التدخل السعودي التركي في سوريا .. الضرورات والتحديات والبدائل المحدودة

الثلاثاء 16 فبراير 2016 11:02 ص

تتلاحق التطورات الميدانية على الأراضي السورية، وبالأخص في الشمال، بوتيرة ربما تكون هي الأسرع على مدار 5 أعوام. بعد أيام من القصف التركي المتواصل لبعض المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردي في شمال سوريا، (إثر إعلان تركيا تعرض قواتها على الحدود لإطلاق نار من قبل هذه الوحدات ما دفعها لتفعيل قواعد الاشتباك)، وهو القصف الذي استهدف، وفقا لمراقبين، طريق الإمداد الذي تسلكه القوات الكردية وحلفاؤها باتجاه عزاز. حيث يبدو إن خريطة التحالفات في الشمال السوري تشهد تحركا سريعة، حيث تستفيد وحدات الحماية الكردية من القصف الروسي لأجل الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة التابعة للجيش الحر. بينما تتركز المواجهات الآن حول بلدتي تل رفعت ومارع، جنوبي عزاز وسط أنباء عن اقتراب خضوع تل رفعت بأكملها للسيطرة الكردية. في الوقت الذي أوردت فيه تقارير بأن الوحدات الموالية للرئيس السوري تتمركز على بعد 10 كيلومترات فقط من المدينة الحيوية.

تسير الأمور في شمال سوريا بشكل متسارع نحو سيناريو كابوسي بالنسبة إلى تركيا. بعد خسائر متواصلة للمعارضة المسلحة الحليفة لتركيا على مدار الأسابيع الأخيرة في حلب وريفها الشمالي، يبدو أن روسيا لا تحرق الأرض في هذه المنطقة لصالح قوات النظام فقط، في الوقت الذي يبرز فيه ما هو أشبه بتحالف ميداني بين الطيران الروسي ووحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المعادي لتركيا، الذي يستفيد من المعارك الدائرة من أجل انتزاع أكبر قدر من الأراضي في الشمال السوري من حلفاء الماضي، وهم فصائل المعارضة السورية التابعة للجيش الحر التي قاتلت جنبا إلى جنب مع الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني وغيرها خلال عامي 2014 و2015، في الوقت الذي يتم فيه رسم معالم الدولة الكردية بخطى متسارعة على الحدود التركية مع كل من العراق وسوريا.

الكابوس التركي

تتطور الأمور بشكل سريع منذ قيام تركيا بإسقاط المقالة الروسية سو - 24 في نوفمبر/تشرين أول الماضي. كان الرد الروسي المباشر متمثل في تكثيف القصف على المعارضة السورية الموالية لتركيا وعلى الأخص التركمان في شمال سوريا، في الوقت الذي سعت فيه روسيا بشكل سريع إلى إحكام سيطرتها الكاملة على المجال الجوي الروسي وإضفاء أكبر قدر ممكن على الشرعية على هذه السيطرة من خلال إبرام اتفاق مع نظام «الأسد» لشرعنة الوجود الروسي. قبل وقوع الحادث، كان الغطاء الجوي الروسي في سوريا يقتصر على 4 وحدات من الطائرات متعددة المهام «سو - 30» . بعد أسبوع واحد على وقوع الحادث، تم رصد قاذفات «سو -34» الأكثر تطورا في سوريا وهي تحمل صواريخ جو جو من طراز «آر -27». كما سارعت روسيا في نشر أنظمة الصواريخ المتطورة أرض جو في سوريا بما في ذلك نظام «بوك»، إضافة إلى نظام الصواريخ بعيدة المدى وعالية القدرة من طراز «إس - 400». حيث صار بالإمكان رؤية مركبات إطلاق أنظمة «إس - 400» بوضوح في قاعدة باسل الأسد الجوية قرب اللاذقية.

إضافة إلى ذلك فقد قامت روسيا بتفعيل أنظمة «إيه - 50» المحمولة جوا للإنذار المبكر، وخلال الأسبوع الماضي قامت موسكو بتعزيز وحداتها الجوية بـ4  طائرات من طراز «سو - 35»، إضافة إلى نشر أنظمة «بانتسير 2»، والتي تجمع بين الصواريخ والمدافع المضادة للطائرات والتي أظهرتها صور للأقمار الصناعية في قاعدة باسل الأسد الجوية. كما قامت روسيا بتعزيز أنظمتها الاستخباراتية زيادة عدد مستشاريها على الأرض لضمان التنسيق الفعال بين الدعم الجوي وبين الوحدات السورية الموالية لها.

الخلاصة أن الواقع في الشمال السوري آخذ في التشكل بشكل سريع نحو خريطة معادية لتركيا بشكل كامل تشمل هذه الخريطة كل من قوات الحماية الكردية ووحدات النظام وكلاهما يستفيد من الدهم الجوي الروسي سواء بشكل مباشر أو بغير مباشر، إضافة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية». ولم يبق لتركيا حلفاء يمكن الاعتماد عليهم في هذه المنطقة سوى بعض فصائل المعارضة التي تتعرض لتضييق كبير في إدلب، حيث يتعرضون لحصار من الجنوب حيث اللاذقية التي أحكم النظام سيطرته عليها، ومن الشمال الشرقي من قبل ريف حلب الذي قارب على الخضوع بأكمله في يد قوات النظام أيضا.

الوضع إذن على الحدود السورية التركية يمكن أن يتم تلخيصه كما يلي: تقدم ملحوظ لقوات النظام مدعومة بالقصف الروسي على حساب المعارضة المدعومة من تركيا، في القوت الذي نجح فيه النظام في قطع أحد طريقي الإمداد الرئيسيين لهذه المعارضة (وهو طريق عزاز إلى معبر باب السلامة من ناحية حلب)، تزامنا مع القصف الروسي المتواصل الذي يؤدي إلى نزوح الآلاف من المدنيين تجاه الحدود التركية. وفي الوقت نفسه، فإن وحدات الحماية الكردية التابعة لقوات حزب الاتحاد الديموقراطي، والمصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا، نتيجة لعلاقتها مع حزب العمال الكردستاني، تستغل هذا الاضضطراب من أجل التقدم بشكل أكبر صوب الحدود التركية على حساب قوات المعارضة المدعومة من تركيا أيضا ما يهدد بنشوء خطوط إمداد للتمرد الكردي داخل الحدود التركية. بينما تسيطر روسيا بشكل ملحوظ على المجال الجوي على الحدود وتعطي مساحة محدودة جدا للمناورات من قبل الطيران التركي.

البحث عن مظلة للتدخل

لا يبدو أن تركيا تمتلك العديد من الخيارات بعد أن سقطت نداءاتها بإقامة المنطقة العازلة بسبب التقاعس الأمريكي، وهو الخيار الذي بات متعذرا بشكل كبير في ظل السيطرة الروسية الكاملة على الأجواء السورية. لا يمكن اعتبار القصف الجوي الذي تقوم به روسيا ضد الوحدات الكردية استراتيجية قائمة بذاتها، بقدر ما يمكن تصنيفه كشكل من أشكال التدخل العاجل لاحتواء الأضرار، وعلى أساس كونه محاولة من تركيا لتأكيد أحقيتها في التدخل لتأمين مصالحها.

ينصب التركيز الإعلامي في الفترة الأخيرة بشكل كبير حول الحديث عن تدخل بري سعودي تركي مشترك تحت مظلة محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتعزز تصريحات الطرفين إضافة إلى تحركاتهما العسكرية (أرسلت السعودية طائرات مقاتلة إلى قاعدة إنجرليك الجوية التركية منذ يومين، بينما جرى الإعلان عن مناورات سعودية تركية مشركة في قونيا تستمر لمدة 5 أيام، تزامنا مع مناورات رعد الشمال التي تقودها السعودية مع 20 دولة منذ 14 فبراير/شباط) هذه الفرضية بشكل كبير. ولكن تعقيدات هذا الخيار تجعل من غير المرجح أن يكون صالحا لإسعاف الأوضاع المتردية في الشمال السوري وعلى الحدود التركية السورية. تحتاج كل من تركيا والسعودية إلى مظلة واضحة لتبرير عملياتهما العسكرية ويبدو أن التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» هو المظلة الأكثر ملاءمة، ولكن هذا التحرك يصطدم بشكل كبير بالرفض الأمريكي، حيث تبقى الولايات المتحدة مترددة في دعم دخول قوات حليفة لها إلى سوريا في الوقت الحالي، خوفا من اندلاع اشتباكات مع روسيا قد تجبرها على التورط سواء كدولة، أو تحت مظلة حلف الناتو، في معارك مباشرة مع روسيا.

تدفع تركيا والمعارضة السورية بشكل كبير ثمن التردد الأمريكي. ففي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تراهن فيه أن التدخل الروسي لن يؤتي ثمارا تذكر على الأرض، فإن التداعيات الميدانية لهذا التدخل قد بدأت تلمس بوضوح في الآونة الأخيرة. وتبدو الولايات المتحدة، تحت مزاعم الوصول إلى حل دبلوماسي، خاضعة بشكل كبير للحلول التي تفرضها موسكو في سوريا. لم تلتزم روسيا بالتدابير المتفق عليها قبل محادثات جنيف 3 وواصلت عملياتها العسكرية مما أدى لانهيار المحادثات في النهاية، بينما يبدو أن وقف إطلاق النار الاسمي الذي تم الاتفاق عليه في ميونيخ مؤخرا لن يجد له سبيلا على الأرض. في الوقت الذي لا ترغب فيه الدبلوماسية الأمريكية في فرض ضغوط حقيقية على موسكو خوفا من انهيار المحادثات بشكل كامل.

تزداد الفجوة السياسية اتساعا بين كل من الولايات المتحدة من ناحية، وبين تركيا والسعودية من ناحية أخرى. بخلاف الاتفاق النووي مع طهران الذي غضب السعودية، فإن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بالرهان على الأكراد في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» التي يبدو أنها قد صارت الأولوية القصوى على أجندة واشنطن في سوريا. تسبب ذلك في تصعيد لهجة الخطاب التركي ضد واشنطن بشكل كبير حيث طالبت أنقرة واشنطن أن تختار بينها وبين دعم الأكراد. من ناحية أخرى فإن الأكراد يستغلون بشكل كبير مساحة المناورة المتاحة بين الجناحين الأمريكي والروسي، فمن ناحية فإنهم يستفيدون من الدعم الأمريكي في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، في الوقت الذي تتم فيه الاستفادة من القصف الروسي في انتزاع الأراضي من المعارضة السورية.

التوجه إلى أوروبا

من المرجح إذا أن الحصول على مظلة التحالف الأمريكي للتدخل في سوريا سوف يستغرق وقتا، وهو أمر لا يبدو مضمونا في النهاية، في ظل الانحياز الأمريكي، طوعا أو كرها، إلى الخيارات الروسية. سوف تنفق الأسابيع القادمة في حالة من الشد والجذب بيت تركيا والسعودية من ناحية وبين الولايات المتحدة والناتو من ناحية أخرى ليس من المتوقع أن تسفر عن جديد سوى أن التباعد بين المعسكرين سوف يزداد وضوحا بشكل كبير، في الوقت الذي ستبحث فيه كل من تركيا والسعودية عن طريقة لتأمين مصالحهما الخاصة بمعزل عن الولايات المتحدة. سوف تكون المواقف الأوربية حاسمة بشكل كبير في تحركات الأسابيع المقبلة.

قبل أسابيع نجحت أنقرة والاتحاد الأوروبي (بقيادة ألمانية واضحة) في الوصول إلى اتفاق لاحتواء هجرة اللاجئين السوريين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في مقابل امتيازات يمنحها الاتحاد لتركيا، وتقنين قبول عدد من اللاجئين بشكل سنوي. يهدد تواصل القصف الروسية والتقدم الكردي باندلاع موجة جديدة من أزمة اللاجئين يتوقع أن تكون الورقة التركية الأبرز في الضغط على الاتحاد الأوروبي في الفترة القادمة. سوف تلوح تركيا بورقة عجزها عن احتواء اللاجئين في ظل التطورات القادمة بما يعني وصول هذا المد إلى شواطئ أوروبا، وسوف تطالب تركيا أوربا بالضغط على الولايات المتحدة بشكل فاعل لاتخاذ إجراءات لتحجيم التقدم الروسي قد تشمل ربط العقوبات على روسيا بأعمالها في سوريا أو منح مظلة دولية لتدخل تركي محدود بمشاركة في الشمال السوري لتأمين حدودها تحت مظلة محاربة «تنظيم الدولة». وقد أشارت أنباء غير مؤكدة إلى تأييد المستشارة الألمانية «أنغيلا ميركل» خيار فرض منطقة حظر جوي في سوريا، وهو أمر سوف يتطلب تدخل حلف الناتو بشكل واضح وهو ما تسعى الولايات المتحدة إلى تفاديه.

البدائل المحدودة

من أجل المزيد من الوضوح، ينبغي أن نشير إلى أن تركيا هي المعني الأبرز واللاعب المتصدر في هذه اللعبة لأنها الدولة التي تملك مصالح جيوسياسية مباشرة مهددة من قبل التطورات على الأرض في سوريا، مقارنة بالسعودية أو سائر الدول الخليجية التي ينظر إليها كدول وسيطة في الأزمة، وهذه النظرة تفرض على تحركاتها قدر أكبر من القيود. لذا فإن تركيا، واقعيا، هي من تملك زمام المبادرة الحقيقي في تحركات تحالفها المنتظر مع السعودية، وبشكل أكثر وضوحا فإن السعودية أو أيا من دول الخليج لن يكون بمقدورها التحرك بمعزل عن تركيا لأسباب سياسية وعسكرية مركبة لعل أقلها التعقيدات الميدانية للمعركة التي تفوق القدرات العسكرية الخليجية وفقا لتقديرات المراقبين. تلعب تركيا إذا على ورقة دفع الناتو إلى مواجهة المشهد، وسوف تكون أوروبا بوابتها في هذا الجهد، ومع ذلك فإنه لا يمكننا أن نراهن على إمكانية نجاح المساعي التركية في هذا الصدد. إذا عملت أنقرة من جانب واحد عبر فتح جبهة في سوريا فإن ذلك لن يخضع على الأرجح لمظلة المادة الخامسة من قانون الحلف ما لم تقم روسيا بمهاجمة الأراضي التركية. على هذا النحو، فإن التوازن العسكري التركي الروسي قد يصبح مصدر قلق كبير في ظل السيطرة الجوية الروسية. ومن غير المرجح أن تحالفا إقليميا يضم السعودية وبعض الدول الخليج يمكن أن يوفر مظلة إقليمية كافية لتدخل من هذا النوع، وبخاصة أنه يأتي في سياق عسكري غير متوازن محفوف بالمخاطر وهو يحتاج إلى الدعم السياسي من أجل مواجهة الاختلال في الميزان العسكري.

يبقى تقديم الدعم لفصائل المعارضة أحد الخيارات المطروحة في هذا الصدد. ولكن لا يمكن الحديث هنا عن الدعم التقليدي بقدر ما نتحدث عن أسلحة كاسرة للتوازن القائم، وبالتحديد الأسلحة المضادة للطائرات والتي تخضع لفيتو أمريكي لمنعها. قد تضطر تركيا والسعودية إلى اللجوء إلى تزويد المعارضة بهذه الأسلحة رغم الرفض الأمريكي من خلال السوق السوداء وبعد الحصول على مباركة أوربية ووعود بالضغط على الولايات المتحدة بعض الطرف عن الأمر، وهو سيناريو لا يخلو من مخاطر أيضا بسبب الاستهداف المحتمل للطائرات الروسية وتداعياته. سوف يكون هذا التحرك حال حدوثه مصحوبة بضغوط كبيرة من أجل توحيد المعارضة المسلحة الإسلامية منها وغير الإسلامية على الأرض (باستثناء الدولة الإسلامية)، في تجاوز للتصنيف الروسي والتصنيف الأمريكي (الذي كلفت به الأردن نظريا) وهذا يعني تقويض مسار المحادثات الشكلية بصورة نهائية ومحاولة تفويت الأشهر المقبلة من عمر الإدارة الأمريكية في تقليص نزيف الخسائر في القضية السورية في انتظار مواقف أكثر حزما ووضوحا من الإدارة الجديدة المنتظر وصولها إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية تركيا روسيا الدولة الإسلامية التدخل البري في سوريا الأكراد التحالف الدولي أمريكا

«القدس العربي»: الخطة «ب» السعودية والقصف التركي لـ«وحدات الحماية الكردية»

حسابات المخاطر والتحديات: آفاق التدخل العسكري التركي في شمال سوريا

المغامرة الخطرة: ما الذي يعنيه تدخل سعودي تركي محتمل في سوريا؟

الجامعة العربية: لا معلومات موثقة عن التدخل السعودي البري في سوريا

«الإندبندنت»: المواجهة السعودية في سوريا ستكون ضد إيران وحلفائها

التدخل البري السعودي في سوريا

«القدس العربي»: الخطة «ب» السعودية والقصف التركي لـ«وحدات الحماية الكردية»

«ستراتفور»: نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية الروسية في سوريا

الوطن العربي يحترق والخلق يتفرجون

البنية الجيوسياسية للقرار السعودي التركي

طيار تركي يلتقط «سيلفي» مع مقاتلتين سعوديتين من طراز «إف-15»

التدخل العسكري بين اليمن وسوريا .. لماذا حصل هناك وتعقد هنا؟

سعودي يسأل: هل هناك ما يستحق المخاطرة؟

قائد أمريكي سابق بالتحالف: الخطة (ب) في سوريا ستكون حملة برية بدون روسيا

‏«لافروف»: لدينا أدلة على وجود قوات تركية على أراضي سوريا