حرب أوكرانيا تعيد الطلب الأوروبي على نفط وغاز أفريقيا

الجمعة 22 يوليو 2022 06:42 م

 يرى رؤساء تنفيذيون في قطاع الطاقة ومسؤولون أفارقة إن حاجة أوروبا لمصادر بديلة عن إمدادات النفط والغاز الروسية الخاضعة لعقوبات تحيي من جديد الاهتمام بمشاريع الطاقة الأفريقية التي تم تجنبها بسبب ارتفاع التكاليف والمخاوف من تغير المناخ.

وتدرس شركات الطاقة مشاريع في القارة بقيمة إجمالية تصل إلى 100 مليار دولار وفقا لحسابات رويترز استنادا إلى تقديرات شركات حكومية وخاصة.

وقد تشهد الدول الأفريقية ذات الإنتاج الضئيل أو التي ليس لديها أي إنتاج على الإطلاق استثمارات في مجال الطاقة في السنوات المقبلة، مثل ناميبيا وجنوب أفريقيا وأوغندا وكينيا وموزمبيق وتنزانيا.

ويمكن أن تنتج ناميبيا وحدها حوالي نصف مليون برميل يوميا من مشاريع نفط جديدة بعد اكتشاف آبار واعدة في الأشهر الأخيرة وفقا لتقديرات غير منشورة ذكرها مستشاران بالقطاع.

ويمكن لأفريقيا ككل أن تعوض ما يصل إلى خُمس صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بحلول عام 2030 بناء على تقديرات وكالة الطاقة الدولية التي يقع مقرها في باريس والتي قالت إن 30 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الأفريقي يمكن أن تتدفق إلى أوروبا سنويا بحلول ذلك الوقت.

قال "جيل هولزمان" الرئيس التنفيذي لشركة إيكو أتلانتيك الكندية للنفط والغاز والتي لديها مشروعات للتنقيب عن النفط في ما يقرب من 30 ألف كيلومتر مربع قبالة سواحل ناميبيا "بينما يسعى العالم لاستبدال الشحنات الروسية من النفط والغاز… يركز القطاع الآن على مزايا النفط الذي يمكن أن تقدمه أفريقيا".

وأضاف لرويترز في رسالة بالبريد الإلكتروني "الشركات الكبرى تُزيد استثماراتها… تقدم عطاءات تنافسية للتنقيب والتطوير والإنتاج"، في إشارة إلى نشاط في حقول نفط قبالة سواحل ناميبيا وجنوب أفريقيا.

وتسببت العقوبات الأوروبية المفروضة على إمدادات النفط الروسية وانخفاض تدفقات الغاز في زيادة الأسعار وارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في 40 عاما في بعض البلدان. وقفز سعر خام برنت في مارس آذار مقتربا من أعلى مستوى له في 15 عاما عند 139 دولارا للبرميل.

وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير أصدرته في يونيو/حزيران إن الاستثمار في الطاقة الأفريقية لم يتعافَ بعد من انخفاض أسعار النفط والغاز في 2014، مما يسلط الضوء على قدرة أفريقيا على تخفيف أزمة الإمدادات. وأضافت أن من المنتظر أن يتعافى إنتاج النفط العالمي من الجائحة، لكن من المتوقع أن يتراجع بعد ذلك في أواخر العقد الحالي.

قال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية لرويترز في مقابلة في يونيو/حزيران "نحن في خضم أول أزمة طاقة عالمية حقيقية وعلينا إيجاد حلول لتعويض فقد النفط والغاز الروسيين".

وأحدثت وكالة الطاقة الدولية صدمة بقطاع النفط في العام الماضي عندما توقعت عدم الاستثمار في مشاريع وقود أحفوري جديدة من أجل بلوغ هدف تحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول منتصف القرن.

وقال الرؤساء التنفيذيون والمسؤولون إن الشركات والدول التي تتطلع إلى ضخ استثمارات في مشروعات النفط والغاز في أفريقيا تدرك أنه يجب عليها التحرك بسرعة للاستفادة من الاحتياطيات غير المستغلة في ظل زيادة الطلب المحلي على الوقود والطاقة قبل أن يجعل التحول العالمي إلى تكنولوجيا منخفضة الكربون العديد من مشاريع الوقود الأحفوري غير قابلة للتطبيق.

وفي الشهر الماضي وقعت تنزانيا اتفاقية إطارية للغاز الطبيعي المسال مع شركة الطاقة النرويجية العملاقة إكوينور وشركة شل الإنجليزية الهولندية من شأنها تسريع تطوير خط تصدير بقيمة 30 مليار دولار.

وقال "باتريك بويان"، الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجيز الفرنسية، خلال زيارة إلى مابوتو عاصمة موزمبيق في يناير/كانون الثاني إنه في حالة تحسن الوضع الأمني فإن الشركة تهدف إلى استئناف مشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار هذا العام بعدما توقف بسبب أعمال عنف.

وذكر بويان في مايو/أيار أن توتال بحاجة لتعويض الإنتاج والإمدادات الروسية الآخذة في التناقص بعد فرض عقوبات عليها، مشيرا إلى أن الشركة تعمل على تسريع النشاط في ناميبيا الواعدة من حيث الإنتاج النفطي.

وقال "جونزالو فالكاو" من شركة المحاماة العالمية ماير براون التي تقدم الاستشارات لشركات عاملة في مجال الطاقة الأفريقية "هناك تحرك كبير الآن سعيا للمضي في هذه المشاريع”، مشيرا إلى مشروعات غاز تبلغ كلفتها عشرات المليارات من الدولارات في شرق أفريقيا. وأضاف “من الواضح أن هناك إحساسا بأن الفرصة سانحة لتعزيزها".

حقل فينوس

بالنسبة للنفط الأفريقي لا يبرز مكان في الواجهة أكثر من ناميبيا.

وعلى الرغم من أنها ليست دولة منتجة بعد، تنقب فيها شركات كبرى وتبحث في بياناتها الجغرافية ومياهها منذ عقود، إلى أن اكتشفت شل في فبراير شباط ما وصفته بأنه إمداد "مشجع" من الخام الخفيف، وهو النوع المطلوب لإنتاج البنزين والسولار.

وبعد مرور ما يقرب من شهرين من تفجر الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط لمستويات شبه قياسية، بدأت شل عمليات تنقيب في آبار "واحدة تلو الأخرى" لأول مرة في تاريخها الممتد منذ نحو 150 عاما حسبما قال مصدران في قطاع النفط طلبا عدم ذكر اسميهما.

وقالت شل إن التقدم السريع جاء بعد نتائج "واعدة" من البئر الأولى لكنها أشارت في بيان لرويترز إلى أن الالتزامات المفروضة بموجب إجراءات مكافحة التغير المناخي تحتم عليها عدم المضي إلا في المشروعات التي لها "مسار يعوّل عليه يقود للتطوير المبكر… ولديها القدرة على التكيف والمنافسة سواء في حالة انخفاض الأسعار أو ارتفاعها".

واستكملت توتال إنرجيز أعمال التنقيب في بئر بحقل فينوس في مارس آذار ووصفته بأنه "كبير"، ومن المقرر أن تبدأ تنقيبا في بئر استكشافية في الربع الثالث.

وفيما يتعلق بناميبيا قالت توتال إنرجيز لرويترز إنه ما زال عليها "أن تقرر إن كانت الكميات قابلة للاستخراج تجاريا… (لكن) الاستثمارات تظل ضرورية لتلبية بالطلب".

وصرح مسؤول كبير في شل لرويترز بعد أن طلب عدم ذكر اسمه بأنه يتوقع أن يتكلف الأمر نحو 11 مليار دولار لتطوير مناطق امتياز الشركتين.

وقد تؤدي تلك الاستكشافات لإنتاج نفطي يقدر بنحو نصف مليون برميل يوميا وفقا لتوقعات شركة آي.إتش.إس ماركيت للبيانات وتقديرات شركة وود ماكينزي لاستشارات الموارد الطبيعية. وأشارت الشركتان في تصريحاتهما لرويترز إلى أن تلك التوقعات مبدئية.

وقالت "ماجي شينو" مفوضة البترول في وزارة المناجم والطاقة لرويترز إن الفرصة قد تضيع مع اقتراب التحول العالمي للطاقة النظيفة، وأضافت "هناك احتمال أن تكون ناميبيا آخر عملاق أفريقي".

وتابعت قائلة "في أعقاب الحفر الناجح قبالة ناميبيا جاءت الحرب الأوكرانية الروسية… ما نراه هو أن المزيد من الشركات تتطلع حاليا للاستثمار في ناميبيا بحثا عن الهيدروكربونات"، مضيفة أن البلاد تأمل في بدء الإنتاج من مشروع شل بحلول 2026.

منافسة قائمة

تلك الجهود أشبه بعقود ما بعد الفترة الاستعمارية عندما عملت حكومات أوروبية وشركات نفطية عملاقة مثل توتال وشل وإيني بتواتر أكبر لوضع شمال أفريقيا العربي ومجموعة من دول أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى على خريطة إنتاج الطاقة.

ومن شأن تجدد التعطش الأوروبي للغاز أن يساعد في دفع الإنتاج الأفريقي لذروة تبلغ نحو 500 مليار متر مكعب بحلول نهاية العقد المقبل وفقا لشركة ريستاد للاستشارات، ارتفاعا من 260 مليار متر مكعب في 2022.

لكن في توقع أقل تفاؤلا، ترى وكالة الطاقة الدولية أن ذروة إنتاج الغاز الطبيعي في حالة "السيناريو المستدام من أفريقيا" هو 300 مليار متر مكعب بحلول عام 2024. وتوقعت أن يبلغ إنتاج النفط هذا العقد ذروة تصل إلى ستة ملايين برميل يوميا تقريبا في 2022 انخفاضا مما يفوق عشرة ملايين في 2010، بما يشير لعمر أطول لمشروعات الغاز عن مشروعات النفط.

ويأتي أكثر من نصف إنتاج إيني، شركة النفط الإيطالية العملاقة، من أفريقيا وكان أكثر من نصف استثماراتها في السنوات الأربع الماضية بهذه القارة. واتسق مسعاها لتعزيز الإنتاج بالقاهرة منذ ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا مع مبادرات اتخذتها روما.

وزار الرئيس التنفيذي للشركة كلاوديو ديسكالزي ووفد من مبعوثين حكوميين بارزين الجزائر والجابون وأنجولا في أبريل/نيسان ووقعوا اتفاقات لتعزيز الصادرات لأوروبا.

وقال "لوكا بيرتيللي" مدير قطاع التنقيب في إيني أمام قمة الطاقة الأفريقية التي انعقدت في لندن في مايو/أيار "لدى أفريقيا حاليا فرصة هائلة. في أعقاب الأزمة التي وقعت مؤخرا في أوكرانيا وما يحدث عالميا في أسواق الطاقة والإمدادات طرأ تغير جذري على مشهد أسواق الطاقة العالمية والإمدادات.. ليس لسنوات بل لعقود… ويجب استغلال هذا الزخم فورا".

وكثفت ألمانيا، أكبر مستورد للغاز في أوروبا، جهودها لاستمالة السنغال بزيارة رسمية قام بها المستشار أولاف شولتس في مايو/أيار وعرض فيها المساعدة على الاستفادة من موارد الغاز الضخمة، لكن الأمر لم يسفر عن الاتفاق على مشروعات ملموسة.

وقال "عبدالسلام ولد محمد صالح" وزير البترول والمعادن والطاقة في موريتانيا التي تتشارك مع جارتها السنغال حقل غاز ضخما من المقرر أن يبدأ الإنتاج العام المقبل "أول ما يمكن لألمانيا وأوروبا فعله هو شراء الغاز منا".

وأضاف لرويترز "نرحب بالاهتمام المتزايد الذي نراه من دول وشركات أوروبية لتطوير مواردنا، وهو ما يصب في مصلحتنا المشتركة"، مستشهدا بمبيعات مناطق امتياز بحرية.



 

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

حرب أوكرانيا نفط غاز أفريقيا

روسيا تخفض تدفق الغاز إلى ألمانيا عبر "نورد ستريم 1" إلى 20%

إيني الإيطالية تتوقع إيجاد بديل كامل للغاز الروسي بحلول 2025

الطاقة الدولية تحذر من تعزيز الطلب على النفط مع التحول عن الغاز