لماذا ينضم مسلمو أوروبا لـ«الدولة الإسلامية»؟

السبت 22 نوفمبر 2014 10:11 ص

الأرقام المعلنة مُقلقة؛ خاصة بعد تصريحات مفوضية شرطة العاصمة في لندن مؤخرًا بأن خمسة مواطنين بريطانيين ينضمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» كل أسبوع، ما يرفع عدد المسلمين الأوروبيين في صفوف التنظيم المسلح؛ والذين يُعتقد أنهم حاليًا بالآلاف.

وعلى الرغم من التغطية الشاملة في وسائل الإعلام، إلا إن السؤال عن السبب لا يزال لغزًا. وتركز معظم التقييمات على دور الأيدلوجية «الجهادية» و«التطرف» في تحفيز هؤلاء المُجندين. هذه التقييمات تميل إلى تبسيط وتقليل حجم العوامل المُعقدة التي تؤثر على المجتمعات المسلمة الأوروبية داخليًا وخارجيًا. لقد قمتُ بإدانة الأفعال الشنيعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» علانية أكثر من مرة، ولكي نتمكن من إلحاق الهزيمة بالإرهاب، علينا أولاً فهم العوامل الكامنة وراء سر انضمام المسلمين الأوروبيين للتنظيم أو حتى تأييده.

المسلمون في أوروبا الذي ينضمون لــ«داعش» للقتال ينتمون عادة إلى الجيل الثاني أو الثالث من مجتمعات المهاجرين من الشرق الأوسط أو جنوب آسيا. وقد تكون هذه الأجيال عرضة للانزلاق نحو هذا المسار لأنهم على حافة فقدان ثقافة أسلافهم، وعدم استيعابها أو قبولها بالكامل في بلد يعيشون فيها، على الرغم من كونهم مواطنين كاملي الحقوق.

وعلى عكس الولايات المتحدة؛ تم إنشاء العديد من المجتمعات المسلمة في أوروبا من خلال الاتفاقات المُبرمة بين الدولة المضيفة والدول الإسلامية لتوفير العمل اليدوي لتعويض نقص العمالة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لذلك - على سبيل المثال - سلكت أعداد كبيرة من الباكستانيين طريقها إلى المملكة المتحدة، والأتراك إلى ألمانيا، والمغاربة إلى بلجيكا. ويواجه هؤلاء المهاجرين وذريتهم مشاكل هيكلية جوهرية تتعلق بالاندماج في المجتمع. ونشأ هؤلاء عادةً في المناطق الضعيفة اقتصاديًا من دون الحصول على فرص التعليم والعمل المناسبة.

ومما يجعل هذا الوضع المؤسف أكثر سوءا أن فشلت القيادة الدينية في المجتمع الإسلامي في توجيه الشباب. ويجد الشباب صعوبة عندما يحتاجون مناقشة مشكلاتهم مع إمام محلي يتولى أمور مسجد، وفي بعض الأحيان قد يكون الأمر مستحيلاً. وتستقدم المساجد معظم أئمتها من الخارج دون معرفة قوية بالأفكار والمصالح في التاريخ الأوروبي أو الثقافة. وغالبًا ما يكون الإمام غير قادرٍ على التحدث باللغة الأوروبية المحلية بشكل يتيح له التواصل مع دوائره. لذلك عندما نقترب من الشباب المسلم للحديث معهم عن المشكلات الاجتماعية التي تواجه الشباب الأوروبي - الكحول والمخدرات والجنس والبلطجة – تجدهم بلا أدنى فكرة عن كيفية تقديم النصح لأقرانهم بشكل فعال. كما تلمح من كلامهم عدم وجود صورة واضحة المعالم بشأن تعريف الجهاد نفسه. باختصار، لقد أصبح الأئمة في واد والجالية المسلمة في وادٍ آخر فيما يتعلق بمناقشات تلك الأمور. أولياء الأمور كذلك؛ كل ما يعنيهم هو تكوين أنفسهم ماديًا في المجتمع الأوروبي، ما جلعهم بمعزل عن الجيل التالي، كما هو واضح من الصدمة والرعب عندما يُتهم أبنائهم وبناتهم في قضايا تتعلق بالإرهاب.

هناك أيضًا عوامل خارجية لها دور فاعل في تحفيز الشباب على الانضمام لتنظيم «الدولة الإسلامية».

أهم هذه العوامل هي «الإسلاموفوبيا» أو ظاهرة «الخوف من الإسلام»؛ والتي تنمو بشدة منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة. ينشأ الشباب المسلم في بيئة تفرض عليه أن يكون في موقفٍ المدافع عن نفسه باستمرار. وتسخر وسائل الإعلام من الدين الإسلامي وما يمت إليه بصلة من إله ورسول وكتاب سماوي وحتى عادات وتقاليد. والأسوأ من ذلك، أن شغل المعلقين الإعلاميين الشاغل انصب على لصق ممارسات غير إسلامية - مثل جرائم الشرف وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث – بأنها أعمال إسلامية محضة. وتدفع «الإسلاموفوبيا» الشباب؛ الذي ربما يكون غاضبًا بالفعل من الوضع الاجتماعي والمشكلات الهيكلية التي نوقشت أعلاه، بعيدًا عن المجتمع مفضلاً العزلة. وبالفعل فإن الإحساس المعلق بين ثقافات عدة يجعله فريسة سهلة لهؤلاء الذين يدافعون عن القتال في الشرق الأوسط، أو فكرة أن هناك حياة أفضل مع «الدولة الإسلامية» بعيدًا عن المشكلات التي تؤرقهم في أوروبا.

وإذا كان هذا غير كاف فإن تحركات اليمين المتشدد القاسية والمتزايدة تطبق مزيدًا من الضغوط، بدءًا من بريطانيا الأولى في المملكة المتحدة وحتى الفجر الذهبي في اليونان. هذه الجماعات تستهدف المهاجرين، ولكنها تركز تحديدًا على المسلمين. تعامل المسلمين غالبًا بأسلوب عنيف في مساجدهم وداخل بيوتهم. تُعدّ هذه الجماعات دائمًا مصدر لقلق المجتمع المسلم وخوفه وحتى غضبه.

وفي الوقت الذي ندين فيه «الدولة الإسلامية»، لابد أن نقرّ بأن العديد من الشباب المسلم الذي ينضم للتنظيم يخضع لما يمكن أن نسميه «عامل هيمنجواي»، لقد وجد الأديب «إرنست هيمنجواي» في أواخر التسعينيات نفسه مثل العديد من الأمريكيين، في إسبانيا يحارب ضد حكومة «فرانكو» الفاشية. وبالنسبة له فإن رواية «لمن تقرع الأجراس» ربما كان الأشهر لتجسيدها حقيقة الصراع. ولمقاومة «فرانكو»، شارك الثوار في بعض الأنشطة - التي نراها الآن في منطقة الشرق الأوسط اليوم - كالتفجيرات الانتحارية والقتل العشوائي وتدمير الجسور وأعمال عشوائية تتسم بالقسوة المفرطة. الأمريكيون مثل «هيمنجواي» والأوربيون مثل «جورج أورويل» تولد لديهم إحساس الدفاع عن المستضعفين والقتال من أجل «قضية». وبالمثل، ينظر العديد من المسلمين إلى ما قام به «الأسد» في سوريا – قتل أكثر من 200 ألف وتشريد الملايين – بينما الغرب لا يبالي ولا يحرك ساكنًا. لقد فقدوا الثقة في حكوماتهم.

هذه ليست المرة الأولى التي يُرى فيها «عامل هيمنجواي» بين المسلمين الأوروبيين. فقد سافر الأوروبيون في الثمانينيات إلى أفغانستان للقتال ضد السوفيت. وفي التسعينيات سافر شباب من بريطانيا إلى البوسنة عندما رأوا الإبادة الجماعية للمسلمين في ظل لامبالاة مُتعمدة من أوروبا. لقد ذهب كثير من المسلمين لتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية، وشارك البعض في القتال بشكل أو بآخر.

عند ضم هذه العوامل إلى بعضها البعض يتضح السبب وراء انضمام هذا العدد الكبير من الشباب المسلم في أوروبا إلى «الدولة الإسلامية»، والذين يعلنون استعدادهم لتقديم التضحية الكبرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن؛ ما الذي ينبغي عمله؟ هناك دور أساسي للحكومات الأوروبية؛ حيث يمكنهم تقديم مبادرات محددة تهدف إلى تهدئة مخاوف الشباب المسلم، ودمجهم في البرامج المختلفة، وتوفير فرص عمل لهم. وفي الوقت الذي تحافظ فيه الحكومة على وضع القانون موضع النظام يتحتم عليها اغتنام أي فرصة تُظهر بها احترام الجاليات المسلمة وتكريمها بشكل قوي. وعلى الحكومات ألا تنسى أبدًا أن هؤلاء مواطنون لهم كل حقوق المواطنة. كما يتعين على الحكومات الأوروبية العمل بشكل وثيق مع الزعماء المسلمين في المجتمعات المحلية لخلق إحساس بالثقة.

لا يمكن حل هذه المشكلة دون أخذ كافة العوامل المذكورة آنفًا في الاعتبار. أما بالنسبة للحلول فهي طويلة الأمد وشاملة، لكن على الحكومات الأوروبية وقيادات الجاليات المسلمة أن تتعاون لوضع حلولٍ لتلك المشكلة.

المصدر | أكبر أحمد، هافينغتون بوست

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية داعش أوروبا أمريكا

50 مواطنا فرنسيا قتلوا في المعارك في سوريا

لماذا تنخرط فتيات الغرب في «داعش»؟

نساء "داعش": لماذا تنجذب النساء للانضمام للتنظيم؟!

العثور على أسترالي مفقود في فيدو لداعش .. و5 بريطانين ينضمون للتنظيم أسبوعيا!

التليجراف: مقتل نحو 30 جهاديا بريطانيا في صفوف «الدولة الإسلامية» بسوريا

«أوباما»: المخابرات الأمريكية استهانت بتنظيم «الدولة الإسلامية»

افتتاحية نيويورك تايمز: خطر الجهاديين الأجانب

عارض الأزياء الأسترالي «شاركي جمعة» ينضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية

5 لاعبي كرة قدم أوربيون ينضمون إلى صفوف «الدولة الإسلامية»

فرنسا: منع طالبة من دخول المدرسة بسبب ارتدائها «تنورة طويلة»!

بريطانيا تمدد عملياتها الجوية ضد «الدولة الإسلامية» في العراق إلى 2017