ما الذي تعنيه نتائج الانتخابات الإيرانية على صعيد الأمن في دول الخليج؟

الجمعة 4 مارس 2016 03:03 ص

لا ينبغي أن يتم النظر إلى الانتخابات الإيرانية في سياق من الذي أطاح بمن: أهم المعتدلون أم المشتددون؟ كانت العملية الانتخابية شهادة على عملية تزاوج ما بين المشاعر السائدة في المناطق الحضرية، مع عملية تتم إدارتها بشكل جزئي من قبل النظام تهدف إلى إعادة توجيه البلاد نحو جني ثمرات عصر ما بعد العقوبات. وبعبارة أخرى، فقد كانت عملية معايرة موازين القوى بين تحالف الإصلاحيين وبين المتشددين. لم تكن العملية مصممة ليحظى أي من الطرفين بنصر حاسم. كان المبدأ الحاكم هو التكيف مع الوقائع الجديدة لعصر ما بعد رفض الحظر عن طهران.

والآن، ومع نهاية انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في إيران فقد حان الوقت لنتساءل: هل سيكون هناك أي تأثير على مستقبل أمن دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة لذلك؟

ينبع هذا السؤال من فرضية أخرى، وهي أن المتشددين غالبا ما يرغبون في الاستئثار بالسلطة وإقصاء الإصلاحيين. ومن أجل القيام بذلك فإنهم يميلون إلى الحفاظ على الحمى الدينية عند مستويات مرتفعة نسبيا مع المبالغة في تعظيم التهديدات الصادرة عن الولايات المتحدة أو الدول العربية المجاورة التي تعمل من أجل تقويض الثورة. إذا لم ينجح ذلك بقدر كاف، فإنهم ربما يلجئون إلى افتعال الأزمات من أجل حشد الشعوب خلف شعارات قومية متشددة. هذه الرغبة في الحفاظ على السلطة من خلال تصدير الصورة الوهمية للعدو المشترك المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها قد يدفع إلى خلق أزمة أمنية كبيرة في منطقة الخليج. وهذا قد يفسر حوادث التصعيد الأخيرة بداية من حادث اعتقال طاقم قارب البحرية الأمريكية إلى حادثة إطلاق صاروخ على حاملة الطائرات الأميركية.

بين المعتدلين والمتشددين

أحد التوصيفات الرائعة للمشهد السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات الإيرانية ينتشر حاليا في واشنطن، وهو يحذرنا من أن نأخذ على محمل الجد التصنيفات على شاكلة المعتدلين أو المتشددين، أو أن نظن أن إيران هي دولة تمتلك مؤسسات حقيقية. هذا التحليل، علاوة على ذلك، يؤكد أن الخطوط الفاصلة بين الجماعات والقوى السياسية في إيران غير واضحة ويشكك في الأسس التي يمكن من خلالها تكوين وجهات نظر مشتركة تجاه ما يجري في إيران في الوقت الحاضر.

ولكن دعونا ننفض أيدينا من الانتخابات أولا لأنه لا شيء سيتغير بعد الانتخابات. الانتخابات الإيرانية ليست مثل الانتخابات في أي دولة أخرى. في إيران، فإن النخبة، تحت قيادة «خامنئي»، بالانتخاب أولا، ثم يقوم الجمهور بالانتخاب من بين صفوف أولئك الذين انتخبتهم مسبقا هذه النخبة. وتهدف الانتخابات والمؤسسات أن توفر متنفسا سياسيا بأكثر ما تهدف إلى عملية صياغة قرار حقيقية. قام مجلس صيانة الدستور في النهاية بإجازة 6229 مرشحا من بين 12123 مرشحا تقدموا لخوض الانتخابات البرلمانية. وتم استبعاد 80% من أولئك الذين تقدموا لخوض انتخابات مجلس الخبراء. كان ذلك أحد الدروس التي استفادها «خامنئي» من فترة ولاية «محمد خاتمي».

وقد ناقش حجة الإسلام «علي السعيدي»، نائب رئيس مجلس صيانة الدستور دور الحرس الثوري في الانتخابات خلال مؤتمر صحفي يوم 15 فبراير/شباط. وقال ممثل المرشد الأعلى لشؤون الحرس الثوري أن الحرس قد أجاب على استفسارات مجلس الخبراء بخصوص المرشحين. وفقا للقوانين الانتخابية الإيرانية، فإنه يمكن لمجلس صيانة الدستور استخدام المعلومات التي يتم تمريرها من الأجهزة التنفيذية من أجل تحديد مؤهلات كل مرشح. وأوضح «السعيدي» أن تصرفات الحرس الثوري لا تمثل تدخلا في نتائج الانتخابات لأنها تأتي استجابة للهيئات القانونية في البلاد. صناع القرار لديهم محافلهم الخاصة بهم وهم يخضعون لمجموعة مختلفة من القواعد.

ولذلك فإن الخطر المحتمل حول قيام إيران بافتعال الأزمات في دول الخليج لا يزال قائما اليوم كما كان قائما بالأمس. بعد كل شيء، كما رأينا، فإن الحرس الثوري يلعب الدور الأكبر في اختيار قائمة المرشحين التي يختار منها الجمهور. هذا هو نجح الحرس الثوري. تحت ضغط الانخفاض المحتمل في نفوذه، فإنه من المحتمل أن يفتعل الأزمات، ويعمد إلى الهروب من أي فرص غير مواتية من خلال التصعيد.

طريقة جديدة للتصنيف السياسي

ولكن ماذا عن الخطوط الفاصلة التي ترسم الخطوط الفاصلة لكل من المعتدلين والمتشددين، أو غياب حكم المؤسسات في إيران؟

دعونا نحاول استكشاف طريقة أخرى للتفريق بين الجماعات السياسية، أو بمعنى أصح بعدا آخر للنظر، وهو أشكال الملكية وطريقة توزيع إيرادات الثروات الوطنية. في هذا الصدد، لدينا شكلين مختلفين من أشكال الملكية في إيران: الأول هو الملكية الجماعية التي تظهر عند الحرس الثوري والكيانات المماثلة، أما الشكل الآخر فهو الملكية الفردية الخاصة.

لنأخذ كمثال حالة «رفسنجاني»، وهو شخص يمتلك ثروة شخصية كبيرة مقارنة إلى قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الأميرال «علي فدوي» أو قائد قسم الفضاء الجنرال «أمير علي حاجي زاده»، أو حتى القائد العام للحرس الثوري اللواء «محمد علي جعفري». يدير هؤلاء الرجال إمبراطوريات اقتصادية كبيرة. وهم، وغيرهم من نخبة الحرس الثوري، ينشطون في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية بما في ذلك عمليات التهريب المربحة، والتي تمت مأسستها خلال سنوات العقوبات بما يسمح لها بالاستمرار حتى بعد انتهائها. وقد نمت شكاوى القطاع الخاص من عمليات التهريب بشكل علني مؤخرا. وقد تساءل «رفسنجاني» مؤخرا حول كيف يكون بالإمكان تنمية الصناعة والتجارة القانونية في طهران في الوقت الذي تتدفق فيه المنتجات المهربة داخل البلاد عبر السوق السوداء.

تفسر هاتان الفئتان جزءا كبيرا من الخلافات «السياسية» في إيران اليوم. المعركة الحقيقية ليست سياسية في جوهرها، حيث تؤمن جميع الفئات السياسية في البلاد بالإسلام والدفاع عن الثورة كما قال «خامنئي» الذي يعتقد أن تصنيفات المتشددين والمعتدلين هي أوصاف يتم تشجيعها في المقام الأول من قبل الغرب. «المعتدلون في وجهات النظر أعدائنا هم أولئك الذين يخدمونهم. ولكن لا يوجد معتدلين في إيران».

هل هناك أي خلافات سياسية بين المجموعات السياسية المختلف في طهران. بالطبع هناك اختلافات. ولكن المنظور السياسي لكل مجموعة يتمحور حول أفضل السبل التي تشجع شكل الملكية الذي يتلاءم مع مصالح كل طرف. بالنسبة إلى الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، فإن الأمر لا يتطلب أن يكون شخصا غنيا من أجل الدفاع عن الملكية الفردية. إلى الآن فإن «روحاني» يدافع عن الملكية الفردية من منطلق رغبته في من دور الحرس الثوري الإيراني. ويعد «روحاني» ممثلا سياسيا لمعسكر الملكية الفردية ومعارضا لاحتكارات القطاع العام التي يمثلها الحرس الثوري الإيراني.

ومن الواضح أن أولئك الذين يدافعون عن المبادرة الفردية وحرية الأعمال يرون في الحرس الثوري شكلا من أشكال عسكرة الملكية الجماعية التي تخنق فرصهم في النمو. في حالة الحرس الثوري الإيراني، يتم تقسيم العائد من الإمبراطورية الاقتصادية بين القادة بينما يترك جزء للدولة كي توزعه على حلفائها بأشكال مختلفة. شهدنا حالات مماثلة في العديد من البلدان، على سبيل المثال، في مصر إبان عهد الرئيس الأسبق «جمال عبد الناصر». الدفاع عن الاشتراكي والناصرية في مصر كان مرادفا للدفاع عن الثورة الإسلامية في إيران الآن، الفارق فقط في الاصطلاحات.

مثال آخر في هذا الصدد هي سوريا، حيث قنن النظام الداخلي تقسيم فوائد القطاع الاقتصادي للدولة بين مجموعات من التكتلات الفرعية. أبرز هذه التكتلات هم عصبة الزعيم وهم أقارب الرئيس وشركاؤه. أدى ظهور الملكيات الفردية إلى تمزيق الوحدة المصطنعة التي صنعتها الملكية الجماعية. ومع ذلك، وفي حالة إيران، فإن هذه الوحدة المصطنعة قد تم تقويتها بفعل الأعداء والعقوبات. ويبدو أن المستفيدين من هذا النموذج لن يتوانوا عن مواصلة جهودهم من أجل الإبقاء عليه.

يضع القطاع العام الميل الفردي الطبيعي نحو الملكية الفردية في مواجهة مع الملكية الجماعية. عند نقطة ما، فإنه يمكن لأحدهما فقط أن يفوز. هذه النقطة تعتمد على عوامل كثيرة منها التهديدات الخارجية والحاجات الاقتصادية الملحة للمجتمع وبنية المجتمع، ومكاسب بعض فئاته.

في حالة إيران، فإن سنوات المواجهة الطويلة مع الغرب وطبيعة الملكية الجماعية العسكرية وتغلغل الحرس الثوري في جميع القطاعات الاقتصادية أدى إلى توسع هذا النموذج من «رأسمالية الدولة» حيث تستأثر المؤسسات وليس الأفراد بالحق في الامتلاك. ويتم توزيع عائدات الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري، المشروعة منها وغير المشروعة، على المستفيدين بطرق متعددة. هناك الكثير من المحاباة والمحسوبية في الأمر.

ينبغي أن نؤكد بشكل خاص هنا أن هذا النوع من الملكية يتجه نحو الانهيار من الداخل. تتعارض المصالح الفردية لأعضاء هذه الطبقة من أصحاب الملكية الجماعية وهذا في جوهره يمثل تحديا لنموذج الطابع الجماعي للملكية. وهذا هو السبب في أن الحرس الثوري يسعى دوما إلى الحفاظ على فزاعة الأعداء المتربصين بالبلاد. ليس فقط لتوحيد الناس حول الشعارات ولكن أيضا للحفاظ على المصالح الذاتية. والرسالة هي أننا سوف نخسر جميعا ما لم نكن متوحدين، لأن الأعداء يتربصون بنا من كل مكان.

سوف تظل الحدود بين الجماعات أو المؤسسات السياسية غير واضحة لوقت طويل طالما نسعى إلى تعريفها فقط عبر المصطلحات السياسية. من أجل فهم من يتصارع مع من ينبغي أن نعي حقا المصالح الحقيقية لمختلف الفئات والاتجاهات. قد ينبع الخطاب السياسي من المعتقدات الحقيقية ولكنه يعكس في نهاية المطاف مصالح محددة لبعض فئات المجتمع.

مقاربة الأمن الخليجي

ما هي إذا ترجمة كل هذه التفاعلات في مجال الأمن الإقليمي، أو بشكل أكثر تحديدا في مجال أمن دول مجلس التعاون الخليجي؟

التهديد الإيراني لدول الخليج هو تهديد حقيقي. يمكن للحرس الثوري فعلا اختلاق الأزمات من لا شيء. ولكن من الناحية الموضوعية، فإن هذا التهديد سوف ينخفض مع انخفاض حصة الحرس الثوري من كعكة الانفتاح الإيراني. سوف تخف حدة هذه الأخطار في حال تم تسريع آثار التناقضات الداخلية داخل القاعدة الحقيقية للحرس الثوري الإيراني: إمبراطوريته الاقتصادية. يجب أن يتم توجيه الاستثمارات بذكاء من أجل تعزيز هذه التناقضات الداخلية وتسهيل التآكل التدريجي للقطاع العام العسكري في إيران.

محاولة إدامة المواجهة مع إيران في دول الخليج لا تبدو ورقة رابحة. هذا لا يعني أن إيران لا ينبغي أن تواجه بحزم إزاء محاولاتها للتدخل في المنطقة. وهذا يعني ببساطة أنه يجب توسيع العلاقات التجارية المدروسة بعناية ين العرب والإيرانيين بطريقة تستهدف قطاع المؤسسات. عملية التخمر يمكن أن تستغرق بعض الوقت، وعلى العرب أن يكونوا أكثر صبرا.

  كلمات مفتاحية

إيران الانتخابات الإيرانية السعودية الخليج العلاقات الخليجية الإيرانية مجلس الخبراء الأمن الخليجي

«روحاني»: على الساسة أن «يتعلموا دروسا» من نتائج الانتخابات الإيرانية

هل يمهد فوز الإصلاحيين في انتخابات إيران لانتعاش اقتصادي؟

إيران.. اكتساح الإصلاحيين والمعتدلين لانتخابات مجلس الخبراء بطهران

58% نسبة المشاركة في انتخابات إيران ومؤشرات على تقدم الإصلاحيين والمعتدلين

الغرب و«التطبيع» مع متشددي إيران عبر «الإصلاحيين»

في إيران انتخابات .. فهل فيها ديمقراطية؟

مرجع شيعي: «المهدي الغائب» هو الفائز الحقيقي في الانتخابات الإيرانية

إيران لا تصدر الثورة!

مراقبون عرب يتوقعون عدم تغير سياسة إيران في المنطقة بعد فوز الإصلاحيين

الانتخابات الإيرانية.. منحى عقابي للنظام

إيران.. ما تأثير فوز الإصلاحيين على وضع المنطقة؟

«خاتمي» يدعو إلى تخفيف القيود في البلاد

كيف نقرأ لوحة الانتخابات الإيرانية؟

إيران تستبعد فائزة في الانتخابات الأخيرة بسبب «مصافحة الرجال»

صحيفة إيرانية: الحرس الثوري يرشح «سليماني» للانتخابات الرئاسية في 2017