انهيار النفط يعيد إحياء طريق «رأس الرجاء الصالح» ويهدد «قناة السويس»

الجمعة 8 أبريل 2016 03:04 ص

مع افتتاح تفريعة قناة السويس في 6 من أغسطس/آب الماضي، توقعتْ السلطات المصرية زيادة عدد السفن المارة بالقناة مما يغطي تكاليف الحفر، لكن تراجع أسعار النفط في السوق العالمية أدى إلى أن الدوران حول أفريقيا أصبح أقل تكلفة من دفع رسوم عبور القناة، مما يهدد القناة الجديدة بل القديمة!

لتحليل هذه الظاهرة تقول «ميشيل ويس بوكمان»، من مؤسسة «أوبيس تانكر تراكر»، للتحليل في مجال النفط : «أتابع كل ما يخص سفن الشحن في السنوات الثمانية الأخيرة، ومن النادر للغاية أن تجد هذا الحجم من السفن يتخذ طريق رأس الرجاء الصالح، لكن الذي يحدث الآن أن 6 سفن محملة بالديزل ووقود الطائرات تتخذ هذا المسار القديم البالغ الطول مقارنة بمسار قناة السويس».

وتضيف «بوكمان» مفسرةً: «إن من أهم العوامل التي أدت إلى ذلك هو انخفاض أسعار النفط، وهذا يعني أن ‘‘وقود السفن’’، وهو الوقود الثقيل والسميك الذي تدار به السفن نفسها، بات زهيد الثمن في الوقت الحالي».

فقد هبطت أسعار سنغافورة لهذا الوقود، على سبيل المثال، من نحو 400 دولار، ما يعادل 286 جنيهًا استرلينيًا للطن المتري في مايو 2015 إلى نحو 150 دولارًا، ما يعادل 107 جنيهًا استرلينيًا اليوم.

بالعودة إلى القرن التاسع عشر فإن عشرين عاماً تقريباً من العمل الدائب بواسطة ما تم تقديره ب 1.5 مليون عامل مصري غالباً مات منهم الآلاف في عملية إنشاء قناة السويس، حتى إذا جاء عام 1896م كانت أحد أبرز العمليات الهندسية في القرن كله قد تمت.. محدثة ثورة في عالم النقل والتجارة، إذ إن المسافة التي كانت السفن تأخذ أسابيع فيها للانتقال عبر قارتيّ آسيا وأفريقيا مروراً من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط..صارت المسافة أقل وقتاً وجهداً وأكثر اختصاراً بالقناة الجديدة التي عززت من مكانة مصر عالمياً وحققت للبشرية حُلماً عزيزاً.

ومنذ تاريخ إنشاء القناة صار المرور بها أمراً لا غنى عنه لشركات التجارة والشحن العالمية تدفع من أجله مليارات الدولارات لهيئة قناة السويس، وبالتالي من المفترض أن تصب في الخزينة المصرية، لولا ما تردد بقوة في عهد الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك» من أن إيراد القناة كان يصب في صالح مؤسسة الرئاسة.

ومع محاولة الانقلاب تعزيز إيرادات قناة السويس بحفر تفريعة جديدة لها ضارباً عرض الحائط بتحذيرات المختصين من عدم جدواها في ظل المتغيرات العالمية الجديدة التي لم تعد تنظر إلى آلاف الكيلومترات التي تختصرها القناة، بقدر موائمتها بين التكاليف التي ستدفعها في عبورها، وموازنتها بنفس التكاليف مقارنة بعبور طريق رأس الرجاء الصالح القديم في الطرف الجنوبي من قارة أفريقيا، وساعد على هذه المقارنة تدني أسعار الوقود من ناحية والتكنولوجيا المتقدمة التي سارعت من حركة السفن العابرة للقارات وأمدها بوسائل لم تكن متاحة في القرن التاسع عشر للسفر بأمان أكثر وتقليل المشقة الناتجة عنه.

والنتيجة أن هناك 100 سفينة اختارت الدوران حول قارة أفريقيا مختارة طريق رأس الرجاء الصالح في الفترة من أواخر أكتوبر/تشرين أول 2015م حتى نهاية العام الماضي.

لكن الإشكالية الباقية هي الوقت الذي تستغرقه السفن في المرور بقناة السويس، وهو ما يساوي عناء ومشقة أكثر حتى مع التطور التكنولوجي لصناعة السفن العملاقة، والذي قدرته شركة ميرسك لصناعة السفن أن السفينة التي تسير بسرعة 13.5 عقدة تستغرق 11 يومًا إضافيًا عندما تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح.

تجنب دفع رسوم قناة السويس

تقول شركة «ميرسك» إن السبب الرئيسي هو تجنب دفع الرسوم المكلفة لعبور قناة السويس، التي قد تصل إلى 350 ألف دولار، أي ما يعادل 249 ألف جنيه استرليني للسفينة الواحدة. أما ما يزيد الطينة بلّة فالتكاليف الجانبية التي تُلزمُ السفن لدفعها لعبور القناة إذ كانت «روز جورج»، مؤلفة كتاب «في أعماق البحار والنقل إلى خارج البلاد» على متن سفينة أثناء عبور قناة السويس منذ بضع سنوات، وذكرت أن السفن تُلزم باستخدام المرشدين الملّاحين بقناة السويس أثناء اجتياز القناة.

وأضافتْ «جورج»«كان من الواضح أن هؤلاء (ملّاحي القناة الذين المُلزمة السفن بدفع مصاريف صعودهم إليها) لا يفعلون أي شيء يُذكر سوى الاستماع إلى مذياع صغير وكانوا يحاولون بيع هدايا تذكارية، مضيفةً أنه كان لزامًا على السفن في الغالب أن تدفع ‘‘ضريبة’’ سجائر».

«فكل رحلة عبر قناة السويس تُكلف السفينة نحو 400 دولار مقابل السجائر فقط، ناهيك عن الكثير من الحلوى والشيكولاتة من خزانة السلع التي لم تستوف عنها الرسوم الجمركية بالسفينة».

وحتى بغض النظر عن كل هذه الأمور التي لا تعد إلا من باب المضايقات، فإن الأخيرة تعد جزءً من معاناة عبور السفن عبر قناة السويس بنسختيّها، وهو ما لا يمكن لحركة التجارة العالمية تجاوزه.

تقول «ميشيل ويس بوكمان»: إن هذا يرجع إلى أن التُجار حاليًا يتلاعبون بما يسمى «تأجيل التسليم»، إذ تزايدت كميات النفط والمنتجات النفطية المكررّة التي يُخزنها التجار سواء في البحر أو في المخازن ترقبًا لارتفاع الأسعار مرة أخرى.

وفي الوقت الحالي، توجد وفرة في إمدادات النفط الخام حول العالم. وعلى الرغم من أن لدينا من النفط الخام أكثر مما نحتاج، فإن الطلب على الجازولين، وهو منتج نفطي مكررّ، لا يزال مرتفعًا. وقد أدى هذا الوضع إلى تقلّب السوق، الذي يجني منه التجار المال.

وأضافت «بوكمان»«من بين استراتيجيات التداول والمتاجرة أن التجار يتذرعون بأنهم لم يبيعوا الشحنة ويحتاجون إلى المزيد من الوقت وفي بعض الأحيان قد ترسو السفن بعيدًا عن الشاطئ، وتعرف هذه الحالة باسم ‘‘التخزين العائم’’، في انتظار رجحان كفة البضاعة التي يحملونها على متن السفينة في السوق».

وتحدد «بوكمان»«في ديسمبر الماضي بلغت مدة التخزين العائم أقصاها، إذ امتدت طيلة خمس سنوات، وفي الواقع لم تقل مدة التخزين العائم منذ ذلك الحين بفارق كبير».

وهي بذلك تؤكد أن ملاك السفن صار لديهم خياران للربح لا خيار واحد، فإن اتخاذ مسار أطول في البحر الأحمر يوفر لهم مالاً مع إمكانية أن يشتروا شحنة من الشحنات غير المباعة في أفريقيا وآسيا وحتى أوروبا وموانٍ أخرى بحثاً عن المشتري الأفضل في الوقت المناسب. فالأمر يحتمل الربح والخسارة بخاصة إذا حجم السفينة يناسب الميناء المارة به، وما لديه من منتجات يناسب المعمول به في أسواقها المحلية، ذلك على أمل أن تجد بضاعتهم مشترٍ مناسب وإلا فإن مصيرهم إلى خسارة المال والجهد.

الآن تفعلها بعض السفن فتقطع آلاف الأميال حول طريق رأس الرجاء الصالح انتظاراً وأملاً في الربح، ويساعدهم على ذلك انخفاض تكلفة النفط، ورغم إنها مشقة مضاعفة، إلا أن حلم توفير المال والمزيد من التجارة عبر المواني المختلفة.. يجعل اتخاذ الطريق الأطول هو الأفيد أحياناً.

 

  كلمات مفتاحية

السويس قناة السويس النفط مصر أسعار النفط نقل النفط رأس الرجاء الصالح بنما التفريعة الجديدة

تحالف «سعودي إماراتي» يعتزم إنشاء مدينة صناعية بمحور قناة السويس

السفن تترك قناة السويس وتعود لرأس الرجاء الصالح بعد انخفاض النفط

«مهاب مميش» يزور السعودية والكويت للترويج لقناة السويس

مصر.. هبوط إيرادات قناة السويس إلى 5.1 مليار دولار في 2015

انخفاض إيرادات قناة السويس لأدنى مستوى في 9 أشهر

الكويت وإيران تخفضان أسعار بيع الخام لآسيا

صحيفة: الصين ستحث سفنها على استخدام طريق الملاحة الشمالي وتجنب قناة السويس

مصر.. هيئة قناة السويس تقترض 6 مليارات جنيه لتغطية التزاماتها

قناة السويس تخفض رسوم رحلاتها 65% لمواجهة خسائرها⁧ المتتالية

مسؤول روسي: مصر تعرض علينا الاستثمار في قناة السويس