خوف وكراهية وضريح عثماني في الحرب الباردة بين «الدولة الإسلامية» وتركيا

الثلاثاء 4 نوفمبر 2014 03:11 ص

تتواجه تركيا وتنظيم «الدولة الإسلامية» في حرب باردة. ورغم احتقارهما لبعضهما البعض، إلا أنهما سيتجنبان الاشتباك المباشر، خوفاً من الاضرار الجسيمة التي قد تنجم عن ذلك. وتشكل منطقة "ضريح سليمان شاه"، وهي أرض تابعة لتركيا غير معروفة جيداً تقع في الداخل السوري ومحاصرة حالياً من قبل «داعش»، مثالاً على ذلك.

يُذكر أن "ضريح سليمان شاه"، وهي منطقة تشمل 2.47 فدّان خاضعة للسيادة التركية تضم مزار أحد كبار زعماء الأسر العثمانية، وتحمل قيمة عاطفية كبيرة بالنسبة إلى الأتراك. إذ فيها مدفن جد السلطان عثمان الأول، الذي أسس الإمبراطورية العثمانية، ويخضع لحراسة 80 جندياً من المشاة الأتراك. وحتى كمال أتاتورك، المعروف بعدم التزامه بالتراث العثماني وبتأسيسه الجمهورية التركية الحديثة، طلب إبقاء الضريح تحت الحكم التركي في نهاية الحرب العالمية الأولى.

وفيما يتعلق بالعلاقات بين تركيا و تنظيم «الدولة الإسلامية»، يعتبر "ضريح سليمان شاه" [معلمة مهمة] مشابهة لما كانت عليه مدينة برلين الغربية في علاقات حلف شمال الأطلسي -حلف وارسو خلال الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن السوفييت حاصروا برلين الغربية وحاولوا الضغط على الحلفاء للخروج من هذا القسم من المدينة أثناء الحصار الذي لم يدم طويلاً بين عامي 1948 و 1949، إلا أنهم اختاروا عدم غزوها. فقد كان بإمكان السوفييت اجتياح المدينة عسكرياً، ولكنهم أدركوا أنه ستكون هناك تداعيات من جانب الولايات المتحدة يمكن أن تلحق الضرر بالشيوعية على نطاق أوسع في جميع أنحاء العالم.

وبشكل مماثل حاصر تنظيم «الدولة الإسلامية» "ضريح سليمان شاه"، منذ عام 2013. وحيث تضم الجماعة عشرات الآلاف من المقاتلين وعدداً غير محدود من الموارد على ما يبدو، يشكل تنظيم «الدولة الإسلامية» تهديداً محتملاً على هذه الأرض التركية. 

ومع ذلك، أحجمت «الدولة» عن الاشتباك، مدركة أن أي هجوم تشنه على هذه الأرض التركية الصغيرة من شأنه أن يشكل هجوماً على البلاد نفسها، ويمكن أن يقرّب تركيا بصورة أكثر إلى الجبهة المضادة لـ تنطيم «الدولة الإسلامية»التي تتزعم قيادتها الولايات المتحدة. وفي خطاب وجهه مؤخراً إلى القوات التركية المتمركزة في "سليمان شاه"، قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة التركية، نجدت أوزيل: "كونوا على يقين بأن قواتنا المسلحة ستكون إلى جانبكم بمجرد أن تطلبوا منها ذلك".

ويكمن هدف تركيا الرئيسي في سوريا في الإطاحة بنظام الأسد. وعلى الرغم من أن أنقرة تنظر إلى «داعش» بأنها تشكل تهديداً، إلا أنها لا ترغب في التركيز على الجماعة من الناحية العسكرية خوفاً من أن تصرفها هذه الأخيرة عن هدفها الأساسي المتمثل في إضعاف الأسد. وبالتالي، فعلى الرغم من وجود التنظيم «الدولة الإسلامية» في كل من سوريا والعراق على طول الحدود التركية، كانت تركيا غائبة بشكل واضح من العمليات العسكرية ضد «داعش».

وبقيت هذه الديناميكيات المتزعزعة بين أنقرة و تنظيم «الدولة الإسلامية» حتى عندما قامت الجماعة باحتجاز 46 رهينة من المواطنين الأتراك من القنصلية التركية - بعد احتلال «داعش» للموصل في أوائل حزيران/يونيو. وقد واظبت أنقرة على التفاوض من أجل الافراج عن رهائنها طوال فترة الصيف ونجحت في ترتيب عملية إطلاق سراحهم في 20 أيلول/سبتمبر.

إن قيام «داعش» بشن هجوم على هذه الأرض التركية في سوريا قد ينهي هذه الحرب الباردة الحساسة، ويؤدي على الأرجح إلى تدمير الضريح بشكل كامل. فـ تنظيم «الدولة الإسلامية» يحتقر الأضرحة، إذ يعتبر أنها تشكّل لعنة على الإسلام. ومن شأن تدمير الضريح وغزو أرض تركية أن يثيرا غضب الرأي العام ضد الجماعة، حيث سيجد القادة الأتراك أنه من الصعب عليهم تجنب شن حملة عسكرية واسعة النطاق ضد «داعش»، إلى جانب واشنطن.

وفيما يتعلق بتركيا، فإن آخر ما يريده الآن تنظيم «الدولة الإسلامية» هو تأييد أنقرة الكامل للحملة العسكرية التي تتزعم قيادتها الولايات المتحدة ضده. فلتركيا جيش كبير وقوي ولديها عدد من القواعد بالقرب من حدودها مع سوريا والعراق، التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة لشن هجمات ضد «داعش». ومن شأن ذلك أن يشدد الخناق الاستراتيجي حول عنق تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالتالي فمن المستبعد جداً أن تهاجم «داعش» "ضريح سليمان شاه" - إلا إذا كانت تركيا هي البادئة في استهداف الجماعة.

باستطاعة تركيا إلحاق الضرر بـ «داعش» بأكثر من طريقة. فبإمكان أنقرة على سبيل المثال الحد من تدفق مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» المتوجهين إلى سوريا من خلال تضييق الخناق على حدودها. ومنذ هجوم «داعش» على القنصلية التركية في الموصل في حزيران/ يونيو، تقوم تركيا بتضييق الخناق على مسلحي الجماعة الذين يعبرون أراضيها. لكن حماسة أنقرة لتأدية هذه المهمة كانت محدودة حتى الآن، فلدى تنظيم «الدولة الإسلامية» عدد من الخلايا داخل تركيا، والبعض من بينها قرب حدود البلاد مع سوريا. وعلاوة على ذلك، تبرز علامات تشير إلى قيام عمليات تجنيد في البلاد، بما في ذلك في اسطنبول. وعلى الرغم من أن هذه الأعداد محدودة - حيث لم يشارك الأتراك تاريخياً في الجهاد القائم على العنف - فمع ذلك كانت أنقرة حذرة من إثارة غضب «داعش» أو استفزازها.

وحتى مع التوازن السائد، لا يزال بإمكان تنظيم «الدولة الإسلامية» استهداف تركيا. وفي هذا الصدد يمكن للنتيجة الطبيعية لحرب باردة أن تكون شبيهة بـ "أزمة الصواريخ الكوبية" في عام 1962. ففي ذلك الوقت، أوشكت الكراهية الأيديولوجية السوفيتية تجاه الغرب وعملية التوهم بقدرات تتخطى صعوباتها، أن تؤدي تقريباً إلى تجاوز خوف موسكو من إلحاق أضرار جسيمة بمصالحها في حال اندلاع حرب، مما جعل الاتحاد السوفيتي على شفير صراع عسكري مباشر مع الولايات المتحدة.

وإلى أن تطلق «داعش» نسختها الخاصة من أزمة الصواريخ الكوبية، وبالتالي تكسر الجمود في طريقها المسدود مع أنقرة، ستبقى كل من تركيا والجماعة ملتزمة بنسختها الخاصة من الحرب الباردة، مما سيُبقي "ضريح سليمان شاه" بمثابة "برلين الغربية" في هذه الحرب.

 

* سونر چاغاپتاي هو زميل ومدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي بالعاصمة الأمريكية. كما أنه مؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين" ("بوتوماك بوكس").

المصدر | مجلة سبكتاتور - ترجمة معهد واشنطن

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية تركيا ضريح سليمان شاه داعش

قوات البشمركة تدخل «عين العرب» عبر تركيا لمواجهة «الدولة الإسلامية»

الجيش السوري الحر يدخل «كوباني» عبر تركيا

«أردوغان»: أمريكا أخطأت بإسقاط إمدادات عسكرية جوا للأكراد في «كوباني»

تداعيات قتال «الدولة الإسلامية» في «عين العرب» على تركيا

إيران تحذر تركيا من التدخل في العراق و سوريا والقبائل تبايع الدولة الإسلامية

النهاية المدهشة للحرب الباردة!

لم يعد ممكنا استنساخ النموذج التركي في أغلب الدول العربية

«أردوغان»: المسلمون اكتشفوا القارة الأمريكية قبل «كولمبوس»

لبناني يحتفظ في منزله بنسخة إنجيل باللغة العثمانية تعود لعام 1819