نجل «نظامي» يحكي تفاصيل اللقاء الأخير قبل الإعدام: لم تقترب منه معاني الخوف أو الندم

الخميس 9 يونيو 2016 11:06 ص

كشف نجل الشيخ «مطيع الرحمن نظامي»، زعيم الجمعة الإسلامية ببنغلاديش، الذي أعدمته السلطات البنغالية، في مايو/ أيار الماضي، تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمعهم به، داخل السجن، قبل إعدامه.

نقل التفاصيل، «عبد الغفار عزيز»، الكاتب والمحلل السياسي الباكستاني، في مقال له عبر موقع «الجزيرة نت».

وبدأ نجل «نظامي»، الحديث قائلا: «قبل صلاة المغرب بقليل من يوم الثلاثاء 10 مايو/ أيار، اتصلت سلطات السجن المركزي في العاصمة دكا بالسيد متو (سيكرتير والدي) لتخبر بموعد اللقاء في السجن، دون أن توضح -رغم أسئلتنا المتكررة- أنها ستكون الزيارة الأخيرة».

وأضاف: «أدينا الصلاة ثم خرجنا إلى السجن، مستقلين 3 سيارات، والأسئلة حول طبيعة الزيارة تساور أذهان جميع أفراد الأسرة، كنا 26 نفرا (رجالا ونساء وأطفالا) وصلنا بوابة السجن مخترقين طوابير مكتظة من الإعلاميين ورجال الأمن، تعدينا البوابة الكالحة وأكملنا إجراءات التفتيش، عند ذلك قدمت إلينا إدارة السجن خطابا مختصرا بأن اللقاء هو لقاء الوداع الأخير».

وتابع: «بعدها تم اقتيادنا إلى غرف معزولة في السجن، كان الوالد في الزنزانة رقم ثمانية، آخر الزنازين في تلك الأروقة، وحجمها ثمانية في ثمانية قدم.. ليس فيها أي شباك أو فتحة تهوية سوى الباب الحديدي وفناء مسور صغير أمام الغرفة.. لم يخبروا الوالد بمجيئنا، وعندما وصلنا قريبا من غرفته لاح لنا من خلال القضبان».

واستطرد نجل «نظامي»: «كان جالسا على سجادة خضراء بسيطة متجها نحو القبلة، موليا ظهره إلى الباب، رافعا يديه للدعاء، يناجي ربه بنفس النبرة وبنفس الأدعية التي كثيرا ما سمعناه يرددها منذ نعومة أظفارنا.. يردد الدعاء بصوت خافت ثم يصمت، يسود الهدوء برهة ثم يعود ويكرر الأدعية النبوية.. ما هذا؟ قطة في غرفة من سينفذ فيه حكم بالإعدام خلال بضع ساعات؟ نعم رأينا قطة صغيرة بنية اللون تجلس إلى جانبه كأنها تشاطره وحدته وتشاركه دعاءه».

وتابع: «عندما رأى معاذ ذو الثلاث سنوات جده صاح معتليا سلم الباب: جدي! نحن هنا، افتحوا الباب. مسح والدي وجهه بيديه ملتفتا إلى مصدر الصوت. عندما رآنا جميعا قام وتقدم إلينا بمشيته الهادئة المعتادة سائلا: لقد جئتم كلكم؟ هل هذا هو لقاء الوداع؟ ردت أختي بصوت تعلوه الأحاسيس: لا لن يكون الأخير إن شاء الله».

ثبات

وأضاف: «ساد الجو حزن ثقيل وفارقت الدموع مآقينا جميعا سوى الوالد.. بدأ يطمئننا ويواسينا، ويقول اثبتوا واصبروا.. كان يلبس قميصا وإزارا بنغاليا تقليديا وكان متعرقا بغزارة لأن الزنزانة ليست فيها أدنى تهوية، والجو حار والرطوبة عالية؛ لكن وجهه كان متلألأ يسوده الوقار.. لا يمكن لمن يراه في تلك اللحظة أن يصدق أنه مقبل إلى المشنقة بعد قليل ربما لأنه كان يقبل إلى ربه بقلب سليم».

وأشار نجل «نظامي»، إلى طلبهم من إدارة السجن أن تفتح باب الزنزانة فلا نكاد نراه جيدا من خلال القضبان، وقال: «استجابوا للطلب وخرج الوالد إلى الفناء الصغير وجلس على كرسي بلاستيكي أبيض وجلسنا حوله على الأرض بشكل شبه دائري.. بدأ يستفسر عن أحوالنا جميعا ثم بدأ يوضح موقفه من آخر المراحل القانونية المزعومة وهي طلب العفو من رئيس الدولة، فقال لقد سألني مدير عام السجن عن موقفي من طلب العفو فأخبرته بأنني لم أرتكب جريمة حتى أطلب العفو، فطلبي للعفو اعتراف ضمني مني بارتكاب الجرم».

وتابع نجل «نظامي» على لسان والده: «ثم إنني مؤمن بأن الموت والحياة بيد الله جل وعلا وحده، ولا أريد أن أخسر إيماني بالله بطلب العفو من عبد مثلي كائنا من كان».

واستطرد: «في ظهيرة هذا اليوم أتى المدير العام للشرطة وقدم إلي ورقة وألح حتى أسترحم الرئيس. أخذت منه الورقة وكتبت عليها بخط واضح عريض: لم أقترف ما اتهمتموني به ولن أطلب العفو ولن أسترحم أحدا إلا الله».

وأشار نجل «نظامي»، إلى أن المكان ساده حزن وصمت مرة أخرى، قبل أن يبدأ الوالد يهدئ من روع الجميع.

وتابع: «ثم خرجت الأسرة كلها وتركنا الأبوين لوحدهما لمنح فرصة للوالد، إن كان يريد أن يخص أمنا بحديث أو وصية.. سمعنا كلاهما يطمئن الآخر، سمعنا الوالدة تثبته وتشد أزره قائلة لقد أكرمك الباري عز وجل بالشهادة في سبيله.. نحن كذلك نشهد أمام ربنا بأنك كنت تقيا أمينا لم تخن ولم تقترف جريمة».

وأضاف: «أما هو فكان يشجعها قائلا: أنتِ الآن بمثابة الأب والأم للأسرة وسوف تجدينني في شخص كل طفل من أطفالنا».

الوصية

وتابع نجل «نظامي»: «دخلنا الزنزانة مرة أخرى وقدم لنا الوالد نصيحته الأخيرة قائلا: عليكم باتباع تعاليم الله وتعاليم نبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم)، عليكم بالعناية بوالدتكم وسوف تجدونني في شخصها، وثقوا أن أمكم سوف تجدني فيكم جميعا إذا سرتم على الصراط القويم».

وحول وصيته لأسرته، قال نجل «نظامي»: «أذكروني عند الآخرين كما وجدتموني ولا تبالغوا.. لقد عشت بينكم خمسة وسبعين عاما، وإن عددا كبيرا من أقراني وزملائي لم يجد فرصة للعيش كما أوتيتها، كما أنكم عشتم مع والدكم فترة أطول بكثير من أبنائهم.. تأكدوا أن الموت والحياة بيد الله وحده، ولو كتب الله أن أرحل إليه الليلة فسوف أرحل وإن كنت معكم في البيت.. كونوا على ثقة وتفاؤل كبير برحمة ربكم وكونوا من عباده الشكورين».

وتابع: «ظل مطيع الرحمن ثابتا ومتماسكا طيلة فترة لقائه مع أسرته (غيتي إيميجز) قدمنا إليه ثلاثة من أحفاده، الذين أسميناهم باسمه (مطيع الرحمن نظامي) وطلبنا منه أن يدعو لهم ليكونوا مثله، فابتسم قائلا: أرجو من الله أن يكونوا خيرا مني وأن يسلكوا طريق النبي صلي الله عليه وسلم وصحبه الكرام، ثم سرد لنا قصة أحد العلماء مع ابنه».

وعن هذه القصة، حكي «نظامي»: «قال العالم الكبير لابنه: ما هدفك في الحياة؟ أجاب الابن: أتمنى أن أصبح عالما كبيرا مثلك. ما إن سمع إجابة ابنه حتى انخرط الوالد في البكاء. سأل الابن البار مستغربا لماذا تبك يا أبى! فقال العالم الكبير كنت في مثل عمرك أتمنى أن أكون في العلم والتقوى مثل سيدنا علي رضي الله عنه وأنت ترى البون الشاسع بيني وبينه رضي الله عنه. فافهم يا بني سبب بكائي على الإجابة واختر لنفسك قدوة».

وتابع نجل «نظامي»: «ثم أشاد الوالد بأخي الأكبر مومن (ثاني الأبناء)، وقال هو أكثر مني علما وكنت أسأله عن المراجع والأدلة حول كثير من المسائل. قلنا بحسرة: يا أبانا لم نستطع أن نفعل من أجلك شيئا كثيرا.. فأجاب نحن بشر نقوم بما نملك وإلى الله وحده الأمر من قبل ومن بعد، كان من الممكن أن أموت مبكرا أشعر أنني محظوظ؛ إذ رزقني الله الشهادة في سبيله دون أن أخوض ميادين الوغى».

واستمر نجل «نظامي»، في سرد التفاصيل الأخيرة، قائلا: «ثم بدأ الوالد يقرأ السلام على جميع المسلمين الذين وقفوا معه بقلوبهم وبقوالبهم.. بدأ يشكر جميع علماء الأمة وقادة العمل الإسلامي، موصيا أن نبلغهم شكره وتقديره ونرجو منهم الدعاء بأن يتقبل الله شهادته. التقطت أمنا خيط الحديث، وقالت: لقد أكرمك الله في هذه الدنيا وسوف يكرمك في الآخرة بإذن الله».

وتابع: «أكد الوالد على ما قلت وأضاف: كنت رجلا عاديا من إحدى القرى النائية، ومن فضل الله علي أن العالم كله يقف معي بمن فيه كبار العلماء وأتقى عباد الله ومئات الملايين من الناس.. يبدون تعاطفهم معي ويخلصون لي الدعوات ويحسون بالألم تجاه ما يحدث معي ومع إخواني هنا؛ حتى إن رئيسة الوزراء حسينة ألغت أخيرا زيارتها لتركيا لحضور مؤتمر القمة الإسلامية خشية أن يناقش معها القادة قضية إطلاق سراحي».

واستطرد: «رجونا من الوالد أن يسأل ربه أن يجمعنا مرة أخرى في الفردوس الأعلى من الجنة، فكان رده الفوري التزموا الصراط المستقيم، وسوف نجتمع مرة أخرى في الجنة بإذن الله. رفع يديه ورفعنا معه أكفنا نتضرع إلى الله.. استمر يردد الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ يدعو بلغته الأم (البنغالية) وما ترك من خيري الدنيا والآخرة إلا سأله لنفسه ولأهله ولبلده ولبلاد المسلمين وللمسلمين عامة، وما ترك من شرور الدنيا والآخرة إلا استعاذ منها».

وتابع نجل «نظامي»: «بما أنني طبيب وكثيرا ما رأيت حالات الموت، ورأيت كيف أن الذي يقترب أجله، يتغير لونه ويعلوه الخوف ويتمنى لو يمد له في الحياة ولو لبضع ثوان.. إلا أنني كنت الآن أمام موقف فريد.. وجه إلينا الوالد سؤالا غريبا، قال: أي الملابس تقترح أن أرتديها وأنا أذهب إلى المشنقة؟ تجمد الدم في عروقنا برهة وأجاب أخي مبتسما: أرتد القميص والسروال التقليدي».

ووصف حاله قائلا: «لم تقترب منه أدنى معاني الخوف أو اليأس أو الندم.. لقد رأينا أمامنا قلبا مؤمنا ونفسا مطمئنة وروحا تواقة إلى لقاء الله».

سؤال

في هذه اللحظات وهو في أرقى منازل الروحانية؛ وجه «نظامي»، سؤالا آخر قال عنه نجله إنه غريبا ومحيرا، وأضاف: «سألنا من منكم سيذهب إلى ساتيا (قريتنا) ليشارك في جنازتي؟ أجبت أنا وأخي مؤمن. بدأ القلب الحنون يقول كعادته قبل أي سفر من الأسفار: كونوا حذرين وخذوا السيد متو (سكرتيره) معكم.. لا تأخذوا أمكم معكم الليلة، وأنت يا ابني مؤمن ارتد القميص والسروال عند ما تؤم الناس في صلاة الجنازة (كان وقتها مرتديا بنطلونا)».

وتابع: «ثم أعاد علينا وصاياه بتقوى الله في السر والعلن وأن نقرأ كتابيه الذين ألفهما في السجن (حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ضوء القرآن، ومن آداب الحياة) وأيضا كتابه السابق (حياة المؤمنين في ضوء القرآن والسنة). خص أختنا الصغيرة (محسنة) بالحديث قائلا: أنت آخر بناتي وأنت من أول من ناداني بكلمة (ابُّو) كوني صابرة محتسبة متمسكة بحبل الله ولا تجزعي».

واستطرد: «بعد ذلك بلحظات أنهى اللقاء بقوله: الآن انطلقوا وأريد أن أراكم تذهبون أمامي برباطة جأش.. عانقناه وصافحناه وودعناه حيا مبتسما لنستقبله صبيحة الغد مرتديا ثوب الشهادة.. استقبلنا نفس الوجه الهادئ المطمئن الذي ودعناه بالأمس لم يتغير شيء سوى أن الدم كان يسيل من أنفه.. رحمك الله أبي لم ولن تذهب تضحياتكم سدى بإذن الله».

وختم: «أذكر أنه عندما خرجنا من السجن خرجت القطة البنية اللطيفة وراءنا وكأنها قد أدت دورها. لقد أدت القطة دورها، فكيف بنا نحن البشر؟ هل نستمر في ترك المسلمين الأبرياء يقتلون ويشنقون في بلد مسلم ونحن لاهون عنهم؟».

يشار إلى أن السلطات في بنغلاديش، أقدمت على إعدام «نظامي» رغم تواتر الدعوات من داخل البلاد وخارجها للعدول عن تنفيذ الحكم.

وانتقدت منظمات دولية بينها منظمة «هيومن رايتش ووتش» الحكم الصادر ضد الزعيم البنغالي المعارض، وشككت في أن محاكمته كانت عادلة.

ورفضت المحكمة العليا في «بنغلاديش»، الطعن المقدم في حكم الإعدام الصادر بحق «نظامي»، في 29 أكتوبر/تشرين أول 2014، بتهمة ارتكاب «جرائم حرب»، فضلًا عن التعاون مع الجيش الباكستاني، خلال حرب استقلال بنغلاديش في عام 1971.

يشار إلى أن «نظامي» (73 عامًا)، والمسجون منذ 2010، يتزعم «الجماعة الإسلامية» في بنغلاديش منذ عام 2000، وكان وزيرا في حكومة تحالف ضمت إسلاميين بين عامي 2001 و2006.

وفي فبراير/ شباط 2013، حكمت «محكمة جرائم الحرب الدولية» في بنغلاديش (محكمة خاصة بالبلاد)، بالسجن مدى الحياة على نائب الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش «عبد القادر ملا»، ولدى استئنافه للحكم، حولت المحكمة في 17 سبتمبر/ أيلول 2013 الحكم إلى الإعدام، ونفذته السلطات في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2013، ليصبح أول قادة الجماعة الإسلامية الذين ينفذ بحقهم حكم الإعدام.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مطيع الرحمن نظامي إعدام بنغلاديش

«أردوغان» يدين «صمت» العالم تجاه إعدام «نظامي» في بنغلاديش

تركيا تستدعى سفيرها ببنغلاديش على خلفية إعدام «نظامي»

إدانات إسلامية رسمية وشعبية لجريمة إعدام زعيم الجماعة الإسلامية في بنغلاديش

«تويتر» عن إعدام «نظامي»: هجمة على الإسلام.. وإذا ماتَ منّا سيدٌ قامَ فينا ألف

بنغلاديش تعدم أمير الجماعة الإسلامية بزعم ارتكاب جرائم حرب

تركيا تعرب عن أسفها لإعدام أحد قيادي حزب «الجماعة الإسلامية» في بنغلاديش