ديفيد هيرست: ماذا يخبئ العام الجديد في جعبته للسعودية ومصر والثورات العربية؟!

الخميس 1 يناير 2015 10:01 ص

تشرق شمس العام الجديد على فيتو أمريكي جديد في مجلس الأمن ولن تشارك فيه فرنسا هذه المرة.

لقد باتت هذه الطقوس رمزًا يتناسب مع قبضة الغرب المرتخية في منطقة الشرق الأوسط؛ فهي تكشف عن قوى تبلغ من القوة ما يتيح لها فرض الحظر، لكنها أضعف من أن تتمكن من بناء شيء يعش طويلاً. دولة تزدري الأقطار العربية ذاتها - مُفضلة عليها إسرائيل – رغم أنها تحتاجها للتحالف ضد «الدولة الإسلامية»، ودبلوماسية جعلت من نفسها بلا فائدة. إنه شجار بين حلفاء يؤمنون بحل الدولتين. وقد تجاوز معظم الفلسطينيين تلك النقطة منذ أمد بعيد.

لقد تمّ تشديد المشروع المُقدم للأمم المتحدة بشأن الدولة الفلسطينية ليشمل الإشارة إلى أن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاستيطان، بالإضافة إلى وضع سقف للمحادثات لا يتجاوز عاما. لكن ذلك لم يكن بالشدة الكافية من وجهة نظر حركة «حماس» التي رفضت تقسيم القدس، كما رفضت الصياغة التي لا تتضمن الإشارة إلى حق العودة.

ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية المشروع؛ لأنها لا ترى الأشياء إلا من خلال منظار ”الاحتياجات الأمنية المشروعة“ لإسرائيل. وباتت تلك الاحتياجات المتحركة في الوقت ذاته تشمل المستوطنات المحيطة بالقدس، والتواجد الدائم في وادي الأردن، ورفض كل ما يتعلق بحق العودة رفضًا تامًا.

ويخبرك هذا التباين الجلي في المواقف - والذي لا يمكن بأي حال الجمع بينها - بكل ما تريد معرفته بشأن عجائب وغرائب ”أليس“ في محاولة حل الدولتين الذي يشبه القطة التي تأخذ ما تريد ثم تترك ابتسامتها ورائها. ولكن السؤال: هل يمكن لشيء بلا جسد أن تُقطع رأسه؟ لابد أن «باراك أوباما» قرأ للروائي «لويس كارول».

إذا كان الوضع الراهن المتعلق بالصراع الفلسطيني ليس سوى مأزق ناتج عن سياسات بلا جدوى، فإنه ونحن على أولى خطوات عام 2015م لا ينبغي لأحد أن يكون أحمقا لدرجة أنه يخلط بين التعنت والاستقرار. التيارات التي تتدفق تحت السطح قوية وسريعة، ويمكن للقدس التي تخلو من الزعامات الفلسطينية - السلطة الفلسطينية عاجزة عن إصدار أمر أونهي - أن تشتعل في أي وقت. وينطبق الأمر ذاته على الضفة الغربية رغم وجود السلطة الإسمي بها. تأمّل الأصوات التي انبعثت في جنازة »إمام جميل دويكات» البالغ من العمر 17 عامًا يوم الثلاثاء الماضي.

السعودية باتت أضعف

ويمكن قول نفس الشيء عن المنطقة بأسرها. لقد اعتُبر عام 2014م العام الذي هوت فيه الإخوان المسلمين والقوى الثورية العلمانية؛ والذين أطاحوا معًا بعدد من الطغاة دُفعة واحدة قبل أربعة أعوام. إذا كانت تلك هي الهزيمة فأين يكمن الانتصار تحديدًا؟ هناك أربع دول يمكن أن يقال عنها إنها دول فاشلة بلا أدنى شك: العراق وسوريا واليمن وليبيا.

تأمل للحظة كيف يبدو عام 2015م في عيون من يفترض أنه المنتصر في هذا الصراع، وأقصد بكلامي العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبدالعزيز»؛ فيا تُرى ما الذي يدخره له العام الجديد؟

أيًا كان ما ينظر إليه الملك، فإن المملكة العربية السعودية أضعف حالاً مما كانت عليه حينما ورث الحكم؛ في الشمال ترفرف الرايات السوداء لـتنظيم «الدولة الإسلامية» الهائج، وفي الجنوب؛ هناك القاعدة التي تدعي أنها حامي السنة ترفع علمها في اليمن. وفي الوقت ذاته؛ تتبجح إيران بلا مبالغة مُعلنة أنها باتت تضع في جيبها أربع عواصم عربية.

ويمكننا أيضًا أن نرى التحالف العسكري ضد «الدولة الإسلامية» في حالة يُرثى لها. ولم يتحمل الأردن أسر طيار واحد من طياريه فأضحى في حالة من التردد والاضطراب، وتعرض زعماؤه لضغوط شعبية شديدة تلح بتأمين تحرير الطيار، بل وانبرى ثمانية من أعضاء البرلمان للتوقيع على رسالة تطالب الحكومة بالانسحاب من التحالف.

وتنطلق التحذيرات الحمراء بشكل منتظم في المملكة العربية السعودية ذاتها؛ سواء داخل العائلة الحاكمة أو خارجها. وتردّت الحالة الصحية لولي العهد، وباتت قضية توريث الحكم محل جدل ونزاع بين المعسكرات المتنافسة. التحذيرات التي أرسلتها المشاهد في قرية «العوامية» الأحد الماضي كافية للغاية. لقد تجمّع حوالي 15 ألف رجل وامرأة وطفل للمشاركة في جنازة مهيبة لأربعة أشخاص قتلوا على يد قوات الأمن. وقالت وزارة الداخلية إن ”الإرهابيين“ الأربعة قُتلوا في عملية جاءت ردًا على مقتل رجل شرطة في القرية منتصف ديسمبر/كانون الأول. وهتف المشاركون في الجنازة: «يسقط آل سعود»، ولم يطالبوا بالعدالة، لكنهم طالبوا بالانتقام.

هل بإمكان أي جهاز أمني في الدولة أن يخبر ملكهم بلا خوف أن هذه النقاط الساخنة ليست أقل قوة لحشد غضب شعبي من التضحية بالنفس التي قام بها البائع التونسي - «محمد بوعزيزي» - في شوارع تونس، أو إلقاء القبض على الأطفال الذين يكتبون: «الشعب يريد إسقاط النظام» على جدران درعا؟ هي نفس القوى التي أطلقت العنان لثورة عربية شاملة قبل أربع سنوات موجودة اليوم.

وسيكون ”نصر“ «عبد الله» بتوريث العالم العربي مع خيار ثنائي بين شكلين من الاستبداد؛ إما الفساد والمحسوبية وعدم المساواة في الملكية المطلقة وإما استبداد «الدولة الإسلامية».

في مصر .. انقسام وقيادات جديدة

ولا يمكن للرؤية التي تستدعيها المحادثات الهاتفية المُسربة من مكتب الرئيس «عبد الفتاح السيسي» أن تكون أكثر إشراقًا. لقد كشفت تلك التسريبات حقيقة المناقشات بين قادة مصر الأقوياء، وكيفية التستر على حقيقة احتجاز الجيش -وليس وزارة الداخلية - للرئيس المعزول «محمد مرسي»، بالإضافة إلى كيفية التأثير على القضاة في قضية الضباط المتهمين في واقعة موت 37 سجينًا في عربية ترحيلات الشرطة وإلغاء حكم سابق بالسجن ضدهم بتهمة ”الإهمال“، وأيضًا رفع حظر السفر الذي كان مفروضًا على نجل «محمد حسنين هيكل»؛ السياسي المخضرم الموالي للسيسي.

ولا تزال القوى التي ملأت ميدان التحرير منقسمة بشكل مرير، وهو الانقسام الذي يظل المصدر الأساسي لراحة «السيسي». القوى العلمانية الليبرالية لا تريد أن تسامح الإخوان المسلمين فيما يخص تخلي الجماعة عنهم في أحداث «محمد محمود» عام 2011م، وكذلك الإخوان لا يجدون سهولة في التواصل مع هؤلاء الذين دعموا عزل «محمد مرسي». ولا يمر يوم واحد دون تذكير الليبراليين بحماقاتهم عند دعمهم لعزل «مرسي»، والحق يُقال أن جناحي مظاهرات ميدان التحرير اقترفا سوء تقدير مذهل لدور الجيش والطبيعة الحقيقية للسيسي ذاته.

لن يظل معسكر المعارضة ثابتًا؛ فقد تم تهميش القادة القدامى، وبزغت قيادات جديدة شابة. وبحسب مصدر وثيق الصلة فإن 70% من القيادات الإخوانية في مصر قد حلّ محلها شباب، ما ينبيء أن القادة الجدد لن يكونوا في مثل سذاجة الجيل القديم، وهو ما يصب بقوة في توقعات نجاح الثورة المقبلة على الرغم من استمرار جهود الملك «عبدالله» المُضنية وتدفق الملايين السعودية لتغيير مسار الديمقراطية في مصر.

وزادت في مصر شعبية جماعة الإخوان المسلمين بحسب أحدث استطلاعات رأي مؤسسة «زغبي» الأمريكية. وأحدث الدلائل هو الاستطلاع الذي أظهر إحصائيات متساوية بين نسبة من ينظرون إلى الجماعة بشكل سلبي ومن ينظرون إليها بشكل إيجابي (44%، 43% على التوالي). وهذا بالضرورة لا يحدد بدقة شعبية الجماعة، لكنه في الوقت ذاته يظهر عدم الارتياح بشأن الطريق التي يأخذ «عبد الفتاح السيسي» البلد إليها.

وعندما ننظر إلى الواقع سنجد أن الشعلة التي أوقدها الربيع العربي قبل أربع سنوات لن تنطفئ بسهولة أو بسرعة. الفترة الزمنية لنجاح تلك الثورة ربما تمتد على نحو يتجاوز ما دار في مخيلة أي شخص منذ أربعة سنوات. وانظر إن شئت إلى الثورات البورجوازية. ففي خلال عام؛ سحقت الديكتاتورية البونابرتية ثورة العمال عام 1848م، وانضم إليها الليبراليون الذين شاركوا في إعادة تأسيس أشكال جديدة من الديكتاتورية كما يفعل الليبراليون في مصر الآن.

وعلى الرغم من كل ما حدث فقد ظلت أفكار عام 1848م حيّة لتشهد تنفيذها في وقت لاحق. وهذا ما سيحدث في العالم العربي. ما لم نقبل بالطبع الديمقراطية كشكل للحكومة لأي مكان خلا العالم العربي. وهذا ما يجادل به من يستخدمون الفيتو في الأمم المتحدة في الوقت الراهن. هذا الوضع الراهن لا يمكن الدفاع عنه مُطلقًا أو التماس الأعذار له.

المصدر | ديفيد هيرست، ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

2015 السعودية الملك عبدالله الدولة الإسلامية الإخوان المسلمون مصر الربيع العربي عبدالفتاح السيسي فلسطين

ديفيد هيرست: أخطاء نتنياهو الأربعة الكبرى

رغم التوبيخ السعودي له ... هيرست يؤكد مجددا: إسرائيل والسعودية ومصر على اتصال يومي بشان غزة

ننشر مقال ديفيد هيرست الذي احتج عليه سفير السعودية: "هجوم على غزة بمرسوم ملكي سعودي"

هيرست: مسؤولون من الموساد والاستخبارات السعودية يجتمعون بصفة منتظمة

«ديفيد هيرست»: الثورات العربية ستنجح بفضل القيادات الشبابية

2015 سنة احتواء الأضرار

لماذا إذن لا يتصالح هؤلاء العرب مع مستبديهم ويحقنون الدماء؟!

واشنطن بوست: «السيسي» أكثر وحشية من الديكتاتور التشيلي «بينوشيه»

«الأمن الوطنى» يحذر «السيسي» من مقترح سعودي بتخفيف الضغط على الإسلاميين

«جلوبال ريسك»: دعم قطر للإخوان المسلمين لن يضر بعلاقاتها مع الغرب

انهيار «النظام العربي» قبل الثورات!