استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

جدران تفضح العولمة

الاثنين 4 أبريل 2016 12:04 م

حين تهاوى جدار برلين، معلناً انتصار المعسكر الرأسمالي، لم تتوقف تباشير الانفتاح ونهاية الاستقطاب الدولي، وتحوّل العالم قريةً صغيرة، ومد الجسور بديلاً للجدران العازلة.

كان مشهد انهيار الكتلة الاشتراكية صادماً لأنصار الرأسمالية قبل خصومها، وكانت الصدمة محفزاً لإطلاق وعودٍ بعالمٍ ينعم بالهدوء والسلام مع انتهاء الصراع، وإعلان "نهاية التاريخ" على طريقة فرانسيس فوكوياما.

بل إن كثيرين من أنصار الكتلة الاشتراكية ذابوا في هذه السردية الحالمة، ويمّموا وجوههم شطر عواصم الغرب الرأسمالي، وبدأوا في التنظير للعولمة، وما تحمله من حرية تنقل للبضائع والبشر والأفكار. لكن ما جرى عقدين وأكثر، بعد سقوط جدار برلين، أنهى سكرة العولمة وانتصار الرأسمالية النهائي، وجاء بفكرة الجدران المضادّة لكل ما بشّر به أنصار العولمة.

زال جدار برلين، لكن الجسور لم تمد، وأقيمت بعده جدرانٌ متعدّدة، تفصل بين دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة، كما أقيمت جدرانٌ ثقافية، واشتغلت أزمات هوية، ورُوِّجَت فكرة صراع الحضارات بين عدد من النخب الثقافية والسياسية الغربية. حتى دول العالم الثالث أقيمت بينها جدرانٌ عازلة، حيث تبني دولةٌ غنية جداراً مع دولةٍ فقيرةٍ لمواجهة تدفق المهاجرين الباحثين عن عملٍ إليها، أو لمنع تسلل "إرهابيين" محتملين.

قام جدارٌ من الأسلاك المتشابكة بين إسبانيا والمغرب في التسعينيات، وتحديداً حول سبتة ومليلية، بهدف حماية أوروبا من الهجرات المتزايدة للأفارقة، وعلى الرغم من استخدام تكنولوجيا متقدمة في جدار الأسلاك البالغ ارتفاعه ستة أمتار، إلا أن مهاجرين تمكّنوا من تجاوزه، واتجه المغرب، قبل سنتين، إلى بناء جدارٍ على الجانب المغربي في مليلية بارتفاع خمسة أمتار، لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

يموّل الاتحاد الأوروبي إنشاء جدارٍ يتم تشييده في هذه الفترة بين بلغاريا وتركيا، لمنع تدفق المهاجرين من تركيا إلى أوروبا، وقد أقيم في الجزء الجنوبي من الحدود البلغارية التركية في التسعينيات سياجٌ معدني من صَفَّين، تفصل بينهما مسافة ملغومة عرضها 500 متر، فيما الجدار الجديد يمتد على مسافة 30 كلم، مع ارتفاعٍ يبلغ ثلاثة أمتار ونصف.

قبل هذا الجدار، عمل اليونانيون على بناء جدار بينهم وبين تركيا، لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين. كذلك تعمل المجر على قطع طريق المهاجرين إلى أوروبا، عبر صربيا، بتشييد جدارٍ على الحدود بين البلدين، ولا يمكن ذكر الجدران من دون الحديث عن جدارٍ من الأسلاك الشائكة بين الولايات المتحدة والمكسيك، يبلغ طوله ألفي كيلومتر، بدأ الأميركيون في إنشائه منتصف التسعينيات، بالتزامن مع دخول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) حيّز التنفيذ، وهي التي تهدف إلى إزالة الحواجز وتسهيل مرور السلع والبضائع عبر الحدود.

تدلّل هذه الشواهد على حجم الرِّهاب في دول الشمال الغنية من "تلوثها" بفقراء الجنوب، وهي التي أسهمت سياساتها الإمبريالية عقوداً في إفقار بلدانهم وتدميرها بالحروب المتتالية، من دون أن تعترف بمسؤوليةٍ، أو تحاول تغيير سياساتها، وإصلاح الخلل في المنظومة الاقتصادية العالمية، مكتفيةً ببناء جدرانٍ تمنع هؤلاء من الدخول إلى جناتها، والهروب من جحيمهم.

لكن المثير أن قطاعاتٍ شعبيةً واسعةً في الدول المستفيدة من عولمة الأسواق والتجارة الحرة باتت متضجّرةً من هذه السياسات، وما أنتجته من أزماتٍ اقتصادية. ولعل ظاهرة دونالد ترامب في الولايات المتحدة تؤكد على نشوء جدرانٍ بين شريحة واسعة من الطبقة العاملة البيضاء من جهة، وأصحاب الشركات ورؤوس الأموال المتحكّمين بالمؤسسة الحاكمة الأميركية من جهة أخرى، حيث لا تتصاعد شعبية ترامب فقط، لأنه ضد المهاجرين، ويريد بناء جدارٍ آخر على كامل الحدود مع المكسيك، وإنما يجتذب خطاب ترامب شرائحَ واسعةً، لأنه يعبّر عن رفضٍ للتجارة الخارجية، ويعد بسياسات حماية للصناعة الأميركية والطبقة العاملة.

ويعكس مخاوف هذه الطبقة من فقدان فرصها الوظيفية، بسبب توجه المصانع الأميركية إلى الصين وشرق آسيا، بحثاً عن توسيع الأرباح بالاعتماد على الأيدي العاملة الرخيصة. ويثير خطاب ترامب الذي يهاجم الصين، ونهج التجارة الخارجية، بضراوة حماسة هؤلاء الذين باتوا يشعرون أن قيم العولمة وقوانين السوق تهدد حياتهم، ويرون في خطاب ترامب تعبيراً صادقاً عن غضبهم من كذب أهل المؤسسة وتلاعبهم.

يمكن القول، بعد أكثر من عقدين على التبشير بسيادة قوانين السوق في التجارة الدولية، وهيمنة النهج النيوليبرالي، إن هناك مشكلات كثيرة تعترض هذه السيادة والهيمنة، غير أن المهم، هنا، أن الحدود لم تزل، كما بشّرنا دعاة العولمة وأنصارها، بل زاد التمسك بها، والإصرار على حمايتها من الاختراق، وهي حدودٌ ثقاقيةٌ وجغرافيةٌ وسياسيةٌ واقتصادية، تعزّز الحواجز وتضرب فكرة حرية انتقال البضائع والبشر والأفكار في مقتل.

لم تكن "الأسواق المفتوحة" سوى جزءٍ من حالة العزل، إذ تعزل بين الأغنياء والفقراء في هذا العالم، وتوسّع الهوّة بينهما، وتحاول تسخير الفقراء، لمراكمة رأس مال الأغنياء.

الهجرة غير الشرعية هي انتفاضة الفقراء والمعوزين في جنوب العالم على محاولة إبقائهم في معازل، نُزِعت منها مقومات الحياة الكريمة، بعمل مباشر من أقوياء هذا العالم الجشعين، وهذه الهجرة وما تواجهه من حائط صد، تفضح كل ادعاءات العولمة، وتُسقِط أقنعتها الإنسانية.

* بدر الأبراهيم كاتب سعودي. صدر له كتابان: "حديث الممانعة والحرية"؛ و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".

  كلمات مفتاحية

أوروبا برلين الرأسمالية الهجرة غير الشرعية الاتحاد الأوروبي اللاجئين الحدود العولمة

وصول زورق يقل لاجئين من اليونان إلى تركيا

«الأمم المتحدة» تسعى لتوطين 450 ألف لاجئ سوري في دول الجوار

«ستراتفور»: لماذا لا يمكن أن تحل مشاكل اللاجئين عبر إغلاق الحدود؟

اتفاق «مبدئي» بين تركيا والاتحاد الأوروبي لتخفيف حدة أزمة اللاجئين

محكمة أمريكية تعتبر رفض توطين اللاجئين السوريين «تمييزا»

فرنسا ترفض استقبال المزيد من اللاجئين السوريين

العولمة ومنغصاتها الجديدة

العولمة وأشكال الهيمنة الغربية