الطريق إلى مكة والقدس: كيف تهدد السياسة حرية الوصول إلى الأماكن الدينية؟

الأحد 22 مايو 2016 04:05 ص

يسعى الدين إلى تجاوز حدود العالم المادي ولكن الأماكن المقدسة تدخل ضمن الحدود السياسية بحكم الضرورة. التفاعل بين الروحي والمادي يمكن أن يؤثر على ديناميات القوة بين الدول التي تتولى إدارة هذه المواقع وبين الطوائف الدينية المختلفة التي تتعبد فيها. المواقع الدينية يمكن أن تكون، من بعض النواحي، سيفا ذا حدين بالنسبة إلى البلدان التي تسيطر عليها: فمن ناحية فإنها تمنح الشرعية لحماتها، وعلى الوجه الآخر فإنها تتطلب أن يظهر حكامها التزاما بالمعايير الروحية العليا. لكن أهداف المتقين لا تتوافق دائما مع الضرورات السياسية والأمنية للدول.

لا يعاني الشرق الأوسط أي فقر في المعالم الدينية الهامة. بعض أشهر هذه المواقع موجودة في (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية والمملكة العربية السعودية. يكفي للمرء أن ينظر إلى جبل الهيكل في القدس أو إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة لرؤية الصراع الجيوسياسي التي يمكن أن ينشأ بين مختلف الأديان والطوائف، ناهيك عن الجنسيات، التي تدعي ملكيتها المشروعة لنفس أماكن العبادة. تحقيق التوازن بين المصالح الكثيرة والمتنوعة لهذه المجموعات ليس أمرا سهلا وكثيرا ما يتعارض مع بعض السياسات المحلية وسياسات الاقتصاد والأمن التي تتشابك مع الكفاح للوصول إلى الأماكن المقدسة على وجه الأرض.

القدس: حيث تصطدم أكبر الأديان في العالم

لا يوجد مكان يتضح فيه مثل هذا التنافس بشكل أفضل من القدس. المدينة التي توحد الأديان الإبراهيمية يمزقها التنافس فيما بينها حيث يتم التنازع على القدس بين الشعب الفلسطيني المسلم من ناحية وبين (إسرائيل) اليهودية من ناحية أخرى. ورغم أن (إسرائيل) قد استولت على القدس من الأردن في أعقاب حرب الأيام الستة في عام 1967، فإن العالم الإسلامي لا يزال يتمسك بملكية المسلمين للقدس. بعد كل شيء، فإن المسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع في الإسلام يقع داخل الحرم القدسي الشريف وهو المكان الذي نقل إليه الملك جبريل النبي «محمد» من مكة المكرمة خلال ما يعرف برحلة الإسراء. ومن تلك البقعة ذاتها، فقد عرج بالنبي إلى السماء للقاء الله.

وكما ينشد الفلسطينيون القدس الشريف كعاصمة لدولتهم المأمولة، فإن (إسرائيل) تعتبر القدس بمثابة مركز للدولة اليهودية. تحتوي مدينة القدس القديمة على جبل الهيكل وهو الموقع الأقدس في الديانة اليهودية. وهو موقع الهيكل الأول والثاني وهو المكان الذي يعتقد كل من اليهود والمسيحيين على حد سواء أن نبي الله «إبراهيم» قد وفى فيه باختبار الله بالتضحية بابنه «إسحاق». (يؤمن المسلمون بقصة مماثلة باستثناء كون إسماعيل هو الذبيح في الرواية الإسلامية). يتوجه اليهود في جميع أنحاء العالم بصلاتهم قبل المسجد الأقصى ويتجمعون عند الحائط الغربي (المعروف عندهم بحائط المبكى) كي يكونوا بالقرب منه. كما يلعب هيكل سليمان أيضا دورا حاسما في الديانة المسيحية نظرا لمكانته في لقصة صلب المسيح، وكذلك مواقع أخرى في القدس. ولكن المسيحيين اليوم أقل اشتباكا في النزاع حول المدينة بسبب موقفهم المحايد نسبيا في هذه المسألة.

الطبيعة المشتركة للقدس تجعل من إدارتها مسألة شائكة للغاية. بعد أن نالت (إسرائيل) السيطرة على المدينة، اختارت الدولة اليهودية إبقاء معايير تحديد من يمكنه الوصول إلى الأماكن المقدسة التي كانت موجودة في وقت سيطرة الدولة العثمانية والحكم الأردني على هذه البقاع. هذه القوانين منعت اليهود من الوصول إلى جبل الهيكل وقد حاولت (إسرائيل) الحفاظ على ذلك من أجل ضمان الاستقرار والشرعية السياسية. في الواقع، بعد انتهاء حرب الأيام الستة، فقد قام وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك «موشيه ديان» بإزالة العلم الإسرائيلي الذي وضعته قوات المظليين الإسرائيليين على جبل الهيكل.

في السنوات التي تلت، كافحت (إسرائيل) لتحقيق التوازن بين واجباتها لإدارة الموقع المقدس الأكثر إثارة للجدل في العالم والذي يتطلب السيطرة على المسلمين المضطربين. ومما زاد من تعقيد الأمور أن هيئة إسلامية أردنية فلسطينية تدعى «الوقف» قد تولت إدارة جبل الهيكل، على الرغم من حقيقة أن (إسرائيل) تسيطر على المنطقة نفسها. ونظرا لأن تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف من شأنه أن يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي الإسرائيلي فإن حظر وصول اليهود إلى الحرم القدسي لا يزال يشكل عنصرا أساسيا في السياسة الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن العديد من اليهود يعارضون اختيار الحكومة لوضع المخاوف السياسية والأمنية قبل الولايات الدينية.

ورغم ذلك فإن المدينة لم تكن أبدا هادئة. وقد أدت مخاوف المسلمين من فقدان الوصول إلى الجبل إلى انتفاضات متتالية. وعلاوة على ذلك، فإن العديدين يرون أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية قد بدأت إثر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي «أرييل شارون» إلى الحرم الشريف في سبتمبر/أيلول عام 2000 حيث أعلن أن جبل الهيكل سوف يظل في يد (إسرائيل) وأنه من حق كل يهودي زيارته. مثل هذه التصريحات، التي تحاول استخدام الأهمية الدينية في القدس لتحقيق غايات سياسية، تخاطر بالإخلال بالتوازن الدقيق بين الدين والجغرافيا السياسية.

مكة: شرف إدارة المدينة المقدسة

لا يلزم أن تكون الأماكن المقدسة موضع نزاع بين أديان متعددة من أجل صناعة حالة من الاستقطاب في المجتمعات المحيطة. مكة المكرمة، أقدس موقع في الإسلام، هي مثال على ذلك. المسلمون، الذين يبلغ عددهم حوالي 1.6 مليار في جميع أنحاء العالم، مطالبون بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية مرة واحدة على الأقل في حياتهم من أجل أداء الحج. وهو واحد من الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام. وتماما كما يصلي اليهود نحو (جبل الهيكل) في القدس، يصلي المسلمون نحو الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. ولا ليسمح لغير المسلمين بدخول المدينة.

مع مثل هذه الأهمية الدينية، تعتبر مكة المكرمة مفخرة آل سعود ومصدر الشرعية للملكية السعودية. وليس من قبيل المصادفة أن واحدا من أبرز ألقاب الملك السعودي هو خادم الحرمين الشريفين. وقد تم توحيد شبه الجزيرة العربية استنادا على قيام الأسرة المالكة بحماية المواقع الإسلامية وهي المهمة التي تعهد آل سعود بالقيام بها بعد استيلائهم على الأراضي القبلية المفككة إبان العشرينيات. اليوم، فإن شرف حماية مكة المكرمة يجلب الشرف، والعائدات إلى حد كبير، إلى العائلة المالكة.

ولكن هذا المجد يأتي بثمن باهظ، وبخاصة في وقت تعاني فيه المملكة العربية السعودية من آثار انخفاض أسعار النفط والعبء الثقيل للرعاية الاجتماعية. الحفاظ على سيطرة الدولة على مكة المكرمة، التي فقدتها لفترة وجيزة أثناء حصار المسجد في عام 1979 يتطلب إجراءات أمنية مكلفة، وكذلك ضمان سلامة الحجاج المتوجهين إلى المدينة المقدسة. على مدى العقود القليلة الماضية، أصبحت التدافع مصدر قلق متزايد في مواسم الحج. في العام الماضي، قتل أكثر من 1000 حاج خلال موسم الحج بسبب تدافع في منى. وبعد بضعة أشهر، علقت إيران الرحلات الجوية إلى المملكة العربية السعودية بعد ظهور تقارير تفيد بأن اثنين من الصبية الإيرانيين قد تعرضا للإيذاء الجنسي في مطار جدة أثناء ذهابهما لأداء العمرة.

وعلى الرغم من هذه القضايا، فقد حاولت المملكة العربية السعودية الاستفادة من إشرافها على أقدس المواقع الإسلامية لتأمين مكانها على رأس المجتمع الإسلامي والشرق الأوسط. عندما أعلنت الرياض تحالفها مع 34 دولة إسلامية ضد الإرهاب في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، فقد فعلت ذلك استنادا إلى دورها بوصفها حامية للإسلام. ومع ذلك، فإن نفس التحالف، الذي يضم البلدان السنية، يعكس حجم الاستقطاب الديني والسياسي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية السنية وإيران الشيعية، المنافس التاريخي للرياض.

وقد تسبب التصدع الآخذ في الاتساع بين المعسكرين في زيادة مخاوف الإيرانيين من أن وصولهم إلى مكة المكرمة يمكن أن يتم إعاقته. وقد ادعت طهران بالفعل أن سياسات الرياض ستمنع الحجاج الإيرانيين من إكمال الحج هذا الموسم. تحت فتح حوار لحل النزاع، وزار وفد إيراني المملكة العربية السعودية لمدة أربعة أيام في إبريل/نيسان لأجل استئناف المفاوضات. ولكن مع استمرار التوتر في الارتفاع، فإن الرياض تجد صعوبة في فصل واجباتها الدينية عن أهدافها السياسية والأمنية. وفي حال فشلت الرياض في ذلك فإن شرعية المملكة العربية السعودية سواء كممثل عن المجتمع المسلم أو كوكيل لأقدس المواقع الإسلامية سوف تكون موضع تساؤل.

وهكذا، على الرغم من أنه يتم تحديد السيطرة على المواقع الدينية في العالم من قبل الحدود السياسية المحيطة بها، فإنه سيكون من الخطأ أن نفترض أن الحكومات تستطيع أن تحكم هذه المعالم دون رادع. التاريخ مليء بأمثلة لدول تم منع وصلها إلى الأماكن المقدسة لأسباب سياسية وبينما تستمر الدول في التنقل داخل العلاقة المعقدة بين المسؤولية الروحية والوطنية، فإن مسألة من يمكنه الوصول إلى المناطق الدينية، سوف تكون مطروحة لتساؤلات متزايدة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

مكة القدس السعودية الأماكن المقدسة إيران خادم الحرمين الشريفين (إسرائيل) الحرم القدسي

دول الخليج تستنكر المحاولات الإيرانية الهادفة إلى تسييس الحج

«الشؤون الإسلامية» بمكة: توسعة الحرمين كشفت أوقافا «منهوبة»

«الشورى» السعودي يجدد رفضه تملك الأجانب عقارات في مكة والمدينة

«الجبير»: الحجاج الإيرانيون محل ترحيب رغم قطع العلاقات

برلماني إيراني بدعو لتسليم إدارة الحج إلى «التعاون الإسلامي» لعدم كفاءة السعودية

فيديو: أغنية إيرانية جديدة تحرض على قتل العرب وتدعو لنقل الحج إلى طهران

الأمم المتحدة تتبنى قرارا سعوديا لاحترام تنوع الأديان.. وطلب أوروبي بحرية الإلحاد