تجدد الاشتباكات في الأقصى يكشف هشاشة مكاسب التطبيع العربي الإسرائيلي

الاثنين 2 مايو 2022 02:30 م

اندلع عنف متجدد بين المتظاهرين الفلسطينيين المسالمين والجيش والشرطة الإسرائيليين، وبلغ ذروته خلال الاحتفالات المتزامنة بعيد الفصح ورمضان حول وداخل المسجد الأقصى، مما ذكر العالم مجددًا بأن الصراع الذي يعود إلى عقود لم يختفِ، وأبرز القصف الإسرائيلي لغزة استجابةً لنيران الصواريخ الأهمية المستمرة لهذا الصراع.

وأثارت الاشتباكات الأخيرة -التي فاق ضحاياها الفلسطينيون نظراءهم الإسرائيليين- ردود فعل غاضبة من بعض القادة العرب والفلسطينيين، بمن فيهم ملك الأردن "عبدالله الثاني" و"محمود عباس" رئيس السلطة الفلسطينية. فقد طلب الملك "عبدالله الثاني" من إسرائيل أن توقف ما سماه "جميع الأفعال غير القانونية والاستفزازية"، في حين أدانت الجامعة العربية وحتى السعودية والإمارات الاقتحام الإسرائيلي للمسجد، وكذلك فعل الرئيس التركي "أردوغان" على الرغم من جهوده الأخيرة لتحسين العلاقات مع إسرائيل. وحذر المراقبون الآخرون من انتفاضة فلسطينية أخرى.

تكشف آخر الأحداث في فلسطين هشاشة المكاسب الأخيرة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية. وإذا تحولت التوترات الحالية إلى عنف أكبر، فإن تلك الدول العربية التي طبعت العلاقات مع إسرائيل قد تشعر بالضغط لعكس المسار، في حين أن تلك التي تتعاون بهدوء مع إسرائيل -خاصة السعودية- قد تعيد النظر في الأمر.

علاوة على ذلك، من المرجح أن تعزز انتفاضة أخرى أو تفشي العنف العرقي على الأرجح الجماعات الفلسطينية المرتبطة بما يسمى "محور المقاومة"، ويشمل هذا المحور "حزب الله"، وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، و"أنصار الله" في اليمن، بالإضافة إلى إيران وسوريا. هذه التشكيلة من القوى تعني أن الصراع المحتمل في فلسطين قد يورّط الجهات الفاعلة الأخرى، وينشر نيرانه في المنطقة الأوسع.

لماذا تظل قضية فلسطين مهمة؟

بعد اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، وقع الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل. وفي الآونة الأخيرة أنشأت إسرائيل وعدد من الدول العربية -ولا سيما الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- علاقات دبلوماسية رسمية بوساطة جزئية من واشنطن فيما يسمى اتفاقات إبراهام.

أدت هذه النجاحات إلى شيوع تصور عام بأن قضية فلسطين لم تعد مهمة في سياسة الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، حلت القضايا الأخرى، مثل عداء إيران وإسرائيل، والحرب في اليمن، وأنشطة وعلاقات إيران الإقليمية مع جيرانها العرب، محل القضية الفلسطينية كمصدر رئيسي لعدم الاستقرار الإقليمي.

لا شك أن هذه الصراعات أضافت توترات جديدة في الشرق الأوسط. ولكن ما تم تجاهله عمومًا هو أنها جميعها تتشارك في بُعد فلسطيني. وعلى الرغم من أن القادة الإيرانيين لديهم العديد من المآخذ على الأنشطة الإسرائيلية في إيران خلال الفترة الملكية -مثل تدريب شرطة الشاه السرية الوحشية- إلا Hن السبب الرئيسي في عدائهم هو إيمانهم بأن إسرائيل قد اغتصبت أراضي الفلسطينيين والمسلمين وسلبتهم حقوقهم.

يتشارك الكثير من العرب والمسلمين في هذا الرأي، حتى لو لم تعد حكوماتهم تحتج على سلوك الدولة اليهودية بصوت عالٍ كما فعلت من قبل. على سبيل المثال، وجد استطلاعات رأي في 13 دولة في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن ما يقرب من 90% من العرب يعارضون التطبيع مع إسرائيل. إن وجود مثل هذه المشاعر يمكّن إيران من الحصول على درجة من التأثير في جميع أنحاء المنطقة من خلال الدفاع عن القضية الفلسطينية.

كما استخدمت الدول الأخرى القضية الفلسطينية لاكتساب نفوذ إقليمي، حيث استخدمتها الحكومات العربية لعقود من الزمن، لدفع مصالحها الخاصة، حتى تركيا في عهد "أردوغان" استخدمت القضية الفلسطينية لاكتساب النفوذ في العالم العربي، وقد خرجت بدعم قوي من الفلسطينيين خلال عملية إسرائيل ضد غزة في عام 2008. وبعد ذلك بعامين، تدهورت العلاقات بين تل أبيب وأنقرة بشكل كبير بعد قتل القوات الإسرائيلية لـ9 مواطنين أتراك كانوا يشحنون المساعدات الإنسانية إلى غزة على سفينة مافي مرمرة.

فلسطين كقضية إسلامية

تشير مشاركة الدول غير العربية المسلمة في قضية فلسطين -وخاصة القدس ومسجد الأقصى- إلى أن هذا ليس مجرد مصدر قلق عربي؛ وإنما يهم جميع المسلمين. وحتى في الوقت الذي تفقد فيه بعض الأنظمة العربية الاهتمام بفلسطين، تميل دول أخرى -بما في ذلك دول عربية- إلى تناول القضية.

حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، كانت مصر البطل الرائد للحقوق الفلسطينية. وفي وقت لاحق، تولت العراق وسوريا الدور، بينما منذ الثورة الإسلامية لعام 1979، أصبحت إيران المدافع الرئيسي عن فلسطين. وإذا قامت طهران بمرور الوقت بتغيير موقفها، فمن المحتمل أن تحمل بعض الدول الأخرى القضية، حتى لو كان ذلك لدوافع المصلحة الذاتية.

محفز لانخراط القوى الأجنبية

كانت قضية فلسطين، والنزاع العربي الإسرائيلي حولها، أيضًا سببًا كبيرًا -إن لم يكن السبب الوحيد- في انخراط القوى العظمى خاصة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ الخمسينيات. ودعم الغرب إسرائيل تقليديًا، في حين دعم الاتحاد السوفيتي -حتى سقوطه- الفلسطينيين.

وبشكل جزئي، حددت المواقف المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني أيضًا مواقف الدول العربية إزاء الغرب والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، فقد مالت الدول العربية ذات النهج الصارم في القضية إلى الاتحاد السوفيتي.

واليوم، فإن علاقات سوريا الوثيقة مع روسيا هي إرث من تلك الحقبة جزئيًا، على الرغم من أن اعتماد الغرب لسياسة "تغيير النظام" تجاه دمشق منذ عام 2003 أبقاها مقربة من موسكو.

هشاشة مكاسب التطبيع

تأثرت العديد من جوانب السياسات الغربية في الشرق الأوسط -بما في ذلك المواقف تجاه الحكومات الاستبدادية وقضايا حقوق الإنسان- بعامل فلسطيني. كانت الحكومات الغربية على استعداد عمومًا لتجاهل أو التقليل من شأن مخالفات تلك الأنظمة طالما أنهم على استعداد للتنازل عن تطلعات الفلسطينيين لدولة لهم على الأراضي التي تحتلها إسرائيل.

على سبيل المثال، فإن استمرار التزام مصر باتفاقية "كامب ديفيد" خفف الإدانات الموجهة لها، على الرغم من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي ارتُكبت منذ الإطاحة بحكومتها المنتخبة ديمقراطيا في عام 2013.

وفي الوقت نفسه، كان لاتفاقات إبراهام تأثير مماثل على انتقاد الولايات المتحدة للبحرين، والإمارات والسودان والمغرب (التي يعتبر احتلالها وضمها للصحراء الغربية انتهاكًا لاتفاقية جنيف)، لكن واشنطن تعترف بسيادتها عليها الآن رسميًا. كما تُعامل واشنطن السعودية بشكل أقل قسوة الآن، مع انخراطها في مغازلة مستترة مع إسرائيل، على الرغم من أنها لم توقع اتفاقيات إبراهام.

كما أن جوهر الخلاف بين إيران والولايات المتحدة أيضًا يتعلق بموقف طهران إزاء إسرائيل وقضية فلسطين. تؤكد إيران -التي ترفض الاعتراف بإسرائيل- أن مصير فلسطين يجب أن يقرر من خلال استفتاء الفلسطينيين، على الرغم من الغموض الذي يلف فكرة ما إذا كان اللاجئون الفلسطينيون خارج الأراضي المحتلة سيتمكنون من المشاركة.

في عام 2006، قال الرئيس آنذاك "محمد خاتمي" إن إيران يمكن أن تقبل حل الدولتين، وتنبع المشكلات الأخرى -بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني- جزئيًا من الخلافات حول هذه القضية الأساسية.

باختصار، لا يزال النزاع حول حقوق فلسطين وحقوق الفلسطينيين مصدرًا رئيسيًا للتوتر وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط ومحفزًا محتملًا لحرب على مستوى المنطقة سوف يسعى بموجبها عدد من الأطراف إلى التدخل العسكري الأمريكي.

إن الرضا الأمريكي المستمر إزاء الجمود في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية أمر خطير. حتى لو نجحت إسرائيل في إقامة علاقات مع المزيد من الدول العربية والمسلمة، فإن أمنها وأمن المنطقة سيبقيان هشين ما لم تصل إلى صيغة عيش أكثر قبولًا مع جيرانها الفلسطينيين.

المصدر | شيرين هنتر - ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية فلسطين إسرائيل التطبيع اتفاقيات إبراهام الإمارات السعودية المغرب انتفاضة اشتباكات الفلسطينيين والإسرائيليين

احتجاجا على أحداث القدس.. الإمارات تستدعي سفير إسرائيل للمرة الأولى بعد التطبيع

نفير فلسطيني ضد اقتحامات مرتقبة للأقصي.. وإسرائيل تستعد للرشقة "1111"

مستوطنون يقتحمون الأقصى بحماية شرطة الاحتلال.. والمرابطون يتصدون