكانية تعرض الإمارات لهجمات على مقار الشركات متعددة الجنسيات في المستقبل القريب، والتي قد يكون لها تأثير مدمر على اقتصاد الدولة وسمعتها الدولية.

ساهمت التوترات مع إيران، إلى جانب الخوف من الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة؛ مثل تلك التي تعرضت لها السعودية، إلى حد كبير في قرار الإمارات بالانسحاب التدريجي من الصراع في اليمن عام 2019 والتركيز على أمنها. وبدأت البلاد في التحول من التدخل العسكري إلى الدبلوماسية والحوار.

وفي الوقت الذي سحبت فيه الإمارات جزءًا كبيرًا من قواتها من اليمن، فقد ظلت متورطة فعليًا في الصراع، حيث حافظت أبوظبي على نفوذها في جنوب اليمن من خلال حلفائها في المجلس الانتقالي الجنوبي، وسيطرت على ميناء عدن ومضيق باب المندب وجزيرة سقطرى وجزيرة ميون، وكلها تلعب دورا استراتيجيا في الاستراتيجية البحرية الإماراتية.

ذراع الإمارات

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أوقفت قوات التحالف بقيادة السعودية، التي تضم نحو 15 ألف رجل من كتائب "العمالقة" المدعومة من الإمارات، زحف قوات الحوثي على جبهة شبوة وطردت الحوثيين من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها سابقاً في المحافظة. واستمر تقدم التحالف في منطقة حارب بمحافظة مأرب. ومن المحتمل أن تكون إعادة انخراط القوات المدعومة من أبوظبي في المعركة ضد الحوثيين في شبوة ومأرب قد أشعلت هجمات الحوثيين الأخيرة على الإمارات.

ليس هناك شك في أن سقوط محافظة مأرب الغنية بالنفط، آخر منطقة دائمة للحكومة اليمنية في عهد الرئيس المؤقت "عبد ربه منصور هادي"، سيؤدي إلى الانهيار الكامل لإدارة "هادي" الضعيفة بالفعل.

وقد كانت الخلافات الداخلية للتحالف الذي تقوده السعودية، في المقام الأول بين الرياض وقوات "الإصلاح" المتحالفة مع "هادي" والقوات الجنوبية، هي السبب الرئيسي لتشرذم التحالف وإنجازاته العسكرية الهزيلة.

وفي الوقت نفسه، كان يُنظر إلى كتائب "العمالقة" عمومًا على أنها أفضل وحدة عسكرية تدريباً داخل كتلة التحالف. وقد يؤدي انسحابها إلى جنوب اليمن إلى حدوث تصدعات خطيرة في التحالف الهش بالفعل، مما يضعف الخطوط الأمامية لمأرب.

وفقًا "لسوزان دالغرين"، الباحثة في معهد الشرق الأوسط والمحاضرة في جامعة "تامبيري" في فنلندا، لا ينبغي النظر إلى كتائب العمالقة كقوة إماراتية داخل اليمن، بل كقوة دربت وجُهزت في شراكة مع عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي. وقالت "دالغرين": "إن اتهام كتائب "العمالقة" بأنها وكيل إماراتي يظهر الجهل بالسياسة اليمنية".

وقد صرح "أليكس ألميدا"، كبير محللي الأمن في "هوريزون أكسيس"، وهي شركة استشارية رائدة لتحليل المخاطر، أن النقطة الرئيسية التي يجب التأكيد عليها هنا؛ هي أنه "لا توجد رغبة في أبوظبي لإعادة الانخراط عسكريًا في اليمن، وأن دعمها  اقتصر في الهجوم المضاد الأخير في شبوة على الدعم السياسي "للعمالقة"، والتنسيق التكتيكي، وربما بعض الدعم اللوجستي". ويعتقد "ألميدا" أن تدخل الإمارات انتهى في الغالب بعد أن استعاد الهجوم مناطق شبوة الشمالية.

أما بالنسبة لـ"عبدالغني الإرياني"، الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فقد دخل كل من الحوثيين والإمارات في مواجهة لم يردها أي منهما. وقد أضاف "الإرياني": "لقد أخطأت الإمارات في تقدير رد فعل الحوثيين على توغل "العمالقة" في المناطق الشمالية، وقد قلل الحوثيون من أهمية الرد الدولي على هجومهم على الأراضي الإماراتية".

يقول "الإرياني" إن كلاهما يبحث على الأرجح عن مخرج من هذا الصراع من خلال وساطة طرف ثالث. وبينما أعلن "العمالقة" أنهم يسحبون بعض وحداتهم من الشمال، فإن الحوثيين يطالبون الميليشيا بفك الارتباط الكامل مع الإمارات.

يعتقد "ألميدا" أن أبوظبي ستستمر في تقديم الدعم السياسي "للعمالقة"، وستعمل على إعادة بناء قوات الأمن الإقليمية المدعومة من الإمارات في شبوة، والتي تم تفكيكها من قبل حكومة "هادي" في أعقاب الانسحاب الإماراتي في عام 2019.

وأشارت "دالغرين" إلى أنه لا يزال يتعين على أبوظبي أن تحرص على عدم الوقوع في فخ الحوثيين. وترى في الهجمات على الإمارات استفزاز من الحوثيين يهدف إلى جذب اهتمام إعلامي عالمي وإثبات صمودها ضد منا يعتبرهم كثير من اليمنيين "عدوا". بهذه الطريقة، بنى الحوثيون سمعة دولية كلاعب أكثر أهمية بكثير مما هو عليه في الواقع. وبحسب "دالغرين"، فإن "نهاية الحرب ستكون كارثة على الحوثيين. إنها حكومة حرب لا يمكنها إلا أن تحكم بذريعة الحرب".

خطوات الدفاع المطلوبة

تدعو الهجمات الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات فورية من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى تعزيز الدفاع الجوي لدولة الإمارات، ويتوقع العديد من المحللين أن تطلب أبوظبي المساعدة من إسرائيل.

قال "يوسي ميلمان"، الكاتب الإسرائيلي ومراسل المخابرات والشؤون الاستراتيجية لصحيفة "هآرتس"، إن وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى يتألف من مسؤولين في وزارة الدفاع وعملاء الموساد ومسؤولين تنفيذيين لشركات أمنية إسرائيلية قد زار الإمارات بالفعل.

يهتم التنفيذيون الإماراتيون بشكل خاص بالدفاعات الجوية الإسرائيلية الصنع مثل "القبة الحديدية" وغيرها، بالإضافة إلى أنظمة الرادار الخاصة بهم.

وفي حديثه، أشار "ميلمان" أيضًا إلى أنه وفقًا لمصادر إسرائيلية، "يفكر الإسرائيليون في الطلب الإماراتي، لكنهم أضافوا أنه أمر خطير يجب التعامل معه بحذر". مضيفًا: "سيتعين على إسرائيل الموازنة بين رغبتها في بيع الأسلحة في جميع أنحاء العالم والحاجة إلى حماية معداتها الحساسة محلية الصنع".

ومع ذلك، تواجه الإمارات عملية اتخاذ قرارات صعبة، ويتساءل العديد من المراقبين عن كيفية ردهم على الهجوم الأخير، فإذا استمروا في دعم جهود "العمالقة" في مأرب، فقد يصبحون هدفًا منتظمًا للحوثيين وخاصة مراكز الأعمال والسياحة، وسيكون لهذا تداعيات لا حصر لها على صناعة السياحة الإماراتية؛ بما في ذلك معرض "دبي إكسبو" الجاري.

في رأي "الإرياني"، من المحتمل أن تقلص الإمارات تدخلها في اليمن، الأمر الذي سيزعج السعودية. لكن العلاقة الخاصة بين ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد آل نهيان" ستمنع حدوث تدهور خطير في العلاقات بينهما.

كما يعتقد أن أجندة الإمارات للسيطرة على الجنوب وتفكيك الدولة اليمنية ستجعل الحوثيين القوة المهيمنة في بقية اليمن، وهو سيناريو يقلق السعودية.

ومع ذلك، يلاحظ "ألميدا" أن المملكة قد اقتربت من وجهة نظر الإمارات بشأن القيمة العسكرية لقوات غير تابعة للإصلاح، وحكومة غير "هادي". لكن الحقيقة هي أن هذه لم تعد حربًا للتحالف؛ إنها حرب سعودية (والتي تسعى الرياض أيضًا إلى الخروج منها) مع مساعدة أبوظبي هنا وهناك.

لا يتوقع "الإرياني" أن تستأنف الإمارات الضربات الجوية أو تعيد إدخال قوات قتالية رئيسية في اليمن؛ وبدلاً من ذلك، ستتجنب أبوظبي التورط في مأرب، التي لطالما كانت مساحة تأثير للسعودية.

ويضيف: "بالرغم من أن الإمارات يجب أن ترد على الهجمات على أراضيها - ومن هنا جاءت الضربات الجوية الأخيرة على مواقع إطلاق صواريخ الحوثيين- إلا أن هذه الهجمات من المرجح أن تعزز فقط التصور السائد في أبوظبي بأن الأمر لا يستحق العودة إلى فوضى اليمن، لا سيما أنها تتعارض مع إعادة تنظيم السياسة الإماراتية الإقليمية بعد عام 2019، حيث ينصب التركيز على الدبلوماسية والقوة الناعمة والإصلاحات الاقتصادية المحلية".

أخيرًا، تعد الإمارات غير مهتمة بشكل قاطع بأي تصعيد مع إيران، ووفقًا "ألميدا"، ستحاول أبوظبي قدر الإمكان تجنب تعطيل علاقاتها مع طهران. وفي رأيه، فإن الحوثيين ليسوا مهمين بالنسبة لإيران، وإذا عرضت على الأخيرة صفقة أفضل، "ستتخلى عن شريكها اليمني".

المصدر | ستاسا سالكانين/انسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحوثيون العلاقات الإماراتية اليمينة العمالقة الإصلاح شبوة

تغييرات استراتيجية.. هجمات الحوثيين على الإمارات تزيد جاذبية قطر

لمواجهة الحوثيين.. السعودية تصنع أجزاء من منظومة ثاد الأمريكية