تحديات هائلة أمام تونس بعد قرار قيس سعيد حل البرلمان

الأربعاء 13 أبريل 2022 04:33 م

أصدر الرئيس التونسي "قيس سعيد" قرارا بحل البرلمان في 30 مارس/آذار في وقت تتفاقم فيه التوترات السياسية في البلاد. ووفق تعبيره، فإن هذه الخطوة تهدف إلى "الحفاظ على الدولة ومؤسساتها".

ومنذ يوليو/تموز الماضي، اعتمد "سعيد" مجموعة من التدابير الاستثنائية شملت تجميد البرلمان، وحل الحكومة، وتعطيل دستور 2014 وحل المجلس الأعلى للقضاء. ومنذ تلك اللحظة، ظلت أنشطة البرلمان مجمدة، وأصبحت القرارات بيد الرئيس وحده.

وبلغت الأزمة ذروتها في أواخر مارس/آذار من هذا العام عندما أجرى النواب اجتماعا عبر الإنترنت وصوتوا لإلغاء صلاحيات الطوارئ التي منحها "سعيد" لنفسه حتى الآن، فانتقم منهم بحل البرلمان. ومع ذلك، فإن تصويت البرلمان والحل اللاحق له لن يفسد على "سعيد" خطته، حيث أكد تمسكه بخارطة الطريق التي كشف الستار عنها في ديسمبر/كانون الأول.

وبناء على نتائج مشاورات وطنية عبر الإنترنت، سيعقد استفتاء على دستور جديد في يوليو/تموز المقبل، تليه انتخابات برلمانية جديدة في نهاية العام. لكن معارضي "سعيد"، الذين وصفوا الاستيلاء على السلطة باعتباره "انقلابًا" بالفعل، رفضوا خطوته الأخيرة باعتبارها غير دستورية.

في غضون ذلك، يتزايد الاستقطاب في الشارع التونسي، ومن المرجح أن يتصاعد عدم الاستقرار، خاصة مع الأزمة المالية العميقة والعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بعد حرب أوكرانيا. أما على المستوى الدولي، فقد دقت التطورات الأخيرة في تونس بعض أجراس الإنذار في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تلتزم عادة بالاستقرار المؤسسي والاقتصادي في البلاد.

وقد تجتمع كل هذه العناصر في نهاية المطاف لتشكل تحديا كبيرا أمام "سعيد"، حيث أن نجاح خطته لترسيخ حكم الرجل الواحد يتعلق بالحصول على الدعم من قطاع كبير من الشعب.

وفيما يلي آراء الخبراء في الحوار السنوي حول الشرق الأوسط الذي أجراه المعهد الإيطالي للدراسات الاقتصادية والدولية بالتعاون مع وزارة الخارجية الإيطالية، بشأن قرار الرئيس "سعيد" بحل البرلمان من جانب واحد والمخاوف بشأن الاستبداد الناشئ في تونس.

رئيس بيده كل القوى دون مكابح

قال "يوسف شريف"، المدير العام للفرع الإقليمي لجامعة كولومبيا في تونس: "لا يزال الرئيس التونسي أكثر شعبية من خصومه، وبالتالي غاب أي رد فعل عام ملحوظ ضد حل البرلمان. تقلصت الأحزاب السياسية وتم تشويه مصداقيتها وتلاشى حضورهم بشكل كبير، مما أدى إلى تأكيد سردية الرئيس بأن المعارضة محدودة وتفتقر إلى أي شكل من أشكال الدعم الشعبي".

وأضاف: "في غضون ذلك، قام الرئيس بتأمين دعم الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر وأقوى منظمة نقابية- كما يحتفظ بدعم القوات المسلحة. وحتى الآن، فإن خطته تسير كما أراد". 

وأردف: "بمرور الوقت، سيصبح استبداد سعيد دون مكابح تقريبًا".

الفجوة العميقة بين المعارضة والجمهور

وقالت "آمنة بن عرب" الأستاذة المساعدة بجامعة صفاقس: "الاجتماع الافتراضي للبرلمان والتصويت عبر الإنترنت لإلغاء التدابير الاستثنائية كان تحديا مباشرا لاستيلاء الرئيس على السلطة. وعلى المستوى الدستوري (إذا كان ما يزال بإمكاننا الإشارة لدستور 2014 كإطار مرجعي)، فقد خلقت هذه الخطوة سلطتين موازيتين وألقت بظلال الشك على شرعية السلطة التنفيذية".

وأضافت: "ومع ذلك، فقد تسببت هذه الخطوة في تآكل المزيد من شرعية الهيئة التشريعية ومصداقيتها وفعاليتها على المستوى السياسي. وبالرغم أن النخبة السياسية تابعت الاجتماع بشكل وثيق، إلا أنه لم يكن له أي تأثير على الرأي العام، الذي رفض عودة البرلمان الحالي بأي شكل، وأعرب عن حرصه على التحول نحو نظام رئاسي وفق نتائج استطلاعات الرأي الشهرية لمؤسستي سيغما كونسيل وإيمرود".

واستطردت قائلة: "بدلا من إنهاء الجمود السياسي، تعمق هذه الخطوة الفجوة بين المعارضة والجمهور، ويصب ذلك في مصلحة الرئيس".

وتابعت: "ليس من المستبعد أن تتصاعد التوترات إلى عنف، لا سيما بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الرهيب".

"بين المطرقة والسندان"

أما "حمزة المؤدب"، الباحث غير المقيم في مركز مالكوم كير - كارنيغي الشرق الأوسط، فقد قال: "تونس تواجه أزمة مالية خطيرة. قبل الحرب في أوكرانيا، كان على البلاد اقتراض حوالي 7 مليار دولار في عام 2022، بما في ذلك 4.2 مليار دولار من الأسواق الدولية. وأدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة إلى زيادة الاحتياجات بمقدار 2 مليار دولار. المشكلة هي أن تأمين تمويل الميزانية يعتمد على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو  أمر غير مضمون".

وأضاف: "بعد 7 أشهر من انتزاعه السلطة، يعلق الرئيس سعيد حاليا بين المطرقة والسندان. فمن ناحية، تحرمه الأزمة المالية من الموارد اللازمة للحفاظ على قاعدة دعمه. ومن ناحية أخرى، سيتطلب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تدابير تقشفية، بما في ذلك تثبيت الأجور ورفع أسعار المواد الغذائية والطاقة. وينطوي هذا السيناريو ينطوي على تحديات، بالنظر إلى أن نجاح خطته لتغيير الدستور يعتمد على دعم شريحة سكانية كبيرة من المفترض أن تصوت في استفتاء 25 يوليو/تموز".

أوكرانيا.. القشة التي تقصم ظهر البعير؟

وترى "أليسيا ميلكانجي"، أستاذة التاريخ المعاصر لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في جامعة سابينزا بروما أن "قرار سعيد بحل البرلمان يهدد بتفاقم الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الصعب بالفعل في تونس في وقت تهدد فيه الحرب الأوكرانية إمدادات القمح التونسية لأن نصفها تقريبا يأتي من روسيا وأوكرانيا".

وأضافت الباحثة: "وسط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على حزمة المساعدات الاقتصادية، تمثل خطوة سعيد الأخيرة خطرًا لا تستطيع البلاد تحمله. إن الانجراف الاستبدادي هذا يمكن أن ينفر قاعدة دعمه الشعبية، والأهم هو تأثير ذلك على مساعدات الغرب، المنزعج بالفعل من الاستجابة الدبلوماسية التونسية المعتدلة على الغزو الروسي. ويمكن أن تكون الأزمة الأوكرانية القشة التي تقصم ظهر البعير بالنسبة لتونس الهشة للغاية".

أوروبا تراقب شاطئها الجنوبي

وقال "أرماندو سانجويني" خبير معهد الدراسات السياسية الدولية في إيطاليا وسفير إيطاليا السابق لدى تونس و السعودية: "وعد الرئيس التونسي بالاستفتاء على دستور جديد هذا العام ثم انتخاب برلمان جديد. ومع ذلك، فإن التدابير الاستبدادية التي اتخذها الرئيس منذ الصيف الماضي ترفع من المخاوف الجدية وتثير الشكوك دوليا."

وأضاف :"ما تزال أوروبا عازمة على دعم تونس للتغلب على صعوباتها بكل الطرق الممكنة. وهذا ناتج في المقام الأول من خطورة وضع ليبيا الحالي على الاستقرار المتوسطي والدور التقليدي لأوروبا في تعزيز التعايش بين دول شمال أفريقيا والمساهمة في الأمن الاجتماعي والسياسي عبر منطقة الساحل. وأخيرا، فإن الالتزام بمساعدة تونس يرجع أيضا إلى درجة عالية من الترابط متعدد المستويات بين الجنوب والشمال".

المصدر | أرماندو سانجوني - المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد حل البرلمان حل المجلس الأعلى للقضاء حرب أوكرانيا القمح الأزمة الاقتصادية في تونس صندوق النقد الدولي أوروبا ليبيا

وفد البرلمان الأوروبي إلى تونس: شرعية قيس سعيد ومجلس النواب متساوية

الخارجية الأمريكية: إجراءات 25 يوليو مهدت لانتهاكات حقوقية عديدة بتونس

و.بوست: الربيع العربي يذبل في مهده.. والسبب قيس سعيد