«المالكي» يناقض تاريخه: تصحيح المسار لا يفرض بالقوة بل بالقانون والدستور

الاثنين 23 مايو 2016 02:05 ص

عبر رئيس الوزراء العراقي السابق والأمين العام لـ«حزب الدعوة الإسلامي»، «نوري المالكي»، عن إدانته الشديدة للاقتحام الذي تعرضت له مقار حكومية الجمعة الماضية، مشددا على أن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا عبر المؤسسات الدستورية.

وقال «المالكي»: «نعتقد أن ما حدث كان محاولة لتعطيل عملية الإصلاح، لأن إجراء التغيير وتصحيح المسار لا يفرض بالقوة وسطوة الشارع بل عبر القانون والدستور، كما أن الانفلات والفوضى لا تخدم المصلحة العامة».

وأقر «المالكي» بصعوبة الموقف السياسي الراهن وكثرة تعقيده وتحدياته، مرجعا ذلك لسببين رئيسين الأول هو استمرار تعرض العراق لباقي فصول مؤامرة كبرى فرضت عليه منذ سنوات غير بعيدة، وكان من نتائجها دخول تنظيم «الدولة الإسلامية» لأرضه، والثاني ما يحدث الآن من محاولات تستهدف من جديد سيادته ووحدته وجره للفوضى، من قبل أطراف لم يذكرها صراحة، مكتفيا بمطالبة الجميع بالتكاتف لإفشال مخططاتها.

وحمل «المالكي» الزعيم الشيعي البارز «مقتدى الصدر» جزءا من المسؤولية، عن إرباك المشهد السياسي بالعراق وزيادة تعقيده، مستنكرا قيام أنصار «الصدر» باقتحام المنطقة الخضراء ومقر البرلمان نهاية الشهر الماضي ثم اقتحام مقر رئاسة الوزراء، يوم الجمعة.

وشدد «المالكي»، الذي تولى منصب رئيس الوزراء في الفترة من 2006 وحتى 2014، على أن على من يمارس العمل السياسي أن يلتزم بقواعد العملية السياسية، وأن لا ينجر إلى استخدام القوة أو التلويح باستخدام الشارع، والاستقواء به لتنفيذ ما يعتقد به أو يسعى إليه.

وحول ما إذا كان مطلب «الصدر» بضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط أمرا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، في بلد يعتمد نظام الحكم فيه على التمثيل النسبي بين مكوناته العرقية والدينية، قال: «يوجد أحد ضد قاعدة وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب، أو المجيء بالمهنيين والمتخصصين أو من يسمون بالتكنوقراط، وهذا ما عملنا عليه خلال الحكومات السابقة، حيث كان هناك الكثير من الشخصيات السياسية لديها شهادات تخصصية وتمكنت من إدارة مؤسسات الدولة حينها، أي أن الصدر لم يأت بجديد».

وأشار لطرحه خلال فترة توليه السلطة فكرة تشكيل حكومة أغلبية سياسية عابرة للطائفية، تتحمل وحدها مسؤولية النهوض بالبلاد في محاولة لإنهاء قاعدة المحاصصة على نحو نهائي، ملمحا إلى أن الكتل التي رفضت الدعوة حينذاك تخوفا من خسارة نسبة تمثيلها بالحكومة، هي ذاتها من تنادي اليوم بضرورة تطبيقها وكأنها شيء مستحدث وجديد ويمكن أن يكون الحل لإنهاء أزمات العراق.

وأضاف: «ليست هذه هي المرة الأولى التي يدور الحديث فيها عن إرادات خارجية رافضة لإجراء أي تغيير، ولكن الواقع يشير إلى مطالبات جدية وحراك ينظمه عدد كبير من أعضاء مجلس النواب تدفع باتجاه إقالة الرئاسات الثلاث».

وأوضح أن النواب المعتصمين لا يزالون متمسكين بمطالبهم ويرفضون أي حل غير ذلك، قائلا: «وهو ما دفعنا إلى توجيه دعوة إلى أعضاء مجلس النواب من الجانبين لعقد لقاء موحد للتحاور من أجل التوصل إلى مخرج توافقي ينهي أزمة المجلس، ويعيده لممارسة مهامه الدستورية الأساسية، وفي هذا الإطار دعونا الطرفين إلى الاتفاق على إلغاء نتائج الجلستين الأولى والثانية ومخرجاتهما، وأن يستأنف مجلس النواب جلساته مجددا بإدارة مؤقتة تأخذ على عاتقها حسم موضوع هيئة الرئاسة والوزراء المقالين والمعينين، ونعتقد أن هذا الحل هو الأمثل لدينا، ونحن سنقبل بأي قرار تؤيده الكتل السياسية سواء أكان ببقاء الرئاسات أو إقالتهم».

وشدد على أن الأهم من أي قرار سيصدر عن هذا اللقاء الموحد، هو العمل على معالجة أسباب الأزمات الراهنة حتى لا تتكرر مجددا، معتبرا أن العمل الذي يجب أن يحظى بالأولوية الآن هو إعادة المؤسستين التشريعية والتنفيذية لأداء مهامهما بعد التعطيل الذي شهدته الفترة الأخيرة، في إشارة إلى تعطل البرلمان وإقالة وزراء وعدم تعيين غيرهم.

واستبعد «المالكي» بشدة ما طرحه البعض من احتمالية فرض شخصية، تحظى بدعم إقليمي ودولي، لحكم البلاد ولو لفترة معينة حتى تستقر الأوضاع.

وقال: «أتصور أن هذا الطرح بعيد جدا عن الواقع، فكل من حكم في العراق بعد 2003 وصل عبر عملية ديمقراطية، لذلك فالعودة إلى الخلف أمر مستبعد وسيعقد الوضع ولن يرضى به العراقيون».

وأكد «المالكي» أنه لن يتولى أي منصب تشريعي أو تنفيذي رفيع خلال الفترة المقبلة، حتى إذا كان منصب رئيس الوزراء، مبديا في المقابل تمسكه بممارسة دوره السياسي لخدمة العراق وأهله.

وحول تفسيره لما شهدته بعض الاحتجاجات التي خرجت في العراق مؤخرا، من ظهور شعارات مسيئة لإيران ومنددة بدور قادتها العسكريين، قال: «بداية، لا أعتقد بوجود قوات إيرانية مقاتلة لدينا لأننا لسنا بحاجة لذلك، فأعداد قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي كافية، ونحن نرفض مبدأ الإساءة والتهجم، لاسيما إذا كانت الإساءة ضد بلد مجاور للعراق ووقف إلى جانبه في حربه ضد تنظيم الدولة الإسلامية».

وشدد على أن العراق يتحرك ضمن نطاق مصالحه، وأن موضوع التدخل في الشأن العراقي قد جرى تهويله كثيرا، موضحا أنه يرفض التدخل الخارجي ويرحب فقط بالتعاون والمساعدة.

وتابع: «أرى أن تلك الشعارات المنددة بإيران أو غيرها انطلقت من بعض الجهات المرتبطة بحزب البعث المقبور، ومن تنظيمات طائفية معادية تمكنت من التسلل إلى هذه التظاهرات وغيرت مسارها».

واعتبر «المالكي» أن العمليات الإرهابية التي تعرضت لها مناطق بالعاصمة مؤخرا، ما هي إلا محاولة من تنظيم «الدولة الإسلامية» للتغطية على الضربات الموجعة التي يتلاقاها، وخاصة في محافظتي صلاح الدين والأنبار.

واستنكر بشدة إصرار البعض على توجيه اتهامات لعموم سنة العراق بالتواطؤ أو التعاطف مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، كلما استهدف التنظيم منطقة ذات أغلبية شيعية بتفجيراته، مشيرا إلى أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن كل تلك التفجيرات، ولا علاقة للسنة العراقيين به.

وأوضح أن بعض الموجودين بالتنظيم هم من المكون السني العراقي، ولكنهم لا يعبرون بأي حال عن عموم السنة.

وقال: «هدف التنظيم من البداية هو الوصول لبغداد، وقد حاول ذلك فعليا عقب تمكنه من دخول الموصل ولكن الأمر لم يتحقق له حينها، ولكن مع إطالة أمد الأزمة السياسية الراهنة وما بها من التجاذبات بين الكتل والقوى السياسية استطاع مع الأسف إيقاظ خلاياه النائمة عند أطراف العاصمة ووجه ضرباته الخسيسة».

وأضاف: «التفجيرات رسالة مزدوجة من التنظيم، فهو من جهة يعلن أنه لا يزال موجودا، ومن جهة أخرى يحاول التغطية على الضربات الموجعة التي يتلقاها ليل نهار في صلاح الدين والأنبار، والتي كان آخرها استعادة مدينة الرطبة، والجميع يدرك أن سيطرة التنظيم تراجعت كثيرا حيث لم يعد يسيطر سوى على 14% فقط من مساحة العراق، وذلك وفقا لتقارير وشهادات العسكريين العراقيين والمستشارين الأمريكيين».

فساد المالكي

يذكر أن برلمانيون وممثلون عن الكتل السياسية قد طالبوا في يوليو/تموز من العام 2015، بمحاكمة «نوري المالكي»، بتهمة سقوط الموصل ودخول المتطرفين إليها، فيما دافع عن «المالكي» ممثلون من «حزب الدعوة»، وهددوا برد قاس على من وصفوهم بالمتآمرين.

ووجه البرلمانيون آنذاك اتهامات لـ«المالكي»، كان أحدثها وأخطرها دوره في تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، واستيلائه على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية.

وبدأت قوى سياسية مدعومة بحملات في الشارع للضغط لمثول «المالكي» أمام العدالة، حيث دعا «حزب الاتحاد الإسلامي» الكردستاني على لسان ممثله في البرلمان، «عادل نوري»، إلى محاكمة «المالكي» لدوره في سقوط الموصل، وزاد بالدعوة للجوء لـ«الجنائية الدولية» بسبب مخاوف من عدم حيادية القضاء العراقي.

وفي فبراير/شباط 2015 أكد زعيم مليشيا «جيش المختار» العراقي «واثق البطاط» بأن «المالكي» مجرم وطاغية يجب محاكمته وإعدامه.

واتهم «البطاط» طهران بأنها السبب فيما يحدث في العراق، وأنها وقفت في وجه تشكيل جيش رديف للقوات المسلحة العراقية، رغم تأكيده على العلاقات الإستراتيجية مع إيران وتوحدهم حول العقيدة نفسها، كما أكد أنها تمثل العمق الاستراتيجي للعراق.

وقال «البطاط» إن «المالكي» همش جميع الطوائف من سنة وشيعة وأكراد لأنه لم يكن يثق بأحد، مضيفا: «لو كنت في منصب المالكي لأقدمت على الانتحار بسبب ما حدث في العراق من دمار وخراب، متهما من أسماهم رجال «المالكي» بـ«تنفيذ عمليات الخطف في البلاد بهدف ابتزاز المواطنين».

ولفت «البطاط» إلى أن حكومة «المالكي» كانت تعطي القيادة لمن لا يستحق، قائلا: «طلبت من رئيس الوزراء السابق الاستعداد لمواجهة الدولة الإسلامية قبل أكثر من سنة، على بدء الهجوم على التنظيم، كما أبلغت إيران أن المالكي لا يرتقي إلى مستوى مواجهته».

وكان مجلس الوزراء العراقي قد صادق في 15 سبتمبر/أيلول 2015، على إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة «نوري المالكي» و«إياد علاوي» و«أسامة النجيفي» بدعوى من رئيس الوزراء «حيدر العبادي» لترشيد المناصب في الحكومة العراقية لمواجهة الأزمة المالية التي تعيشها البلاد بسبب تدني أسعار النفط عالميا.

وكشف تقرير المدقق الدولي لصندوق تنمية العراق (الحساب الذي تودع فيه كل إيرادات النفط)، في فبراير/شباط الماضي، عن مخالفات مالية وتعاقدية «كبيرة» في وزارة الصحة العراقية، تتعلق بمشاريع فاشلة وعقود وهمية وأدوية غير صالحة للاستهلاك بمليارات الدولارات، أبرم أغلبها خلال فترة تولي «نوري المالكي» رئاسة الحكومة بين عامي 2006-2014.

كما أكد رئيس الاستخبارات السعودية العامة الأسبق رئيس مركز الملك فيصل للدراسات الأمير «تركي الفيصل» في مارس/آذار الماضي أن هناك أدلة على أن سوريا وإيران و«المالكي» هم من ساهموا في إيجاد تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي لا يختلف عن تنظيم «القاعدة».

هذا، ويعد «المالكي» أحد أبرز وجوه الفساد الذي استشرى في القطاع الحكومي، طيلة فترة حكمه الممتدة من 2006 إلى 2014.

المصدر | الخليج الجديد + وكالة الأنباء الألمانية

  كلمات مفتاحية

العراق إيران نوري المالكي حيدر العبادي مقتدى الصدر الدولة الإسلامية الحشد الشعبي الشيعة السنة

«علماء المسلمين» بالعراق: تهديدات ميلشيات الحشد للفلوجة تهدف لتغيير تركيبتها السكانية

العراق.. محتجون يقتحمون «المنطقة الخضراء» ونيران الأمن تصيب عددا منهم

«مقتدى الصدر» في قم الإيرانية ولا ينوي العودة إلى العراق حتى إشعار آخر ⁦

رويترز: الصراع على السلطة بين شيعة العراق ينذر بالتحول إلى العنف

العراق.. لغة التهديد والوعيد تسيطر على الخطاب بين «المالكي» و«الصدر»

«تركي الفيصل»: سوريا وإيران و«المالكي» وراء ظهور «الدولة الإسلامية»

تقرير دولي يكشف فسادا بمليارات الدولارات خلال حكم «نوري المالكي»