لماذا تحتكر السلطة فريضة اجتماعية؟

الأربعاء 10 سبتمبر 2014 04:09 ص

يرجع تاريخ «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما وجّه الملك «عبد العزيز آل سعود» - مؤسس المملكة - عام 1926 بإنشاء هيئة دينية في «مكة المكرمة» تكون وظيفتها تنظيم شؤون الحسبة بشكل إداري منظم، ثم امتدت إلى «المدينة المنورة» في العام التالي.

إنشاء الوزارات المتخصصة ساهم في تقليص دور الهيئة وصلاحيات الحسبة إلى الأمور البلدية والوظائف الشُّرَطية، وفي عهد الملك «فيصل» تخصصت الهيئة في الشؤون الدينية، كما هو حالها اليوم، وقد صدر قرار عام 1976 بضم كافة الهيئات في الحجاز ونجد لتشكيل «الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وقرار آخر بتنظيم أعمالها عام 1980، وللهيئة حوالي 470 مكتبًا في كافة أنحاء المملكة ويعمل بها ما يقرب من 4400 موظف.

طوال ثمانين عاماً ظل رجال الحسبة حاضرين، بمباركة من العلماء، فعلى سبيل المثال لم يكن من الوارد حتى فترة قريبة أن تقبل المحاكم أي قضية ضد الهيئة أو أفرادها، بل وأفتى الشيخ «محمد بن ابراهيم»، رحمه الله، أنه لايقام الحد على عضو الهيئة إذا قذف لأن في ذلك اضعاف لسلطته.

أما عن الغطاء السياسي، فثمة دعم كبير من الدولة التي أرادت استمرار هذا الجهاز في أداء دوره بما يتوافق مع سياستها. وعلى الرغم من فترات الخمود التي مرت به، فدائماً ما تدفقت الدماء في شراينه فترات القلق السياسي.  نشير هنا مثلاً إلى القرار الملكي عام 2011 بتخصيص مبلع 200 مليون ريال لدعم الهيئة واستكمال مقراتها ضمن اجراءات أخرى أعلنها الملك «عبد الله» لمواجهة دعوات داخل المملكة لاستنساخ أحداث الثورات العربية في تونس ومصر.

مع هذا الغطاء السياسي الذي تحظي به الهيئة، تمدّد دورُها واستفحل أمرها، وخرج بعض منتسبيها عن الحدود المكلفين بها، وتعددت الحوادث والمنازعات التي كان أحد طرفيها أعضاء عاملون بـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، سواء تم الاعتداء عليهم، أم قاموا هم بالاعتداء.

نشرت جريدة «الرياض» بدايات الشهر الماضي عن تعرض موظف بهيئة «الدمام» لاعتداءات من أحد المبتزين وذلك حين حاول التدخل لصالح أحد المواطنين الذي استنجد بالهيئة، ونتج عن هذا الاعتداء إصابات طفيفة، ما استدعى نقل عضو الهيئة إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، وإحالة المعتدى إلى الجهات الأمنية. 

 

في مطلع الشهر الحالي سبتمبر/أيلول 2014، قام عضو في الهيئة بالاعتداء على رجل «بريطاني» الجنسية مقيم في المملكة، أمام زوجته سعودية الجنسية مقابل أحد المجمعات التجارية في الرياض. 

واستدعت هذه الحادثة تدخل الشيخ «عبد اللطيف آل الشيخ» رئيس الهيئة، حيث صدر بيان لاحق أكدت فيه الهيئة ارتكاب رئيس الفرقة بالرياض مخالفة ليست من اختصاصهم، وتقرر بناءً على الصلاحيات الممنوحة للرئيس العام للهيئة، معاقبة أعضاء الفرقة المباشرة للحادثة وهم أربعة أعضاء بنقلهم إلى خارج منطقة الرياض إلى مناطق أخرى، وتكليفهم بالعمل الإداري تحقيقًا للمصلحة!!

الحادثة التي صارت محل جدل، أثارت استغراب البعض حول السرعة التي تم بها الفصل في الواقعة وكذلك النتائج التي توصلت إليها، حيث قال الرئيس العام للهيئة «ليست لدينا حوادث سابقة تأخر فيها شيء، ونكتفي بما صدر في البيان الذي كان واضحاً وشاملا وليس لدي أي إضافة حول الموضوع»، نافيا أن يكون هناك علاقة بسرعة إنجازه وشخوص القضية.

تزامن هذا مع تأييد حكم قضى بحبس وجلد مواطنة سعودية «سيدة أعمال» بتهمة سب أحد أفراد الهيئة، وهي التهمة التي نفتها السيدة حسب تقارير صحفية محلية. 

 

وفي واقعة أخرى، فقد قام عضو هيئة «مكة» بالتعدي على فتاة في إحدى الحدائق العامة بالمدينة مما أدى إلى شج رأسها، وهو ما قوبل من الهيئة بفصله هو والعضو المرافق له من العمل الميداني، وتكليف العضو بأعمال إدارية في «الجوف» مع تكليف مرافقه بالأعمال الإدارية في «الطائف»؛ وفيما يتعلق برئيس المركز في مكة فقد أعفي من الرئاسة وكلّف بأعمال إدراية في جدة ووجه له الإنذار.

ونظرت المحكمة الإدارية بـ«جدة» قضيةً كان اثنان من أعضاء الهيئة هما المتهمين فيها، وقد بدأت القضية حين رفع أحد الشباب دعوى أمام المحكمة يتهم فيها عضوين من الهيئة في «جدة» بالتعدي عليه وتمزيق ملابسه، قبل أن يتمكن من الهرب منهما بعد مقاومة، وقد قدّم الشاب تقريرًا طبيًا يوضح الإصابات الناتجة عن الاعتداء، وكان عضوين من الهيئة قد ضبطا الشاب أثناء معاكسته إحدى الفتيات أمام جامعة «الإمام محمد بن سعود»، وقاما بضربه وأخذ هويته؛ وأمام المحكمة أنكر المتهمَين تهمة الاعتداء على الشاب. وعند إنكار القاضي على أحد العضوَين النزول للميدان رغم عدم حمله لمؤهل جامعي، أجاب العضو بأن «هذا ما حصل»، مشيرًا إلى أن «استخدام القوة» للقبض على المخالفين هو مما تجيزه لائحة الهيئة.

وفي «الإحساء» تعدّى أحد أعضاء الهيئة على رئيسة جمعية «فتاة الإحساء التنموية الخيرية»، «لطيفة العفالق»، وقام بسحب هاتفها الجوال بعد أن أمسك يدها بعنف، وقد أشارت رئيسة الجمعية إلى أن العضو لم يظهر بطاقة تعريفية بوظيفته ودخل إلى المكتب النسائي بالمعرض، وتكلم معها «بتكبر وفوقية»، فأرادت تصويره لتوثيق ما وصفته بـ«عدم الاحترام» في التعامل مع الآخرين.

ومع انتشار وتزايد الوقائع التي صار أعضاء الهيئة طرفا متنازعا فيها، يثور الجدل حول طبيعة عمل الهيئة والدور المنوطة به وحول الكيفية التي تحكم مسار عملها، فضلا عن كيفية الإدارة الداخلية للأمور، وسير إجراءات التحقيق فيها، وما إذا كانت الهيئة تعمل بشكل مستقل أم أنها تتعرض لتدخلات من شأنها أن تغير مجريات الأمور.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المؤسسة الدينية

موظفو «الهيئة» المنقولون تأديبيا يقاضون رئاستها أمام «الإدارية»

فتاة تعتدي على رجال الهيئة بالرياض وتصفهم بـ«الدواعش»

أعضاء «الهيئة» يرفضون النقل التأديبي وعقوبتهم قد تصل إلى السجن 10 أعوام

حبس وجلد مواطنة سعودية بتهمة "سب" أحد أفراد الهيئة ... والهيئة تعتذر لزوجة المقيم البريطاني

هل تعمل المرأة السعودية في "الهيئة" أم تظل "مأمورة"؟!

عندما تناثرت هيئة "المعروف والمنكر"!!

رئيس عام «الأمر بالمعروف» يرفض "تسليح" أعضاء الهيئة

اقتحام الهيئة "خلوة" رجل وزوجته يثير السعوديين