كانت هناك حرب في الصيف: منظمة ارهابية صغيرة معزولة وفقيرة هاجمت قوة تكنولوجية كبيرة بشكل لم يسبق له مثيل. وتحرشت بجيش كبير وأطلقت القذائف على المدن لخمسين يوما. وتسللت الى اراضي الدولة عن طريق الانفاق الذكية، وقد اضطرت هذه الدولة الى استخدام العنف بطريقة فظة.
تلك الدولة استطاعت في 1956 احتلال سيناء في خمسة ايام، ولم تستطع الآن وعلى مدى شهرين عمل أي شيء في غزة. تلك الدولة دمرت سلاح الجو العربي خلال ساعات عام 1967، ولم تستطع الآن إسكات الصواريخ والقذائف التي أطلقت على الجنوب والوسط على مدى سبعة اسابيع. لا يجب أن تكون عبقريا في الاستراتيجية كي تفهم أن "الجرف الصامد" كشف واقعا استراتيجيا صعبا. فها نحن نسمع نداءً آخر للنهوض. ها نحن نشعل ضوء التحذير. الأجراس التي قرعت بعد حرب لبنان الاولى والتي قرعت بعد حرب لبنان الثانية ها هي تقرع للمرة الثالثة.
بعد لجنة أغرانات، لجنة كوهين، لجنة أور ولجنة فينوغراد – يرتدعون في البلاد من لجان التحقيق. بعد قطع الرؤوس من قبل غولدا مئير، موشيه ديان، ديفيد اليعيزر، اريئيل شارون، اهود اولمرت، عمير بيرتس ودان حلوتس – هناك في البلاد تحفظ كبير من قطع رؤوس اخرى. وبسبب ذلك خاصة على القيادة القومية والعسكرية واجب قول الحقيقة للجمهور. وبسبب ذلك خاصة على رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الاركان المبادرة الى عملية استيضاح وتتبع عميقة. وبعد أن تعلمنا القيود المفروضة على قوتنا أمام غزة، ماذا سيكون حال الحرب الصعبة في الشمال؟ هل بالامكان النوم في الليل؟ هل بالامكان العودة الى الحياة الطبيعية؟.
في عملية "الجرف الصامد" تميزت اسرائيل بالدفاع، التكنولوجيا للقبة الحديدية، الأخوة والصمود في المجتمع، الكبح الذاتي المسؤول الذي مارسه نتنياهو، يعلون وغانتس وإفشال مفاجآت حماس الجريئة. ولكن اسرائيل خلال "الجرف الصامد" كانت مترددة ومقيدة ولم تظهر قدرة على التصميم والابداع والتركيز، ولم تنجح في تدمير القيادة العسكرية للعدو دون أن تصيب الكثير من المدنيين الأبرياء. لم نرَ بوادر عبقرية على الارض، ولم نر لمعان استراتيجي، واذا كانت النخبة في الجيش تستصعب الانتصار على المستوى الأدنى في حماس فماذا ستفعل عندما تنزل الى الملعب وتواجه فرقا أقوى؟.
لكن المشكلة ليست عسكرية فقط، فالحروب تكشف مصادر القوة ومصادر الضعف للفترة التي تسبقها. في عملية "كديش" عكس الجيش صورة اسرائيل المتجندة في الخمسينيات. وفي حرب الايام الستة عكس الجيش صورة اسرائيل الاشتراكية الديمقراطية للستينيات، في الوقت الحالي يعكس الجيش الاسرائيلي الى حد كبير صورة اسرائيل التي أضاعت طريقها في الالفية الثانية. صحيح أنه توجد لدينا تكنولوجيا متقدمة، أحلى هاي تيك، ولدينا مصادر اقتصادية نمول بها جيش كبير، منهك ومشتت، لكن لا توجد فينا قوة الابداع والانضباط القومي اللذين تميزنا بهما في السابق. لا توجد لدينا الوقاحة التي ميزت جوليات وداود.
أحد الامور الثمينة فقدناه في السنوات الاخيرة. دولة الخصخصة، مجتمع تسوده الفوارق الاجتماعية وجيش الدفاع عن يهودا والسامرة، لا تستطيع انتاج القوة التي استطاعت اسرائيل الفتية انتاجها. الايديولوجية القومية وسياسات الصغائر والرأسمالية القاتلة تأخذ منا ثمنا في ساحة الحرب ايضا. الأجراس التي تقرع في خريف 2014 تقرع بقوة: اذا لم نُحدث تغييرا سريعا وأساسيا وشاملا فسنعرض قدرتنا على أن نكون مجتمعا مقاتلا وصادقا ويستطيع الدفاع عن وجوده، للخطر.