«هافينغتون بوست»: الاقتصاد السعودي .. قنبلة موقوتة

الخميس 31 ديسمبر 2015 12:12 ص

من نافلة القول أن نقول الآن إن المملكة العربية السعودية لم تعد قادرة على أخذ الأمور على التراخي. إنها تواجه قنبلة اقتصادية موقوتة، والتي حال فشلت في نزع فتيلها، فسوف يكون لها آثار شديدة وربما لا رجعة فيها على الصعيدين الوطني والدولي. انخفاض أسعار النفط خلال العامين الأخيرين كان يعني تقلص عائدات المصدر الذي تعتمد عليه المملكة العربية السعودية في تحصيل 77 إلى 88% من إجمالي إيراداتها. على مدى العامين الماضيين، أعلنت الحكومة السعودية عجزا كبيرا في ميزانياتها، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2007، وقد اضطرت الحكومة إلى الاعتماد على احتياطياتها الأجنبية وإصدار سندات.

خلال هذه الفترة، حافظت المملكة العربية السعودية على ما بين 1.5 إلى 2 ملايين برميل يوميا من الطاقة النفطية الفائضة على حاجة السوق. إنتاج النفط في المملكة حاليا يبلغ 10.3 مليون برميل يوميا بما في ذلك 7.15 مليون برميل يتم تصديرها، وحوالي 3.15 مليون برميل سيتم تخصيصها لتلبية الطلب المحلي. ومع ذلك، فإن الاستهلاك المحلي آخذ في الارتفاع وفقا لتقديرات شركة أرامكو السعودية. ويعتقد أنه بحلول عام 2030، من المرجح أن يرتفع الطلب المحلي إلى حوالي 8.2 مليون برميل يوميا، بينما خلصت العديد من الدراسات إلى أن المملكة العربية السعودية قد تكون مستوردا صافيا للنفط قبل حلول الذكرى المئوية لتأسيسها في 2032.

ومع ذلك، يمكن للسعوديين تخفيف محنتهم إذا ما قرروا تطبيق تدابير إصلاح شديدة وسياسات صارمة. يحتاج الملك ومستشاروه إلى مراجعة وتحديث مستمرين لأولوياتهمم الوطنية للابتعاد عن إرث الممارسات التاريخية. ويجب أن يسبق تعديل هذه العقلية أي خطوة لإجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسسية ذات مغزى في حال كانت المملكة ترغب في البقاء على قيد الحياة.

مراجعة الميزانية

وفقا لوزارة المالية السعودية، تأتي موزانة العام 2016 في خضم اضطراب اقتصادي دولي وإقليمي غير مسبوق، وتباطؤ لنمو الاقتصاد العالمي. التوقعات الحالية بأن النفط سوف ينتعش إلى مستوى 50 دولارا أو ما فوق ذلك غير واقعية بالنسبة لعام 2016. وحتى إذا عادت الأسعار إلى معدلاتها المتوسطة في 2015، أي حوالي 49 دولارا، فإن ذلك لن يستمر لفترة طويلة. ومن المنتظر أن يتم تثبيط الأسعار بعد عودة النفط الإيراني في وقت ما من العام القادم. موزانة المملكة التي كشف عنها النقاب تتوقع عجزا مقداره 326 مليار ريال (87 مليار دولار). ومن المتوقع أن يصل حجم الإنفاق إلى 840 مليار ريال (224 مليار دولار)، في حين قدرت الإيرادات بـ513 مليار ريال (137 مليار دولار). وكان أكبر تخصيص حوته الميزانية يبلغ 213 مليار ريال (56.8 مليار دولار)، وكان موجها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية، مشكلا نسبة تقترب من 25% من مخصصات الموازنة، وهي نسبة تفوق بكثير نظيرتها في موازنة عام 2015. هذا التخصيص الكبير للنفقات العسكرية والأمنية يشير إلى أن المملكة لا تزال تقدم «البنادق على الزبد» بهدف تعزيز قبضتها على السلطة في ظل تزايد الاضطرابات الإقليمية.

بلغ الإنفاق الحكومي الفعلي في عام 2015 حوالي 975 مليار ريال (260 مليار دولار)، متخطيا بنسبة 13% الإنفاق المقدر في الموازنة مطلع العام. وقد سجل عجزا يبلغ 376 مليار ريال (98 مليار دولار)، وقد نتجت هذه الزيادة في الإنفاق بشكل رئيسي عن الرواتب الإضافية للموظفين السعوديين المدنيين والعسكريين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي، إضافة إلى المتقاعدين حسبما ذكرت الوزارة.

تضاؤل الاحتياطيات المالية

الاستنزاف السريع لاحتياطيات النقد الأجنبي السعودي هو أمر مقلق نوعا ما. خلال عام 2015، أي في غضون أقل من 12 شهرا، انخفضت احتياطيات البنك المركزي للمملكة من 732 مليار دولار إلى 632 مليار دولار. وبناء على المستويات الحالية من الإنفاق والعجز، وعلى افتراض أن أولويات الميزانية ستظل ثابتة، وأن أوضاع سوق النفط ستبقى كما هي دون تغيير، فإن هذه الاحتياطيات سوف تمنح المملكة العربية السعودية عازلا ماليا لمدة 5 سنوات في أفضل الأحوال.

الانخفاض الأخير في أسعار النفط يختلف عن سائر الحلقات التاريخية المماثلة. هذه المرة يأتي الانخفاض مدفوعا بزيادة العرض عن طريق مستويات من الإنتاج لم يسبق لها مثيل من قبل كل من المنتجين التقليديين وغير التقليديين. تسببت التقنيات المتقدمة والمصادر غير التقليدية للعرض في احتدام المنافسة حول الحصص السوقية. ومما يجعل الأمر أكثر سوءا أن هذه المنافسة سوف تشتعل بشكل أكبر مع الارتفاع الكبير المتوقع في إنتاج كل من العراق وإيران. وهذا مما لا شك فيه سوف يتسبب في إغراق السوق بفوائض تزيد عن 3 ملايين برميل يوميا. وإذا ما استمر هذا التراجع المالي غير المستدام بمعدله الحالي، فإن سعر صرف الدولار إلى الريال سوف يتغير، وربما تصبح الحكومة غير قادرة على الحفاظ على ربط العملة. قد يكون لذلك انعكاسات خطيرة على الدولار الأمريكي، خاصة إذا حدث في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

يكلف الدعم السنوي لأسعار النفط والغاز ميزانية المملكة ما يقرب من 61 مليار دولار، إضافة إلى 10 مليارات أخرى لدعم الكهرباء والمياه. وعلى الرغم من الإصلاحات المالية الحالية التي سنتها الحكومة وخفض الدعم على مصادر الطاقة، فإن الأسعار لا تزال منخفضة بالمقارنة مع الأسواق العالمية. هذه الزيادة الطفيفة في الأسعار، والتي تم تطبيقها تباعا في دول مجلس التعاون الخليجي، تأتي ضمن حزمة توصيات تقشفية لصندوق النقد الدولي شملت أيضا فرض بعض الضرائب. ولا يزال الوقت مبكرا لتقييم تأثير هذه التدابير وتقييمها من حيث القبول المحلي، ولكن أسعار السلع والخدمات لا تزال مستقرة، ويستمر خلق فرص العمل للسكان المحليين في القطاع العام وتزيد استحقاقات الرعاية الاجتماعية. مواطنو المملكة العربية السعودية من غير المحتمل أن يقوموا بالضغط على الحكومة.

أما بالنسبة للنفقات الدفاعية، فقد أظهرت ميزانية عام 2016 تخصيص 213 مليار ريال (56 مليار دولار) للأجهزة العسكرية والأمنية، التي وهي تمثل نسبة 25% من إجمالي الميزانية. ووفقا لـ«IHS» فإن ميزانية الدفاع السعودية سوف تصل إلى 62 مليار دولار بحلول عام 2020. ويرجع ذلك جزئيا إلى التدخلات العسكرية السعودية في المنطقة. ومن الجدير بالذكر أن ميزانية الدفاع في الرياض ترتفع بنسبة تبلغ 19% سنويا منذ الانتفاضات العربية في عام 2011 مما يعكس بوضوح تنامي الضغوط المحلية والإقليمية التي تشعر بها السلطات.

وعلاوة على ذلك، فإن الميزانية لا توضح الالتزامات المالية المخصصة للبلدان التي اختارت الانضمام إلى التحالفات والحملات العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط.

قنبلة موقوتة

الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وتكاليف الدعم والإنفاق العسكري، بما في ذلك الحرب في اليمن ودعم المعارضة في سوريا، كلها عوامل من شأنها أن تؤثر على الوضع المالي للمملكة. ومع ذلك، فإن »أم المشاكل» التي تواجه البلاد ليست هي العجز المتزايد في الميزانية، ولا حتى الإرهاب الإقليمي والتوترات الطائفية، وإنما النمو المتزايد لمعدلات البطالة بين الشباب التي تشكل خطرا على الأمن الوطني للمملكة العربية السعودية. تحتاج المملكة العربية السعودية إلى زيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص لاستيعاب الملايين من الشباب العاطلين عن العمل وتجنب دفهم نحو هاوية الإرهاب أو الاضطرابات المدنية.

وعلى الرغم من تخصيص 23% من ميزانية المملكة هذا العام (51 مليار دولار) للتعليم والتدريب، فإن بطالة الشباب في المملكة العربية السعودية تمثل الآن أكبر تحد اجتماعي واقتصادي بإمكانه أن يقوض بشكل خطير هيمنة الحكومة على السلطة.

ثلثا سكان المملكة، من بين إجمالي 30.8 مليون نسمة، هم من الشباب تحت سن الثلاثين. ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن معدل البطالة بين السعوديين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 هو 30%. وقد نشرت ورقة من قبل معهد «وودرو ويلسون» الدولي للباحثين في عام 2011 تشير إلى أن 37% من السعوديين هم تحت سن الـ14 عاما. سوف تكون المملكة مطالبة بخلق 3 ملايين وظيفة على الأقل بحلول عام 2020.

سوف تكون الحكومة مطالبة أيضا بتخفيف الضغط الاجتماعي الهائل من خلال تبني سياسات شعبية حقيقية تتمسك بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان واحترام القوانين والاتفاقات الدولية. ولا ينبغي أن ننسى أن مظلة الحكومة ينبغي أن تمتد أيضا لتشمل عشرة ملايين من المغتربين الذين يعيشون المجتمع في المملكة بما في ذلك الأطفال الذين يولدون لأمهات سعوديات وآباء أجانب. على سبيل المثال، فإن الأطفال الذين يولدون لأمهات سعوديات، وعلى الرغم من أنه يحق لهم الحصول على التعليم في المرحلتين الابتدائية والثانوية والتعليم الجامعي ولهم الحق في العمل أيضا، فإنهم مع ذلك ليسوا مواطنين، حيث يحصلون على حقوق مشروطة في الإقامة ومعاشات الضمان، على عكس الأطفال الذين يولدون لآباء سعوديين.

سياسة التقشف

مدى نجاح أو فشل خطة موازنة 2016 سوف يكون عاملا رئيسيا في الحفاظ على ثقة الأسواق المالية في الرياض. لكن في ضوء العجز في الميزانية الجارية، وخطط الإصلاح البطيئة والمعدلات الحالية للإنفاق، فإن المملكة قد يكون أمامها أقل من خمس سنوات من أجل استنزاف احتياطياتها من العملة الأجنبية وفقا لصندوق النقد الدولي. لذلك، يجب على المملكة العربية السعودية أن تعمل بشكل سريع وذكي، من خلال البدء في خفض تدريجي للمعونات التي تقدمها، والحد من الإنفاق غير ضروري على الدفاع، وبدء خصخصة بعض الجهات المملوكة للدولة لتوليد النقد، والأهم خلق فرص عمل للشباب.

نزع فتيل القنبلة

كي تبقى المملكة مستقرة إلى ما بعد الذكرى المئوية لتأسيسها، فإن عليها أن تتكيف مع حقيقة نشوء شرق أوسط جديد حيث تغيرت السياسة الإقليمية والنظام الاجتماعي بشكل كبير خلال العقد الماضي. وعلاوة على ذلك، يجب على الحكومة أن تنظر في المهارات القائمة على النظام التعليمي، وطرق خلق فرص العمل التي تلبي الاحتياجات التنافسية للقطاع الخاص، واتباع نهج يعتمد على الاستحقاق في أنظمة الرعاية الاجتماعية والخروج تدريجيا من أسر النموذج الريعي للاقتصاد.

بطانة فضية لغيمة رمادية

ومن المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من الميزانية التقشفية لعام 2016، فإن التنقيب عن الغاز الطبيعي لا يزال أولوية لدى المملكة العربية السعودية، وهي فكرة مستلهمة من المنافسين في مجال النفط الصخري في الولايات المتحدة. أشارت عدة تقييمات إلى وجود إمكانات لاستخراج الغاز غير التقليدي في المنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية الغربية والربع الخالي. يتفاءل المسؤولون السعوديون بإمكانية إنتاج 4 ملايين قدم مكعب يوميا بحلول عام 2025.

وعلاوة على ذلك، وفقا للرابطة النووية العالمية في تقرير نشر في سبتمبر/أيلول 2015، فإن المملكة العربية السعودية تعتزم بناء 16 مفاعلا للطاقة النووية على مدى السنوات الـ20 المقبلة بتكلفة تفوق أكثر من 80 مليار دولار. ويفترض أن يدخل المفاعل الأول إلى الخدمة في عام 2022، وبحلول عام 2040، فإنه من المتوقع توليد 17 جيجا وات من الكهرباء النووية، تعادل 15% من إنتاج الطاقة، إضافة إلى 40% ينتظر أن يتم توليدها من الطاقة الشمسية.

ويبدو أن المملكة وباقي دول مجلس التعاون الخليجي قد توصلوا إلى اتفاق في الآراء بشأن تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة في غضون العالم المقبل على الأرجح وذلك بهدف زيادة الإجراءات الحكومية وتقليص العجز في الموازنة. وهناك مناقشات جادة حول ضريبة الدخل على الشركات التي قد تصبح لا مفر منها مع مرور الوقت.

الأثر التراكمي لضريبة القيمة المضافة جنبا إلى جنب مع ضريبة الدخل قد يجبر عدد كبير من المغتربين الغربيين مرتفعي الدخل على مغادرة البلاد. بالنسبة إلى المهنيين أو العمال الموسميين القادمين من البلدان النامية، فإن خيار البقاء في المملكة مع ارتفاع تكاليف المعيشة قد لا تكون مستداما، ما لم يتم إصلاح قوانين العمل وتسوية الميدان بين العامل وصاحب العمل.

الطريق إلى الأمام

تتخذ المملكة خطوات بطيئة ولكنها إيجابية لتنويع مزيج الطاقة ومصادر الإيرادات بعيدا عن النموذج الريعي. ومع ذلك فإن النقلة الاقتصادية الحقيقية سيكون في تشريع إصلاح حقيقي لدمج الشباب العاطلين عن العمل كي يصبحوا محركين للاقتصاد في المملكة وليس مجرد مستفيدين منه.

إهمال التكامل الفعال للشباب السعودي في القطاع العام، وبشكل أهم في القطاع الخاص، سوف يزيد من تطرف الشباب المحرومين، وقد يشجعهم على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي قد تزعزع استقرار المنطقة وتهدد الأمن القومي والإقليمي.

وضع الشؤون الخارجية فوق الأولويات المحلية في المملكة، التشدق بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والمؤسسية، مواصلة حرق احتياطيات العملة على الحملات العسكرية وتجاهل احتياجات الأجيال القادمة، هي الأشياء التي يتعين على المملكة العربية السعودية أن تقلع عنها. تحتاج الرياض إلى تغيير جوهري في عقليتها من أجل تفادي حافة الهاوية التي تنتظرها. لم يعد من الممكن بالنسبة للرياض تجاهل رياح التغيير.

  كلمات مفتاحية

السعودية الميزانية السعودية البطالة خطط تقشف اقتصاد عجز الموازنة الموازنة السعودية

تقرير: إعلان موازنة السعودية 2016 مقتضب ولم يوضح الخطة العامة للدولة

ميزانية 2016 بالسعودية تسدل الستار على نظام سخي للرفاه الاجتماعي في الخليج

وزير الاقتصاد السعودي: الميزانية تمهد لتغيير هيكلي والإصلاحات ستستمر لسنوات

«الشؤون الاجتماعية» السعودية: 87% من موازنة الوزارة إعانات مالية

«الجبير»: السعودية بإمكانها مواجهة عجز الموازنة .. والنمو الاقتصادي سيظل قويا

«بلومبرج» الأمريكية: الرياض قد تلجأ لبيع السندات قريبا لسد عجز الميزانية

«فاينانشيال تايمز»: التناقض في سياسة التقشف السعودية

السعودية والنفط .. تغيير قواعد اللعبة

«النعيمي»: السعودية تتمتع بدور اقتصادي وسياسي وعسكري مهم

«النقد الدولي» يخفض توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي في 2016 من 2.2% إلى 1.2%

«دربكة» أمام مرمى الاقتصاد السعودي

الجرائم الاقتصادية

اللاعبون الجدد في الاقتصاد السعودي (1-2)

اللاعبون الجدد في الاقتصاد السعودي (2-2)