السعوديون يسعون لوضع ”رئيسهم الجديد“ في البيت الأبيض

الأحد 4 يناير 2015 02:01 ص

ترتبط السياسة - كما نعلم - ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد، وفي كثير من الحالات تسير جنبًا إلى جنب مع الممارسة الاقتصادية التي تعلنها دولة معينة. ويمكن رؤية هذا الترابط القوي بشكل واضح في تطور دورة انخفاض أسعار النفط الأخيرة.

أولاً وقبل كل شيء؛ فإن الدولة التي بدأت في خفض الأسعار كانت المملكة العربية السعودية؛ العضو الأقوى على منظمة «أوبك». وتمّ وضع العديد من الأسباب مسبقًا كتفسير للمسار الجديد وغير المتوقع نهائيا من الرياض. ولكن إذا كنت تحلل بدقة الأحداث السياسية لهذا العام والعلاقات السعودية الأمريكية بشكل عام فيبدو أن هناك شيئٌ غير متوقع بالمرة.

وكما هو معروف؛ فإن واشنطن بوصولها إلى ما أسمته بطفرة الصخر الزيتي لم تعد تطلب النفط السعودي كما كان في السابق، بل ووقفت موقف المنافس للسعوديين في هذا الصدد. علاوة على ذلك؛ فقد بدأت إدارة أوباما مغازلة ”آيات الله“ الإيرانيين بسبلٍ عدّة، وعلى ما يبدو أنها رأت الرهان على إيران سياسيًا واقتصاديًا أقوى وأنفع.

وهنا لا بد من إيلاء الاهتمام لعودة طهران إلى عالم السياسة بعد انتخاب المعتدل والبراجماتي «حسن روحاني» للرئاسة. وتحتل إيران المرتبة الثانية في العالم في احتياطيات الغاز الطبيعي والمركز الثالث في احتياطي النفط، ما يعني أنها قادرة بشدة على تغيير ميزان لعبة الطاقة في الشرق الأوسط. مستوى التعليم الخاص الخاص بسكانها البالغ عددهم 80 مليون نسمة ليس أقل مستوى من الغرب، وستكون عودتها الكاملة إلى النظام الاقتصادي العالمي حدثًا هامًا للغاية.

وبطبيعة الحال؛ فإن هذا هو الإحساس الذي يسود حاليًا في الرياض؛خاصة في أوساط أجيال شباب الأسرة الحاكمة والتكنوقراط في المملكة في الوقت الذي أصبح فيه الملك «عبد الله بن عبدالعزيز» البالغ من العمر 90 عامًا مريضا للغاية. وبما للمرة الأولى منذ عام 1945عندما تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» والعاهل السعودي الملك «عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود» (ابن سعود) بشأن التحالف الاستراتيجي، يفهم السعوديون بوضوح أن عليهم الآن أن يتولوا مهام رعاية أنفسهم وعائدات النفط الهائلة لديهم. وكان هناك تعهد بموجب هذا الاتفاق من قبل الولايات المتحدة أن تواصل دعمها المستمر للعائلة المالكة في السعودية وشركة النفط «آرامكو» طالما يحصلون على الذهب الأسود دون انقطاع. وظلت هذه العلاقات تقريبا سليمة تماما على الرغم من الصعود والهبوط بسبب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن واشنطن بدأت الآن تنأى تدريجيا عن الدعم غير المشروط للرياض والأسباب كما سبقت الإشارة عديدة.

وتمثلت أحد الخطوات التي تبنتها السعودية في دفع أسعار النفط لانخفاض حاد من خلال الحفاظ على مستوى إنتاج «الذهب الأسود». وتمتلك المملكة أحد أدنى نقاط التعادل في العالم لبرميل النفط مقارنة مع الولايات المتحدة، حيث تبلغ نقطة التعادل للصخر الزيتي حوالي 50 - 80 دولار. وبات اليوم الذي لن يتم فيه تطوير الصخر الزيتي قريبا، وسيفرض السعوديون الذين سيعودون مجددًا إلى سوق النفط في الولايات المتحدة أسعارا احتكارية. وبالإضافة إلى ذلك؛ يبذل الأمراء الشباب الطامحون في العرش السعودي جهودهم لتنفيذ خطة لا تهدف فقط إلى الاستحواذ على السوق النفطية في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا يريدون نفوذا هاما - إن لم يكن حاسما – في النظام السياسي الأمريكي؛ بما في ذلك التأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في غضون عامين.

وفي الوقت نفسه؛ يدرك السعوديون جيدًا أنهم إذا ساعدوا حليفهم ليحصل على أعلى الأصوات بالإضافة إلى إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على الحملة (يوجد بالفعل في البنوك الأمريكية حاليًا حوالي تريليون بترودولار سعودي)، فإن سيد البيت الأبيض القادم حتمًا سيقدم ما يعرب به عن امتنانه للمساعدين، كما أنه من المرجح أن يغلق الطريق أمام انطلاق المرحلة المقبلة من طفرة الصخر الزيتي. ويرغب السعوديون - إلى حد ما - في الوقت الراهن في تكرار خطة الحظر النفطي الناجحة الذي تم تنفيذها في عام 1973م، والتي لا تزال تتمخض عن تحول إيجابي من جانب واشنطن تجاه العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا ممكن في الوقت الراهن، أم أن ”الديمقراطية“ الأمريكية التي تتباهى بها واشنطن لا تزال سائدة؟

سيظهر ذلك جليًا بعد وقت ليس ببعيد، ولكن في الوقت الحالي علينا أن نقوم بفحص المؤسسات والسياسات التي يمتلكها السعوديون في الولايات المتحدة.

اللوبي السعودي في واشنطن

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الأمريكي يحظر الضغط المباشر من قبل الحكومات الأجنبية. ومع ذلك؛ فقد تم تطوير آليات فعالة للسماح للدول الأجنبية لتحقيق مصالحها في الساحة السياسية الأمريكية ويكون لها تأثير على تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية والانتخابات في الولايات المتحدة. الاتجاه السعودي للسياسة الخارجية الأمريكية هو نموذج ممتاز لهذا النوع من الضغط في الوقت الذي منحت فيه العلاقات القوية - التي أنشئت في النصف الثاني من القرن العشرين بين القيادة الأمريكية وشركات الطاقة الأمريكية ودول الخليج المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية - هذا الأخير الفرصة لاستخدام الموارد المالية والنفط للتأثير على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

ووفقًا لبعض الباحثين الأمريكيين؛ فإنه على الرغم من حقيقة أن أمن النظام الملكي العربي يعتمد إلى حد كبير على الدعم والأسلحة الأمريكية على مدى السنوات التي نجحوا فيها في العمل على هذا المسار من التعامل مع واشنطن، فإنه من الممكن أن نتحدث عن تبعية مناطق معينة في السياسة الخارجية الأمريكية (لا سيما في مجالات الطاقة والأمن وإمدادات الأسلحة والعلاقات مع دول المنطقة) لمصالح دول الخليج؛ وخاصة المملكة العربية السعودية. وتمكنت السعودية على مدى سنوات عديدة من التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة من وضع جيش كامل من جماعات الضغط التي تعمل بمثابة شبكة مُنظمة تنظيمًا جيدًا على نطاق واسع. ويتم حلّ مختلف القضايا عن طريق هذه الجماعات؛ بدءًا من شراء الأسلحة الثقيلة وحتى المعاملات الخاصة بمجال إنتاج النفط وتصديره. كما يمتلك السعوديون فرصة التأثر على الحياة السياسة في الولايات المتحدة بمساعدة تلك الجماعات الضاغطة.

وينبغي التأكيد على أن الجمهوريين كانوا دائمًا الأقرب بشكل خاص لدول الخليج العربية. ولكن يجب ألا ننسى أنه وفقًا للتقاليد، لم يكن هناك حزب في السلطة لأكثر من 8 سنوات (فترتين للرئيس)، والآن جاء دور الحزب الجمهوري. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، فإن المملكة العربية السعودية تتعاون بشدة مع شركة «كورفيس» للاتصالات؛ والتي بأي وسيلة - مشروعة أو غير مشروعة - تتخذ تدابير يائسة لتحسين صورة المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة. وحصلت الشركة على مدى السنوات العشر الماضية على 60.3 مليون دولار أمريكي من الرياض مقابل استمرارها في تقديم الخدمات إلى السعودية في مجال الإعلام.

وكان أحد المشروعات الأولى من «كورفيس»عمل قصص تلفزيونية وإذاعية قصيرة (تستمر 30-60 ثانية) تركز على الصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية والتزام النظام الملكي بمكافحة الإرهاب. وفي الوقت نفسه، تمّ تنظيم اجتماعات أُعدت بعناية لممثلين عن الأسرة السعودية الحاكمة مع الصحفيين الأمريكيين، فضلاً عن المقابلات والخطابات العامة. وبالإضافة إلى حملات علاقات عامةبأهداف معينة، احتاجت السعودية للعمل بنشاط مع أعضاء الكونجرس وقادة الأحزاب. ولجذب ”الحلفاء“ من الحزب الديمقراطي كان لابد من الاستعانة بشركة «باتون بوجز».

لقد استمرت في العمل داخل المملكة العربية السعودية على مدى السنوات العشر الماضية، تتلقى بانتظام من الحكام السعوديين عشرات الملايين من الدولارات. وعلى الجانب الجمهوري؛ فإن مصالح الرياض في واشنطن مثلتها مجموعة «وفلر» بقيادة «توماس وفلر» العضو الجمهوري السابق لمجلس النواب عن ولاية تكساس وأحد أقرب المقربين من «جون ماكين». «وفلر» حصل في خلال بضع سنوات فقط على أكثر 10.3 مليون دولار لتوفير خدمات الضغط للنظام الملكي العربي. وفي المجموع؛ فإنه بناءً على استنتاج «ميتشل بارد» - متخصص في دراسة جماعات الضغط العربية - أبقت السعودية على مدى السنوات العشر الماضية بخدمات أكثر من عشرين شركة ضغط أمريكية واستشاريين وشركات قانون مُنفقة مئات الملايين من الدولارات.

وبالإضافة إلى الدفعات المباشرة؛ فقد وفر السعوديون بانتظام إمدادات منتظمة من النفط بخصومات كبيرة. وعلى وجه الخصوص؛ فإن الشركات الأمريكية التي باعت لها «آرامكو» السعودية النفط بسعر مخفض، كانت أكثر استعدادًا لتقديم الدعم المالي لأولائك الذين هم داخل الكونجرس والذين كانوا أعضاءً في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب ولجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية، والذين في أنشطتهم فوائد جمّة للمملكة العربية السعودية. ويعتقد المحللون أن المعاملة التفضيلية من شركة «آرامكو» تحصل عليها تحديدًا الشركات النفطية التي هي أكثر نشاطًا في دعم أعضاء هذه اللجان.

وفي هذه الحالة؛ لا يبدو هذا الدعم المالي كبيرًا من حيث القيمة المطلقة، وتمّ توزيع معظم الأموال من خلال تمويل ما يُسمى لجان العمل السياسي؛ وهي الهياكل التي تسمح لكل من الأفراد والكيانات القانونية بانفاق المال على الضغط أو مختلف الأهداف السياسية.

«بندر بن سلطان»

وينبغي أن يقال أن أول بادرة للهجوم على واشنطن كان الأمير السعودي سيئ السمعة «بندر بن سلطان»، والذي أشار في مؤتمر صحفي إلى أن الانعطاف السعودي بعيدًا عن الولايات المتحدة سيكون «كبيرًا جدًا»؛ لأن الرياض لم تعد تريد أن تجد نفسها في موقف الخاضع للأهواء الأمريكية.

وفيما يتعلق بتطور ”الوضع الجديد“؛ أكد الأمير السعودي أن الدبلوماسيين السعوديين سوف يتلقون أمرًا بالحد من اتصالاتهم بشكل كبير مع نظرائهم الأمريكيين، والوصول بها إلى أدنى حد ممكن.

علاوة على ذلك؛ ستبدأ المملكة العربية السعودية في البحث عن بدائل للولايات المتحدة باعتبارها الشريك الرئيسي في صناعة النفط والمورد الرئيسي للأسلحة لجيشها. عندما وصل الأمير «فهد» إلى العرش في عام 1982م عيّن الأمر «بندر بن سلطان» سفيرا للمملكة لدى واشنطن. وخدم في هذا المنصب لمدة ما يقرب من 22 عامًا، وأصبح رجله ليس فقط في أعلى دوائر النخبة الأمريكية، ولكنه أيضًا صنع صداقات مع عائلة الرئيس «بوش»؛ وخصوصًا بوش الابن.

وفي الوقت الذي وصف فيه بعض الصحفيين «بندر» بأن الابتسامة اللطيفة لا تُفارق مُحيّاه، ونظرة الإرضاء ترسم ملامح عينيه، كانت المساعدات الإنسانية تتدفق بسخاء، وتُقدّم ببساطة إلى «الأمريكيين أصحاب النفوذ» مبالغ ضخمة من المال والهدايا الفخمة في صورة ألماس. وكما ذكر شهود عيان أن السفير السعودي كان له رجل خاص في «الوزارات الأمريكية الهامة والمؤسسات الرسمية؛ حيث كان يتمتع بحرية الوصول خلافًا لغيره من الأجانب».

وفي واشنطن ما زال الكثير يتذكر العديد من حفلات الاستقبال الأنيقة التي كان «بندر» يقوم بها في أي مناسبة. وبطبيعة الحال؛ كانت النخبة الأمريكية برمتها تحضر تلك الحفلات، ويتعامل «بندر» بهدوء مع نظرائه في ترتيب الشئون التي يحتاجها.

ومن الأمور الجديرة بالاهتمام الصداقة النزيهة لبندر مع عائلة بوش؛ وخصوصا مع بوش الابن، والتي لُقب بسببها ببندر بوش. وكان والديّ الرئيس الأمريكي - جورج وباربرا – بالنسبة لزوجة بندر هيفاء «تمامًا كالأب والأم». لقد اعتادت الأميرة إذا احتاجت شيئًا أن تطلبه على الفور من «والديها الأمريكيين». وبالمناسبة؛ فإن «باربرا بوش» لم تسمح لكائن مَن كان أن يدخن السيجار في منزلها باستثناء ابنها «جورج» و«بندر».

وبصفته رئيسًا سابقًا لوكالة الاستخبارات المركزية، فإن «بوش» الأب ثمّن في «بندر» حبه للعمليات السرية والتوليفات المختلفة في الأسلوب الشرقي. ومن الواضح تمامًا أن السعودية تدفع بسخاء أصدقائها الأمريكيين لمثل هذه ”المشاعر الودية“. على سبيل المثال؛ قال إنه تبرع رسميًا إلى مكتبة «جورج بوش» الأب وحدها بعدة ملايين من الدولارات.

وكما نشر بعض الصحفيين الأمريكيين أرقامهم؛ فإن السفير السعودي سلّم لعائلة «بوش» الابن وحدها عشرات الملايين من الدولارات تحت مسميات مختلفة. ويشير هذا المثال - بلا مواربة - أنه في المستقبل ومن خلال التبرع بسخاء لحملة رئيس جمهوري، فإن أميرًا سعوديًا جديدًا سيحاول مرة أخرى وضع الولايات المتحدة العظمى في جيبه. وهذا هو النهج - من وجهة نظر الصحافة العربية - الذي يمكن أن يكون حبل النجاة للنظام السعودي الحالي وإطالة أمد وجوده.

 

المصدر | فيكتور ميخن، نيو إيسترن أوتلوك

  كلمات مفتاحية

السعودية النفط الصخري الولايات المتحدة جورج بوش بندر بن سلطان العلاقات السعودية الأمريكية

السعودية تشعل الحرب ضد النفط الصخري بـ«خفض الأسعار» بعد رفضها حفض الإنتاج

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط السعودي على مشروعات النفط الصخري فى أمريكا؟

إقالة بندر في سياق الصراع على الملف السوري والخلافة

«مجتهد»: تكتم شديد علي وضع الملك .. ولم يدخل عليه سوي «سلمان» و«مقرن» لدقائق معدودة

برلماني إيراني: وفاة «الملك عبدالله» لن تحل خلافات السعودية مع إيران

«مجتهد»: تشكيل «خلية أزمة» بالسعودية تمهيدا لما بعد «الملك عبدالله»

الجيش الأمريكي يطلق مسابقة بحثية لتكريم «الملك عبد الله»