مصر وقروض صندوق النقد.. مصالح الجيش تحدٍ يواجه السيسي لأول مرة

الاثنين 31 أكتوبر 2022 02:10 م

"الأزمة بمثابة جرس إنذار، لكن هل سيستيقظ المسؤولون؟".. تساؤل طرحته صحيفة "فايننشال تايمز"، الإثنين، في إطار تسليط الضوء على تداعيات التردي الاقتصادي في مصر في ظل اضطرار الحكومة إلى الاقتراض مجددا من صندوق النقد الدولي، مع استمرار تضاؤل احتياطياتها من العملات الأجنبية.

وذكرت الصحيفة البريطانية، في تقرير لها، أن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أعلن، مع تضاؤل ​​الاحتياطيات عام 2016، أنه سيتخذ "القرارات الصعبة التي تجنبها أسلافه" لإصلاح الاقتصاد المتعثر، لكنه بات اليوم أمام تحد يواجهه لأول مرة، وهو القيام بإصلاحات "حساسة سياسيًا" من شأنها أن تلحق الأذى بملايين المصريين الفقراء لتأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار من الصندوق الدولي، ومنها تقليص هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد.

وأورد التقرير أن هذه هي المرة الرابعة التي تطلب فيها القاهرة مساعدة صندوق النقد منذ استيلاء "السيسي" على السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، مشيرة إلى أن مصر "تحمل عباءة غير مرغوب فيها، بكونها ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين".

ويبلغ إجمالي المديونية المصرية للمؤسسات الدولية 52 مليار دولار، وهو ما تسببت فيه جزئيا تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على الدول الفقيرة، حيث تسببت في هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.

 لكن الاقتصاديين ورجال الأعمال المصريين يقولون إن قضايا أساسية أخرى ضاعفت من "هشاشة نموذج السيسي الاقتصادي" الذي تقوده المؤسسة العسكرية.

فـ"السيسي" اعتمد على الجيش بالأساس لدفع النمو، حيث كلفه بالعشرات من مشاريع البنية التحتية وشجعه على نشر هيمنته الاقتصادية عبر قطاعات لا تعد ولا تحصى؛ ما أدى إلى استبعاد القطاع الخاص المحلي والأجنبي.

نعمة مقنعة

والسؤال الذي يطرحه رجال الأعمال والمحللون المصريون حاليا هو: "هل ستكون صدمة الأشهر الستة الماضية كافية لإجبار السيسي على اتخاذ أصعب قرار له، وهو تقليص دور الجيش في الاقتصاد؟"، واعتبروا الإجابة أمرًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان القطاع الخاص سيزدهر وما إذا كانت البلاد ستجذب مستويات أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن صاحب إحدى الشركات، اشترط عدم الكشف عن هويته خوفًا من التداعيات في دولة استبدادية، قوله: "نحن بحاجة إلى وقف النزيف".

وقال مسؤول تنفيذي آخر في إحدى الشركات: "قد تكون الأزمة نعمة مقنعة (..) يبدو أن هناك فهمًا لأن الأمور يجب أن تتغير؛ لأنه لا توجد حلول أخرى"، في إشارة إلى وضع حد لدور المؤسسة العسكرية الاحتكاري في الحياة الاقتصادية.

وفي السياق، قال "جيسون توفي" المحلل في "كابيتال إيكونوميكس": "لن يتخلى الجيش عن مصالحه بسرعة كبيرة، وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن الجيش قريب جدًا من السيسي، وقد يضغط عليه إذا شعر أن مصالحه تتعرض لضغوط".

فيما يرى "مايكل وحيد حنا"، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، أن تقليص دور الجيش المصري "سيتطلب إعادة ترتيب لأجزاء كبيرة من الاقتصاد (..) وهذا صعب".

وهنا تشير الصحيفة إلى أن الجيش المصري أصدر أوامر بتزويد الملايين بـ "صناديق طعام" بأسعار مخفضة تزامنا مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فيما سعى المسؤولون إلى تنويع مصادر الواردات، خاصة القمح، الذي تعد مصر أكبر مستورد عالمي له.

ولذا عبرت "كريستالينا جورجيفا"، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، في مارس/آذار الماضي، عن "قلقها" بشأن مستقبل مصر الاقتصادي.

يأتي ذلك فيما نقلت "فايننشال تايمز" عن مصادر مطلعة على مناقشات الحكومة المصرية، أن "السيسي صُدم عندما اكتشف نقاط الضعف في النظام الاقتصادي للبلاد" وحجم هشاشته، ما اضطره، في 8 مارس/آذار الماضي، إلى الذهاب للسعودية، الدولة الداعمة تقليديا للقاهرة، لتودع الرياض 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، بحلول نهاية الشهر.

وكان الإيداع السعودي جزءًا من خطة إنقاذ خليجية أوسع، حيث أودعت دولة الإمارات العربية المتحدة 5 مليارات دولار وقطر 3 مليارات دولار.

ولولا هذا الإسناد لكان حال الاقتصاد المصري أسوأ بكثير، وهو ما نقلته الصحيفة البريطانية عن مصرفي مصري (لم تذكر اسمه)، قال: "السيسي كان غير سعيد للغاية وقد فاجأته درجة الهشاشة في النظام المالي".

كما التزمت دول الخليج الثلاث باستثمار مليارات الدولارات للاستحواذ على حيازات الدولة في الشركات المصرية من خلال صناديق الثروة السيادية، وأنفق صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق أبو ظبي للاستثمارات العامة بالفعل حوالي 4 مليارات دولار هذا العام للاستحواذ على حصص في شركات وبنوك مصرية.

ومع استمرار الأزمة وهشاشة النظام المالي، لجأت القاهرة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على الدعم، وأبرمت اتفاقا على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، الأسبوع الماضي.

وأعلن الصندوق أن مصر ستتلقى 5 مليارات دولار أخرى من مانحين إقليميين ودوليين، بينهم دول الخليج مجددا على الأرجح.

هيمنة متعجرفة

وفي السياق، نقلت الصحيفة البريطانية عن المصرفي المصري قوله: "شعوري أن المسؤولين يفهمون أن لدينا تحديًا، وهذا التحدي هو أننا نفرط بالإنفاق في فترة زمنية قصيرة".

لكن الاختبار الحاسم سيكون ما إذا كان نظام "السيسي" يتعامل بجدية مع "الهيمنة المتعجرفة للدولة في الاقتصاد، ولا سيما دور الجيش"، بحسب تعبير الصحيفة، التي أشارت إلى أن "السيسي" أبدى استعدادا سابقا لطرح أسهم شركات مملوكة للجيش في البورصة، بما يضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.

ويفسر "حنا" ذلك بقوله: "هذا يعكس حقيقة وجود ضغط؛ إنهم (العسكريون) يدركون أن هذه اللحظة مختلفة ويحتاجون إلى الاستجابة بشكل مختلف".

ويشدد "حنا" على أن التراخي في تنفيذ ما تعهد به "السيسي" سيكون انعكاسًا "للأيديولوجيًا" المسيطرة على تفكير المؤسسة العسكرية، وليس لحسابات الاقتصاد العلمية.

ففي عهد "السيسي"، زادت الامتيازات العسكرية؛ وتضخم دور الجيش في الاقتصاد، وحظيت حكومته بالثناء من صندوق النقد الدولي ورجال الأعمال والمصرفيين في عام 2016 بعد إقرارها إصلاحات صارمة، بما في ذلك خفض دعم الطاقة وتقليص فاتورة أجور الدولة، وتخفيض قيمة الجنيه.

لكن رجال الأعمال والاقتصاديين يقولون إن النظام لم يفعل الكثير لتحسين مناخ الاستثمار، وبالتالي فإن أي حلول أخرى ليست سوى مسكنات، بحسب التقرير، الذي نوه إلى أن "السيسي" مضى، في المقابل، قدماً بمشروعات بنية تحتية تقدر قيمتها بنحو 400 مليار دولار، ووعد ببناء "جمهورية جديدة"، وهي مشاريع ينظر إليها المنتقدون إلى أنها "غير مجدية ولا يمكن للدولة أن تتحملها".

وإزاء ذلك، ارتفعت معدلات الفقر في مصر بعد تخفيض قيمة الجنيه، وظل استثمار القطاع الخاص دون المتوسطات التاريخية.

وهنا تشير "فايننشال تايمز" إلى أن العديد من رجال الأعمال، الذين رحبوا بانقلاب "السيسي" لإعادة مظاهر الاستقرار إلى البلاد، يعتقدون أنه "يحتقر القطاع الخاص"، ومع توسع الهيمنة العسكرية نمت مخاوف من تضاؤل الاستثمار المحلي والأجنبي.

وأضافت أن الأزمة لا تقتصر على حجم هيمنة الجيش المتزايد على الاقتصاد المصري، بل تشمل أيضا خوف رجال الأعمال من المافسة مع مؤسسة لا يمكن المساس بها، تسيطر على جزء كبير من أراضي البلاد، ويمكنها استخدام العمالة المجندة والحصول على إعفاء من الضرائب.

بل إن عديد الخبراء يرون أنه "حتى لو كان نظام السيسي جادًا بشأن بيع الشركات المملوكة للجيش، فإنه سيواجه تحديات لا تعد ولا تحصى في جذب المستثمرين"، حسبما نقلت الصحيفة البريطانية.  

ويؤكد الاقتصاديون أن مبيعات الأصول المملوكة للجيش لن تحل وحدها مشاكل مصر العميقة، مع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، ووجود ما يقدر بنحو 60 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

وإذا كانت أولوية نظام "السيسي"، خلال السنوات التسع الماضية، هي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وسحق المعارضة لمنع أي تكرار لانتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق "حسني مبارك"، فإن الخبراء يقولون إن المشاعر المتعلقة بالخوف من "الفوضى" لدى كثير من المصريين "يمكن أن تتبدد بمرور الوقت"، خاصة مع تفاقم منسوب الفقر بينهم، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الجيش الاقتصاد المؤسسة العسكرية

أفريكا إنتليجنس: موجة استقالات بالمخابرات المصرية احتجاجا على سياسات السيسي الاقتصادية

خاص.. السيسي يقيل 8 من قادة المخابرات الحربية

فورين بوليسي: لماذا تدهور الاقتصاد المصري بهذه الوتيرة السريعة؟

إيكونوميست: ديون مصر تنذر بمواجهة بين السعودية وصندوق النقد

قروض مصر تتوالي.. فلماذا تفشل كل مرة في الاستفادة منها؟

باحث اقتصادي: السيسي بدد قروض المصريين على السلاح ومشاريع غير ضرورية

صندوق النقد: على الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات ضرورية لحماية الاحتياطي الأجنبي