يبدو أن مقولة أن الرياضة تنجح في كثير من الأحيان في إصلاح ما أفسدته السياسة تبدوا عاجزة في المشهد الرياضي الخليجي العربي، فقد جاء إعلان الاتحاد الإماراتي لكرة اليد قبل أيام انسحاب منتخبه من كأس العالم التي تستضيفها قطر بين 15 يناير/كانون الثاني حتى الأول من فبراير/شباط المقبلين، وذلك بعد ساعات من إعلان انسحاب نظيره البحريني من البطولة نفسها ليكشف بعدا آخر في العلاقة بين الإمارات وقطر من ناحية والإمارات ومصر والجزائر من ناحية أخرى على أرضية الخلافات السياسية بين الدولة المستضيفة من جهة وبين جماهير الفرق الرياضية للدول التي لا تتناغم مع سياسات الإمارات تجاه القضايا العربية بعد الربيع العربي ودعم الإمارات الفج للانقلاب العسكري في مصر والتدخل السافر في ليبيا والضغط السياسي على الجزائر للمشاركة في محاصرة ثوار ليبيا.
القرعة أوقعت الإمارات التي تأهلت للمرة الأولى في تاريخها إلى النهائيات كرابعة آسيا ضمن المجموعة الثالثة إلى جانب مصر والجزائر وفرنسا والسويد وتشيكيا ودفعت رئيس المكتب التنفيذي للاتحاد الإماراتي للعبة «ماجد سلطان» لإعلان انسحابه قائلا : «أرسلنا رسالة إلى الاتحاد الدولي لكرة اليد تفيد بانسحابنا رسمياً من مونديال اليد المقبل في قطر».
ورفض «سلطان» الإفصاح عن الأسباب التي دعت الإمارات إلى الانسحاب، مؤكداً ما نشرته الصحف الإماراتية أخيراً أن «الأمر يعود لأسباب فنية وعدم مثالية الإعداد»، و جاء الانسحاب مقنعا ومتماشيا مع الواقع إذ إن هناك تخوفاً من أن يتعرض المنتخب لهزائم كبيرة والخروج بـ «فضيحة» يتحول بسببها حلم المونديال إلى كابوس على حد قوله .
وكشف «سلطان» عن أن الاتحاد خاطب الاتحادين الدولي والآسيوي للعبة بالاعتذار الرسمي عن عدم المشاركة في بطولة العالم، وقال: «ندرك أن هناك عقوبات سيتم توقيعها على الإمارات، ومهما كانت العقوبات، فالاعتذار أفضل في الوقت الحالي خاصة مع وجود قائمة طويلة من الإصابات والغيابات وعدم الجاهزية .
وكان من المقرر أن تمثل البحرين والإمارات القارة الآسيوية في كأس العالم مع قطر وإيران قبل أن يعلن الاتحاد الدولي لكرة اليد انسحاب البحرين من البطولة، من دون أن يوضح الأسباب التي دفعتها إلى ذلك رغم تأهلها إلى المباراة النهائية لكأس آسيا التي استضافها على أرضه في وقت سابق من هذا العام قبل أن يخسر أمام نظيره القطري، ليضمن مشاركته في بطولة العالم.
كما أحرز الميدالية البرونزية لدورة الألعاب الآسيوية التي أقيمت في إينشيون في كوريا الجنوبية من 19 سبتمبر/أيلول حتى 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضيين، في حين حققت الإمارات فيها نتائج مخيبة وخرجت من الدور الأول.
مراقبون رياضيون استبعدوا تبريرات رئيس المكتب التنفيذي للاتحاد الإماراتي للعبة موضحين أن المنتخب الإماراتي لا تعوقه أي أسباب فنية عن المشاركة، وأن الكل يعرف مقدار ما تنفقه الدولة على الرياضة بجميع أنواعها مقارنة بجوانب أخرى.
خبر انسحاب الإمارات ومن قبلها البحرين يعبر عن الأزمة السياسية للدولتين الممثلتين للمحور الثلاثي برعاية السعودية لمحاصرة قطر سياسيا وثقافيا واقتصاديا ورياضيا بعد إعلان انسحاب سفرائهما في أوائل مارس/آذار 2014 للضغط عليها لاتهامها بعدم تطبيق الاتفاقيات الموقعة بين دول التعاون بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، والادعاء بأن قطر تدعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وترك الإعلام المعادي المنطلق من أراضيها عبر قناة «الجزيرة» لينهش في سياسات دول الجوار التعاوني.
ورفضت قطر – في وقته – بيان الدول الثلاث، وقالت – في بيان رسمي – : إن خطوة سحب السفراء «لا علاقة له بمصالح الشعوب الخليجية وأمنها واستقرارها»، مؤكدة أن هذه الخطوة جاءت نتيجة اختلاف في المواقف حول قضايا خارج دول مجلس التعاون، وكان «ضاحي خلفان قائد شرطة دبي السابق قد صعد من تصريحاته ضد قطر، حيث وصفها بأنها تمد البساط الأحمر لقيادة منظمات وصفها بالإرهابية في المنطقة وذك بعد أيام قليلة من سحب السفراء من الدوحة.
وفي سياق الأزمات المتبادلة بين الإمارات وقطر من ناحية والبحرين وقطر من ناحية أخرى يتصدر مشهدان أيضا يعبران عن حالة الاحتقان بين دولهما في المجالات الرياضية والسياسية حكومة وشعبا.. فمؤخرا منعت دولة الإمارات المتحدة المسئول القطري «ناصر بن خليفة» نائب رئيس «الإتحاد الدولي للسيارات» من الدخول إلى أراضيها بعدما طُلِب السلطات المختصة من «ناصر بن خليفة العطية» نائب رئيس «الاتحاد الدولي للسيارات» عدم الصعود لمنصة افتتاح رالي أبوظبي بطريقة وصفها المنسق الإعلامي بأنها «غير مبررة»، حيث تم تبرير ذلك المنع بأنه لأسباب أمنية رغم السماح له بالدخول لدولة الإمارات وبناء عليه قطع العطية زيارته للإمارات مباشرة وعاد إلى العاصمة القطرية الدوحة على وجه السرعة رافضا أي تبرير لهذا الموقف الهزيل.
وفي المقابل صدر تحذير شديد اللهجة لوزير الداخلية البحريني لدولة قطر أنه في حالة استمرارها بتحريض المواطنين على ترك الجنسية البحرينية سوف يدفع البحرين لاتخاذ إجراءات ما كانت تتطلع للجوء إليها؛ بينما أعربت دولة قطر عن استغرابها من اتهامات البحرين، مؤكدة حرصها على علاقات الأخوة الراسخة مع مملكة البحرين.
والجدير بالذكر أن القوانين البحرينية تسمح بازدواج الجنسية لمواطنيها بحسب شروط معينة في قانون الجنسية وتعديلاته الأخيرة، منها أن يكون المواطن حامل لجنسية أحد دول مجلس التعاون الخليجي.
أما عن الجزائر فقطر أعلنت أنها ستقف لمساعدة الجزائر في دفع أطراف النزاع الليبي إلى القبول بالمبادرة الجزائرية لحل الأزمة الليبية بحسب ما نقلت «وكالة الأناضول للأنباء» إلا أن ما جاء على لسان خبراء وسياسيون جزائريون بعد زيارة «محمد بن زايد» إلى الجزائر أن الإمارات تسعي لإفشال المبادرة الجزائرية للحوار بين الليبيين، وتفضل منهج الحرب ودعم قوات اللواء المنشق «حفتر» بالتعاون مع مصر للقضاء علي الإسلاميين في ليبيا وإجهاض الثورة الليبية كما فعلت في مصر واليمن وتحاول في تونس فضلا عن الأزمات الدبلوماسية بين البلدين واستدعاء الجزائر للسفير الإمارات لبحث مشاكل العملة الجزائرية والتلويح بعدم دخول من هم أقل من أربعين عاما إلى الأراضي الإماراتية .
يذكر أن حرب علاقات عامة ناعمة تجري رحاها بين الإمارات وقطر كشفت عنها تسريبات أمريكية أكدت فيها تورط شركة دولية للعلاقات العامة استحوذت الإمارات عليها مؤخرا في توجيه الصحفيين وتضليلهم حول أنشطة قطر ومحاولة إلصاق تهم الإرهاب بها بحسب ما جاء على لسان «إيان بلاك» محرر شؤون الشرق الأوسط الكاتب بجريدة «الجارديان البريطانية» في تحليل له مؤخرا أن أحد المصادر الرئيسية للصحفيين حول أنشطة قطر كان شركة دولية للعلاقات العامة استحوذت الإمارات عليها مؤخرًا».
