سلطنة عُمان .. الشريك الصامت

الثلاثاء 11 نوفمبر 2014 10:11 ص

من المعيب بالنسبة إلى كثير من العمانيين مجرد التفكير في مستقبل سلطنتهم بعيداً عن السلطان قابوس الماكث في ألمانيا منذ تموز/يوليو الماضي، لكنّ صانعي السياسة في العالم يفكرون مليًا في سياسة السلطنة بعد السلطان البالغ من العمر 74 عاما.

«بلال صعب»، المتخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط في مركز «برينت سكوكروفت» للأمن الدولي بالمجلس الأطلنطي، يرى سحبا داكنة في سماء مستقبل عُمان، فنظرًا لأهمية «قابوس، الشريك الاستراتيجي للغرب، وخصوصًا لواشنطن، من الطبيعي التساؤل عمّا سيحدث إن لم يعد الآمر الناهي في مسقط.

في أكتوبر/تشرين الأول 2011، قرر السلطان «قابوس» تعديل آليات الخلافة، بحيث يشارك في اختيار خليفته مجلس الدولة المكون من 57 عضوًا يجري تعيينهم، ومجلس الشورى الذي يُنتخب أعضاؤه الـ84 بالاقتراع المباشر، ورئيس المحكمة العليا.

وفقًا لدستور العام 1996، على السلطان تسمية خليفته من سلالة «بوسعيد»، في رسالة مغلقة تفتح أمام مجلس العائلة.

وإذا فشل مجلس العائلة في الاتفاق على خليفة للسلطان خلال ثلاثة أيام بعد حدوث فراغ على رأس السلطة، يتعين على مجلس الدفاع، الذي يتألف من كبار القادة العسكريين والمسؤولين عن الدفاع، تأكيد خيار السلطان بمشاركة رؤساء مجالس الدولة والشورى والمحكمة العليا.

شريك صامت

يقول «صعب»، في مقالة نشرها بمجلة «فورين أفيرز» الأميركية، إن عُمان تميل لتكون أقل حضورًا من دول إقليمية أخرى في أي نقاش دولي حول الشرق الأوسط، لكن هذا يعكس في الغالب تفضيلها المتعمد أن تبقى خارج دائرة الضوء.

بحسب المجلة، فإن لعمان أهمية استراتيجية لدى واشنطن منذ زمن طويل، وإن لم يكن ذلك من أجل نفطها، كما هو معهود بالنسبة للمنطقة، فلأنها تقدم مثالًا نادرًا على الهدوء الداخلي والكوزموبوليتانية والتسامح الديني والدبلوماسية الحاذقة.

فعُمان تجني منافع كثيرة من موقعها الجغرافي، متحكمة بالنصف الجنوبي من مضيق هرمز، الذي يضم القنوات العميقة وخطوط الملاحة الرئيسية في هذا الممر المائي، حيث تمر 30 إلى 40% من إمدادات العالم النفطية، فيما تسيطر ايران على النصف الشمالي من المضيق.

ولدى عمان ساحل طويل على المحيط الهندي، أتاح لها أن تكون مركزا تجاريا إقليميا، وحفزها لتكون مجتمعا أكثر انفتاحا، فأنشأت في السنوات الأخيرة ثاني أكبر حوض جاف في الشرق الأوسط في مدينة «الدقم» ذات الأهمية الاستراتيجية، بأرصفة تمتد 2,5 ميل، و«الدقم» تتمتع بأفضيلة كبيرة على دبي، القوة التجارية المنافسة في المنطقة، إذ لا تقع على امتداد مضيق هرمز، وهذا يحقق توفيرات ضخمة في تكاليف التأمين والوقود، بسبب ميل ايران إلى التهديد بإغلاق الممر المائي لأسباب سياسية.

«صفر» مشاكل

ترى المجلة أن مجتمع السلطنة وجغرافيتها متميزان، وهما أمران حددا مقاربتها للدبلوماسية بأسلوب أتاح لها مد جسور داخل المنطقة، وبين الشرق والغرب.

فقبل عقود على تطبيق سياسة «صفر مشاكل مع الجيران» التي أعلنها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» عمادا لسياسته الخارجية، أتقنت عُمان هذه السياسة، وأقامت علاقات سلمية مع ايران والعراق على السواء خلال الحرب الايرانية العراقية بين العامين 1980 و1988، ومع إيران والولايات المتحدة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المذكورتين في العام 1979.

في السنوات الأخيرة، نجحت عمان في إجراء مفاوضات حدودية مع السعودية واليمن، وشجعت على التقارب بين إيران والسعودية، وساهمت في نسج علاقات أفضل بين اليمن والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

مسقط المشاكسة

كما توسطت عُمان بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، بعد نزاع سياسي بشأن دعم الدوحة لجماعة «الإخوان المسلمين»، ونجحت في التمهيد لإجراء محادثات سرية بالغة الأهمية بين واشنطن وطهران، في إطار المفاوضات الدولية بشأن برنامج ايران النووي، وقضايا أخرى كالإفراج عن 3 رهائن أميركيين اعتقلتهم ايران على الحدود الايرانية العراقية.

وعُمان عضو هادئ في «مجلس التعاون الخليجي»، لكنها تلعب دورا مهما، فمسقط، «مشاكسة» بنظر جاراتها الخليجيات، لأنها تغنِّي خارج السرب بسبب علاقتها الودية مع طهران، ومقاومتها العلنية لمحاولات الرياض الهيمنة على «مجلس التعاون الخليجي»، وتحويله أداة لمواجهة ايران، كما قال «صعب».

وبالرغم من إصرارها العلني على عدم الانضمام لمعاهدة العملة الخليجية الموحدة، تهتم عُمان بتعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضاء المجلس أكثر من اهتمامها بمشاريع الوحدة العسكرية أو السياسية.

نموذج التعايش المذهبي

يرى «صعب» أن عُمان واحةً للاعتدال والتسامح الديني في المنطقة، تتميز عن جاراتها بأنها البلد الوحيد في العالم العربي الذي تعتنق غالبية سكانه مذهب الأباضية، وهو مذهب إسلامي لا سني ولا شيعي، وهي أيضا البلد العربي الوحيد الذي نشأت فيه تقاليد دينية متسامحة بحق، إذ من الشائع في عمان مثلًا أن يصلي ذوو المذاهب الإسلامية المختلفة في مساجد بعضهم.

يزاد على ذلك موقف عمان المتقدم نسبيًا من المساواة بين الجنسين، إذ أصدرت قانونًا يدعم حقوق المرأة، ويعالج التمييز ضدها في التعليم والعمل والسياسة.

وضمت المؤسسات السياسية الوطنية عددًا كبيرًا من السياسيات، فتتولى امرأتان حقيبتي التربية والتعليم العالي في الحكومة، وكذلك منصب سفير عمان في الولايات المتحدة.

ويزيد صافي معدلات تسجيل العمانيات في المدارس الابتدائية والثانوية على البنين، وتشكل النساء ثلث القوى العاملة العمانية، وهي نسبة عالية نسبياً في منطقة عربية وشرق أوسطية ذكورية، بخلاف معظم الدول العربية الأخرى، تتساوى المرأة في عمان مع الرجل في حق ملكية الأرض.

من يخلفه؟

يقول «صعب» في «فورين أفيرز»: «أداء عمان أفضل من أداء غالبية الدول الأخرى في المنطقة في السياستين الداخلية والخارجية، وهذا يُنسَب بالدرجة الأولى إلى السلطان «قابوس» الذي بذل شخصيًا، منذ أطاح بوالده بمساعدة الحكومة البريطانية في العام 1970، جهودًا حثيثة هدفها تحديث عمان ورفع مستوى معيشة شعبها وتقوية دورها الإقليمي، فمارس نشاطًا دبلوماسيًا لا يكل، لبناء علاقات سلمية مع جميع جيرانه وترسيم حدود بلده من كل الجهات، كما انتهج سياسات فتحت عمان وجعلتها أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر».

لكن تصميم «قابوس»، يقول صعب، كان مشكلًا أيضا، فبعد ما أنجزه بمفرده، لا يُعرف إذا كان بمقدور أحد أن يحلّ محله، في غياب الأشقاء أو الأطفال أو وريث للعرش، وبوجود قلة من المؤسسات السياسية المرجعية التي لها مصداقية لإدارة المرحلة الانتقالية بفاعلية، مشروع التساؤل عمّا إذا كانت عمان تستطيع الحفاظ على استقرارها من دون «قابوس»، الذي طمأن الديوان السلطاني على صحته مؤكدًا أنه يتابع البرنامج الطبي المحدد، ويحقق النتائج المرجوة المطمئنة.

خوف من الانتهازيين

لا تعاني عمان من الانقسامات الطائفية والدينية، الأمر الذي يقلل من احتمالات وقوع أعمال عنف سياسية شديدة، لكن من المحتمل، إذا رأى فاعلون سياسيون انتهازيون فرصة مواتية، أن تعود الانقسامات القديمة بين الشمال والجنوب إلى الظهور مجددًا.

ويفترض «صعب» أن تكون عُمان قادرة على البقاء من دون «قابوس»، رغم سماته المتميزة وانجازاته، إذ يستطيع البلد أن يعتمد على موقعه الجغرافي وثقافته ورصيده من القوى البشرية لانجاز عملية الانتقال بنجاح ومواصلة السير على طريق التنمية.

كما يُعتقد بأن «قابوس» أعد بالفعل خططًا مفصلة لخلافته، ويُقال إنه كتب رسالة تسمي خليفته المفضل، توجد نسخة منها في مسقط وأخرى في صلالة عاصمة ظفار بالجنوب.

وعلى افتراض أن انتقال السلطة سيجري بسلاسة، فالسلطان الجديد سيواجه تحديات مباشرة تتعدى الحفاظ على تركة سلفه، ولعل أكبر هذه التحديات سيكون تنويع الاقتصاد بتقليل اعتماد البلد على النفط، الذي يشكل 45% من إجمالي الناتج المحلي، وخفض نسبة البطالة البالغة حاليًا 15%.

احتمال التغيير ضئيل

يرجح «صعب» أن يكون احتمال تغيير جذري في سياسة عمان الخارجية ضئيلًا، لكنّ المسؤولون الأميركيون قلقون من أن يكون سلطان عمان المقبل أقل حماسة بشأن شراكة بلده الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وأكثر ميلًا إلى تعزيز العلاقات مع ايران، ما قد يهدد مصالح عسكرية أميركية كبيرة في عمان، بينها قاعدة مصيرة الجوية وقاعدة ثمريت البحرية للطائرات المضادة للغواصات، وقد يمنع الولايات المتحدة من استخدام مطار السيب الدولي، ما يترك تداعيات كبيرة على الاستراتيجية العسكرية الأميركية في المنطقة.

ويقلل «صعب» من شأن هذه الاحتمالات، مستوحيًا من لقاءات عقدها أخيرًا مع مستشارين موثوقين لـ«قابوس»، منهم وزير الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، ليؤكد أن هؤلاء سيبقون أصحاب نفوذ في مسقط.

يختم صعب مقالته في «فورين أفيرز» قائلًا: «يتعذر بالطبع أن نتأكد من كل ما تقدم، ما لم تتضح حالة السلطان الصحية، وفي نهاية المطاف، إنها مهمة قابوس أن يستمر ذلك القائد المسؤول، فيكون شفافا عمّا ستؤول إليه الحال في عمان في المستقبل».

المصدر | إيلاف

  كلمات مفتاحية

دول مجلس التعاون الخليجي سلطنة عمان السلطان قابوس إيران مضيق هرمز باب المندب الإخوان المسلمين

السلطان «قابوس» يوجه كلمة لشعبه من ألمانيا بمناسبة «العيد الوطني» لسلطنة عُمان

«مسقط» تستضيف المفاوضات النووية .. وطهران تشيد بدور السلطان «قابوس» "الإيجابي"

مستقبل عُمان "غير مؤكد" في ظل الشكوك حول صحة «قابوس»

مغردون يطالبون بترشيح السلطان قابوس لجائزة نوبل للسلام

الديوان السلطاني يطمئن أبناء عُمان: السلطان قابوس بصحة جيدة ويتابع أمور السلطنة

قناة الجديد: تدهور الحالة الصحية للسلطان «قابوس» بعد إصابته بالسرطان

سلطنة عمان تنضم الى اتفاقية الربط الكهربائي الخليجي

«وول ستريت»: أولاد «طارق» هم الأقرب للحكم بعد السلطان «قابوس»

واشنطن تتخوف من مفاجآت وأزمات في الشرق الأوسط إذا مات «قابوس»